قصة ميلاد السيد المسيح في الكتاب المقدّس

أخذت الامبراطوريّة البيزنطية ببناء كنائس فاخرة في الأماكن التي شكّلت أهميّة في مسيرة المسيح والّتي استلهمت حكاية المكان في الانجيل لتشكّل تجربة حسّية فريدة لزوّارها.

صورة لمدخل كنيسة المهد في القرن التّاسع عشر، أرشيف ياد يتسحاك بن تسفي.

صورة لمدخل كنيسة المهد في القرن التّاسع عشر، أرشيف ياد يتسحاك بن تسفي.

إلى كنيسة المهد المقدّسة في مدينة بيت لحم تحجّ الطّوائف المسيحيّة لتحتفل بعيد ميلاد السّيد المسيح كلّ عام. وهو تقليد دينيّ نشأ منذ القرن الثّالث بعد الميلاد واستمرّ إلى يومنا هذا، وبرغم عدم وجود فريضة للحجّ إلى المواقع المقدّسة في الدّيانة المسيحيّة إلّا أن المسيحيون شعروا بالرّغبة بزيارة هذه المواقع الّتي تم استكشافها رويدًا رويدًا وربطها بمحطّات رئيسيّة من حياة السّيد المسيح كما وردت في الانجيل

بطاقة تذكاريّة لعام 1880 تظهر اجتماع الحجّاج في ساحة المهد خارج الكنيسة
بطاقة تذكاريّة لعام 1880 تظهر اجتماع الحجّاج في ساحة المهد خارج الكنيسة

فالانجيل اذًا هو المصدر الأول الّذي اعتمدت عليه تكهّنات الحجّاج الأوائل للعثور على الأماكن التي شكّلت أهميّة في مسيرة المسيح، وحين أصبحت الدّيانة المسيحيّة ديانة الامبراطوريّة البيزنطية بشكلٍ رسميّ، أخذت الامبراطوريّة ببناء كنائس فاخرة في كلّ من تلك المواقع، تلك الكنائس الّتي تطوّرت من حيث البنيان والأيقونات والتّصاميم الّتي استلهمت حكاية المكان في الانجيل لتشكّل تجربة حسّية فريدة لزوّارها الحجّاج.

نتناول في هذه المقالة قصّة ميلاد السّيد المسيح كما وردت في إنجيليّ لوقا ومتّا، ثمّ قصّة بناء كنيسة المهد الّتي استندت على هذه النّصوص.

وردت قصّة ولادة السّيد المسيح في إنجيل لوقا وإنجيل متّى، ويمكننا اعتبار القصّتين مكمّلتين لبعضهما البعض، ففي حين يذكر إنجيل متّى ولادة السّيد المسيح بقليلٍ من التّفاصيل لينتقل للحديث عن معجزة ظهور النّجم الّذي دلّ المجوس على ولادة “ملك اليهود”، يوفّر إنجيل لوقا مزيدًا من التّفاصيل حول سياق الحكاية وتفاصيلها. كلتا القصّتين تؤكّدا على أن الولادة وقعت في بيت لحم “مدينة داوود”، فما الّذي دلّ الامبراطور قسطنطين عام 335 على موقع مغارة المهد الّتي أمر ببناء الكنيسة فوقها؟ إليكم القصّتين كما وردتا في العهد الجديد.

من إنجيل متّى

“أمّا ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لمّا كانت مريم أمّه مخطوبة ليوسف، قبل أن يجتمعا، وُجدت حبلى من الرّوح القدس. فيوسف رجلها إذ كان بارًا، ولم يشأ أن يُشهرها، أراد تخليتها سرًا. ولكن فيما هو متفكرٌ في هذه الأمور، إذا ملاك الرّب قد ظهر له في حلم قائلًا: “يا يوسف ابن داوود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الّذي حُبل به فيها هو من الرّوح القُدُس. فستلد إبنا وتدعو اسمه ياسوع. لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم” وهذا كلّه كان لكيّ يتمّ ما قيل من الرّب بالنّبي القائل : “هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا، ويدعون اسمه عمّانوئيل” الّذي تفسيره :الله معنا. فلمّا استيقظ يوسف من النّوم فعل كما أمره ملاك الرّب، وأخذ امرأته. ولم يعرفها حتّى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع. ولمّا ولد يسوع في بيت لحم اليهوديّة، في أيّام هيرودس الملك، اذا مجوس من المشرق قد جاؤوا إلى اورشاليم قائلين :”أين هو المولود ملك اليهود”.

من إنجيل لوقا

“وفي تلك الأيام صدرَ أمرٌ من أغسطس قيصر بأن يُكتتب كلّ المسكونة. وهذا الاكتتاب الأوّل جرى إذ كان كيرينيوس والي سوريّة. فذهب الجميع ليُكتتبوا كلّ واحدٍ إلى مدينته. فصعد يوسف أيضًا من الجليل من مدينة النّاصرة إلى اليهوديّة، إلى مدينة داوود الّتي تُدعى بيت لحم، لكونه من بيت داوود وعشيرته ليُكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حُبلى. وبينما هما هناك تمّت أيّامها لتلد. فولدت ابنها البكر وقمّطته وأضجعته في المذود، إذ لم يكُن لهما موضعٌ في المنزل”

نَعرف إذًا من القصّة كما وردة في انجيل لوقا أنّ ولادة المسيح في بيت لحم كانت لسفرٍ اضطرّ يوسف ومريم للخروج فيه كيّ يلبّوا طلب القيصر بالاحصاء، فكان السّفر من النّاصرة إلى بيت لحم الّتي تعيش بها عشيرة يوسف، كما نعرف أيضًا أن ولادة المسيح لم تكن في بيتًا أو فندقًا مغلقًا، بل وُضع في مذود، وهو المكان الّذي يوضَع فيه علف الدّواب، وقد صنعت منه السّيدة مريم مهد المسيح حين كان رضيعًا، ممّا يفسّر اختيار اسم “كنيسة المهد”. ولكن مع ذلك، ما الّذي دلّ بناة الكنيسة على هذه المغارة تحديدًا، والنّص لا يذكر أيّة مغارة أو موقعًا؟

مجسّم لمذود السّيد المسيح من كنيسة القدّيسة كاترينا في بيت لحم خلال احتفالات الميلاد عام 2018، أرشيف دانتشو أرنون.
مجسّم لمذود السّيد المسيح من كنيسة القدّيسة كاترينا في بيت لحم خلال احتفالات الميلاد عام 2018، أرشيف دانتشو أرنون.

ورد الحديث عن مغارة للمرّة الأولى على لسان القدّيس جاستين بعد مائة وخمسين عامًا من ولادة السّيد المسح، وقد ذكّر القديس أن الولادة تمّت في مغارة صغيرة بالقرب من قرية “بيت لحم”، وكانت المغارة الّتي وُجدت في موقع كنيسة المهد اليوم اوّل ما اعتبره مسيحيّو القرن الثّالث مزارًا مقدّسًا بالإضافة إلى جبل الطّور، فزاروا المغارة وأدوّا بها الصلاة وتمّ بناء الكنيسة فوقها للمرّة الأولى وسمّيت بكنيسة “القدّيسة مريم” إلا أن أعيد بناءها مرّة أخرى في القرن السّادس ودُعيت “المهد” تيمّنًا بوصف إنجيل لوقا لحادثة الولادة.

تُعتبر كنيسة المهد أحد أهم المزارات المسيحيّة حول العالم، وتتناقل الأجيال هذه القصّة الّتي تطوّرت بناء عليها ترانيم الميلاد الّتي تتغنّى بمعجزة ميلاده الّذي اتّسم بالتّواضع. للمزيد حول كنيسة المهد ومدينة بيت لحم زوروا بوّابتنا المعرفيّة.

رئيس حكومة أم رئيسة حكومة؟ لم يكن الأمر مهمًا بالنسبة لجولدا ميئير

كيف تعاملت جولدا مائير مع النقد؟ لماذا وافقت على الدخول إلى كنيس في موسكو ولكن ليس في تل-أبيب؟ وما علاقتها بالاتحاد الإسرائيلي لصناعي القبعات؟

في 17 آذار 1969، وقع في إسرائيل حدث غير مسبوق: تقلدت جولدا ميئير منصب رئيس حكومة، لتصبح بذلك أول امرأة في التاريخ الإسرائيلي والثالثة في العصر الحديث التي تتسلم مقاليد الحكم: بحيث سبقتها سيريمافو باندرانايكا (سريلانكا) وأندريا غاندي (الهند). تَقلُّد امرأة منصب رئيس حكومة لدولة إسرائيل، الدولة الفتية الغارقة في صراع عنيف، بعد سنتين فقط على حرب الأيام الستة، لم يكن بديهيًا؛ ولكن سلسلة الأحداث السياسية التي وقعت بعد وفاة ليفي إشكول أدت إلى تعيين ميئير في هذا المنصب، والتي فُضّلت على يغآل ألون، موشيه ديان وبنحاس سابير.

لم يلق تعيين جولدا ميئير رئيسة حكومة أي اعتراض رسمي سوى من قبل أعضاء الكنيست الحريديين عن حزب أغودات يسرائيل، بحيث أعرب رئيس الحزب، يتسحاك ميئير، عن قلقه من أنّ تسلّم امرأة مقاليد الحكم سيقلل من قوة الردع الإسرائيلية. باستثناء هذا النقد، لم يكن هناك تذمّر رسمي أو جماهيري من تعيين جولدا في هذا المنصب. أما ميئير نفسها، وعلى الرغم من صورتها ووظيفتها، إلّا أنها لم تكن من أنصار الحركة النسوية، بل خرجت أكثر من مرة بتصريحات ضد الحركة. على أيّ حال، لقيت ميئير اهتمامًا شديدًا على إثر تقلدها منصب رئيسة حكومة إسرائيل، وذلك في العديد من المواقف التي وجّه لها خلالها نقد خفيّ أو جليّ. وقد تفوّهت مئير نفسها مرارًا بعبارات لاذعة من منطلق كونها امرأة.

جولدا ميئير وحكومتها الجديدة، 1969. تصوير: أرشيف داني هداني
جولدا ميئير وحكومتها الجديدة، 1969. تصوير: أرشيف داني هداني

فصل الدين عن الدولة؟

كانت علاقة جولدا ميئير بالدين مركبة قبل أن تصبح رئيسة حكومة بسنوات طويلة. عند سفرها إلى موسكو في نهاية الأربعينات، كسفيرة لإسرائيل في الاتحاد السوفيتي، زارت كنيسًا كبيرًا في المدينة. صور البعثة التي التقطت في الكنيس مع يهود محليين انتشرت في البلاد والعالم، وعند عودة جولدا إلى البلاد، توجه إليها عضو الكنيست بنيامين مينتس بغية تحدّيها لتقوم بزيارة كنيس في إسرائيل. “أدعوكِ لزيارة الكنيس الكبير في صلاة الشكر. هل تزورين الكُنس في موسكو فقط”؟ لم تتردد ميئير في الردّ، ووضحت له أنّها زارت الكنيس في موسكو لأنّها أرادت زيارة اليهود المحليين، ولذلك وافقت على الجلوس في قسم النساء. أما هنا في البلاد، فقد أشارت إلى أنّها ستذهب إلى الكنس عندما تتحقق المساواة ويسمح لها بالجلوس في الصالة الرئيسية حيث يجلس الرجال.

"معاريف"، 4 أيار 1949
“معاريف”، 4 أيار 1949

منذ مطلع الخمسينات، طرحت إمكانية ترشيح جولدا ميئير لمنصب رئيس بلدية تل أبيب، الأمر الذي أثار نقاشًا حول قدرة امرأة على شغل منصب مرموق كهذا. احتدم الجدل الإعلامي حول هذا الموضوع، وسُمعت آراء مختلفة ومتعارضة. كتبت مريم شير في مقالتها الثابتة “ماذا تقول المرأة؟” في صحيفة “دَفار” أنّنا “جميعًا بحاجة إليك، جولدا ميئيرسون،  كـ ‘ربة منزل رئيسية’ لمدينة تل-أبيب”.

"دَفار"، 26 تموز، 1955
“دَفار”، 26 تموز، 1955

بعد أن تقلدت جولدا منصب رئيس حكومة، أعرب كبار الحاخامات في البلاد عن مواقف مختلفة تجاه هذا التعيين. رفض الحاخام الرئيسي في حينه، إيسر يهودا أونترمان، الردّ على الأسئلة الموجهة له حول الموضوع، وقال إنّه طالما لم تقم جهات رسمية بطلب رأيه حول الموضوع، فلا داع لإبدائه. أعرب الفائز بجائزة إسرائيل ورئيس محكمة حباد، الحاخام شلومه يوسف زفين، عن موقف سلبي، مستندًا إلى حكم موسى بن ميمون في كتابه “دلالة الحائرين”. أشار الحاخام السفرادي الرئيسي، الحاخام يتسحاك نيسيم، إلى أنّه لا توجد أية مشكلة في التعيين؛ أما الحاخام السفرادي الرئيسي لمدينة تل-أبيب، عوفاديا يوسف، فلم يسارع لإبداء رأيه وأجاب بأنّه ينبغي التعمق في الموضوع قبل الرد.

 

"معاريف"، 7 آذار 1969.
“معاريف”، 7 آذار 1969.

 

 

ما قصة القبعات؟

في يوم الاستقلال في عام 1973، أقام الجيش الإسرائيلي استعراضه الأخيرة لذكرى مرور 25 عامًا على قيام دولة إسرائيل. أقيم هذا الاستعراض، والذي تقرر إلغاؤه نهائيًا بسبب تكاليفه الباهظة، للمرة الأخيرة بحضور رئيسة الحكومة جولدا ميئير، التي اعتلت المنصة الرئيسية. بعد مرور فترة وجيزة، نُشرت في صحيفة “معاريف” رسالة-شكوى” رسمية من قبل الاتحاد الإسرائيلي لصانعي القبعات” في إطار مقالة تمار أفيدار “خارج دوام المطبخ” بسبب المظهر المهمَل لرئيسة الحكومة، التي لم تعتمر قبعة أثناء الاستعراض. كتب أعضاء الاتحاد أنّ “مظهرها يشكل نموذجًا سلبيًا لجميع نساء إسرائيل” وطالبوها بأن تصبح قدوة فيما يخص الموضة والأزياء، لحث نساء إسرائيل على تبني موضة اعتمار القبعات. اقترُح في المقالة أيضًا صنع موديل خاص لقبعة تحمل اسم ميئير، بحيث يعوض بيعها عن الأضرار الاقتصادية التي تسببت بها جولدا بسبب مظهرها هذا.

اليوم الذي قرر فيه أحمد جمال باشا الانتقام من سكان القدس

صُدم سكان القدس بمشهد إعدام السلطات العثمانية خمسة أشخاص شنقًا، وقد وثّق هذا المشهد مصوّر مقدسي، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصورة أسطورة مقدسية تجمع بين سكان المدينة.

التقطت الصورة )على ما يبدو (بعدسة خليل رعد، الذي حضر إلى ميدان الإعدام قبل إنزال الجثث. تتطرق مصادر مختلفة إلى كيفية انتشار الصورة: يقول البعض إنّه قام ببيعها في دكانه في البلدة القديمة، ويقول آخرون إنها وصلت ليد أقرباء أحد القتلى عن طريق مسؤول سابق في الإدارة العثمانية.

بقلم: شير برام

التقطت الصورة (على ما يبدو ) بعدسة خليل رعد، الذي حضر إلى ميدان الإعدام قبل إنزال الجثث. تتطرق مصادر مختلفة إلى كيفية انتشار الصورة: يقول البعض إنّه قام ببيعها في دكانه في البلدة القديمة، ويقول آخرون إنها وصلت ليد أقرباء أحد القتلى عن طريق مسؤول سابق في الإدارة العثمانية.

تصوير: ياد يتسحاك بن تسفي

 

في شهر حزيران 1916، وجد أحمد جمال باشا، قائد الوحدة العسكرية الرابعة في الجيش العثماني وحاكم لواء دمشق، نفسه أمام معضلة صعبة: فرّ جنود كثر من صفوف الجيش العثماني، الذي كان يعاني من نقص شديد في القوى البشرية. الهجمات العثمانية على قناة السويس باءت بالفشل، وعاد الجنود إلى البلاد مهزومين، مرهقين وجوعى. على غرار مدن كثيرة أخرى في الإمبراطورية العثمانية، امتلأت القدس بعدد كبير من الجنود الذين فروا من الجيش واختفت آثارهم.

أحمد جمال باشا، الحاكم العسكري العثماني في بلاد الشام. تصوير: ياد يتسحاك بن تفسي
أحمد جمال باشا، الحاكم العسكري العثماني في بلاد الشام. أرشيف: ياد يتسحاك بن تسفي.

سميّ الجنود الفارون بـ “الفُرّار” وجاب الشوارع عدد كبير من عناصر الشرطة العسكرية بحثًا عنهم. أما جمال باشا، والذي كان بأمس الحاجة للجنود، فقد أصدر حكمًا بالإعدام على كلّ جندي فار لا يسلّم نفسه، ولكن دون جدوى. لشدة غيظه ووحشيته، قرر تلقين السكان درسًا. أمر رجاله بالقبض على خمسة جنود فارين وإعدامهم في موقع مركزي في المدينة. وبالفعل، تم القبض على خمسة منهم- يهوديْين، مسيحيْين ومسلم واحد- وأعدموا شنقًا في إجراء مسرّع. إليكم قصتهم.

مريض البوسفور

أدى انضمام الامبراطورية العثمانية للحرب العالمية الأولى إلى أزمة اقتصادية صعبة جدًا في جميع أرجاء الإمبراطورية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا في القدس. فقد انهارَ الاقتصاد السياحي المحلي وجُفّف عدد كبير من مصادر التمويل؛ ألحقت سنة القحط ضررًا جسيمًا بمحاصيل المزارعين، وازدادت الأمور سوءًا مع موجة الجراد التي اجتاحت الشرق الأوسط في 1914-1915، ووصلت المدينة المقدسة. التجنيد الإلزامي الذي فرضته السلطات العثمانية تركَ عددًا كبيرًا من العائلات بدون معيل، مما أدى إلى استفحال الفقر والجوع. العديد من السكان المحليين لم يُرسلوا إلى الوحدات القتالية، بل إلى “الكتائب العمالية”- وهي كتائب الأعمال الشاقة في الخدمة العسكرية العثمانية.

 

عرض عسكري للجيش العثماني في باحة القشلة، أسفل برج القلعة (قلعة القدس)، القدس. تصوير: ياد يتسحاك بن تسفي.

المزيج بين الحرب العالمية والأزمة الاقتصادية أدى إلى انخفاض الروح المعنوية وإلى معدلات فرار عالية في صفوف الجيش العثماني في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، بدأت حركات قومية محلية بالتمرد ضد الحكم العثماني ودعم قوات الحلفاء. إنشاء مثل هذه الحركات، مثل فرقة البغالة الصهيونية التي شاركت في حملة غاليبولي، أو حملة الدردنيل، وثورة الحسين بن علي شريف مكة، دفعا بجمال باشا لممارسة العنف الشديد تجاه كلّ ما بدا له تمردًا وعصيانًا. على امتداد العامين 1915-1916، ارتكب أحمد جمال باشا سلسلة من جرائم الحرب، أهمها اضطهاد ممنهج للأرمن، والتي رسّخت صورته كإحدى الشخصيات الأكثر تطرفًا خلال فترة الحرب العالمية الأولى.

الإعدام شنقًا عند باب الخليل

في منتصف عام 1916، بعد أن أُعدم ونُفى الفارين من صفوف الجيش و “الخونة” في جميع أرجاء الشرق الأوسط، حضر أحمد جمال باشا إلى القدس لـمعالجة ظاهرة الفرار من الجيش. صرّح بأنّه سيصدر حكمًا بالإعدام ضد كلّ جندي فار لا يسلّم نفسه حتى نهاية حزيران 1916، وتعهّد بأنّه سيعفو عن جميع الجنود الفارين إذا عادوا إلى قواعدهم، ولكن دون جدوى.  عندما احتدم غيظه، أمر جمال باشا بشنق خمسة فارين سيتم القبض عليهم بشكل عشوائي، لتلقين الآخرين درسًا. اُختير الفارون حسب ديانتهم- يهوديْين، عربيْين مسيحيْين وعربي مسلم واحد.

جمال باشا يخرج إلى المعركة لاحتلال قناة السويس، باب الخليل القدس، 1915. تصوير: ياد يتسحاك بن تسفي.

خلال يوم واحد، تم القبض على خمسة فارين يستوفون المواصفات المطلوبة، وأعدموا شنقًا في الميدان المركزي لمدينة القدس في حينه- في باحة باب الخليل. كان هؤلاء الخمسة إبراهيم قندلفت وموسى سوس المسيحيين، أحمد إلوتسو المسلم، وموشيه ميلل ويوسف أموزيغ اليهوديين (ينبغي الانتباه إلى كون الأسماء مترجمة من اللغة العبرية ويمكن أن تكون مختلفة بالعربية).  سمح للمدانين الخمسة بمحادثة أخيرة مع رجال دين، كل حسب طائفته، ومن ثم شنقوا حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة. علقت على أعناقهم لافتات تصف جرائمهم، وبقيت جثثهم معلقة حتى المساء، ليرسخ في أذهان الناس الدرس القاسي الذي أراد جمال باشا تلقينهم إياه.

انتشر في المدينة خبر إعدام العثمانيين لشخصين يهوديين، وفي اليوم التالي، كُتب الخبر في صحيفة “الحرية”،  حيث اقتبست الطلبات الأخيرة للمتهمين. تفيد المصادر بأنّ أموزيغ اكتفى بشرب القليل من الماء قبل تنفيذ حكم الإعدام؛ بينما طلب ميلل أن تُجبى أموال مستحقة له من مدينيه وإعطاءها لوالدته، وطلب أيضًا إزالة الغطاء عن عينيه ليلقى حتفه بأعين مفتوحة. أضاف المراسل أيضًا إلى أنّ طلبه بإزالة الغطاء عن عينيه رُفضَ للأسف، لأنّه كان مخالفًا للقانون العثماني.

 

صحيفة “الحرية” تنشر نبأ الإعدام شنقًا، 30 حزيران، 1916.

 

إعدام يوسف أموزيغ كان مأساويًا للغاية، فهو لم يكن أصلًا من الفارين من صفوف الجيش. ولد أموزيغ في المغرب، وهاجر مع شقيقته ووالدته حنينة إلى مدينة القدس. سار يوسف على خطى والده، بحيث أصبح خياطًا وأقام ورشة خياطة مشتركة مع أحد السكان المسلمين المحليين في البلدة القديمة في القدس. قصدَ ورشته أثرياء المدينة وعائلات مرموقة مثل النشاشيبي، ويقال أيضًا إنّه كان يحيك الملابس لجمال باشا ورعيته. مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، أغلقت ورشته وجُنّد للجيش. عمل كخياط في قاعدة عسكرية في بئر السبع، وهي المدينة الوحيدة التي أقامها العثمانيون في فلسطين.

ذات يوم، أمره قائده بالعودة إلى القدس ليحيك له بعض البِدل. فتح ورشته وباشر بعمله، إلى أن رآه مخبرو الجيش العثماني وظنّوا أنّه فر من الجيش. تم القبض عليه من قبل عناصر الشرطة العسكرية، واعتقلَ. عندما حاول شرح المهمة التي كلّف بها، واجه صعوبات عديدة، لم يتمكن من التواصل مع قائده، وتأشيرة نقله العسكرية إلى القدس اختفت.  حاولت والدة يوسف إيجاد التأشيرة، ولكن دون جدوى. بعد اعتقاله، سجن يوسف أموزيغ في القشلة (السجن المحلي المجاور لبرج القلعة)، لم يتم إيجاد التأشيرة، وأعدمَ أموزيغ مع الآخرين.

الموروث

في فترة لاحقة، تزوجت ابنة أخ أموزيغ، إستر حروش، من عكيفا أزولاي، والذي شغل منصب نائب رئيس بلدية القدس. كانت إستر من بين القلائل الذين تذكروا القصة، والتي سردت بعدة صيغ متشابهة نسبيًا، مع بعض التفاصيل المختلفة. على مدار سنوات طويلة، اعتاد اليهود السفراديون سرد قصة إعدام أموزيغ وميلل، إلى أن أصبحت حدثًا معروفًا في المدينة. بعد الحادثة بسنوات طويلة، اكتُشف أنّ منفّذ حكم الإعدام كان يهوديًا يُدعى مردخاي ساسون، والذي نفذ أوامر العثمانيين بحزن شديد، ورافق القتلى اليهود إلى مثواهم الأخير.

قرار جمال باشا بإعدام هؤلاء الخمسة حسب انتمائهم الديني كان قرارًا استثنائيًا، نسبةً لسائر أفعاله الوحشية خلال الحرب. عشوائية الاختيار، التنفيذ السريع للحكم وأثره على الجاليات المختلفة في المدينة- جميعها حولت هذا الحدث إلى مَعلم مهم في تاريخ مدينة القدس. بالإضافة إلى نشطاء منظمة نيلي، نعمان بليكند ويوسف ليشنسكي، اللذين أعدما في نفس الفترة بتهمة التجسس.

ترمز هذه القصة إلى حد ما إلى قدسية مدينة القدس للديانات السماوية الثلاث، وكيف تشكّل هذه المدينة ملتقى لأبناء الديانات الثلاث.

 

حرب لبنان 1982: مجموعة صور توثق وصول الجيش الإسرائيلي إلى مطار بيروت

مجموعة من الصور الرقمية والتي تستعرض حرب لبنان "عملية سلامة الجليل"، بالإضافة إلى بعض الصور الرقمية الخاصة في مدينة بيروت.

الجيش الإسرائيلي في مطار بيروت 1982 - 990040194290205171 - 715 537

الجيش الإسرائيلي في مطار بيروت 1982

اندلعت حرب لبنان 1982، أو ما يعرف بحرب لبنان الأولى، التي لم تكن حدًثا عابرًا في تاريخ المنطقة. هذه الحرب التي بقيت مشتعلة، لاحقًا، لأكثر من 18 عامًا قد خلفت آثارًا عميقة وكبيرة على كل من عاصر الحرب أو شارك فيها (من كافة الأطراف)، وخاصة لكون الحرب قد حدثت في أوج الحرب الأهلية اللبنانية والاقتتال اللبناني- الفلسطيني. لقد اختلفت مسميّات الحرب، منها “حرب لبنان”، أو “غزو لبنان”، فيما سمّتها إسرائيل بـ “عملية سلامة الجليل” أو “حرب الصنوبر”.  لكنّ مخلّفات هذه الحرب لم ولن يختلف عليها أحد. في هذه المقالة، نستحضر ذكريات هذه الحرب باستعراض الذكريات المصورة من أرشيف المصور دان هداني ومجموعة ميتار حول حرب لبنان الأولى وكيف كان الحال حينها.

حرب لبنان 1982: منذ عملية “سلامة الجليل” إلى احتلال مطار بيروت

تقلبت أجواء الحرب تبعًا لشدة وبأس مقاتليها؛ سواء الجيش الإسرائيلي من جهة أو التنظيمات الفلسطينية والأطراف اللبنانية المتحاربة من جهة أخرى. ولم يخلو الأمر من تحالف أعداء الأمس ضد أعداء اليوم والعكس صحيح (بين أطراف الحرب: كل من إسرائيل والفلسطينيين واللبنانيين وسوريا). وهذا ما أثرًا فعليًا على مجريات الحرب وآثارها التي بدأت، بحسب الرواية الإسرائيلية، بعملية من أجل تأمين منطقة الجليل من الصواريخ الفلسطينية التي غطت كامل المنطقة الشمالية، أما الرواية الفلسطينية (وجزء من المجتمع اللبناني المتمثل بالحركة الوطنية اللبنانية) فكانت المشاركة بالحرب هي قرار اضطراري لا رجعة فيه لكونه وجب فيه الدفاع عن سيادة لبنان في وجه الاحتلال الإسرائيلي. وهذا ما حذا بالجيش الإسرائيلي لتطوير سير عملياته ووصوله حتى بيروت واحتلال مطارها. لم يكن احتلال المطار حدثًا عابرًا أو حتى غابرًا، ولذلك الحدث أثر على الذاكرة المصوّرة في الأرشيفات الإسرائيلية التي وثقت أجزاء كبيرة من سير أجواء الحرب وأحداثها. فقد تم تنظيم عرض عسكري إسرائيلي في ذات المطار بعد عمليات عسكرية استمرت لأكثر من 3 أشهر متواصلة شقّ فيها الجيش الإسرائيلي طريقه من جنوب لبنان حتى منتصفه.

كانت نتائج هذا العرض العسكري المباشرة هي طرد التنظيمات الفلسطينية من لبنان والبقاء في أجزاء من لبنان حتى شهر أيار من العام 2000 عندما قرر رئيس الحكومة الإسرائيلي، آن ذاك،  إيهود بارك الانسحاب من جنوب لبنان بشكل نهائي وإغلاق الحدود بين الدولتين.

هنا، نترك الصور تتكلم عن الأحداث التي بدأت منذ بداية الحرب حتى انتهائها:

صورة للنقطة الحدودية بين لبنان وإسرائيل، 1983، أرشيف بوريس كرمي من مجموعة ميتار.
صورة للنقطة الحدودية بين لبنان وإسرائيل، 1983، أرشيف بوريس كرمي من مجموعة ميتار.

 

حاجز عسكري، 1982، أرشيف دان هداني.
حاجز عسكري، 1982، أرشيف دان هداني.

 

لبنان، 1985، أرشيف دان هداني.
لبنان، 1985، أرشيف دان هداني.

 

حاجز عسكري، 1982، أرشيف دان هداني.
حاجز عسكري، 1982، أرشيف دان هداني.

 

الجيش الإسرائيلي في لبنان، 1982، أرشيف دان هداني.
الجيش الإسرائيلي في لبنان، 1982، أرشيف دان هداني.

 

تحطّم طائرة مدنية لبنانية في مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.
تحطّم طائرة مدنية لبنانية في مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.

 

الجيش الإسرائيلي يغادر مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.
الجيش الإسرائيلي يغادر مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.

 

الجيش الإسرائيلي يغادر من مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.
الجيش الإسرائيلي يغادر من مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.

تحتوي المكتبة الوطنية على ما يزيد عن 3300 صورة رقمية لحرب لبنان الأولى وهي متاحة للاستخدام وللتنزيل على أجهزتكم الخاصة. للمزيد من الصور الرقمية لمدينة بيروت؛ مجموعة منوّعة ونادرة، يمكن الحصول عليها بسهولة واستخدامها ولكن بالإشارة إلى اسم الأرشيف وفقاً لحقوق الاستخدام والنشر.


المصادر التي استند عليها المقال:

1. بوتيمرمان، جاكو. (1983). أطول الحروب الغزو الإسرائيلي للبنان.القاهرة، مصر. دار الثقافة الجديدة.
Rabinovich, Itamar. (1986). The War for Lebanon. New York, USA. Cornell University Press .2