خلال مرحلة تأسيس الوحدة المدفعية رقم 20 (Machine Gun Squadron) في الرابع من تموز 1917، أضطرت القيادة البريطانية للتعامل مع معيقات غير متوقعة: من بين 121 مقاتلاً في الوحدة، فقط 30 كانوا مُدربين على استخدام الأسلحة المتطورة أما الباقين فلم يشاركوا من قبل في وحدة مشابهة. لكن، لم تترك المعركة القريبة من أجل احتلال البلاد مجالاً للتأخر كثيراً، إذ بعد عدة أيام صدر أمر أعطى لمقاتلي الوحدة الجديدة نظرة عن كبر حجم التحدي الذي ينتظرهم. في 12 آب، وبعد شهر واحد من تأسيسها، انطلقت الوحدة للجبهة العسكرية الجديدة: فلسطين.
في كتاب “عبر فلسطين مع الوحدة المدفعية 20”، تم توثيق قصة الوحدة العسكرية والذي تم توزيعه بعد الحرب. أما طبيعة الكتاب فهواتخاذ أحد الجنود المشاركين قرار إلصاق بعض الصور داخل الكتاب؛ صور أعدها بنفسه خلال مسيرة الوحدة العسكرية نحو فلسطين.
للمصادفة التاريخية قد تم حفظه في المكتبة الوطنية بالقدس، فهذا الكتاب عبارة عن توثيق مدهش عن مآثر الوحدة كما انعكست في عيون أحد المقاتلين.
شاهدوا الكتاب كاملاً مع الصور النادرة
قصة الوحدة تم توثيقها في كتاب عبر فلسطين مع الوحدة المدفعية 20
تحت شمس حارقة، وبكتفين متعبين، ومع الخوف من توقف تزويد المياه اليومية، عبر مقاتلو الوحدة إلى فلسطين العثمانية من سيناء خلال 18 يوم، استغلوا اقامتهم في المعسكر البريطاني لكي يكملوا التدريب، تدربو في منتصف اليوم على تشغيل الأسلحة الجديدة، والتي كانت جديدة لمعظمهم، وفي النصف الثاني من اليوم تدربوا على امتطاء الجياد.
على بعد 11 كيلومترًا جنوبي مدينة بئر السبع، اشترك المقاتلون في المعركة الأولى كوحدة عسكرية، حين كانت قوات الاسناد على يسارهم والقوات الأسترالية على يمينهم، هاجم مقاتلو الوحدة المدفعية التحصينات التي نصبها العثمانيون في الطريق للمدينة؛ طيلة الصباح وما بعد الظهر ظل القتال دائراً بين القوات المهاجمة والقوات التي تحمي التحصينات. الغبار الذي ملأ الجهات كلها، حجب الرؤية ولم يستطع أحد من كلا الطرفين أن يرى عدة أمتار أمامه، بعد بضعة ساعات من القتال، اكتشف الجنود ولدهشتهم أن الاتراك قد انسحبوا من المدينة. في الرابعة ظهراً جاء الأمر: مهاجمة بئر السبع، والتي تبين أنها هي ايضاً خالية من الجنود العثمانيين.
كتب المقاتلون في كتاب الوحدة “بئر السبع كانت محبطة جداً، من الصعب القول أنها مدينة، كما يفهم الأوروبيون هذا المصطلح، كمكانٍ يمكن أن تشتري منه السجائر وشيئاً لتأكله، لم نستطع ايجاد شيء، والمباني الوحيدة فيها، تلك التي لم تكن ألواحاً من الخشب، كانت خالية من أي انسان” عندما تجول المقاتلون في المنطقة، استصعبوا استحسان الصحراء القاحلة التي تحيطهم، واستصعبوا عدم وجود طرق صالحة.
لغزة وصل المقاتلون أيضاً بعد انسحاب الأتراك من المدينة، لم يُسجل الأمر في أي مكان من الكتاب، ولكن على ما يبدو، فقد ساهم المقاتلون في جزء من المعارك الشرسة لاحتلال غزة. على الرغم من المسافة القصيرة من بئر السبع، فقد صادفوا يابسة مختلفة، قرى على جوانب الطرق، فيها فلاحين يزرعون أراضيهم. وكلما اقتربوا اكتشفوا أن المشهد يخدع أحياناً: أوساخ وتلوث، رجال مستلقين للراحة في حين تقوم النساء بالأعمال الصعبة، على المدينة هذه أيضاً كان للمقاتلين أشياء سيئة ليقولوها.
الطريق إلى القدس
من غزة أكمل الجنود إلى رام الله، ومن رام الله إلى طريق يافا- القدس ومن هناك (وعلى أثر سكة الحديد) توجهوا إلى مدينة القدس. الجنود العثمانيين توقعوا هذا المسار وتحصنوا على طول الطريق، فأدى ذلك إلى معارك قاسية أوقعت ضحايا كثر. ضباط الوحدة قرروا الانسحاب واعادة تنظيم صفوفهم في منطقة يافا، في طريقهم إلى يافا رأى الجنود ولأول مرة “رحوفوت”.
وصول الجنود إلى “رحوفوت” ذكرهم بشيء من الحياة التي تركوها في بريطانيا، التقى الجنود بالسكان الصهاينة، اشتروا منهم أكياس مليئة بالبرتقال، ومن لم يكن بحوزته مالاً كافياً، قايض بما يحمله من شرائح اللحم المعلبة والتي حصل عليها من الوحدة. اللقاء مع السكان اليهود كان مريحًا بالنسبة للجنود الذين رأوا بهم بداية بناء المشروع الصهيوني.
بعد الاستراحة القصيرة، أكمل الجنود مسيرتهم نحو القدس، أهمية المدينة المقدسة كانت شاخصة في عيون حماته العثمانيون: معظم القوة التي كانت في البلاد تم ارسالها لحماية الطريق المؤدي للقدس. مع كل خطوة جديدة كان قد استطاع جنود الوحدة المدفعية انتزاعه من العثمانيين، كان الجهد ينصب أكثر بنصب سيارات المدفعية في الأماكن الأكثر علواً في مواقع القتال. استغلوا كل ما تحصلوا عليه من أجل ذلك سواء الإسناد من وحدات أخرى، استخدام القناصة، التقدم المسائي الهاديء أو – في حالة لم يتبق خيار آخر – إطلاق نار كثيف على الأتراك لكي يتم ازاحتهم عن المكان الذي تحصنوا به.
احتلال القدس
هكذا، في الثامن من كانون الأول 1917، بالرغم من الطرق التالفة، النقص في الماء، والمقاومة التركية والألمانية على طول الطريق، نجح مقاتلو الوحدة المدفعية مع باقي قوات ألنبي باقتحام طريق القدس ومن ثم الوصول إليها. في اليوم التالي، 9 كانون الأول 1917، انتهت أربعة مائة عام من الحكم العثماني على البلاد المقدسة مع سقوط مدينة القدس، كان ذلك نصرًا رمزيًا، لأن معظم مناطق شمال البلاد كانت لا تزال تحت الحكم العثماني، سيطرة ستتلاشى خلال الأشهر المقبلة.
كان هذا النصر الرمزي أمرًا مدهشًا، قال الجنود المتأثرين والذين حظيوا أخيراً بالقدس، احتلال الأرض المقدسة. كما إنه خلال مسيرة الوحدة العسكرية من سيناء حتى احتلال القدس فقدت ثلاث ضباط و67 مقاتلاً من عناصرها وهذا ما كان يُعتبر الثمن الأكبر الذي دفعته المجموعة.