حينما غُفِر لبريطانيا استعمارها: وجهاء عرب يدعون للتطوع في الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية

كيف ساهم سياسيون فلسطينيّون ومثقفون عرب وفلسطينيون في تشجيع الناس للتطوع في صفوف الجيش الإنجليزي الاستعماري؟

الفرقة الفلسطينية المتطوعة لصالح الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، المنتدى 01 آب 1941

الفرقة الفلسطينية المتطوعة لصالح الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، المنتدى 01 آب 1941

في الثالث من أيلول للعام 1939 بدأت حرب بريطانيا ضد ألمانيا النازية، وقد عاون بريطانيا العديد من الدول والفرق إلى جانب الحلفاء، حيث انضم الفيلق اليهودي للتدريب مع الجيش البريطاني وذلك للحفاظ على حلم الوطن القومي في فلسطين الذي ضمنه وعد بلفور. ولكن الأمر لم يتوقف على مؤازرة اليهود في أوروبا وفلسطين بقيادة الوكالة اليهودية والمندوب السامي، بل وصل إلى أبواب الفلسطينيين وكل ذلك خلال فترة استعمار بريطانيا أو انتدابها للبلاد، ولكن كيف بدأت حكاية تطوّع الفلسطيني مع مستعمره في محاربة استعمار آخر؟

بعد شهر من اندلاع الحرب، أعلنت القوات البريطانية في الصحف العربية عن فتح باب التطوّع للفلسطينيين للمشاركة في الحرب إلى جانب الجيش البريطاني، وذلك للحد من نفوذ ألمانيا النازية؛ إذ كانت المعارك لصالح الألمان حتى العام 1941، إلّا أنّ التطوّع كان مشروطًا، وقد نشرت صحيفة فلسطين بيان المندوب السامي حول الاستفادة من خدمات الفلسطينيين وذلك بإعلانها الحاجة إلى مهندسيين، عمال في النقليات ومخازن الأسلحة والذخائر وبالطبع الحاجة الكبرى إلى محاربين. ومن أبرز الشروط أن يكون عمر المحارب بين 20 – 25 بينما أعمار الفنيين لا بأس أن يكونوا أكبر سنًّا وقد أتيحت “الفرصة” لكل من كان عمره بين 35 – 40 عامًا. لم يتوقف الأمر بحكومة الانتداب عند هذا الحد، بل وعدت كل متطوع برواتب عالية تتوفر له ولعائلته – إن كان متزوجًا – وكل من يخدم خارج فلسطين سيعامل معاملة الجندي البريطاني، على حدّ قولهم.

شاهد/ي أيضًا: الحرب العالمية الثانية: معارض رقمية لصور وأخبار من الصحف الفلسطينية

صحيفة فلسطين: 12 تشرين الأول 1939
صحيفة فلسطين: 12 تشرين الأول 1939

فجأة، بدأت القوات البريطانية تنشر في الصحف الفلسطينية أعداد المتطوعين في كل أسبوع، والذي كان يزداد،؛ إذ نُشر بعد 10 أيام من الإعلان الأول، في الصفحة الثالثة من صحيفة فلسطين في خبر في آخر الصفحة بخط صغير، كخبر مهمل، العنوان التالي: 440 متطوّعًا حتى الآن منهم 7 أطباء ومهندسين، 252 حِرَفي، 147 محاربًا مع صفوف الجيش إلى جانب 34 متطوّعًا في المهام الفنية والكتابية.

صحيفة فلسطين: 22 تشرين الأول 1939 | ص. 3
      صحيفة فلسطين: 22 تشرين الأول 1939 | ص. 3


رجال دين وأدباء في خدمة الحكومة البريطانية الانتدابية

لم يتوانى الأمر مع الحكومة البريطانية عند حد إعلان التطوّع، بل تعاونت مع بعض الوجهاء في فلسطين ومصر لتشجيع عامة الناس للتطوّع في صفوف الجيش البريطاني، ولم تتوانى كذلك الصحف الفلسطينية عن توثيق الخطابات الجماهيرية التعبوية إن كانت من الشيوخ أو المثقفين أو الأدباء. ولكنّ السؤال هنا، لماذا لجأت بريطانيا لدعم “الوجهاء”؟ الجواب يبدأ من إيطاليا؛ إذ انضمت إلى صفوف ألمانيا النازية وشكّلت مع اليابان دول المحور. دخول إيطاليا، كان بمثابة انتهاء الحلم القومي لليهود لأنّها دعمت ثورة العرب والفلسطينيين منذ العام 1935. (بيان نويهض الحوت، 1983)

“أبدى العرب اليوم دليلًا جديدًا يُضاف إلى الأدلة الكثيرة التي سبقت على أنّهم في كل مكان موالون لبريطانيا العظمى وحلفائها ويؤيدون بكل قواهم قضية الديموقراطية العادلة”، هكذا استهلت صحيفة فلسطين في الصفحة الثالثة من عدد 18 حزيران 1940 حول اجتماع حاكم القدس العسكري، ومساعد حاكم لواء القدس، ومدير بوليس القدس والضابط فايز الإدريسي بالإضافة إلى الكاهنين يعقوب الحنّا ونقولا الخوري وصحفييْن من صحيفتي الدفاع وفلسطين، كل هؤلاء تجمّعوا في بيت المختار عبد الرحمن عريقات في منزله في بلدة أبو ديس، وكل هؤلاء اجتمعوا أيضًا للتأكيد لجماهير أبو ديس والبلدات المحيطة على أهمية الوقوف مع بريطانيا ودول الحلفاء في محاربة فاشية إيطاليا ونازية ألمانيا.

فلسطين: 18 حزيران 1940 | ص. 3
فلسطين: 18 حزيران 1940 | ص. 3

بعد أقل من شهر، عُقد اجتماع مشابه في مدينة الخليل للتأكيد على الولاء للديموقراطية؛ إذ بسّط فطين طهبوب مرامي السياسة الدولية والعالمية للجمهور، وبيّن كذلك كامل الجعبري مطامع الاستعمار الإيطالي، فيما تحدّث وشبان آخرون باللغة الإنجليزية للترحيب بالضيوف الإنجليز وتجديد الولاء والثبات على المبادئ الديموقراطية للحكومة البريطانية.  لكنّ الحديث الأدهش والمؤثر في هذا اليوم كان لصالح حاكم لواء القدس البريطاني “كيث روتش” الذي ذكّر الحضور العربي الفلسطيني أنّ الجميع يؤمن بالله، وأنّ بريطانيا وحكومتها وشعبها من أهل الكتاب، ويُعدّ دعم الإمبراطورية البريطانية من أسس الدين السليم، ووجب محاربة هتلر الذي استبدل الكتب المقدسة بنظامه النازي المطروح في كتابه “كفاحي”.

الدفاع: 5 تموز 1940
الدفاع: 5 تموز 1940

استمّرا المندوب السامي والحاكم العسكري بتشجيع الناس للانضمام لصفوف الحرب عبر استقبال بعض العائدين من الفرقة الفلسطينية من الحرب العالمية بحفل صاخب واستعراض عسكريّ مهيب يتخلله عامة الناس، سياسيون من الجانب الإنجليزي، اليهودي والعربي، بالإضافة إلى الصحافة العربية واليهودية؛ إذ نقلت صحيفة فلسطين الخبر في الصفحة الأولى من عددها الصادر في 29 أيلول من العام 1940، أي بعد عام من اندلاع الحرب.

فلسطين: 29 أيلول 1940
فلسطين: 29 أيلول 1940

عباس محمود العقّاد ينادي بالولاء لبريطانيا الديموقراطية

الحرب بعد 12 شهرًا و6 أسابيع، خطب الأديب عباس محمود العقّاد، والذي كان أيضًا أحد أعضاء مجلس النوّاب المصري، في إذاعة القدس مستهّلًا خطابه بـ “إخواننا أبناء العربية”، متابعًا وواصفًا فلسطين بأنّها مهد الديانات والرسالات السماوية، وكان الشاعر والروائي المصري عبد القادر المازني قد رافق العقّاد في رحلته إلى فلسطين وقد استقبلهم الأديب والمؤرخ عجاج نويهض في المسجد الأقصى. في يوميات طاهر عبد الحميد الفتياني، ورد بأنّ نويهض شارك في المؤتمر الذي أعدّه المندوب السامي في دار الحكومة بالقدس مع رؤساء بلديات يافا، الرملة، القدس، رام الله، حيفا، عكا، الناصرة، الخليل، وغزة حول مشروع تطوع عرب فلسطين في الجيش البريطاني، والبحث في وسائل تشجيع العرب للتطوّع. (سميح حمودة، مجلة حوليات مقدسية)

شاهد/ي أيضًا: مدن تاريخية مصوّرة

صحيفة فلسطين: 15 تشرين الأول 1940
صحيفة فلسطين: 15 تشرين الأول 1940

أما المحامي حنّا ديب نقارة، فقد أورد في كتابه “مذكرات محامٍ فلسطيني” الصادر في العام 1985 – بعد عام من وفاته – أنّ عجاج نويهض أدار إذاعة القدس لخدمة الجيش البريطاني؛ إذ كان هو والعقّاد يخطبون لصالح بريطانيا، وعلّق حينها: “مما أثار استهزاءنا بهذه الإذاعات الكاذبة. إذ كانت بريطانيا في نظرنا رأس الحية، ولا يهمنا من سيقضي على هذه الحية الرقطاء.”

بعد 10 أيام من خطاب العقاد، تعرّض هو والمازني وفخري النشاشيبي لإطلاق نار دون أن يُصاب أيّ منهم، أما عادل أرسلان – أخو الأمير شاكر أرسلان؛ المتهم بدعمه لألمانيا مع المفتي أمين الحسيني – فقد علّق على تصرفات العقّاد المتذبذة بأنه كان أشد الناس والكتّاب عداءً لبريطانيا لأنها قوة مستعمرة كغيرها؛ إلا أنّه في الحرب العالمية الثانية جاء إلى فلسطين مع المازني ليؤثر على عقول العرب فيصبحوا صهيانة. (أرسلان، 1983)

توالت الأحداث والأخبار حتى أصبحت تنشر في الصحف الفلسطينية أسماء المتطوعين القتلى والجرحى والمفقودين وتحديدًا في العام 1941 بعدما حمي الوطيس مع دول المحور وبدأت تنقلب معادلة الحرب لصالح دول الحلفاء.

صحيفة فلسطين: 22 تموز 1941 | ص. 5
صحيفة فلسطين: 22 تموز 1941 | ص. 5

 

صحيفة فلسطين: 29 تموز 1941 | ص. 5
صحيفة فلسطين: 29 تموز 1941 | ص. 5

لم تتوقف مكاتب التجنيد عن طلب المتطوعين، بل ازداد عدد المتطوعين المنخرطين في البحرية البريطانية كذلك.

فلسطينيّون في البحرية البريطانية، مجلة المنتدى: 1 أيّار 1943
فلسطينيّون في البحرية البريطانية، مجلة المنتدى: 1 أيّار 1943

 

مجلة المنتدى: 1 تموز 1943
مجلة المنتدى: 1 تموز 1943

 

مجلة المنتدى: 1 آب 1943
مجلة المنتدى: 1 آب 1943

قبل نهاية الحرب بأشهر قليلة، بدأت تنشر الصحف عن الأسرى الجنود، وعن عودة البعض واختفاء البعض الآخر، كما ورد في صحيفة فلسطين على سبيل المثال في العدد 9 حزيران 1945 خبر وصول 65 أسير حرب.

صحيفة فلسطين: 9 حزيران 1945
صحيفة فلسطين: 9 حزيران 1945

ولأن نهايات الحروب كما وصفها محمود درويش: ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز، تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة، تنتظر زوجها الحبيب وأولئك الأطفال، ينتظرون والدهم البطل. لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيتُ من دفع الثمن”. وعلى الرغم من هذا الوصف “الرومانسي” لنهاية الحرب، إلّا أنّ هذه عادة الحروب، تختفي أسماء وتُخلّد أسماء أخرى، فيما تنتصر دول وتُباد شعوب أخرى لسوء إدارة حُكّامها وألاعيب مثقّفيها.

الطنطورة: نظرة عامة على القرية

تمتاز قرية الطنطورة بموقعها البارز المطل على ساحل البحر الأبيض؛ إذ اعتُبِرت حلقة وصل للنشاطات التجارية بين المدن المركزية في البلاد. سنتعرّف في هذا المقال على طبيعة المشهد العام للطنطورة، والحياة الاقتصادية والتعليمية بإتاحة بعض المواد الرقمية.

الطنطورة: 1920-1930، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية.

الطنطورة: 1920-1930، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية.

“البحر حدّ البلد، يعيرها أصواته وألوانه، يلّفها بروائحه، نشمّها حتى في رائحة خبز الطابون.” هكذا استهّلت رضوى عاشور وصف قرية الطنطورة بعلاقتها الفريدة والراسخة مع البحر الأبيض بامتزاجها بخصائص البحر والبر. تقع قرية الطنطورة على ساحل البحر على بُعد 24 كيلو مترًا غرب مدينة حيفا، وتحيط بها العديد من البلدات والقرى العربية مثل: الفريديس، عين غزال، إجزم وجسر الزرقاء. وقبل العام 1948، قُدّرت مساحة أراضي الطنطورة أكثر من 12 ألف دونمًا، ووفقًا لإحصائيات السُّكان حتى العام 1945، كان في القرية ما يقارب الـ 1940 نسمة من العرب. (الخالدي، 1997). أمّا التسمية، فإنّ كلمة “طنطور” تعني المكان المرتفع قليلًا على هيئة قبعة مخروطية الشكل نوعًا ما، إذ تقع قرية الطنطورة على تل صغير وتظهر كشكل مخروطي. وسنتعرّف في هذا المقال على طبيعة المشهد العام للطنطورة، والحياة الاقتصادية والتعليمية بإتاحة بعض المواد الرقمية من صور وأخبار من موقع جرايد لأرشيف الصحف الفلسطينية القديمة.

الموقع الجغرافي والمشهد العام
تمتاز قرية الطنطورة بموقعها البارز المطل على ساحل البحر الأبيض، ويحاذي الشاطئ العديد من الجُزُر الصخرية والمُغُر، بالإضافة إلى انتصاف القرية الطريق بين مدينة حيفا ومدينة يافا؛ حيث كانت حلقة وصل للنشاطات التجارية بين المدينتين المركزيتيْن. وحينما أراد نابليون بونابرت احتلال مدينة عكا، مرّ بالطنطورة وجعل منها قاعدة عسكرية لجيوشه للزحف نحو المدينة، ولاحقًا استراحوا فيها بعد هزيمتهم على أسوار المدينة. بالإضافة إلى ذلك، أنشئت في الطنطورة محطة قطار لسكة الحديد قبل التوّجه لمدينة حيفا؛ إذ كان ميناء الطنطورة من موانئ الساحل التجارية الهامة.

اقرأ/ ي أيضًا: نابليون بونابرت: رسائل، خرائط وأراشيف رقمية من المكتبة الوطنية

خريطة توضيحية لموقع قرية الطنطورة والقرى والبلدات المحيطة
خريطة توضيحية لموقع قرية الطنطورة والقرى والبلدات المحيطة

 

مشهد جغرافي عام لصخور القرية المحاذية للشاطئ وعليها مجموعة من الصيّادين
مشهد جغرافي عام لصخور القرية المحاذية للشاطئ وعليها مجموعة من الصيّادين

النشاط الاقتصادي في الطنطورة

جعل موقع الطنطورة الاستراتيجي، كما أسلفنا، من القرية نقطة تجارية هامة للنقل التجاري البحري والبري؛ إذ حرصت على تصدير منتاجاتها من زراعة الحبوب مثل العدس والفول والسمسم والأشجار الثمرية مثل التين والرمان والتفاح والليمون، إلى جانب موسم البطيخ في الطنطورة الذي كان يُصدَّر إلى مدينتي حيفا، يافا، وغزة وكذلك مصر ولبنان.

واشتهرت الطنطورة كذلك بصيد الأسماك، إذ اهتمت القرية ومجلسها المحلي بطلب دعم الحكومة بتزويدها بقوارب صيد كي يزداد الإنتاج وبالتالي تقل أسعار البيع وتستطيع العائلات “المستورة” شراء السمك بأسعار معقولة، كما ورد في صحيفة الدفاع في العام 1943. كذلك ورد في صحيفة الدفاع في العام 1941، بأنّ دائرة مصائد الأسماك قد اهتمت بتزويد رخص قوارب لمئتي صيّاد لتشجيع حركة الصيد في منطقة حيفا وزيادة الإنتاج وبالتالي يتحسّن الدخل العام للقرية. وقد تمّيز صيادو الأسماك في الطنطورة بطريقة خاصة بهم في الصيد مما دفع حاكم اللواء بزيارة الطنطورة في موسم الصيد للتفرّج على هذه الطريقة. وقد وثّق الدكتور شكري العرّاف في كتابه “مصادر الاقتصاد الفلسطيني” منتوجات ومردودات إنتاج السمك في الطنطورة ومناطق عربية أخرى، وقد حرصت صحيفة الاتحاد بتقديم ملخصات لهذا الكتاب على مراحل في أعداد مختلفة من الصحيفة.

الدفاع: 4 أيّار 1943
الدفاع: 4 أيّار 1943

 

صحيفة الدفاع: 20 نيسان 1941
صحيفة الدفاع: 20 نيسان 1941

 

 

 

الدفاع: 30 نيسان 1943
الدفاع: 30 نيسان 1943

 

 

 

الاتحاد: 6 تموز 2000
الاتحاد: 6 تموز 2000

 


الحياة التعليمية

كانت الطنطورة مركزًا لأبناء وبنات القرى المجاورة؛ إذ بنيت مدرسة البنين في العام 1889 وقد كانت حتى الصف السابع، وبعد ذلك يقصد الطلبة مدارس حيفا المركزية وقد اهتم مجلس القرية بدفع المتفوقين لاستكمال تعليمهم وذلك بالتكفّل بتكاليف الدراسة للأول والثاني. بينما أُنشئت مدرسة للإناث في العام 1938، وكانت حتى الصف الرابع، ولمن أرادت استكمال تعليمها تتجه لمدارس الراهبات في حيفا أو الناصرة أو يافا. وفي العام 1942، فُرِض التعليم الإجباري على الذكور والإناث .  فيما استعدت الطنطورة لبناء مدرسة داخلية عالية لطلبة الطنطورة والقرى المحيطة كما ورد في صحيفة الاتحاد في العام 1941.

الدفاع: 29 تمّوز 1941
الدفاع: 29 تمّوز 1941

 

الدفاع: 31 آذار 1942
الدفاع: 31 آذار 1942

ختامًا، اعتُبرِت الطنطورة ذات مكانة هامة في العديد من الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية التي جعلت من اسم الطنطورة كما يقال “نارًا على علم”، وقد أصبحت في أيّامنا هذه عبارة عن منتزه كبير، والذي تم إنشاؤه في العام 1943 بعد تجفيف المستنقعات المائية الضارة وزراعة أشجار الكينا وأشجار حُرشية أخرى، بالإضافة إلى متحف.

الدفاع: 14 شباط 1943
الدفاع: 14 شباط 1943

تصفحوا مواد الطنطورة في أروقة المكتبة الرقمية

تلّة الذّخيرة – المعركة والميدان اليوم

لتخليد ذكرى المعركة، في "يوم القدس" الثّامن تمّ افتتاح موقعًا رسميًا في تلّة الذّخيرة يمكن زيارته لمشاهدة المخابئ والقنوات. تعرّفوا عن كثب على تلة الذخيرة والحرب التي جرت بين الأردن وإسرائيل هناك.

جنود اسرائيليّون يقلّون أسرى أردنيين معصوبي الأعين في العاشر من حزيران 1967، أرشيف دان هداني

في شمال القدس اليوم، يمرّ القطار الخفيف الّذي تمّ تشغيله رسميًا عام 2011، من محطّة جفعات هتحموشت، ومن يعتلي هذا القطار يوميًا يسمع هذا الاسم يتردّد بالتأكيد. لا يظهر الكثير للرّكاب من داخل القطار، فما يراه الرّاكب حوله من النّافذة يُشعره بأن هذه المنطقة ليست سوا مفترق طرقٍ كبير، يصل خطوط المواصلات ويربط غرب المدينة بشرقها وشمالها بجنوبها، إلّا أنّ الكثيرون لا يعلمون أنّهم يمرّون بجانب “مثلّث الموت” كما أسماه الجنود الّذين شاركوا في المعركة على القدس عام 1967 وهي ساحة لمعركة تلة الذّخيرة الشّرسة. تلك المعركة الحاسمة الّتي تقاتل فيها الجنود الأردنيّون مع اللّواء الخامس والخمسين من قوّات المظلّيين الإسرائيليّة، ومرّ من خلالها نجاح القوات الاسرائيليّة بالسّيطرة على القدس كاملة.

للتعرّف على معالم ساحة المعركة على القدس في حرب عام 1967 لا بدّ من التّطرّق إلى مآلات حرب عام 1948 في المنطقة، وكيف كانت تلّة جفعات هتحموشت تتربّع على منطقة مضطربة جغرافيّا في حين اندلاع الحرب الكبرى عام 1967، ممّا جعلها مسرحًا لهذه المعركة المفصليّة بين القوّات الأردنيّة والإسرائيليّة، والّتي وصفها البعض بالمعركة الأكثر دمويّة في تاريخ الحروب العربيّة-الإسرائيليّة على الإطلاق.

خارطة للقدس من إصدار ستيماتسكي عام 1955، تظهر تلّة الذّخيرة شمال غرب البلدة القديمة
خارطة للقدس من إصدار ستيماتسكي عام 1955، تظهر تلّة الذّخيرة شمال غرب البلدة القديمة

 

وفقًا لقرار التقسيم، كان يفترض أن تكون منطقة القدس تابعة لسيادة دوليّة، إلّا أن حرب عام 1948 أفضت لواقعٍ مختلف بدأ من عنده انقسام المدينة. فأصبح غربها بالكامل تحت السّيطرة الإسرائيليّة، وشرقها بمعظمه تحت السّيطرة الأردنيّة. وبهذا تم فصل جبل المشارف عن بقيّة الجزء الواقع تحت السّيطرة الإسرائيليّة في الغرب ومن هنا كان لا بدّ من استعادة الطّريق نحو الجبل في حرب 1967 من خلال احتلال تلّة الذّخيرة وجفعات همفتار أولًا.

أكاديميّة الشّرطة ومخازن الأونروا في تلّة الذّخيرة عام 1969 من خلف الحدود، أرشيف بن تسفي
أكاديميّة الشّرطة ومخازن الأونروا في تلّة الذّخيرة عام 1969 من خلف الحدود، أرشيف بن تسفي

 

بعد انضمام الأردن إلى الحرب وعمل جيشها تحت إمرة عربيّة موحّدة، كانت خطّة الجيش الإسرائيلي اقتحام التّلة من أجل الوصول إلى جبل المشارف، فبعد تأمين كلا الطّريقين بين القدس ورام الله والقدس وبيت لحم (تل الفول)، بقي تأمين الطريق نحو بلدة القدس القديمة. تلقّى لواء المظلّيين الخامس والخمسين الأمر بفتح الطّريق بين حيّ الشّيخ جرّاح وجبل المشارف وصولًا إلى متحف روكفلر، وبعد تردّدات حول التّوقيت الأنسب لشنّ الهجوم، بدأ جنود الوجدة بالتّقدّم في السّاعة الثّانية من صباح السّادس من حزيران، واندلعت هذه المعركة الّليليّة الّتي استمرّت لثلاث ساعات متواصلة.

اتّسمت معركة تلّة الذّخيرة بالدّمويّة وبالمواجهة المباشرة بين الجنود الأردنيّين والإسرائيليّين. فقد بدأ الجنود المظلّيين باقتحام أكاديميّة الشّرطة الّتي تمّ بنائها على يد الانتداب البريطاني وبقيت تحت السّيطرة الأردنيّة منذ تمكّنت منها عام 1948 وحتّى هذه اللّحظة من المعركة. وبعد أن تمّت السّيطرة عليها بسهولة بدأ الجنود بالتّحرك للهجوم على الحصن الأردني جنوب الأكاديميّة، ومنذ اللّحظة الأولى بدأ تبادل إطلاق النّيران بشراسة بين الجهتين. كان الحصن الأردنيّ محاط بالأسلاك الشّائكة وبحقول الألغام، كما أحيط من ثلاث جهات بقنوات حُفرت عميقًا ليطلق الجنود النّار من داخلها دون تعريض أجسادهم للخطر، بالإضافة إلى أنفاق ومنشئات بسيطة تحت الأرض أُعدّت للتّنقل الآمن بين أنحاء الحصن وربطه كذلك بناحية الأكاديميّة. بعد انضمام عناصر إضافيّة للمساعدة، تمكّن المقاتلون الإسرائيليّون من التّقدّم لمساحة كافية بحيث سمحت لهم مواقعهم بتفجير مخابئ المقاتلين الأردنيّين ممّا حسم نتيجة المعركة، وهكذا تمّت السّيطرة على تلّة الذّخيرة بالكامل بعد القضاء على السّرية الأردنيّة بأكملها تقريبًا، وسقوط أربعة وثلاثين جندي من القوّات الإسرائيلية.

قنوات تلّة الذّخيرة وتظهر خلفها بنايات حيّ رامات أشكول عام 1969، أرشيف بن تسفي
قنوات تلّة الذّخيرة وتظهر خلفها بنايات حيّ رامات أشكول عام 1969، أرشيف بن تسفي

 

لتخليد ذكرى المعركة، في “يوم القدس” الثّامن تمّ افتتاح موقعًا رسميًا في تلّة الذّخيرة يمكن زيارته لمشاهدة المخابئ والقنوات، بالإضافة إلى مبنى حديث بمثابة نصب تذكاري ليكون شاهدًا على معارك القدس بمجملها حيث تُعرض بعض الأسلحة والصّور والشّروحات، وفي ساحة الموقع تقوم الاحتفالات الرّسميّة بذكرى انتصار إسرائيل عام 1967، باعتبار هذا الموقع الأهم لثقل هذه المعركة وأثرها على بقيّة الحرب.

رسم لتصميم الموقع التّذكاري لتلّة الذّخيرة، 1987 أرشيف جيرشون تسيبور
رسم لتصميم الموقع التّذكاري لتلّة الذّخيرة، 1987 أرشيف جيرشون تسيبور

 

تصميم النّصب التّذكاري، أرشيف المهندس يعكوف جيفر
تصميم النّصب التّذكاري، أرشيف المهندس يعكوف جيفر

 

أراد الملك عبدالله في حرب 1948 الحفاظ على القدس بأي ثمن، ويقال أنه كلّم الضّباط الأردنيّين بنفسه قائلًا “القدس القدس، لآخر طلقة ولآخر رجل”، ويبدو أن هذه المقولة كانت تدوي كذلك بعد عشرين عامًا في نفوس الجنود الأردنييّن الّذين لقوا حتفهم في معركة جفعات هتحموشت أو تلّة الذّخيرة عام  1967 ويقدّر عددهم بثمانية وتسعين. وما زالت أرض المعركة إلى اليوم تكشف تفاصيلًا وقصّصًا مخبأة، ففي العام السّابق على سبيل المثال، وجدت بقايا رفات ومتعلّقات لجندي أردني منها خنجر وساعة يد وخوذة. ولا بدّ أن تلّة الذّخيرة الّتي احتفظ اسمها بطابعها الحربيّ، ما زالت تخبّئ المزيد من القصص والتّفاصيل الدّفينة لمعركة شديدة الدّمويّة وكبيرة الأثر.

جنود إسرائيليّون مع صورة للملك حسين في القدس، العاشر من حزيران 1967، أرشيف دان هداني
جنود إسرائيليّون مع صورة للملك حسين في القدس، العاشر من حزيران 1967، أرشيف دان هداني

 

 

يوم القدس والرّقص بالأعلام

احتفالات يوم توحيد القدس والرقص بالأعلام الإسرائيلية، نظرة تاريخية عامة على هذا اليوم.

“أتعرفين؟ طوال عشرين سنة كنت أتصور أن بوابة مندلبوم ستفتح ذات يوم …ولكن أبداً، أبداً لم أتصور أنها ستفتح من الناحية الأخرى. لم يكن ذلك يخطر لي على بال، ولذلك فحين فتحوها هم، بدا لي الأمر مرعباً وسخيفاً وإلى حدٍّ كبيرٍ مُهيناّ تماماً … قد أكون مجنوناً لو قلتُ لكِ إن كل الأبواب يجب ألاّ تفتح إلا من جهةٍ واحدةٍ، وإنها إذا فُتحت من الجهة الأخرى، فيجب اعتبارها مغلقةً لا تزال، ولكن تلك هي الحقيقة”.

لم تكن كلمات الروائي غسان كنفاني إلا انعكاسًا لنتائج حرب حزيران عام 1967، والتي أسفرت بشكل أساسي عن ضم الجزء المتبقي من مدينة القدس وتوحيدها تحت السيادة الإسرائيلية وهدم ما تبقى من بوابة مندلبوم التي كانت تفصل بين الشطر الغربي والشرقي من القدس. بعد 55 عامًا، لا يزال معظم الإسرائيليين يحتفلون بما يُعرف بيوم التوحيد لشطري مدينة القدس.

في الثّامن والعشرين من الشّهر الثّامن في التّقويم العبريّ يحتفل الإسرائيليّون بيوم القدس، ومن أشهر تقاليد هذا العيد مسيرة ترقيص الأعلام الّتي يجوب بها الآلاف بلدة القدس القديمة. فما قصّة هذا الاحتفال وما هي مراسمه؟

يوم القدس هو عيد وطني يحتفل فيه الإسرائيليّون بذكرى توحيد مدينة القدس بشقّيها الغربي مع الشّرقي خلال حرب عام 1967 ويُسمّى أيضًا بيوم توحيد القدس ويوم تحرير القدس. من التّقاليد الشّهيرة في هذا اليوم كلّ عام مسيرة ترقيص الأعلام الّتي تنطلق من غرب المدينة وتدخل البلدة القديمة من أبوابها لتلتقي عشرات الآلاف من الشّبيبة في ساحة الحائط الغربيّ. فكيف تشكّلت هذه التّقاليد؟

في العام التّالي للسّيطرة الإسرائيليّة على شرقيّ مدينة القدس قام نشطاء من حركات ومدارس دينيّة-قوميّة بالمطالبة بإقامة وقفة احتفاليّة عند الحائط الغربيّ احتفالًا بذكرى الانتصار إلّا أنّهم لم يحصلوا على موافقة الحكومة فقاموا بإحياء الاحتفال خارج أسوار البلدة القديمة بقيادة رجال دين بارزين استمرّوا بالعمل على ترسيخ الثّامن والعشرين من الشّهر الثّامن للسّنة العبريّة ذكرى وطنيّة لحيازة القدس كاملة. إلّا أنه في ذلك الوقت، انطلق بعض تلاميذ المدرسة الدّينيّة مركاز هراف ليلًا بقيادة أستاذهم راف تسفي يهودا كوك ليسيروا رقصًا من مركز المدينة في شارع يافا وحتّى الحائط الغربيّ في البلدة القديمة. تحوّلت هذه المسيرة فيما بعد إلى حدث جماهيري كبير يتكرّر كلّ عام، ففي عام 1974 تمّ إشراك عدد كبير من المدارس الدّينيّة ومنذ ذلك الحين ما زالت المسيرة مستمرّة، وتشكّل إحدى الأحداث الأكثر بروزًا على رزنامة التّيار الصّهيونيّة الدّينيّة في إسرائيل.

مسيرة يوم القدس، 1992، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية
مسيرة يوم القدس، 1992، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية

يمثّل هذا اليوم بالنّسبة للمحتفلين فيه مناسبة للفخر وللتأكيد على السّيادة اليهوديّة والإسرائيليّة على كامل القدس، ويتغيّر مسار المسيرة أحيانًا بحسب الظّروف ورغبة القائمين عليها، لكنّها دومًا ما تبدأ من غرب المدينة وتتجّه نحو البلدة القديمة لتدخلها من أبوابها وتصل إلى ساحة الحائط الغربيّ. تستمرّ مراسم مسيرة الرّقص بالأعلام حتّى ساعات المساء، ويشارك بها عشرات الآلاف من شبيبة التّيار الدّيني-القومي.

في العادة، يتمّ دخول البلدة القديمة من عدّة أبواب من ضمنها باب العامود وباب الخليل، في الماضي تمّ منع المسيرة من دخول البلدة القديمة من باب الأسباط لعدّة سنوات إلّا أن المنع تم إبطاله في عام 2017. أما باب العامود فهو جزء من المسار التّقليدي لمسيرة الأعلام، وقد تمّ منع المسيرة من المرور فيه فقط في العام الماضي 2021.

بالرّغم من كون هذه المسيرة تقليد قائم منذ أواخر السّتينيّات، أي تمامًا بعد إتمام السّيطرة العسكريّة لإسرائيل على شرق القدس، إلّا أن “يوم القدس” لم يغدُ عيدًا وطنيًا رسميًا في دولة إسرائيل سوى بعد اتّفاقيّات أوسلو وبدء الحديث حول مبادرة السّلام العربيّة بسنوات قليلة، ففي العام 1998 وافق الكنيست أخيرًا على اعتبار التّاريخ المحدّد مناسبة وطنيّة للدّولة تحت عنوان “يوم يروشلايم” أي يوم القدس.

بهذه المناسبة، بالإضافة إلى مسيرة الرّقص بالأعلام، يُقام احتفالٌ رسميّ للدولة في موقع إحدى أهمّ المعارك على القدس عام 1967 في تلة الذخيرة، بالإضافة إلى الجولات الميدانيّة والاحتفالات المتفرّقة للمواطنين، وكذلك مراسم دينيّة معيّنة. ومن الجدير بالذّكر أن مسيرة الأعلام لم تكن الأولى من نوعها في شرق المدينة، فقد أقامت الدّولة مسيرة عسكريّة هناك هناك في يوم الاستقلال لعام 1968.

من المسيرة العسكريّة في يوم الاستقلال عام 1968 شارع السلطان سليمان في القدس.
من المسيرة العسكريّة في يوم الاستقلال عام 1968 شارع السلطان سليمان في القدس.