مكتشفات: توثيق محاولات هجرة يهود النمسا بعد الاحتلال النازي

تم الكشف بشكل حصريّ عن الوثائق الخفيّة ليهود فيينا خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك في إطار التعاون بين شركة MyHeritage والأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي في المكتبة الوطنية. تشمل المجموعة 228,250 سجّلًا وصورة ممسوحة ضوئية للوثائق الأصلية التي قدّمها مهاجرون يهود من فيينا في الفترة ما بين الحربين العالميتين. تكشف هذه الوثائق، المتاحة على موقع المكتبة، عن معلومات استثنائية بخصوص حياة الجالية اليهودية المزدهرة في فيينا، عاصمة النمسا، بين 1938-1939.

هجرة جماعية ليهود فيينا، تشرين الأول 1941 (تصوير: موقع بلدية فيينا)، على خلفية وثائق الهجرة المحفوظة في الأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي في المكتبة الوطنية

مكتشفات: توثيق محاولات هجرة يهود النمسا بعد الاحتلال النازي

في 12 آذار 1938، غزت ألمانيا النازية النمسا، وقد سميت هذه العملية بالألمانية “أنشلوس”- أي الضم.

لم يكن احتلال النمسا احتلالًا عاديًا، وعندما حقق هتلر النصر في فيينا بعد ثلاثة أيام، نزل مئات آلاف النمساويين إلى شوارع فيينا للاحتفاء به. وفقًا للشهادات المختلفة، لم تبقّ في النمسا وردة واحدة لم تُقطف في هذه المناسبة.

الحشود النمساوية في هيلدنلاتز تستقبل هتلر. المصدر: الأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي
الحشود النمساوية في هيلدنلاتز تستقبل هتلر. المصدر: الأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي
بالنسبة ليهود النمسا، وتحديدًا لربع مليون يهودي في النمسا، لم تكن تلك مناسبة احتفالية. فور انتهاء عملية أنشلوس، بدأ التنكيل بقادة الجالية والحاخامات، وتم توقيف العديدين منهم وإرسالهم إلى معسكريْ داخاو ويوخنفالد. وفي نفس الوقت، أغلق النازيون مكاتب الجالية في فيينا.

الحشود النمساوية تؤدي التحية النازية لهتلر في جادة RING. المصدر: الأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي
الحشود النمساوية تؤدي التحية النازية لهتلر في جادة RING. المصدر: الأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي

أعيد افتتاح مقر الجالية بعد شهرين، وأقيم فيها قسم جديد: “قسم الرفاه للجالية اليهودية في فيينا- قسم الهجرة”. أي يهودي أراد الهجرة من فيينا- وجميعهم تقريبًا أرادوا ذلك، المتدينون والمنصهرون على حد سواء- كان ملزمًا بتعبئة استمارات، بنسختين، وتقديمها للقسم.

يشكّل أرشيف الجالية اليهودية في فيينا أحد أكبر وأهم الأرشيفات في الأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي. أُرْسِلت مجموعة الوثائق، التي تعود إلى مطلع القرن الـ 17، من الفترة التي سبقت طرد اليهود من فيينا، إلى مدينة القدس من قبل الجالية في فيينا بعد المحرقة النازية. استمارات مكتب الهجرة مشمولة في هذا الأرشيف المهم.

تشمل الاستمارات الاسم الشخصي واسم العائلة لمقدم الطلب، العنوان الكامل، تاريخ الميلاد، مكان الولادة، الحالة الاجتماعية (متزوج، أعزب وما إلى ذلك)، الجنسية، منذ متى يسكن مقدم الطلب في فيينا وهل سكن قبل ذلك في مكان آخر، مهنته، تاريخه التشغيلي، اللغات التي يجيدها، الوضع الاقتصادي والدخل الشهري ومعلومات بخصوص وجهة الهجرة المطلوبة.

المعلومات بخصوص الهجرة تطرقت إلى احتمال الحصول على المستندات المطلوبة للهجرة، وجهة الهجرة، أقرباء وأصدقاء خارج البلاد، خاصة في وجهة الهجرة المطلوبة (الاسم، العنوان ودرجة القرابة) ومعلومات بخصوص جواز السفر وتأشيرات الهجرة.

لا تشمل الاستمارات معلومات حول مقدم الطلب فحسب، إنّما أيضًا حول أفراد عائلته، خاصة الزوجة والأبناء- وفي كثير من الأحيان الوالدين أو والديْ الزوج/ة.

قدّمت الاستمارات بنسختين، وأضيفت إليها لاحقًا مستندات أخرى وثّقت سيرورة محاولات الهجرة. أعطي لكل استمارة رقم تسلسلي (عددي). تم لاحقًا الفصل بين النسختين في قسم الهجرة. حافظت إحدى النسختين على مبناها العددي، وفي النسخة الثانية (غير الكاملة)، أدرجت الاستمارات بترتيب أبجدي حسب اسم العائلة (بالألمانية). أدار قسم الهجرة أيضًا ثلاث بطاقات مفهرسة لتوثيق الاستمارات، بطاقة أبجدية، الثانية عددية والثالثة تُعنى بمهنة مقدم الطلب، وهو عنصر مهم جدًا في طلب الهجرة. ففي تلك الفترة، أي بين 1938-1940، قام قسم الأبحاث الخاص بالجالية ومنظمات الدعم اليهودية العالمية، مثل جمعية مساعدة المهاجرين العبرانيين، بإعداد تقارير تستند إلى الإحصائيات المهمة المسجلة في الاستمارات، وذلك لتنجيع عملية الهجرة من فيينا.

ولكنّ الجالية لم تكن تنشط في الخواء خلال تلك السنين، وأشرف الغيستابو، برئاسة أدولف آيخمان، على نشاطها بشكل كامل. في المرحلة الأولى، كانت لدى اليهود والنازيين مصلحة مشتركة، لأنّ آيخمان كُلّف بمهمّة إفراغ مدينة فيينا من اليهود بواسطة الهجرة. في مراحل لاحقة، مُنعت الهجرة، ونجح الغيستابو في استغلال المعلومات المتوفرة لتنجيع عملية إفراغ فيينا من اليهود بواسطة الاصطلاح المُجَمّل “الهجرة إلى الشرق”، أيّ إلى معسكرات التركيز والإبادة.

وصل أرشيف قسم الهجرة إلى القدس مع سائر محتويات أرشيف الجالية، وقد بقيت الاستمارات مرتّبة في مجموعتين: أبجدية وعددية. حُفظت المجموعتان على مدار عقود بمبنيهما الأصليين، على شكل سلسلة استمارات مجلّدة معًا، حيث كان الاستمارات العددية مرقمة (من 1-400، 401-800 وهكذا دواليك) والأبجدية مرتّبة إسميًا (بلوم-بلومفيلد، بلومفيلد- بلومشطاين وهكذا دواليك). ولذلك، لم يكن بالإمكان التحقق مما إذا شملت المجموعة الأبجدية استمارة شخص معين بدون الحضور شخصيًا إلى الأرشيف وفحص مجلّد الاستمارات. المجموعة العددية كانت مغلقة تمامًا، لأنّه تعذّر تخمين الرقم التسلسلي لكل طلب.

للحصول على أكبر قدر من المعلومات من هذه الوثائق المهمة، نشأ تعاون بين الأرشيف المركزي لتاريخ الشعب اليهودي، المكتبة الوطنية وشركة MyHeritage. باعتبارها شركة تجارية رائدة في مجال علم الأنساب، أدركت Myheritage أهمية وقيمة هذه الاستمارات. فبالإضافة إلى التوثيق الكامل والمفصل ليهود فيينا، وهي إحدى أكبر الجاليات اليهودية في العالم عشية المحرقة النازية، تشمل المجموعة معلومات حول أقرباء يعيشون في قارة أخرى، وهذه معلومات نادرة يصعب إيجادها في قواعد البيانات المستخدمة في الأبحاث في علم الأنساب.

في إطار المشروع، قام طاقم الأرشيف المركزي بتفكيك المجلّد لاستمارات منفصلة، وتم إرسالها إلى مركز التحويل الرقمي المتقدم في المكتبة الوطنية بهدف رقمنتها. تم ربط الوثائق الممسوحة ضوئيًا بوثائق خفية في كتالوج الأرشيف، والتي لم تكن تشمل أية معلومات في تلك المرحلة، وتم إرسال نسخة رقمية تشمل مئات آلاف الأوراق الممسوحة ضوئيًا إلى شركة MyHeritage التي كلّفت طاقمًا دوليًا كبيرًا ببناء دليل مفصّل لأهم المعلومات الواردة في الاستمارات. نتج عن ذك ملف إكسل ضخم، مكوّن من أكثر من ثلاثمئة ألف سطر، ويمتد عبر 129 عمودًا، وقد تم إرساله للأرشيف وفي الوقت نفسه، تمت معالجته وتحميله على نظم MyHeritage.

قام طاقم الأرشيف بمعالجة ملايين البيانات ضمن سجّلات مفهرسة ملاءمة لمبنى المعلومات المتبع في الأرشيف. استثمرت جهود حثيثة في توحيد المصطلحات المختلفة ومئات الصِيغ المختلفة لتوثيق الحالة الاجتماعية أو نوع القرابة بين أفراد العائلة وأقربائهم خارج البلاد. كان علينا أيضًا تصحيح عدد كبير من الأخطاء، جزء كبير منها أخطاء كتبت في الوثائق الأصلية. جميعنا يخطئ عند تعبئة استمارات طويلة كهذه، فقد نسجل تاريخ ميلادنا في خانة العنوان الحالي، نستبدل تاريخ ميلادنا بتاريخ تعبئة الاستمارة، أو نخطئ في تسجيل القرن الذي ولدنا فيه، فعلى سبيل المثال، سجّل بعض الأشخاص في عام 1938 أنّهم ولدوا في عام 1988، بينما كانوا يقصدون 1888.  من الطبيعي أن نجد مثل هذه الأخطاء لدى أشخاص مروا بمثل هذه الظروف العصيبة، كم بالحري إن كانوا مهاجرين من مناطق إمبراطورية هابسبورغ سابقًا- غليتسيا، بوهيميا، مورافيا، بوكوفينا وهنغاريا، ولم يكن العديد منهم يجيد اللغة الألمانية بالقدر الكافي. استثمرت، وما زالت تستثمر جهود حثيثة في توحيد ومعايرة أسماء الأماكن حيث ولد مقدمو الطلبات، وأسماء الأماكن التي سكنها أقرباؤهم. كشفت الوثائق عن أمور مثيرة للاهتمام، مثل شكل جغرافيا الولايات المتحدة في مخيلة يهودي غليتسيّ في فيينا، وكيفية كتابة اسم مدينة نيويورك وأحيائها في طلبات الهجرة.

بعد تنقيح المعلومات، نتجت عن هذه التفاصيل المجزّأة معلومات متجانسة، وفقًا لصيغ محوسبة بالمبنى والترتيب التاليين: مقدم الطلب: اسم العائلة، الاسم الشخصي، تاريخ الميلاد (اليوم/الشهر/السنة) في – (الموقع الجغرافي)، والحالة الاجتماعية. بُنيت صيغ أخرى لأفراد العائلة المرافقين لمقدم الطلب، وللأقرباء خارج البلاد.

في بعض الحالات، كانت الاستمارة الأصلية منقوصة، ووضعت بدلا منها بطاقة كُتب عليها أنّ الاستمارة استخرجت في حينه لأغراض مكتبية، ولم تُعَد. حيثما شملت هذه البطاقات معلومات مهمة، مثل اسم مقدم الطلب والرقم التسلسلي للاستمارة، احتفظنا بالمعلومات كدلالة على وجود استمارة في السابق، ولكنها غير متاحة لنا في الوقت الحالي.

تم تحميل المعلومات المفهرسة على الوثائق الخفية واردة الذكر، وأتيحت للجمهور، بالإضافة إلى الوثائق الممسوحة ضوئيًا.

 

المجموعة متاحة على موقع المكتبة والأرشيف، وهي أيضًا متاحة لمستخدمي MyHeritage، حيث قورنت المعلومات مع قواعد بيانات أخرى موجودة على موقعهم، مما يتيح المجال للحصول على معلومات مكملة حول الأشخاص من مصادر أخرى.

في الأسابيع التي تلت إتاحة المجموعة للجمهور، انكشف العديدون على قصتهم العائلية وعرفوا تفاصيل كانوا يجهلونها. إذا كانت عائلاتكم متواجدة في فيينا عشية الحرب العالمية الثانية، هناك احتمال بأن يكنَّ قد ملأنَ مثل هذه الاستمارات، والتي يمكن إيجادها على موقع المكتبة الوطنية أو عبر هذا الرابط .

اقرأ/ي أيضًا:حينما غُفِر لبريطانيا استعمارها: وجهاء عرب يدعون للتطوّع في الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية

إذا واجهتكم أية صعوبات، يمكنكم التوجه إلينا على عنوان البريد الإلكتروني – [email protected]

استمارة قسم الهجرة في قسم الرفاه الخاص بالجالية اليهودية في فيينا والتي ملأها زيغموند [شيغو] فيرطهايمر في 11 آب 1938. كان فيرطهايمر مدرب سباحة حظيِ بالتقدير المهني بفضل تدريبه للنساء. كان متزوجًا من السبّاحة هيدي [هيدفيغ] بينفيلد، والتي تفوقت في سباحة الصدر والظهر، واكتسبت شهرة جماهيرية في عام 1924 حين فازت بالمرتبة الأولى في مسابقة السباحة "عابر فيينا".
استمارة قسم الهجرة في قسم الرفاه الخاص بالجالية اليهودية في فيينا والتي ملأها زيغموند [شيغو] فيرطهايمر في 11 آب 1938. كان فيرطهايمر مدرب سباحة حظيِ بالتقدير المهني بفضل تدريبه للنساء. كان متزوجًا من السبّاحة هيدي [هيدفيغ] بينفيلد، والتي تفوقت في سباحة الصدر والظهر، واكتسبت شهرة جماهيرية في عام 1924 حين فازت بالمرتبة الأولى في مسابقة السباحة “عابر فيينا”.

إنّه مرجع فريد من نوعه، ولا تقتصر أهميته على القصة الشخصية والعائلية. فهو لا يكشف عن تلك الفترة المروعة فحسب، إنما أيضًا عن الحياة اليهودية المليئة بالنشاط في فيينا بين الحربين العالميتين، عشية الأنشلوس.  نجد فيه عناوين دقيقة لمساكن عدد كبير من اليهود، من بينهم أدباء، مؤلفين مسرحيين، موسيقيين، قادة روحانيين في الحركة الحسيدية ووجهاء. فضّل آخرون الاستعانة بالمجموعة لإيجاد الشوارع والأحياء التي سكنها اليهود في فيينا، أو لإيجاد الأماكن التي هاجر منها اليهود إلى فيينا. في نهاية المجموعة، يمكن أيضًا إيجاد المهن التي زاولها يهود فيينا وعن المزيج اللغوي الذي تحدثوا به.

ولكن الأهم من كل ذلك هو أنّ هذه المجموعة تسرد قصة يهود فيينا، الذين وجدوا أنفسهم ذات صباح تحت وطأة الحكم النازي. المحاولات اليائسة لتأمين الفدية التي طلب من اليهود دفعها للمغادرة، إلى جانب الجحيم البيروقراطي الذي مروا به للتصديق على جوازات السفر، الحصول على تأشيرة لوجهة الهجرة ومن ثم المصادقة على “النقل” إلى دولة مؤقتة.

في كتاب “ترانزيت” لآنا زغرس، وهي لاجئة يهودية حاولت الخروج من أوروبا، اقتبست طرفة سردها اللاجئون الذين حاولوا الهجرة عبر ميناء مرسيليا، في فرنسا الفيشية:
صعد شخص إلى السماء ووصل إلى غرفة انتظار فيها بابان، أحدهما مؤد إلى الجنة والثاني إلى الجحيم. أخذ يتنقل على مدار نصف ساعة من موظف لآخر للحصول على عدد لا متناه من الاستمارات والتواقيع. في مرحلة ما، توجه إلى الموظف المسؤول، وقال له إنّه سئم الانتظار. إنّه مستغنٍ عن فرصة الذهاب إلى الجنة، وإنّه يفضل أن يرسلوه إلى الجحيم. يؤسفني أن أصحح معلوماتك، قال له الموظف، فأنت الآن في الجحيم.

 

جوني كاشي من كفر كنّا إلى طبريّا: قرى ومدن الجليل في الكانتري الأمريكي

من بين عشرات الأغاني والتّرنيمات عن عرس قانا ومعجزات الجليل في الإنجيل، إليكم قصّة أغنية راقصة من دقيقة ونصف، ألّفها المغنّي الأمريكي جوني كاش أثناء حجيجه في ستّينيّات القرن الماضي.

من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة

من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة

كفر كنّا أو قانا الجليل، إحدى محطّات الحجّ المسيحي في البلاد منذ بداياته وإلى اليوم، حيث يُعتقد أنّ السيّد المسيح أدّى أولى معجزاته أمام تلاميذه في حفل زفاف فرغ فيه الخمر ولم يجد أصحابه ما يقدّمون للضّيوف. أمر عندها يسوع، كما يخبرنا الإصحاح الثّاني من إنجيل يوحنا، بملء البراميل الفارغة بالمياه وحوّلها إلى خمر جيّد.

"نافورة قانا الجليل" رسم من منتصف القرن التّاسع عشر، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.
“نافورة قانا الجليل” رسم من منتصف القرن التّاسع عشر، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

 

في ستّينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، زار المغنّي الأمريكيّ الشهير جوني كاش البلاد خمس مرّات وذلك خلال رحلة كافح فيها إدمانه الكحول والمخدّرات وخطر تدهور مسيرته المهنيّة وحياته بأكملها. عُرف بموسيقاه المبتكرة، سهلة الإيقاع والحماسيّة، والأغاني ذات الكلمات البسيطة والمباشرة. وخلال زيارته الأولى لكفر كنّا أو قانا، اختبر ما وصفه بإحدى أكثر اللحظات إلهامًا في حياته. وفي طريقه من كفر كنّا إلى طبريّا، كتب كاش ولحّن أغنية He Turned the Water into Wine برفقة زوجته جون ضمن ألبومه الدّيني “الأرض المقدّسة” The Holy Land ، وأدّاها في محافل عدّة، ومن ضمنها حفله الشّهير في سجن سان كوانتين في ولاية كاليفورنيا عام 1969.

تحدّثنا أغنيّة “لقد حوّل الماء إلى نبيذ” عن عرس قانا وعن معجزات أخرى يشير الإنجيل إلى حدوثها في الجليل. ومن الملفت أنّ كاش اصطحب في رحلته هذه جهاز للتّسجيل وقام بتسجيل أغانيه كاملة في المواقع الّتي زارها، وممّا زاد أغنيته عن عرس قانا تميّزًا هو أنّه لم يغيّر بها أسلوبه الّذي اشتهر به، الرّيفي (كانتري) والمعتمد على نغمة واحدة متكرّرة وسريعة، إلى ترنيمات مسيحيّة بطيئة وروحانيّة، بل احتفظ بنفس الأسلوب في أدائه للأغنية في حفل سجن كاليفورنيا الّذي حقّق أفضل المبيعات في مسيرته.

الأغنية وكلماتها:

لقد حوّل الماء إلى نبيذ

لقد حوّل الماء إلى نبيذ

في بلدة قانا الصّغيرة

سارت كلمته في أرجاء المكان

وحوّل الماء إلى نبيذ

 

لقد سار فوق بحر الجليل

بصرخة بعيدة واسعة

هدّأ المدّ الهائج

وسار فوق بحر الجليل

 

لقد حوّل الماء إلى نبيذ

في بلدة قانا الصّغيرة

سارت كلمته في أرجاء المكان

وحوّل الماء إلى نبيذ

 

لقد أطعم الجياع الكثر

بقليل من السّمك والخبز

قال شبعَ الجميع

 

وحوّل الماء إلى نبيذ

حوّل الماء إلى نبيذ

في بلدة قانا الصّغيرة

سارت كلمته في أرجاء المكان

وحوّل الماء إلى نبيذ

 

 

للإستماع للألبوم كاملًا (1969):

 

 

من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة
من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة

لصور جوني كاش في المكتبة الوطنية

هاتوا هالحنا هاتوا…صور طقوس العرس الفلسطيني

مقالنا هذا يستعرض أهم الصور الموجودة لدينا حول طقوس العرس الفلسطيني؛ منذ الفترة العثمانية حتى يومنا هذا لعدد من الطوائف والبلدات في البلاد.

التوجه إلى بيت العروس في حفل الحناء، عرابة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

التوجه إلى بيت العروس في حفل الحناء، عرابة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

يعتبر حفل الزفاف أكثر طقوس المناسبات الاجتماعية العربية التي يبذل أصحابها فيها جهدًا ومالًا؛ حيث تعتبر إعلانًا لبدء مرحلة جديدة وهامة في حياة العريس والعروس. في العادة، يظهر الناس في حفلات زفافهم جانبًا من هويتهم وانتماءاتهم التي عادة ما تكون متوارثة من البيئة المحيطة، بغض النظر عن الاختلاف الحالي في أشكال حفلات الزفاف التي قد تأخذ طابعًا غربيًّا مثل الرقصة الأولى، أو اختلاف لباس العروسين وأهلهم، إلا أنّه ما زالت بعض القرى والبلدات والمدن تحافظ على الفولكلور في الأعراس. وقد تميّز العرس الفلسطيني بأنّه كما المهرجانات الشعبية؛ إذ تُسمَع فيه كل أشكال الأغاني وتُقدّم كل الرقصات الشعبية المشهورة من دبكة وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، احتوت الأغنية الفلسطينية في الأعراس على جزء من الهوية الفلسطينية التي تشكّلت سياسيًّا واجتماعيًّا في الثورات ضد الانتداب البريطاني باختلاف الطائفة الدينية.

تشكّل الأغنية الفلسطينية في الأعراس حلقة وصل بين ماضي الأجداد وحاضر الأحفاد؛ إذ تنتقل الأغنية بمكوّناتها الموسيقية الشعبوية وفي سياقاتها التاريخية، الاجتماعية والسياسية من جيل إلى الآخر دون أن تتشوّه المعاني أو تُنتَج تفسيرات جديدة، فتبقى الميجانا والعتابا محافظة على رونقها في رقصات الدبكة، وينتقل بيننا ظريف الطول والدلعونا كإرث لا يندثر. ولقد تحدّث العديد من المؤرخين وعلماء الاجتماع عن تقاليد العرس الفلسطيني في بعض القرى، فعلى سبيل المثال: كتب المؤرّخ الألمانيّ جوستاف روشتاين مقالًا بعنوان “عادات العرس الإسلامي في قرية لفتا قرب القدس” ووضّح أن الحفلات كانت تستمر لياليها لأكثر من أسبوع يكون حافلًا بالرقص، الغناء والطعام المميّز وقد بيّن كذلك العادات الخاصّة بالأعراس كرسم الحنّاء للعريس والعروس والأزياء التقليدية. ومن أكثر الطقوس انتظارًا هي حفل الحناء للعريس والعروس والذي يكون في آخر ليالي التعاليل وقبل حفل الزفاف بيوم، وطقس الفاردة الذي يتمثل بانطلاق العريس وأهله إلى بيت العروس.

في هذا المقال، سنعرض لكم صورًا من أراشيف المكتبة الوطنية لطقوس الأعراس الفلسطينية في مناطق متفرقة من البلاد في فترة تاريخية مختلفة، تاركين للصورة مهمة الكلام والتوضيح.

زفة عريس (فلسطين العثمانية)، الصورة من أرشيف الأميركان كولوني، مجموعة بيتمونا، ضمن مجموعات صور المكتبة
زفة عريس (فلسطين العثمانية)، الصورة من أرشيف الأميركان كولوني، مجموعة بيتمونا، ضمن مجموعات صور المكتبة

 

حفل زفاف في قرية المجيدل المدمرة، 1945، مجموعة بيتمونا، المكتبة الوطنية.
حفل زفاف في قرية المجيدل المدمرة، 1945، مجموعة بيتمونا، المكتبة الوطنية.

ويظهر في الصورة شاب يعزف على اليرغول في حفل التعاليل للرجال برفقة مناحم تسنتنر، مؤسس كيبوتس “سريد” بالقرب من مدينة الناصرة.

حفل زفاف في قرية سولم، 1962، أرشيف بوريس كرمي، المكتبة الوطنية.
حفل زفاف في قرية سولم، 1962، أرشيف بوريس كرمي، المكتبة الوطنية.

وعلى ما يبدو أنّ عروسه في الصورة التالية…

حفل زفاف في قرية سولم، 1962، أرشيف بوريس كرمي، المكتبة الوطنية
حفل زفاف في قرية سولم، 1962، أرشيف بوريس كرمي، المكتبة الوطنية.

ويظهر لنا في الملصق التالي، دعوة حفل الزفاف لأحد أبناء الطائفة الدرزية في عسفيا، ويظهر مصطلح “تأهيل” الذي يشير إلى الزواج.

دعوة حفل زفاف لشاب من عسفيا، 1979، مجموعة الأفميرا، المكتبة الوطنية.
دعوة حفل زفاف لشاب من عسفيا، 1979، مجموعة الأفميرا، المكتبة الوطنية.

تحتوي الصور التالية على تسلسل طقوس الأعراس من التعاليل حتى حفل الزفاف…

 

 

حفل العويدة للرجال "السحجة والدحية"، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حفل العويدة للرجال “السحجة والدحية”، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

حفل الرجال ورقص الدبكة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حفل الرجال ورقص الدبكة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.

 

حفل حناء العريس (آخر ليالي التعاليل)، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.
حفل حناء العريس (آخر ليالي التعاليل)، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.

 

حناء العريس في قلنسوة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حناء العريس في قلنسوة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

تحضيرات وليمة الغداء، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
تحضيرات وليمة الغداء، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

تحضير الكبة النيّة كأحد أطباق وليمة الأعراس، عرابة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
تحضير الكبة النيّة كأحد أطباق وليمة الأعراس، عرابة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

 تحضير "لبن إمه" كأحد أطباق وليمة الأعراس الرئيسية، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
تحضير “لبن إمه” كأحد أطباق وليمة الأعراس الرئيسية، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

حلاقة العريس في قلنسوة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حلاقة العريس في قلنسوة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

حفل الزفاف والدبكة، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.
حفل الزفاف والدبكة، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.

 

الاستعداد للانطلاق إلى بيت العروس، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
الاستعداد للانطلاق إلى بيت العروس، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

الفاردة وزفة العريس على الخيل، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
الفاردة وزفة العريس على الخيل، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

الفاردة وزفة العريس، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
الفاردة وزفة العريس، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

ويعد طقس “لصق العجين” من أكثر الطقوس التي ينتظرها المدعوييّن وذلك للتأكيد على “التصاق” العروس ببيتها والإشارة إلى أبدية الحياة الزوجية السعيدة، كما الصور أدناه.

لصق العجين، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.
لصق العجين، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.

 

لصق العجين، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.
لصق العجين، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.


في الصور التالية، تجدون صورًا لحفلات زفاف لدى الطائفة السامرية في جبل جرزيم في
مدينة نابلس، الشركس في قرية كفر كما، الأقلية الأرمنية في القدس…

 

حفل زفاف للطائفة السامرية في جبل جرزيم (الرقص بملابس العريس)، 2018، أرشيف دانتشو أرنون
حفل زفاف للطائفة السامرية في جبل جرزيم (الرقص بملابس العريس)، 2018، أرشيف دانتشو أرنون

 

حفل زفاف للطائفة السامرية في جبل جرزيم، 2018، أرشيف دانتشو أرنون
حفل زفاف للطائفة السامرية في جبل جرزيم، 2018، أرشيف دانتشو أرنون

 

حفل زفاف شركسي في قرية كفر كما، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حفل زفاف شركسي في قرية كفر كما، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

طقس الإكليل لحفل زفاف أرمني في الكنيسة، 2010، أرشيف دانتشو أرنون
طقس الإكليل لحفل زفاف أرمني في الكنيسة، 2010، أرشيف دانتشو أرنون

 للاطلاع على كامل الصور في أرشيف دانتشو أرنون

ربما قد تختلف حضارات وثقافات البلاد بطقوس حفلات الزفاف من تحضيرات، زفة، حفل حناء وليلة العرس، إلا أنّ الصورة تخبرنا وتؤكد لنا أن الفرحة واحدة. للمزيد من صور حفلات الزفاف في أراشيف المكتبة الوطنية

الحياة والأزياء التقليدية في مسيرة خليل رعد

يعتبر المصور خليل رعد حالة نادرة نشأت في نهاية القرن التاسع عشر، وتركت بصمة في توثيق كل ما هو عربي وغير عربي بأسلوب مختلف ومميز. للمزيد، في صور المقالة.

صورة بالزي الفلاحي في ستديو رعد، 1910 من كتاب "لقطات مغايرة" للباحث عصام نصّار

صورة بالزي الفلاحي في ستديو رعد، 1910 من كتاب "لقطات مغايرة" للباحث عصام نصّار

إذا كانت الآداب والفنون مرآة الشعوب السياسية والاجتماعية والثقافية، فإن الأزياء والألبسة جزءًا لا يتجزأ من مجتمع وثقافة أي شعب في أي بقعة جغرافية حول العالم، سواء على المستوى المادي لقيمة وشكل الأزياء أو على المستوى الرمزي الذي يعبّر عن حال الشعب بمجتمعاته الصغرى في الأطر الدينية والعُرفية والتقليدية وأحياناً السياسية. هذا إلى جانب دراسة الأقمشة ذاتها وأشكالها وألوانها وزخارفها التي لها طابعها الخاص وشروطها الاجتماعية والاقتصادية والدينية وفي بعض الأحيان السياسية. في منتصف القرن الثامن عشر، سعى العديد من الرحالة والباحثين الغربيين لتوثيق ودراسة تفاصيل الألبسة والأزياء العربية والإسلامية للمناطق الخاضعة للإمبراطورية العثمانية في محاولة منهم لفهم التاريخ المجتمعي بكافة أطيافه، وقد تنوّعت سبل بناء هذه الدراسات وتوثيقها بالكتابة، الرسم والألوان وصولًا لعدسات الكاميرات. ولقد كان توّجه العديد من المصوّريين المحليين والأوروبيين هو تصوير المحليين والسياح الأجانب باللباس العربي التقليدي ولكن كلٌّ لغايته وغرضه، ويعتبر المصور اللبناني خليل رعد من المصوريين الذي وثّقوا اللباس التقليدي في صور السياح والمحليين في الستديو الخاص به.


اقرأ
/ي أيضًا: حين تكلمت فلسطين… بعيون أنيس تشارلز حداد


تنوّع إنتاج خليل رعد من صور الحروب حتى صور الأزياء التقليدية

بداية، يعد خليل رعد عميد المصوّرين لأنّه من أوائل المصوّرين العرب في فلسطين العثمانية إن لم يكن هو أولهم، وقد ولد خليل رعد في العام 1869 في لبنان، وانتقلت عائلته إلى مدينة القدس، وتعلّم التصوير على يد المصوّر الأرمني كريكوريان، وافتتح رعد ستوديو خاصًّا به في شارع يافا في العام 1885.

عائلة خليل رعد؛ زوجته آني، ابنه جورج وابنته روت، 1932، من كتاب "خليل رعد" للباحثة رونا سيلع
عائلة خليل رعد؛ زوجته آني، ابنه جورج وابنته روت، 1932، من كتاب “خليل رعد” للباحثة رونا سيلع

 

شاهد/ي أيضًا: صور خليل رعد: مقتطفات من أرشيف رعد الرقمي في المكتبة

انتهج خليل رعد في مهنته كمصوّر العديد من المنهجيات لكسب رزقه والحفاظ على إرثه لاحقًا، إذ عمل كمصوّر للقوات العثمانية خلال حروبها في أواخر القرن التاسع عشر حتى هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وذلك من باب الدعاية والحفاظ على “هيبة” الدولة ورفع معنويات جنودها والتأثير على معنويات الخصم كذلك.


اقرأ
/ي أيضًا: ألبوم نادر: حين وثق مقاتل في الوحدة المدفعية البريطانية انتزاع فلسطين من العثمانيين

اهتم أيضًا بتوثيق المدن في البلاد بمعالمها التاريخية والجغرافية، وحُفظت صور المدن في ألبوم بعنوان “رحلات فلسطينية“، وكذلك قام بتصوير سكان كل مدينة بلباسهم التقليدي لا سيما البدو والفلاحيين منهم، أو حتى أهالي المدن بلباسهم الذي يشبه اللباس الغربي إلى حدّ ما، أو بحرفهم اليدوية كوسيلة لكسب العيش، وكان ذلك على عكس صور الأوروبيين التي كانت تعكس إما فراغ هذه المدن من الناس، أو تخلّف المحليين بتصوير المرضى منهم لا سيما خلال فترات الأوبئة، أو تصوير الفلاحيين والبدو على الحمير والجمال. واعتُبِر تصوير خليل رعد لطبيعة السكان العرب بكافة خلفياتهم الدينية (مسلمين ومسيحيين ويهود)، أو الاختلاف الطبقي والاجتماعي ردًّا – بقصد أو بغير قصد – على أنّ هذه طبيعة المكان الفسيفسائية دون الحكم على اختلافه أو الدعوة إلى “تنوير” الآخر “المختلف”.

عائلة من الناصرة، 1912
عائلة من الناصرة، 1912، عدسة خليل رعد، أرشيف يعقوب فارمان

 

عائلة يهودية، تصوير خليل رعد من كتاب "لقطات مغايرة" لعصام نصّار
عائلة يهودية، تصوير خليل رعد من كتاب “لقطات مغايرة” لعصام نصّار

أمّا للتصوير في الستديو، توّجه رعد لأهالي المدن والناس الميسورة، التي في مقدورها دفع ثمن صورة “نادرة” في ذاك الزمان مع العائلة، إذ بيّن لنا المفكّر إدوارد سعيد في يوميّاته “خارج المكان” أنّ عائلته في مدينة القدس حرصت على دعوة خليل رعد في الأعياد والمناسبات لالتقاط صورة عائلية.

“وكان رعد النحيل الأبيض الشعر يستغرق وقتًا طويلاً جداً في تنظيم المجموعة العائلية الكبيرة، ومعها الضيوف في ترتيب مقبول. وخلال تلك اللحظات التي كان يمطها إلى ما لا نهاية بطريقته النيقة واستهتاره بالذين يصوّرهم، يتكون إجماع على أنّ الصمدة أمام آلة التصوير محنة ضرورية من الضرورات التي تفرضها المناسبات العائلية الرسمية.”

ربما يعود وصف سعيد الطريف عن “طقوس” التقاط الصور لدى رعد لصعوبة تكرار الصورة وضمان جودتها، إذ كان التصوير حينها شمسيًّا، وليس الحال كما اليوم أو حتى ما قبل خمسين عامًّا.

بالإضافة إلى العائلات العربية من الطبقة المتوسطة والغنية، توّجه رعد لجمهور اليهود والأجانب بتقديم إعلانات في الصحف العبرية أو الإنجليزية، كما الإعلان أدناه؛ إذا كان الإعلان يؤكد توّفر “كاتلوج” خاص بالعام 1933، يحتوي على صور الأماكن المقدّسة والإطلالات المميزة بالإضافة إلى صور أفراد باللباس التقليدي لكل من منطقة فلسطين وسورية، وصور تعكس قصص توراتية وإنجيلية.

إعلان من العام 1933 لستديو رعد، من كتاب "خليل رعد" للباحثة رونا سيلع
إعلان من العام 1933 لستديو رعد، من كتاب “خليل رعد” للباحثة رونا سيلع

 

أيقونات إنجيلية وبيزنس المصوّريين

اعتمد المصوّرون الأوروبيون، الأرمنيون، وكذلك العرب على توفير صور تظهر الأحداث التوراتية والإنجيلية الخاصة بالأراضي المقدسة؛ إذ تحوّل الفلاح أو الفلاحة الفلسطينيين إلى “أيقونات” إنجيلية، والتي حرص رعد أن تَظهر في نوعية الصور المأخوذة في الستديو والتي راجت في أواخر القرن التاسع عشر حتى ثلاثينيّات القرن العشرين.

صورة بالزي الفلاحي في ستديو رعد، 1910 من كتاب "لقطات مغايرة" للباحث عصام نصّار
صورة عائلية بالزيّ الفلاحي في ستديو رعد، 1910 من كتاب “لقطات مغايرة” للباحث عصام نصّار

 

واعتبر الباحث عصام نصّار في كتابه “لقطات مغايرة” أّنّ مثل هذه الصور هي بمثابة تحويل الحضور الإنساني الطبيعي إلى أغراض تجارية وذلك باستعراض أحداث من الرواية الإنجيلية أو التوراتية، فيبيّن مثلًا أنّ صورة السيدة التي تحمل طفلًا تشير إلى ولادة السيد المسيح، وصورة المرأة التي تملاً جرّة ماء من البئر أو تحمله تذكر بالمشهد الذي يجمع السيد المسيح بالمرأة السامرية، وصورة النساء الجالسات على مدخل الكهف تستدعي مشهد القيامة. (نصّار، 2005)

شاهد/ي أيضًا: عيد الميلاد: صور، ترانيم، بطاقات تهنئة، واحتفالات في محيط كنيسة المهد

سيدة مع طفلها من بيت لحم، من كتاب "خليل رعد" للباحثة رونا سيلع
سيدة مع طفلها من بيت لحم، من كتاب “خليل رعد” للباحثة رونا سيلع

 

فتاة من الناصرة، من كتاب "خليل رعد" للباحثة رونا سيلع
فتاة من الناصرة، من كتاب “خليل رعد” للباحثة رونا سيلع

واعتُبر مثل هذا النوع في إنتاج التصوير ما هو إلا تقليد أوروبي معتمد على طباعة صور الأماكن والناس مع وصوفات مكتوبة باللغة الإنجليزية للتوجّه لجمهور الأجانب والسياح القادمين لزيارة الأراضي المقدّسة.

 

الشاعر الروسي ألتر ليفين بلباس عربي في ستديو رعد، 1929.
الشاعر الروسي ألتر ليفين بلباس عربي في ستديو رعد، 1929، أرشيف أبراهام شفدرون.

في الواقع، بين التناقض في صور رعد ذات الطابع الأوروبي “الاستعماري” والشيئي، إلا أنّه لم يوثّق الحياة الاجتماعية للفلسطينيين بنظرة أوروبية مستشرقة “إلى حد ما”، على الأقل في ألبومه “رحلات فلسطينية”. مع ذلك، تتداخل المعاني لكل صورة – مهما كانت بسيطة – وتنشأ علاقات جديدة بين الصورة ومشاهدها في كل مرة تنشأ فيها “قراءة” جديدة للصورة في سياقها التاريخي، دون إغفال جماليات الصورة وقت التقاطها.