ثورة البراق عام 1929 وأثرها في تشكيل الهوية الفلسطينية

لقد كان لثورة البراق عام 1929 الأثر الكبير في تشكيل الهوية الفلسطينية الحديثة خلال الفترة الانتدابية ومن أبر محطات الصراع العربي اليهودي في البلاد.

صحيفة الكرمل، 17 حزيران 1930

لا شك أن ثورة 1929 شكلت محطة فاصلة بين حقبتين، شكلت مرحلة اللاعودة في العلاقات العربية اليهودية؛ من عداء واضح وعنف متبادل وشقاق لن يلتئم بعدها، لقد تم دراسة الثورة وأسبابها وتفاصيلها، ولكن على أهمية هذا الإنتاج إلا أنه من المهم أيضاً دراسة أثر ثورة 1929 في الوعي والهوية الفلسطينية

توفر لنا الصحافة الفلسطينية فرصة مدهشة ومثيرة للوقوف على تشكل الهوية الثقافية والسياسية الفلسطينية بتفاصيلها الدقيقة من الأغنية الفلسطينية وحتى العلم الفلسطيني. كل ذلك سيتشكل في ثورة 1929، وهو ما يدل على أثرها في الوعي والذاكرة الفلسطينيتين.
بالنسبة للفلسطينيين فقد اندلعت الثورة بسبب اعتداء اليهود وخروج موكب يهودي بعلم باتجاه حائط البراق، وهو ما شكل بالنسبة لهم اهانة دينية وقومية، حيث ناقشت الجريدة ذلك وذكرته في اليوم الثاني لاندلاع الأحداث

 

جريدة فلسطين، 24 آب 1929

اشتعلت البلاد كلها خلال ايام في الخليل وطبريا والقدس وحيفا وصفد وغيرها، عشرات القتلى والجرحى، العديد من الأحياء نسفت، خطوط الهاتف قطعت، الشوارع أغلقت، خلال أسبوع كانت الثورة قد عمت المدن الرئيسية وتحولت إلى أشبه بساحة حرب.
لكي تخمد السلطات الانتداب الثورة أقدمت على اصدار أوامر بوقف كافة الصحف حينها بما فيها جريدة فلسطين والدفاع ومجلة الفجر وغيرها ولم تسمح لها بالعودة للعمل إلى بعد أسبوع

جريدة فلسطين، 2 أيلول 1929

حين عادت الصحف للعمل نشرت حينها كل الأخبار والبلاغات التي وصلت خلال أسبوع الأحداث دفعة واحدة، توفر لنا هذه المواد اليوم مساحة مهمة جداً لفهم الأحداث والتفاصيل بشكل يومي تماماً كما لخصتها ووصفتها الحكومة البريطانية

جريدة فلسطين، 3 أيلول 1929
جريدة فلسطين، 3 أيلول 1929

كان ذلك ملخصاً أسبوع مما سيطلح على تسميته بثورة البراق في الثقافة الفلسطيية، أو أحداث أو شغب 1929 في الثقافة العبرية، لكنه سيترك أثراً بالغاً في الوعي الفلسطيني، فعلى أثر الاحداث اعتقل ثلاثة فلسطينيين وهم: محمد جمجوم، فؤاد حجازي، وعطا الزير. حكم عليهم لاحقاً بالاعدام، حكم سيدخل التاريخ حيث سيتحول الشبان الثلاثة إلى جزء من ذاكرة الشعب الفلسطيني ونضاله، وسيتم استحضارهم في كل حدث ومناسبة، ولا يزال حتى اليوم بعد عشرات السنين من اعدامهم يُذكرون كل عام ولا يزال معظم الفلسطينيين يحفظون عن ظهر قلب قصيدة “من سجن عكا طلعت جنازة” التي كتبها الشاعر نوح ابراهيم والذي سيستشهد هو الآخر لاحقاً لتصير حكايتهم كأنها قصة ملحمية بنظر الكثيرين.

اليرموك، 18 حزيران 1930

هذا الأثر في الهوية لن سينعكس أيضاً في الأدبيات والشعر الفلسطيني هكذا ستصير أغنية لا تسل عن سلامته والتي ظهرت في مسلسل “التغريبة الفلسطينية” جزءًا متأصلاً في التراث والأغنية الفلسطينية

جريدة مرآة الشرق، 13 نيسان 1930


اقرأ/ي أيضاً: محطات في حياة السياسي الفلسطيني ابن مدينة الرملة الأستاذ يعقوب الغصين

لكن الأثر الأبرز ربما لأحداث ثورة البراق سيكون سياسياً، حيث يمكن استشفاف علاقة واضحة بين رفع العلم الصهيوني (كما وصفته جريدة فلسطين) وبين ظهور العلم الفلسطيني نفسه، حيث قدمت جريدة فلسطين بعد الثورة بشهر واحد اقتراحاً للجنة التنفيذية بضرورة اتخاذ علم مقترحة عليها علمين ومطالبة أيضاً بنشيد وطني وهو ما سيفتح باب النقاش بعدها والذي سيفضي لاحقاً لتصميم العلم الفلسطيني.

جريدة فلسطين، 20 تشرين الأول 1929

لم تكن ثورة البراق سوى أسبوع واحد ولكنها ساهمت في صقل جوانب متعددة من الهوية الفلسطينية، قد تكون الأمثلة أعلاه بعضها، ولا تزال الكثير من الأمثلة بحاجة لدراسة معمقة، ربما تشكل هذه الصحف الفلسطينية اليوم وقد صارت متاحة للباحثين بداية جيدة لدراسة الكثير من الجوانب واعادة قراءة الماضي قراءة نقدية تسلط الضوء على ما جرى وتمكننا ليس فقط من فهم الماضي بل من فهم الحاضر أيضاً.

المهندس الإيطالي الذي أحضر الروح العصرية (والغرور) الأوروبية إلى البلاد

أمضى الدكتور ايرميتي بييروتي في البلاد ثمانية أعوام منذ منتصف القرن التاسع عشر. المناظر الطبيعية نالت إعجابه لكن ليس أهل البلاد  الأصلانيين

منذ الحملات الصليبية الغابرة في القدم أقيمت في البلاد تقاليد فنية فخمة بإشراف أشخاص لم يقوموا بزيارة البلاد بتاتًا – رسامو الخرائط، الأدباء والشعراء – الذين أبدعوا في تقديم أعمال فنية على مستوى رفيع لتشبيهات متخيلة من الديار المقدسة وفي مركزها مدينة القدس. وقد اعتمدوا في أعمالهم غالبًا على ما جاء في الكتب المقدسة، المصادر اليهودية والمسيحية المختلفة، كتب الرحالة، الشائعات التي تناقلها الناس، وبعض المناظر التي أبدعها خيالهم المفرط. وقام آخرون برسم معالم المدينة بموجب ما شاهدته نواظرهم وفي كثير من الأحيان كما تراءت من مطلة جبل الزيتون. وقد نُفّذت الرسومات والمناظر التي اعتمدت على الواقع من خلال اعتماد طريقة الرسم الحرّ.

فقط خلال القرن التاسع عشر بدأت تنشر بعض خرائط المدينة بالاعتماد على القياسات. أحد الأشخاص الذين قاموا برسم الخرائط المعتمدة على طرق القياس الدقيقة كان دكتور ايرميتي بييروتي. الباحث والكاتب والمهندس المعماري الإيطالي أمضى مدة ثماني سنوات (1861-1854) في العمل المتواصل في وظيفة المهندس المعماري المدني والعسكري لمدينة القدس بدعوة من متصرف لواء القدس ثريا باشا. وبفضل المكانة الرفيعة التي حظي بها لدى متصرف اللواء حظي بييروتي بحرية تنقل فريدة من نوعها، فاستغل هذه الحرية في التنقل من أجل الدخول إلى الأماكن المقدسة مثل الحرم القدسي الشريف والحرم الإبراهيمي، وهما من الأماكن التي يُحْظَرُ أن يدخل إليها “الغير مسلمين”.

خارطة الخليل، نابلس والبحر المتوسط من أطلس مكوّن من ستّ خرائط نشرها بييروتي في عام 1888.

قام بييروتي بأعمال البحث والتنقيب في الأماكن المقدسة في أرجاء مدينة القدس وخارجها، وأعدّ مخططات تهدف إلى ترميم المدينة وأشرف على عدد لا بأس به من المبادرات العمرانية. وبينما كان يعيش في القدس نشر كتابه “القدس رهن البحث” المكوّن من جزأين حيث أجرى مقارنة بين مدينة القدس إبان أيام العهد القديم من الكتاب المقدّس وبين المدينة المعاصرة: وقد أثار نشر الطبعة الأولى وخاصة ترجمتها للغة الإنجليزية عاصفة من ردود الفعل في بريطانيا. وقدّمت ضد بييروتي دعوى قضائية من قبل جيمس جراهم الذي ادعى أن بييروتي سرق الصور الواردة في الكتاب من المصور الأسكتلندي، فردّ بييروتي على هذا الادعاء بالقول إنّه قد اشترى هذه الصور من المصور اليهودي الروسي مندل جون دينز. وعلى أي حال من الأحوال فقد سارع للرحيل عن القدس.

أهل البلاد في عيني ايرميتي بييروتي هم رقيق

حتى بعد رحيله عن الديار المقدسة واصل بييروتي الاهتمام بالمناظر والشخصيات التي قابلها. وواصل في نشر النتائج التي توصل إليها في سلسلة من الكتب، وأيضًا في أوروبا اعتبر نفسه خبيرًا كبيرًا وليس فقط في المناظر الطبيعية والعمارة في البلاد. أحد أشهر كتبه، والوحيد الذي تمت ترجمته للغة العبريّة كرّسه لبحث “العادات والتقاليد في الأراضي المقدسة”. الاسم الكامل لهذا المؤلف يدل على دافعية بييروتي في الكتابة: “العادات والتقاليد في الأراضي المقدسة لدى سكان البلاد الآن، التي تشكل نموذجًا لأنماط الحياة التي كان يعيشها العبرانيون القدامى”.

مخطط الحرم الإبراهيمي في الخليل. يضمّ هذا المخطط مقطعًا عرضيًا ومقطعًا طوليًا للحرم والذي يرفق من حوله بتفاصيل معلوماتية كثيرة حول المكان. وقد تم نشر هذا المخطط أيضًا كجزء من الأطلس الذي نشره بييروتي في عام 1888
مقطع عرضي للحرم الإبراهيمي من “مخطط الحرم الإبراهيمي في الخليل.

يضمّ هذا المخطط مقطعا عرضيا ومقطعا طوليا للحرم يرفق من حوله بتفاصيل معلوماتية كثيرة حول المكان. وقد تم نشر هذا المخطط أيضًا كجزء من الأطلس الذي نشره”

“كلّ من يضفي على الحيوانات صفة العقل والإدراك دون الاكتفاء بالغرائز، لو كان يتجول في البلاد طولًا وعرضًا لكان دون أدنى شكّ سيجد الكثير من الأدلة لتعزيز نظريته، وكان من الممكن أن يتوصل للاستنتاج (وهو استنتاج غير بعيد عن الحقيقة) بأن هذه المخلوقات أذكى من بشر كثيرين. وعلى الأقل فأنا ما كنت أستطيع أن أدحض أقواله، نظرًا لأنني تقريبًا توصلت لنفس وجهة النظر بعدما تعرفت عن كثب، طوال سنوات، على الفئتين كلتيهما”.

(من كتاب: العادات والتقاليد في أرض إسرائيل، ايرميتي بييروتي)

بينما كان انطباعه إيجابيا عميقا بفضل المباني الكثيرة في مدينة القدس فقد ترك سكان البلاد التي أمضى فيها سنوات طويلة لديه أثرًا سيّئًا. بما يليق بشخص أوروبي من القرن التاسع عشر، لم يتورّع بييروتي من التعميم والاستهزاء بمجموعات إثنية كاملة: فالعرب الذين اعتبرهم من سلالة العبريّين القدامى نظر إليهم على أنهم ثلة من الأشخاص السريعي الغضب، المحتالين والذين لا يمكن أن يبدوا استعدادهم لتقديم المساعدة للأجانب إلا إذا حصلوا في المقابل على “بقشيش”- رشوة. “أيّ سائح في دول الشرق، ولا سيما في سوريا، لا يعرف كلمة بقشيش؟” فقد تكرر ترديد هذه الكلمة على مسامعه إلى درجة أنه استمر في استخدامها حتى بعد عودته إلى بلاده، وبهذه الطريقة فإن هذه الكلمة كادت تغدو جزءًا لا يتجزّأ من حديث الناس في أوروبا أيضًا.”

برك سليمان، جنوبي بيت لحم

من أجل الوصول إلى جذور عادة “البقشيش” ادعى بييروتي أنه يتوجب علينا البحث في العهد القديم من الكتاب المقدس، وذلك من منطلق أنّ العبريّين القدامى كانوا معتادين على عادة “البقشيش”، بدءًا من إبراهيم وحتى إليشع تلقى أبطال العهد القديم (الآباء القدامى للعرب المعاصرين) سلسلة من الإكراميات، الهدايا ومنح المصالحة مِنْ كلّ مَنْ ساعدهم أو أغضبهم. محبة الرشوة لدى الرجال العرب كانت منسجمة تمامًا مع الطبيعة الدسّاسة لنسائهم: “تحت ثنايا المنديل من الممكن التفاضل، تدبير الدسائس وتدبير مختلف المؤامرات التي يمكن أن تخطر على البال”.

كان موقف بييروتي من اليهود أكثر تركيبًا: فقد اعترض على الآراء المسبقة والافتراءات القديمة التي التصقت بأبناء الشعب المختار”، لكنه لم ينسَ التعبير عن استعلائه الأوروبي عليهم: “بينما حرص العبريّون القدامى على الاستحمام والنقاء فإن أحفادهم تخلَّوْا عن الطريق التي انتهجها الأجداد القدامى. في أيام السبت يرتدي اليهود ملابس احتفالية قشيبة لكن، عندما تقترب منهم يتبيّن لك أن النظافة لديهم لم تكن سوى خارجية، وذلك لأنهم تباخلوا في تسديد رسوم الدخول إلى الحمّام”.

وقد ساهم دكتور ايرميتي بييروتي في إحضار الروح العصرية إلى البلاد العريقة غير أنه لم ينسَ أن يصطحب معه من البلاد الأصلية أيضًا الصفة المقرونة بها: الغرور الأوروبي.

خارطة جبل هموريا وجبل البيت (الحرم القدسي الشريف). كما يبدو فإن هذه الخارطة أهمّ الخرائط الستّ المتبقية. سُمِحَ لبييروتي الدخول إلى الحرم القدسي الشريف وهو مكان لم يُسْمَح قطعيًّا دخولُ اليهود والمسيحيين إليه.

 

 

هل تشتاقون لإيطاليا…..تعرفوا على ماركة الأحذية الأشهر فيها: باتا

في هذا المقال نتحدّث عن شركة باتا الإيطالية العريقة وإعلاناتها في جريدة الكرمل.

في هذه الأيام، تعيش إيطاليا أيامًا عصيبة بسبب انتشار وباء الكورونا فيها؛ والتبعات التي ألقت بظلالها على كامل المدن الإيطالية. لكننا، نقول على الدوام ليس بعد الظلمة إلا فجر ينير البلاد الإيطالية وباقي أنحاء العالم. ولعل من الأمور التي نتذكرها هي الشركة الأوروبية للأحذية- باتا، والتي لطالما عانت وبعد كل معاناه كانت تقف مرة أخرى وعدم فنائها. ولذلك، قررنا أن نسلط الضوء على هذه الشركة الأوروبية العريقة وتواجدها في البلاد؛ وبالتحديد إعلاناتها في جريدة الكرمل.

تُعتبر أحذية “باتا” أحد فخر الصناعات الأوروبية التي فتحت متاجرها في البلاد، فهي اسم عريق تناولته الأجيال من زمن لآخرـ إذ إن هذه الماركة العريقة قد أذهلت العديد من الأشخاص في قوتها ورخص ثمنها وطبقت شعار“ليس معناه أن يكون الحذاء القوي غالي الثمن”، وكما في االعديد من المناطق المختلفة حول العالم كان هنالك العديد من الفروع لمتاجر “باتا” في مدن فلسطين الانتدابية الرئيسية كالقدس ويافا وباقي أنحائها.

ولكي تنتشر منتجات ماركة معينة لا بد أن يكون لديها حُسنٌ في الإدارة واستخدام وسائل للتسويق، ومن ضمن هذه الوسائل كانت نشر الإعلانات في الصحافة المكتوبة، وهذا تمامًا ما قامت به ماركة “باتا” للأحذية بنشرها الإعلانات في صحيفة الكرمل؛ فكيف قامت صحيفة الكرمل بتسويق منتجات الأحذية لماركة “باتا” من خلال الإعلانات التي نشرتها في أعدادها؟

(شعار ماركة “باتا”، صحيفة الكرمل، 8 نيسان 1928)

اعتمدت صحيفة الكرمل في تسويقها لماركة “باتا” جملة من الأنماط تجمع فيما بينها قوة جذب الكلمات واختيار الأوقات المناسبة لنشر الإعلان خاصة المناسبات والأعياد، عدا عن محاولة أن يكون الإعلان قريبًا من الوضع الاقتصادي للفئة المستهدفة. ومن هذه الإعلانات نشر الإعلان الذي كان خلال فترة رأس السنة الميلادية وذلك من أجل استغلال مناسبة الأعياد الميلادية لزيادة شراء منتوجات “باتا”، خاصة أنه خلال فترة الأعياد تكون قوة الشراء أكبر وهذا الذي كانت تعيه صحيفة الكرمل من خلال شعار الأعلان “الأحذية الحسنة كالمعاشر الحسنة: ابتدئ العام الجديد بلبس أحذية باتا”.

(صحيفة الكرمل، 5 كانون الثاني 1929)

أما النمط الآخر التي استخدمته صحيفة الكرمل فكان التركيز على الأسعار المنخفضة بالنسبة إلى السوق مع الحفاظ على مستوى الجودة للجلود المستخدمة في صناعة الأحذية، إذ حمل الإعلان شعار “أحذية “باتا” الشهيرة: بالرغم من الصعود الدائم في أسعار الجلود فإن شركة :”باتا” تبيع بضائها الجديدة بالأسعار المعتادة” وذلك في مختلف فروع وكالاتها في البلاد.

(صحيفة الكرمل، 8 نيسان 1938)

في بعض الأحيان قامت صحيفة الكرمل بالاهتمام بالجوانب الجمالية كنمط نمط مغاير إلى جانب النمط المألوف (صفات المنتج وعرض السعر)لأجل تسويق ماركة “باتا”، فربطت ما بين الأحذية الظريفة والشخصية الأنيقة من خلال الصورة بعنوان “ملكة الأحذية الظريفة باتا: أحذية باتا من الطراز الحديث ومن أحسن المواد وهي قوية ورخيصة”.

(صحيفة الكرمل، 10 نيسان 1929)

في نشرها للإعلانات اعتادت صحيفة الكرمل بالاهتمام والمحافظة على معايير جمالية من خلالها جذبت ولفتت انتباه القارئ ليعود ذلك عليه بالنفع كما يعود أيضًا على ناشر الإعلان، ذلك من خلال مراعاة متطلبات كل من المنتج والمستهلك. ومن بين تلك الإعلانات كانت إعلانات ماركة “باتا” للأحذية التي هي ماركة عالمية افتتحت لها فروع في كافة أنحاء فلسطين الانتدابية.

للمزيد حول إعلانات باتا، يمكن تصفح كافة الإعلانات والأخبار حولها من خلال موقع جرايد.

ألبوم نادر: حين وثق مقاتل في الوحدة المدفعية البريطانية انتزاع فلسطين من العثمانيين

يُنشر لأول مرة: نسخة أصلية من ملفات الوحدة المدفعية البريطانية التي احتلت البلاد في نهايات الحرب العالمية الأولى

خلال مرحلة تأسيس الوحدة المدفعية رقم 20 (Machine Gun Squadron)  في الرابع من تموز 1917، أضطرت القيادة البريطانية للتعامل مع معيقات غير متوقعة: من بين 121 مقاتلاً في الوحدة، فقط 30 كانوا مُدربين على استخدام الأسلحة المتطورة أما الباقين فلم يشاركوا من قبل في وحدة مشابهة. لكن، لم تترك المعركة القريبة من أجل احتلال البلاد مجالاً للتأخر كثيراً، إذ بعد عدة أيام صدر أمر  أعطى لمقاتلي الوحدة الجديدة نظرة عن كبر حجم التحدي الذي ينتظرهم. في 12 آب، وبعد شهر واحد من تأسيسها، انطلقت الوحدة للجبهة العسكرية الجديدة: فلسطين.

في كتاب “عبر فلسطين مع الوحدة المدفعية 20”، تم توثيق قصة الوحدة العسكرية والذي تم توزيعه بعد الحرب. أما طبيعة الكتاب فهواتخاذ أحد الجنود المشاركين قرار إلصاق بعض الصور داخل الكتاب؛ صور أعدها بنفسه خلال مسيرة الوحدة العسكرية نحو فلسطين.

يبدو أنه صاحب الكتاب، المقاتل الذي صور المجموعة، هويته غير معروفة.

للمصادفة التاريخية قد تم حفظه في المكتبة الوطنية بالقدس، فهذا الكتاب عبارة عن توثيق مدهش عن مآثر الوحدة كما انعكست في عيون أحد المقاتلين.

شاهدوا الكتاب كاملاً مع الصور النادرة

قصة الوحدة تم توثيقها في كتاب عبر فلسطين مع الوحدة المدفعية 20

الكتاب الذي وثق احتلال الوحدة 20 البريطانية لفلسطين

تحت شمس حارقة، وبكتفين متعبين، ومع الخوف من توقف تزويد المياه اليومية، عبر مقاتلو الوحدة إلى فلسطين العثمانية من سيناء خلال 18 يوم، استغلوا اقامتهم في المعسكر البريطاني لكي يكملوا التدريب، تدربو في منتصف اليوم على تشغيل الأسلحة الجديدة، والتي كانت جديدة لمعظمهم، وفي النصف الثاني من اليوم تدربوا على امتطاء الجياد.

صور التقطها أفراد الوحدة خلال بدء عملياتهم العسكرية في فلسطين

على بعد 11 كيلومترًا جنوبي مدينة  بئر السبع، اشترك المقاتلون في المعركة الأولى كوحدة عسكرية، حين كانت قوات الاسناد على يسارهم والقوات الأسترالية على يمينهم، هاجم مقاتلو الوحدة المدفعية التحصينات التي نصبها العثمانيون في الطريق للمدينة؛ طيلة الصباح وما بعد الظهر ظل القتال دائراً بين القوات المهاجمة والقوات التي تحمي التحصينات. الغبار الذي ملأ الجهات كلها، حجب الرؤية ولم يستطع أحد من كلا الطرفين أن يرى عدة أمتار أمامه، بعد بضعة ساعات من القتال، اكتشف الجنود ولدهشتهم أن الاتراك قد انسحبوا من المدينة. في الرابعة ظهراً جاء الأمر: مهاجمة بئر السبع، والتي تبين أنها هي ايضاً خالية من الجنود العثمانيين.

كتب المقاتلون في كتاب الوحدة “بئر السبع كانت محبطة جداً، من الصعب القول أنها مدينة، كما يفهم الأوروبيون هذا المصطلح، كمكانٍ يمكن أن تشتري منه السجائر وشيئاً لتأكله، لم نستطع ايجاد شيء، والمباني الوحيدة فيها، تلك التي لم تكن ألواحاً من الخشب، كانت خالية من أي انسان” عندما تجول المقاتلون في المنطقة، استصعبوا استحسان الصحراء القاحلة التي تحيطهم، واستصعبوا عدم وجود طرق صالحة.

لغزة وصل المقاتلون أيضاً بعد انسحاب الأتراك من المدينة، لم يُسجل الأمر في أي مكان من الكتاب، ولكن على ما يبدو، فقد ساهم المقاتلون في جزء من المعارك الشرسة لاحتلال غزة. على الرغم من المسافة القصيرة من بئر السبع، فقد صادفوا يابسة مختلفة، قرى على جوانب الطرق، فيها فلاحين يزرعون أراضيهم. وكلما اقتربوا اكتشفوا أن المشهد يخدع أحياناً: أوساخ وتلوث، رجال مستلقين للراحة في حين تقوم النساء بالأعمال الصعبة، على المدينة هذه أيضاً كان للمقاتلين أشياء سيئة ليقولوها.

الطريق لأريحا
رسم لأحد أعضاء الوحدة

الطريق إلى القدس

من غزة أكمل الجنود إلى رام الله، ومن رام الله إلى طريق يافا- القدس ومن هناك (وعلى أثر سكة الحديد) توجهوا إلى مدينة القدس. الجنود العثمانيين توقعوا هذا المسار وتحصنوا على طول الطريق، فأدى ذلك إلى معارك قاسية أوقعت ضحايا كثر.  ضباط الوحدة قرروا الانسحاب واعادة تنظيم صفوفهم في منطقة يافا، في طريقهم إلى يافا رأى الجنود ولأول مرة “رحوفوت”.

وصول الجنود إلى “رحوفوت” ذكرهم بشيء من الحياة التي تركوها في بريطانيا، التقى الجنود بالسكان الصهاينة، اشتروا منهم أكياس مليئة  بالبرتقال، ومن لم يكن بحوزته مالاً كافياً، قايض بما يحمله من شرائح اللحم المعلبة والتي حصل عليها من الوحدة. اللقاء مع السكان اليهود كان مريحًا بالنسبة للجنود الذين رأوا بهم بداية بناء المشروع الصهيوني.

خارطة مرفق معها مسار تقدم الوحدة

بعد الاستراحة القصيرة، أكمل الجنود مسيرتهم نحو القدس، أهمية المدينة المقدسة كانت شاخصة في عيون حماته العثمانيون: معظم القوة التي كانت في البلاد تم ارسالها لحماية الطريق المؤدي للقدس. مع كل خطوة جديدة كان قد استطاع جنود الوحدة المدفعية انتزاعه من العثمانيين، كان الجهد ينصب أكثر بنصب سيارات المدفعية في الأماكن الأكثر علواً في مواقع القتال. استغلوا كل ما تحصلوا عليه من أجل ذلك سواء الإسناد من وحدات أخرى، استخدام القناصة، التقدم المسائي الهاديء أو – في حالة لم يتبق خيار آخر – إطلاق نار كثيف على الأتراك لكي يتم ازاحتهم عن المكان الذي تحصنوا به.

احتلال القدس

يظهر في الصورة باب الخليل – بوابة يافا ويعلوه برج الساعة

هكذا، في الثامن من كانون الأول 1917، بالرغم من الطرق التالفة، النقص في الماء، والمقاومة التركية والألمانية على طول الطريق، نجح مقاتلو الوحدة المدفعية مع باقي قوات ألنبي باقتحام طريق القدس ومن ثم الوصول إليها. في اليوم التالي، 9 كانون الأول 1917، انتهت  أربعة مائة عام من الحكم العثماني على البلاد المقدسة مع سقوط مدينة القدس، كان ذلك نصرًا رمزيًا، لأن معظم مناطق شمال البلاد كانت لا تزال تحت الحكم العثماني، سيطرة ستتلاشى خلال الأشهر المقبلة.

بوابة دمشق

كان هذا النصر الرمزي أمرًا مدهشًا، قال الجنود المتأثرين والذين حظيوا أخيراً بالقدس، احتلال الأرض المقدسة. كما إنه خلال مسيرة الوحدة العسكرية من سيناء حتى احتلال القدس فقدت ثلاث ضباط و67 مقاتلاً من عناصرها وهذا ما كان يُعتبر الثمن الأكبر الذي دفعته المجموعة.