كرة القدم برعاية جلالته

حصلت مباريات كرة القدم الفلسطينية على دفعة كبيرة في ظلّ الانتداب وشاركت فيها العرب واليهود.

كتيبة الملك أ ضد هفوعيل تل أبيب، 21.11.31

أضيف إلى سكان فلسطين الانتدابية (1917- 1948) العرب واليهود آلاف السكان الجدد من البريطانيّين: موظّفو النظام الانتدابي، الشرطة والجيش، وخلال الحرب العالمية الثانية أضيف إليهم كذلك جنودًا من بلدان أخرى. بالرغم من أن لعبة كرة القدم كانت رائجة في البلاد قبل أن يصل إليها البريطانيون، إلا أنها حصلت على دفعة كبيرة في ظلّ سلطة أمة تعتبر موطن كرة القدم، وشاركت فيها جميع الفئات السكانية في البلاد. وقد ظهرت في هذه الفئات السكانية الثلاث (العرب، اليهود والبريطانيون) فرق رياضية لممارسة لعبة كرة القدم، ونذكر على سبيل المثال فريق Paymasters، وشباب العرب، ومكابي تل أبيب، وهي فرق تنافست فيما بينها على الكأس. تأسّس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (بتوصية مصرية) في سنة 1928، وقد اشترط الاتحاد الدولي لكرة القدم للانضمام إلى الاتحاد الدولي (1929) مشاركة جميع الفئات السكانية في البلاد في هذا الاتحاد الجديد. لذلك فقد أجريت مباريات بين فرق عربية ويهودية وبريطانية، وقد تمّ الاعتراف بمشاركة لاعبين من هذه الفئات السكانية الثلاث بالمبدأ في المنتخب الوطني في مبارياتها مع فرق من خارج البلاد ولكن لم يكن يتم ذلك فعليًا على الدوام.

 

ملعب مشترك

غالبًا ما نعتقد أن علاقة تصادمية كانت سائدة بين الفئات السكانية في البلاد العربية واليهودية في البلاد. وهذا التصوّر ذاته يهيمن على العلاقة بين اليهود والبريطانيّين في البلاد كذلك، وخاصة حين نعاين ذلك من منظور صراع “المنظمة العسكرية القومية” (آتسل) وتنظيم “المقاتلون من أجل حرية إسرائيل” (ليحي) ضد البريطانيّين ونظرتهم للهجرة اليهودية غير الشرعية. إلاّ أن العلاقات الرياضية بين اليهود والعرب والبريطانيّين، كما تجلّت في ألعاب كرة القدم، من شأنها أن تشهد على أنه خلافًا لهذا التصوّر، بما يتعلّق بمنظمات المجتمع المدني، فإن المجتمع لم يكن منفصلاً إلى ثلاث فئات سكانية وإنما كان الواقع أكثر تركيبًا إذ تعاونت هذه الفئات فيما بينها. وعليه، فإنه بالرغم من هيمنة الانتماء القومي على الرياضة في البلاد، فإن النشاطات الرياضية – وكرة القدم تحديدًا في حالتنا – كانت حلبة للقاء هذه الفئات السكانية بعضها ببعض.

لا يعني ذلك بأن التوتّر لم يؤثّر على العلاقات الرياضية. فعلى سبيل المثال، في ظل موجه احتجاج السكان اليهود على الكتاب الأبيض لسنة 1930، توقّفت الألعاب الرياضية بين الفرق البريطانية والفرق اليهودية؛ وفي ظل الاحتجاج على نوع التعامل مع الفرق العربية فقد استقالت في سنة 1934 من الاتحاد الفلسطيني وأنشأت اتحادًا بديلاً إلاّ أنه لم يستمر لفترة طويلة. ومن جانب آخر، فقد استقبل الجمهور بصورة جميلة فرق تنتمي إلى فئات سكانية أخرى. على سبيل المثال، في أعقاب لعبة بين نادي إسلامي يافا وبين مكابي رحوبوت التي جرت على ملعب في رحوبوت في سنة 1941، كتب الصحف العبرية ما يلي: “لقد استُقبلت الفرقة العربية بمشاعر مشجعة من قبل جمهور المشجعين في رحوبوت”؛ وقد اتّسم حكم الاتحاد في الألعاب بروح رياضية من دون تحيّز كبير لصالح الفرق اليهودية على مدار أغلب سنوات الانتداب.

 

​شرق أوسط جديد

لم تجر ألعاب كرة القدم في فلسطين فحسب، وإنما جرت على ملاعب دولية كذلك. نشأت العلاقات الرياضية للفرق اليهودية منذ سنة 1927 مع فرق من بلدان عربية وبصورة مركزية مع مصر ولبنان وسورية، ولم تشهد الصحافة في حينه على تصادمات حتى الأربعينيات.

 

يقذفون الكرة في وقت الحرب

وعليه، استنادًا إلى علاقات كرة القدم بين الفئات السكانية المختلفة في فترة الانتداب، يبدو أنه يتعيّن علينا التخلّي عن منظور الصراع الذي اعتدنا على النظر من خلاله على تاريخ هذا المكان. لم يهمن الصراع دومًا، وإنما تطوّر هذا الصراع على مدار السنين، كما يمكننا أن نلمس ذلك جيدًا في ملاعب كرة القدم. ومع مرور الوقت، نشهد في حلبة كرة القدم على عملية انفصال بين المؤسّسات والفرق الرياضية اليهودية وتلك العربية والبريطانية. ووصل ذلك ذروته خلال الحرب العالمية الثانية، إذ نشهد في تلك الفترة تصادمات عنيفة مع الفرق العربية والفرق البريطانية (ومع الفرق الرياضية العسكرية الأخرى).

بينما كان توقّفت الألعاب مع الفرق القادمة من خارج البلاد بصورة طبيعية، بسبب انتقال القوات والموظفين البريطانيّين من البلاد في نهاية الحرب، فإن توقّف الألعاب بين الفرق اليهودية والعربية جاءت نتيجة حكم الاتحاد المفتقر للروح الرياضية.

 

 ​بطاقة حمراء

خلال ألعاب الكأس لسنة 1942 كان من المفترض أن يتنافس فريق مكابي حيفا مع الفريق اليوناني Royal Hellenic Army Team في دور ربع النهائي، إلا أن اللاعبين اليونانيّين تركوا البلاد، وصعد فريق مكابي حيفا في أعقاب ذلك وبصورة فورية إلى الدور نصف النهائي. جرت إحدى الألعاب الثلاث النهاية في دور الربع النهائي بين مكابي تل أبيب وبين الشباب العرب وانتهى بفوز مكابي تل أبيب اليهودية، إلاّ أن هذا الفريق قد شارك لاعبيْن كانا مطلوبيْن للتجنيد، وهو أمر لم يكن مقبولاً وفق القوانين الداخلية للاتحاد. وفي أعقاب ذلك، أُبعد فريق مكابي تل أبيب من الألعاب القادمة. ولكن، لم يتمتّع الفريق العربي من ذلك بل تمتّع من ذلك فريق مكابي حيفا الذي صعد فوريًا إلى دور النهائي. تقدّم فريق الشباب العرب باستئناف ضد هذا القرار إلاّ أن الاتحاد رفض هذا الاستئناف. في أعقاب ذلك، اندلع صراع بين الفرق العربية وبين الاتحاد وانتهى باستقالتها من الاتحاد في سنة 1943 وإنشاء اتحاد عربي في أيار 1944.

إن قصة كرة القدم في فلسطين الانتدابية تجسّد جيدًا أنه لم تكن هناك علاقات عدائية دومًا على الصعيد الشخصي بين السكان العرب وبين اليهود وبين كليهما وبين الحكّام البريطانيّين. ويتجلّى ذلك في اللقاءات الرياضية. وقد استمر اللقاء بين اليهود والعرب والبريطانيّين وغيرهم خلال الثلاثينيات والأربعينيات على أرض ملاعب كرة القدم واستمر ذلك حتى نهاية حقبة الانتداب تقريبًا. بالرغم من ذلك، فإننا نشهد أنه تمّ استخدام كرة القدم بصورة تدريجية وتصاعدية كأداة في الصراعات السياسية بين الفئات المختلفة في فلسطين.

 

فكرة تقسيم فلسطين وتداولها في الصحف الفلسطينية: منذ تبلور الفكرة حتى مواجهتها

يبحث المقال في عناوين الصحف الفلسطينية حول تبلور فكرة تقسيم فلسطين منذ بداية نشوء الفكرة وحتى صدور القرار في 1947، ويسلط الضوء على تغطية الصحف المتنوّعة.

جزء من خارطة تقسيم فلسطين عام 1947، أرشيف الخرائط على اسم عيران لئور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 ربما أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ حول موضوع تقسيم فلسطين، بعيدًا عن الحكم بمدى صواب قرار التقسيم أو عدمه، هو صدور قرار التقسيم في نهاية شهر تشرين الثاني عام 1947 إلى دولتين، دولة يهودية إلى جانب الدولة العربية، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن حقيقة فكرة تقسيم فلسطين قد سبقت ذلك التاريخ بفترة من الزمن، فلم يكن قرار التقسيم إلا نتيجة وتتويج لحقبة من زمن قد تعددت فيه أفكار تقسيم هذه البلاد.

بمناسبة الذكرى ال72 لسن مشروع قرار تقسيم فلسطين، ارتأينا إنه ليس بالإمكان المرور على هذه الذكرى بدون أن نسلط الضوء على بعض جوانب هذا المشروع، ولم يكن هنالك عنوان مناسب أكثر من جانب الصحافة الفلسطينية لمعالجة ذلك.

  لم تكن الصحافة الفلسطينية بمعزل عن تسليط الضوء حول تلك الأفكار والمشاريع، فقد كان دورها رياديًا في تداولها لمشاريع تقسيم فلسطين، سواء من خلال تناول الأفكار أو التصورات حول مشروع التقسيم أو من خلال نقل الأخبار عن الصحف العالمية حول فلسطين (خاصة الصحف الإنجليزية). مرت عملية تسليط الضوء على  أفكار مشروع تقسيم فلسطين في عدة مراحل وتحولات أبرزها تمثل في بداية طرح الفكرة عام 1933  بجريدة مرآة الشرق (كان هنالك بعض الآراء التي طرحت فكرة التقسيم قبل هذا التاريخ، لكن أول مقال موثق حول تقسيم فلسطين يعود إلى عام 1933)، ومن ثم  تبلورها بعد زيارة اللجنة الملكية البريطانية (لجنة بيل-PEEL) عام 1936، والمرحلة الأخيرة كانت التصدي لها ومقاومتها حتى صدور قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني 1947.

في معالجة موضوع فكرة تقسيم فلسطين لم تكن الصحف الفلسطينية ذات لون واحد بنقاشاتها ومقالاتها، بل يمكن القول إنها كانت تمثل الصورة الأقرب إلى الصورة الفسيفسائية في كيفية تغطيتها للمسائل حول قضية التقسيم وذلك تبعًا لاختلاف الرؤى، المصادر، والزمن. لقد أفردت صحيفة مرآة الشرق الصادرة من القدس مساحة كبيرة من صفحتها الأولى لمقالة بعنوان “حلول القضية الصهيونية: تقسيم فلسطين إلى قسمين”، والتي من خلال هذا المقال حاولت أن تضع سيناريو لتقسيم فلسطين بالاعتماد على أراء الباحثين والكتاب من العرب واليهود أمثال يوسف أفندي العيسى والكاتب اليهودي بن أفي والذين كانوا مقتنعين بفكرة التقسيم (بحسب صحيفة مرآة الشرق  كان يوسف العيسى قد طرح فكرة تقسيم البلاد بين العرب واليهود قبل تسع سنوات من نشر هذا المقال، أي في عام 1924). على الرغم من اقتناع الصحيفة باستحالة تنفيذ الفكرة على أرض الواقع تبعًا لعوامل كثيرة أهمها التداخل ما بين التجمعات العربية والمستعمرات اليهودية إلا أنها تناولت الموضوع من زاوية محاولة تصورها لسبل الحل في فلسطين تبعًا للفكرة التي يقوم عليها المقال “إن المشاكل تزداد تعقدًا كلما طال الزمن والقضية الفلسطينية واحدة منها”1.

منذ نهاية ثلاثينيات القرن العشرين لم تعد فكرة تقسيم فلسطين مجرد أفكار يتناقلها الكتاب والباحثون، إنما أصبحت فكرة أكثر تبلورًا، وذلك من ناحية الانتقال من تصور قبول التقسيم أم عدمه إلى تصور شكل التقسيم المفترض بين الدولة العربية والدولة اليهودية وكيفية التعامل مع قضايا السكان في كل من الأجزاء المفترض تقسيمها. من أهم الصحف التي تناولت مشاريع التقسيم كانت صحيفة الدفاع والتي احتوت على اتجاه أكثر شمولي من حيث تطرقها لتلك المشاريع، وكان ذلك يتمثل بالجهد التي بذلته الصحيفة في تجميع الأخبار العالمية والبريطانية خاصة مع ازدياد تداول الأفكار بخصوص قضية فلسطين بعد أحداث عام 1936، ومن ثم تعيين اللجنة الملكية البريطانية الخاصة بفلسطين (لجنة بيل –  PEEL). في الحقيقة حاولت صحيفة الدفاع الموازنة والتنويع في طرح الأخبار بخصوص موقف كافة الأطراف من فكرة التقسيم وبين الأخبار التي تحاول تصور أشكال التقسيم لهذه البلاد. فبخصوص أشكال التقسيم، ضمت صحيفة الدفاع خبرًا بعنوان “عودة إلى تقسيم فلسطين إلى منطقتين: صحيفة إنكليزية كبيرة تنشر رواية عن ذلك” والتي نقلته عن صحيفة “الدايلي هرالد” الإنجليزية حول نماذج التقسيم التي كانت اللجنة الملكية البريطانية الخاصة بفلسطين تحاول أن تطرحها ليتم تطبيقها في فلسطين. وقد كان النموذج الأول هو تطبيق فكرة الاتحاد السويسري، وذلك من حيث أن يكون هنالك استقلالًا ذاتيًا للمنطقتين ، العربية واليهودية تحت حكومة واحدة. أما النموذج الثاني حول التقسيم، كان من خلال أن يتم منح الدولة العربية استقلالًا أوسع وبعد ذلك تكون هذه الدولة متحدة مع شرق الأردن، بينما المنطقة الساحلية يتم تأسيس منطقة يهودية تابعة للإمبراطورية البريطانية2.

من الجدير ذكره أن تصور فكرة مشروع التقسيم لم يكن لها القدر الكافي من جعل المسألة في فلسطين أقل تعقيدًا مما كانت عليه، سواء تمثل ذلك برفض الطرفين في فلسطين: اليهودي والعربي تقسيم “كعكة” فلسطين، أو بسبب الرفض “الظاهري” للمحيط الإقليمي للمشروع، فالترويسة التي تصدرت مقال في صحيفة الدفاع تعبر بلا شك عن ذلك، حيث جاء عنوان المقال “فكرة تقسيم فلسطين أسوأ فكرة دعا إليها يأس اللجنة الملكية، موقف البحر المتوسط يدعو إلى إلغاء، أو إرجاء تنفيذ هذه الفكرة”3.

ركزت الصحافة الفلسطينية على استعراض الأصوات والأقلام العربية والدولية التي في طياتها تعالج قضية مشروع تقسيم فلسطين، فكانت الاقتباسات من الصحافة العالمية قد اخذت مساحة واسعة في الصحافة الفلسطينية وكان ذلك على حساب تغطية النقاش الداخلي، سواء النقاش الداخلي الفلسطيني أو داخل الحركة الصهيونية.

 

بالتزامن مع اقتراب انعقاد موعد الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 من أجل مناقشة مستقبل فلسطين وطرح فكرة التقسيم أصبح شبح فكرة التقسيم والحرب  يخيم على الصحف الفلسطينية بكافة ألوناها وأقلامها، وكان ذلك قد انعكس بشكل كبير على الكتابات والمقالات التي فيها، فالكلمات قد أمست أكثر رصانة وقساوة في محاولة للتوحد ضد فكرة التقسيم وتبيان مدى الخطر التي تتعرض له البلاد. لعل العنوان التي وضعته صحيفة فلسطين يعبر عن تلك الكلمات الحاسمة في مواجهة مشروع التقسيم، فكان العنوان “تقسيم فلسطين يهدد السلام في الشرق الأوسط كله!4.

يمكن القول إن الصحف الفلسطينية احتوت على العديد التخمينات والتنبؤات حول تصور أشكال التقسيم ومستقبل البلاد (فلسطين) بخصوص تناول فكرة تقسيم فلسطين وذلك تبعًا لتنوع مصادر المعلومات، وكيفية تغطية كل صحيفة للخبر، لكن بالمقابل حافظت مجمل الصحف الفلسطينية على الخطوط العريضة ضمن تغطيتها لفكرة مشروع التقسيم، فقد كانت غالبيتها ضد قرار فكرة مشروع التقسيم وعلى رأسها الصحف الكبيرة والتي كانت لهم الحصة الأكبر من تغطية مسألة تقسيم فلسطين كصحيفة الدفاع وفلسطين خاصة في نهاية أربعينيات القرن الماضي إضافة إلى  وجود صحف أخرى عملت على إيصال أفكارها حول مسألة التقسيم مثل صحيفة الوحدة والشعب التي استعرضت على وجه الخصوص موقف الدول العربية من مشروع  تقسيم فلسطين، ففي الصفحة الأولى عنونت الصحيفة خبرًا تتناول فيه موقف جامعة الدول العربية الرافض لتقسيم فلسطين والخطوات الواجب اتخاذها لمنع حدوث التقسيم5.

 

إن تناول موضوع شائك يحتمل العديد من الرؤى مثل موضوع تقسيم فلسطين ليس بالأمر السهل خاصة بدون دون التعرض إلى جوانب عدة، مشارب وأدوات مختلفة نستطيع من خلالها تصور الظروف التي مرت بها البلاد وكيفية تبلور فكرة التقسيم منذ بدايتها حتى تطبيقها على أمر الواقع، ويأتي هنا دور الصحافة الفلسطينية في كونها إحدى تلك المشارب والأدوات التي من خلالها يمكننا الوصول إلى تصور جزئيات من أجل تركيب صورة أكثر شمولية حول تلك الحقبة التي مرت بها فلسطين.

 

1 حلول القضية الصهيونية: تقسيم فلسطين إلى قسمين”، مرآة الشرق، 27 أيلول 1933، الصفحة الأولى.
عودة إلى تقسيم فلسطين إلى منطقتين: صحيفة إنكليزية كبيرة تنشر رواية عن ذلك”، صحيفة الدفاع، 4 نيسان 1937، الصفحة الأولى.
فكرة تقسيم فلسطين أسوأ فكرة دعا إليها يأس اللجنة الملكية، صحيفة الدفاع، 18 كانون الثاني 1938، صفحة 2.
“تقسيم فلسطين يهدد السلام في الشرق الأوسط كله”، صحيفة فلسطين، 21 أيار 1947، الصفحة الأولى.
الجامعة العربية ترفض تقسيم فلسطين، صحيفة الشعب، 13 كانون الأول 1946، الصفحة الأولى.

أراضي الباقورة (نهرايم): القصة الأولى

القصة الأولى حول مشروع روتنبيرغ في الباقورة/ نهرايم

في مساء يوم التاسع من تشرين الثاني 2019، ومع إغلاق الجيشين؛ الأردني والإسرائيلي، لبوابات العبور، ظهرت شارة النهاية لمسألة أراضي الباقورة (نهرايم بالعبرية). هذه المسألة التي امتد تاريخها لحوالي قرن من الزمان قد شغلت العديد من الأوساط الشعبية والرسمية في كلٍ من الأردن وإسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، والتي انتهت بتسليم الأخيرة أراضي الباقورة إلى الأردن. لكن، ماذا نعلم عن هذه الأراضي (عدا ما نسمعه في وسائل الإعلام) وبالتحديد، القصة الأولى لنشوء هذه المسألة التي هي معروفة بعنوانها لدى الجميع لكنها بذات الوقت مجهولة بتفاصيلها لدى غالبية الأوساط؟

في هذه المقالة، سنخالف الكثيرين ونعود إلى البداية، إلى بداية نشوء قصة الباقورة، وبالتحديد لعام 1921، التي فيه بدأت الحكاية. بدأت في ظل تحول الحكم البريطاني لفلسطين من احتلال عسكري إلى فرض الانتداب، والذي أصبح له سلطة “شرعية” تمكنه من استغلال الموارد الطبيعية من أجل “خدمة” السكان. وهكذا كانت البداية مع منطقة الباقورة، بدأت مع مشروع روتنبرغ لإنشاء محطة لتوليد الكهرباء.

مشروع روتنبرغ: فكرة فرضت نفسها على الباقورة

بتاريخ 21 أيلول من العام 1921 تم توقيع الاتفاقية الأولى بين المندوب السامي الأول على فلسطين وبين السيد بنحاس روتنبرغ القاطن في مدينة القدس تنص على قيام الطرف الثاني استغلال المياه في ملتقى نهر الأردن ونهر اليرموك لأجل توليد الطاقة الكهربائية وإمدادها لمناطق الامتياز.

الصفحة الأولى من وثيقة اتفاقية امتياز حقوق توليد الكهرباء من نهر الأردن واليرموك، عام 1921

كانت هذه الاتفاقية تشكل حجر الأساس في اختيار موقع الباقورة التي شكلت ملتقى لنهر الأردن واليرموك، بالتالي هي المكان المناسب لإقامة محطات توليد الكهرباء فيها. أما حكومة الانتداب فلقد أعطت بنحاس روتنبرغ ضمانًا لمشروعة لفترة تمتد إلى سبعين عامًا يبدأ تاريخها منذ يوم توقيع الاتفاقية، أي من عام 1921 حتى عام 1991.

خريطة منطقة جسر المجامع وتظهر فيها منطقة امتياز روتنبيرغ في الباقورة، خرائط مسح فلسطين لعام 1941.

لم يترك المندوب السامي كلمات امتياز أو استغلال أو ضمان دون تحديد أكثر  لبنود الاتفاقية، إذ قام بتحديد بنود الامتياز ضمن الاتفاقية الموقعة والتي أفضت إلى ما يلي:

“خضوع مياه نهر وروافد الأردن وحوضه بما في ذلك نهر اليرموك وروافده لسيطرة المندب السامي البريطاني كما هو مصرح باتفاقية الأنجلو- فرنسية المؤرخة بتاريخ 23 كانون الأول 1920 أو المناطق التي تم تحديدها لأجل استخدامها في خدمة أراضي فلسطين أو شرق الأردن لغرض توليد الطاقة المستمدة من هذه المياه وتزويدها وتوزيعها داخل مناطق الامتياز، والقصد هنا الطاقة الكهربائية التي يتم توليدها من محطة توليد الطاقة الكهربائية بالقرب من جسر المجامع (Jisr-el-Mujamyeh) وتوظيف واستغلال بحيرة طبريا كخزان لتخزين المياه لتزويد محطة توليد الطاقة الكهربائية بالمياه اللازمة كما ترى الشركة المشغلة خلال فترة توليد الطاقة وتوزيعها داخل مناطق الامتياز. ومن أجل ذلك يجب القيام بكل الأعمال اللازمة لتحقيق هذه الغاية (توليد الطاقة وتوزيعها) ولكن، لن يتم ضمان هذه الغايات دون الحصول على التصاريح والتراخيص اللازمة من المندوب السامي”

تتضمن أعمال هذا الامتياز:

  • إقامة سد على نهر الأردن بالقرب من الكرك
  • المباشرة في إقامة قناة للمياه من بحيرة طبريا إلى جسر المجامع- محطة توليد الطاقة
  • جلب العدد الكافي من أنابيب الضغط لأجل نقل المياه من القناة المذكورة لمحطة توليد الطاقة المذكورة
  • وجود المحركات التوربينية المطابقة لمواصفات المندوب السامي وتعاون السلطات المحلية مع الشركات والتي تكون قادرة على توليد الطاقة وتوزيعها بالشكل الكافي.

بالإضافة إلى هذه البنود، هنالك المزيد……….

لقراءة الوثيقة كاملةً اضغطوا هنا

روتنبرغ: المحطة الأولى وليست الأخيرة

لم تكن محطة توليد الكهرباء الموجودة بالباقورة هي المشروع الأوحد في فلسطين، بل كان هنالك لها مشروع رديف آخر على الجهة الثانية من فلسطين الانتدابية، أي الساحل الفلسطيني، وبالتحديد بالقرب من مدينة يافا، وقد حمل المشروع الآخر ذات التسمية، مشروع روتنبيرغ.

لتوضيح الأمور بشكل أكبر، يعود كل من مشروع الباقورة ومشروع يافا لتوليد الطاقة الكهربائية إلى ذات الجهة، للمهندس المدني الذي يقطن مدينة القدس والذي حمل كلا المشروعان اسمه وهو السيد بنحاس روتينبيرغ.

من هو بنحاس روتنبيرغ؟

لقد كان بنحاس روتنبيرغ ناشطًا مؤثرًا خلال أحداث الثورة الروسية (التي تعبر عن موجة الاضطرابات السياسية التي عمت أرجاء روسيا) ، والذي ما لبث إلى أن خرج من روسيا نحو أوروبا ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية هربًا من النظام القيصري، وعاد إليها بعد حدوث الثورة البلشفية عام 1917.  قدم إلى البلاد عام 1919 وسكن مدينة القدس وفي عام 1921 أصبح روتنبيرغ صاحب الحق والامتياز الحصري لتوليد وتوزيع الطاقة الكهربائية لأجزاء من فلسطين الانتدابية وإمارة شرق الأردن. والذي ما لبث إلى أن بدأ بجمع الأموال والتبرعات لإقامة مشروعه الضخم آن ذاك.

لحظات مصورة من الباقورة

بدء العمل في منطقة الباقورة (نهرايم)، بين الأعوام 1921-1929، أرشيف بيتوموناه، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

بدء العمل في منطقة الباقورة (نهرايم)، بين الأعوام 1921-1929، أرشيف بيتوموناه، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

مشهد لجسر الباقورة وخلفه الأعمال المستمرة لإقامة محطة توليد الكهرباء، أرشيف يعقوب فارمن، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

الأعمال المستمرة لإقامة محطة توليد الكهرباء، أرشيف يعقوب فارمن، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

تركيب قنوات المياه للمحركات التوربينية، التاريخ غير معروف، أرشيف الصور للمكتبة الوطنية الإسرائيلية

هل نقول نعم أم نقول لا للتصويت في الانتخابات؟

يقوم هذا المقال المقتضب بطرح مسألة الانتخابات التي جرت في البلاد خلال الفترة الانتدابية على فلسطين.ويصور كيف كانت الردود الشعبية عليها

بالحقيقة، لا يمكننا الإجابة على هذا التساؤل خاصة في ظل الجو السياسي المحتدم والمزدحم في آن واحد. ولكن، الذي يمكننا أن نقوم به هو أن نستعرض ما الذي كان قبل ذلك، قبل ذلك من أجواء سياسية شبيهة ولو بشكلها النسبي لوضعنا اليوم.

نعم، نحن لم نمر فقط اليوم بهكذا ظروف وأوضاع، إنما مررنا من قبل بظروف مواتية. فمنذ الفترة الانتدابية على فلسطين والأمور السياسية محتدمة على كافة الأصعدة والمستويات، خاصة بموضوع الانتخابات؛ من انتخابات المجلس التشريعي (فشلت حكومة الانتداب بعقدها) إلى انتخابات المجلس الإسلامي الأعلى فانتخابات الملي الأرثوذكسي وأخيرًا وليس آخرًا الانتخابات البلدية في عموم فلسطين وانتخابات بلدية القدس بشكل خاص. كل تلك الانتخابات كان فيها الكثير من انقسام المواقف بين الأطراف المختلفة، تختلف حدتها تبعًا للفترة الزمنية، الجهة المنظمة للانتخابات والمنطقة الجغرافية التي تُعقد فيها. وهنا، سنقوم بعرض موقفين من الانتخابات التي حصلت بالماضي؛ انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأول، وانتخابات بلدية القدس.

انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأول: انتخابات فاشلة قبل انعقادها!
يُقال إذا رغبت بنجاح الشيء فافعله جماعة لا مفردًا، وهكذا تحديدًا يمكن وصف ما حصل بخصوص الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني الأول عام 1923.
على صفحتها الأولى، روّست صحيفة فلسطين (إحدى أهم المراجع في الصحافة الفلسطينية)  خبر عنوانه مقاطعة الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني الأول، إذ ذكرت الصحيفة أن البرقيات القادمة من جميع أنحاء فلسطين تذكر وتنبه على مقاطعة المشاركة بالانتخابات ؛ سواء بالاقتراع أو الترشح لها. واقتبست الصحيفة تصريحًا للسيد جمال بيك الحسيني يقول “فشلت الحكومة فشلًا تامًا بالانتخابات؛ في المناطق التي تحاول فيها الترشيح وفي المناطق الأخرى المقاطعة مضمونة. لم يظهر في الأمة مرتد. ليحيى الاتحاد التام”.

وكانت النتيجة هي المقاطعة الشاملة للإنتخابات، حيث عنونت ذات الصحيفة خبرًا بعنوان “عيد الأمة باتحادها وفشل الانتخابات وقدوم الوفد” وقد كتبت “نعم، فشلت الحكومة”

مع أم ضد راغب النشاشيبي؛ صراع على عرش رئاسة البلدية 
لقد كان راغب النشاشيبي شخصية قد تضاربت المواقف حولها، فمن جهة هو قد أصبح رئيس بلدية القدس بعد نجاحه بالبقاء مدة 14عامًا في سدة رئاسة البلدية، ومن جهة أخرى دخل في ملاحم سياسية ضد العديد من الجهات؛ سواء كانت الحركة الصهيونية أم الأحزاب السياسية الفلسطينية الأخرى. وهذا ما أدى بشكل أساسي إلى خسارته لمقعد رئاسة البلدية بانتخابات عام 1934 على الرغم من قوة حملته الانتخابية آن ذاك.
لقد كان المنشور الانتخابي أحد الوسائل المهمة واللازمة لإيصال صوت المرشحين، ولكن هذا لا يعني أن جميع المنشورات هم من قاموا بعملها، بل في بعض الأوقات عند رغبة إحدى الجهات دعم مرشح دون الآخر أو مهاجمة المتنافسين كان يتم أيضًا استخدام المنشورات كسلاح سياسي. وهنا، نأخذ حالة انتخابات بلدية القدس كمثال على ذلك.
في هذا المنشور، والتي تحتفظ فيه المكتبة الوطنية ضمن مجموعاتها، يقوم شخص اسمه زهدي الأيوبي بتشجيع الناس على انتخاب راغب النشاشيبي وكان عنوان المنشور “أيها الشعب الكريم، لا نريد غير هذا أن يكون رئيسًا”.

أما المنشور الآخر، فكان عبارة عن بيان قام بإصداره السيد محمد شاكر الحسيني مدافعًا عن راغب النشاشيبي في وجه منتقديه ومشجعهم على انتخابه بالقول “واذكروا أن سعادة راغب بك النشاشيبي هو أول من دافع ويدافع عن حقوق البلاد ويعمل لوجه الله والوطن غير طالب مركزًا ولا جاهًا فانتخبوا”

مثلما يوجد مناشير مؤيدة هنالك مناشير معارضة بل ومتهجمة، وراغب النشاشيبي لم يسلم من ذلك أيضًا. كما في المنشور اللاحق، والذي تهجم بشكل شخصي على شخص راغب النشاشيبي، والذي قام بنشر المنشور هو منيف الحسيني والذي كان صاحب امتياز والمحرر المسؤول جريدة الجامعة العربية. كان منيف الحسيني محسوبًا على منافسي راغب في كرسي رئاسة البلدية. فعنون منشوره بالقول “الحق مؤيد بإذن الله، فشل راغب النشاشيبي المريع”. وقد تم نشره في ملحق جريدة الجامعة العربية.


في النهاية، يشهد تاريخ البلاد على العديد من العواصف والأزمات السياسية، وبالتحديد في قضية الانتخابات، فهي قضية قديمة جديدة لكن، يبقى الموقف منها مرتبطًا بالمشاعر الوطنية والحزبية والاجتماعية والعائلية.
مهما كانت درجة التباين والاختلاف، يجب احترام حق كل شخص؛ سواء كان مقترعًا أو مرشحًا أو مقاطعًا.