جوني كاشي من كفر كنّا إلى طبريّا: قرى ومدن الجليل في الكانتري الأمريكي

من بين عشرات الأغاني والتّرنيمات عن عرس قانا ومعجزات الجليل في الإنجيل، إليكم قصّة أغنية راقصة من دقيقة ونصف، ألّفها المغنّي الأمريكي جوني كاش أثناء حجيجه في ستّينيّات القرن الماضي.

من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة

من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة

كفر كنّا أو قانا الجليل، إحدى محطّات الحجّ المسيحي في البلاد منذ بداياته وإلى اليوم، حيث يُعتقد أنّ السيّد المسيح أدّى أولى معجزاته أمام تلاميذه في حفل زفاف فرغ فيه الخمر ولم يجد أصحابه ما يقدّمون للضّيوف. أمر عندها يسوع، كما يخبرنا الإصحاح الثّاني من إنجيل يوحنا، بملء البراميل الفارغة بالمياه وحوّلها إلى خمر جيّد.

"نافورة قانا الجليل" رسم من منتصف القرن التّاسع عشر، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.
“نافورة قانا الجليل” رسم من منتصف القرن التّاسع عشر، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

 

في ستّينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، زار المغنّي الأمريكيّ الشهير جوني كاش البلاد خمس مرّات وذلك خلال رحلة كافح فيها إدمانه الكحول والمخدّرات وخطر تدهور مسيرته المهنيّة وحياته بأكملها. عُرف بموسيقاه المبتكرة، سهلة الإيقاع والحماسيّة، والأغاني ذات الكلمات البسيطة والمباشرة. وخلال زيارته الأولى لكفر كنّا أو قانا، اختبر ما وصفه بإحدى أكثر اللحظات إلهامًا في حياته. وفي طريقه من كفر كنّا إلى طبريّا، كتب كاش ولحّن أغنية He Turned the Water into Wine برفقة زوجته جون ضمن ألبومه الدّيني “الأرض المقدّسة” The Holy Land ، وأدّاها في محافل عدّة، ومن ضمنها حفله الشّهير في سجن سان كوانتين في ولاية كاليفورنيا عام 1969.

تحدّثنا أغنيّة “لقد حوّل الماء إلى نبيذ” عن عرس قانا وعن معجزات أخرى يشير الإنجيل إلى حدوثها في الجليل. ومن الملفت أنّ كاش اصطحب في رحلته هذه جهاز للتّسجيل وقام بتسجيل أغانيه كاملة في المواقع الّتي زارها، وممّا زاد أغنيته عن عرس قانا تميّزًا هو أنّه لم يغيّر بها أسلوبه الّذي اشتهر به، الرّيفي (كانتري) والمعتمد على نغمة واحدة متكرّرة وسريعة، إلى ترنيمات مسيحيّة بطيئة وروحانيّة، بل احتفظ بنفس الأسلوب في أدائه للأغنية في حفل سجن كاليفورنيا الّذي حقّق أفضل المبيعات في مسيرته.

الأغنية وكلماتها:

لقد حوّل الماء إلى نبيذ

لقد حوّل الماء إلى نبيذ

في بلدة قانا الصّغيرة

سارت كلمته في أرجاء المكان

وحوّل الماء إلى نبيذ

 

لقد سار فوق بحر الجليل

بصرخة بعيدة واسعة

هدّأ المدّ الهائج

وسار فوق بحر الجليل

 

لقد حوّل الماء إلى نبيذ

في بلدة قانا الصّغيرة

سارت كلمته في أرجاء المكان

وحوّل الماء إلى نبيذ

 

لقد أطعم الجياع الكثر

بقليل من السّمك والخبز

قال شبعَ الجميع

 

وحوّل الماء إلى نبيذ

حوّل الماء إلى نبيذ

في بلدة قانا الصّغيرة

سارت كلمته في أرجاء المكان

وحوّل الماء إلى نبيذ

 

 

للإستماع للألبوم كاملًا (1969):

 

 

من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة
من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة

لصور جوني كاش في المكتبة الوطنية

الحياة والأزياء التقليدية في مسيرة خليل رعد

يعتبر المصور خليل رعد حالة نادرة نشأت في نهاية القرن التاسع عشر، وتركت بصمة في توثيق كل ما هو عربي وغير عربي بأسلوب مختلف ومميز. للمزيد، في صور المقالة.

صورة بالزي الفلاحي في ستديو رعد، 1910 من كتاب "لقطات مغايرة" للباحث عصام نصّار

صورة بالزي الفلاحي في ستديو رعد، 1910 من كتاب "لقطات مغايرة" للباحث عصام نصّار

إذا كانت الآداب والفنون مرآة الشعوب السياسية والاجتماعية والثقافية، فإن الأزياء والألبسة جزءًا لا يتجزأ من مجتمع وثقافة أي شعب في أي بقعة جغرافية حول العالم، سواء على المستوى المادي لقيمة وشكل الأزياء أو على المستوى الرمزي الذي يعبّر عن حال الشعب بمجتمعاته الصغرى في الأطر الدينية والعُرفية والتقليدية وأحياناً السياسية. هذا إلى جانب دراسة الأقمشة ذاتها وأشكالها وألوانها وزخارفها التي لها طابعها الخاص وشروطها الاجتماعية والاقتصادية والدينية وفي بعض الأحيان السياسية. في منتصف القرن الثامن عشر، سعى العديد من الرحالة والباحثين الغربيين لتوثيق ودراسة تفاصيل الألبسة والأزياء العربية والإسلامية للمناطق الخاضعة للإمبراطورية العثمانية في محاولة منهم لفهم التاريخ المجتمعي بكافة أطيافه، وقد تنوّعت سبل بناء هذه الدراسات وتوثيقها بالكتابة، الرسم والألوان وصولًا لعدسات الكاميرات. ولقد كان توّجه العديد من المصوّريين المحليين والأوروبيين هو تصوير المحليين والسياح الأجانب باللباس العربي التقليدي ولكن كلٌّ لغايته وغرضه، ويعتبر المصور اللبناني خليل رعد من المصوريين الذي وثّقوا اللباس التقليدي في صور السياح والمحليين في الستديو الخاص به.


اقرأ
/ي أيضًا: حين تكلمت فلسطين… بعيون أنيس تشارلز حداد


تنوّع إنتاج خليل رعد من صور الحروب حتى صور الأزياء التقليدية

بداية، يعد خليل رعد عميد المصوّرين لأنّه من أوائل المصوّرين العرب في فلسطين العثمانية إن لم يكن هو أولهم، وقد ولد خليل رعد في العام 1869 في لبنان، وانتقلت عائلته إلى مدينة القدس، وتعلّم التصوير على يد المصوّر الأرمني كريكوريان، وافتتح رعد ستوديو خاصًّا به في شارع يافا في العام 1885.

عائلة خليل رعد؛ زوجته آني، ابنه جورج وابنته روت، 1932، من كتاب "خليل رعد" للباحثة رونا سيلع
عائلة خليل رعد؛ زوجته آني، ابنه جورج وابنته روت، 1932، من كتاب “خليل رعد” للباحثة رونا سيلع

 

شاهد/ي أيضًا: صور خليل رعد: مقتطفات من أرشيف رعد الرقمي في المكتبة

انتهج خليل رعد في مهنته كمصوّر العديد من المنهجيات لكسب رزقه والحفاظ على إرثه لاحقًا، إذ عمل كمصوّر للقوات العثمانية خلال حروبها في أواخر القرن التاسع عشر حتى هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وذلك من باب الدعاية والحفاظ على “هيبة” الدولة ورفع معنويات جنودها والتأثير على معنويات الخصم كذلك.


اقرأ
/ي أيضًا: ألبوم نادر: حين وثق مقاتل في الوحدة المدفعية البريطانية انتزاع فلسطين من العثمانيين

اهتم أيضًا بتوثيق المدن في البلاد بمعالمها التاريخية والجغرافية، وحُفظت صور المدن في ألبوم بعنوان “رحلات فلسطينية“، وكذلك قام بتصوير سكان كل مدينة بلباسهم التقليدي لا سيما البدو والفلاحيين منهم، أو حتى أهالي المدن بلباسهم الذي يشبه اللباس الغربي إلى حدّ ما، أو بحرفهم اليدوية كوسيلة لكسب العيش، وكان ذلك على عكس صور الأوروبيين التي كانت تعكس إما فراغ هذه المدن من الناس، أو تخلّف المحليين بتصوير المرضى منهم لا سيما خلال فترات الأوبئة، أو تصوير الفلاحيين والبدو على الحمير والجمال. واعتُبِر تصوير خليل رعد لطبيعة السكان العرب بكافة خلفياتهم الدينية (مسلمين ومسيحيين ويهود)، أو الاختلاف الطبقي والاجتماعي ردًّا – بقصد أو بغير قصد – على أنّ هذه طبيعة المكان الفسيفسائية دون الحكم على اختلافه أو الدعوة إلى “تنوير” الآخر “المختلف”.

عائلة من الناصرة، 1912
عائلة من الناصرة، 1912، عدسة خليل رعد، أرشيف يعقوب فارمان

 

عائلة يهودية، تصوير خليل رعد من كتاب "لقطات مغايرة" لعصام نصّار
عائلة يهودية، تصوير خليل رعد من كتاب “لقطات مغايرة” لعصام نصّار

أمّا للتصوير في الستديو، توّجه رعد لأهالي المدن والناس الميسورة، التي في مقدورها دفع ثمن صورة “نادرة” في ذاك الزمان مع العائلة، إذ بيّن لنا المفكّر إدوارد سعيد في يوميّاته “خارج المكان” أنّ عائلته في مدينة القدس حرصت على دعوة خليل رعد في الأعياد والمناسبات لالتقاط صورة عائلية.

“وكان رعد النحيل الأبيض الشعر يستغرق وقتًا طويلاً جداً في تنظيم المجموعة العائلية الكبيرة، ومعها الضيوف في ترتيب مقبول. وخلال تلك اللحظات التي كان يمطها إلى ما لا نهاية بطريقته النيقة واستهتاره بالذين يصوّرهم، يتكون إجماع على أنّ الصمدة أمام آلة التصوير محنة ضرورية من الضرورات التي تفرضها المناسبات العائلية الرسمية.”

ربما يعود وصف سعيد الطريف عن “طقوس” التقاط الصور لدى رعد لصعوبة تكرار الصورة وضمان جودتها، إذ كان التصوير حينها شمسيًّا، وليس الحال كما اليوم أو حتى ما قبل خمسين عامًّا.

بالإضافة إلى العائلات العربية من الطبقة المتوسطة والغنية، توّجه رعد لجمهور اليهود والأجانب بتقديم إعلانات في الصحف العبرية أو الإنجليزية، كما الإعلان أدناه؛ إذا كان الإعلان يؤكد توّفر “كاتلوج” خاص بالعام 1933، يحتوي على صور الأماكن المقدّسة والإطلالات المميزة بالإضافة إلى صور أفراد باللباس التقليدي لكل من منطقة فلسطين وسورية، وصور تعكس قصص توراتية وإنجيلية.

إعلان من العام 1933 لستديو رعد، من كتاب "خليل رعد" للباحثة رونا سيلع
إعلان من العام 1933 لستديو رعد، من كتاب “خليل رعد” للباحثة رونا سيلع

 

أيقونات إنجيلية وبيزنس المصوّريين

اعتمد المصوّرون الأوروبيون، الأرمنيون، وكذلك العرب على توفير صور تظهر الأحداث التوراتية والإنجيلية الخاصة بالأراضي المقدسة؛ إذ تحوّل الفلاح أو الفلاحة الفلسطينيين إلى “أيقونات” إنجيلية، والتي حرص رعد أن تَظهر في نوعية الصور المأخوذة في الستديو والتي راجت في أواخر القرن التاسع عشر حتى ثلاثينيّات القرن العشرين.

صورة بالزي الفلاحي في ستديو رعد، 1910 من كتاب "لقطات مغايرة" للباحث عصام نصّار
صورة عائلية بالزيّ الفلاحي في ستديو رعد، 1910 من كتاب “لقطات مغايرة” للباحث عصام نصّار

 

واعتبر الباحث عصام نصّار في كتابه “لقطات مغايرة” أّنّ مثل هذه الصور هي بمثابة تحويل الحضور الإنساني الطبيعي إلى أغراض تجارية وذلك باستعراض أحداث من الرواية الإنجيلية أو التوراتية، فيبيّن مثلًا أنّ صورة السيدة التي تحمل طفلًا تشير إلى ولادة السيد المسيح، وصورة المرأة التي تملاً جرّة ماء من البئر أو تحمله تذكر بالمشهد الذي يجمع السيد المسيح بالمرأة السامرية، وصورة النساء الجالسات على مدخل الكهف تستدعي مشهد القيامة. (نصّار، 2005)

شاهد/ي أيضًا: عيد الميلاد: صور، ترانيم، بطاقات تهنئة، واحتفالات في محيط كنيسة المهد

سيدة مع طفلها من بيت لحم، من كتاب "خليل رعد" للباحثة رونا سيلع
سيدة مع طفلها من بيت لحم، من كتاب “خليل رعد” للباحثة رونا سيلع

 

فتاة من الناصرة، من كتاب "خليل رعد" للباحثة رونا سيلع
فتاة من الناصرة، من كتاب “خليل رعد” للباحثة رونا سيلع

واعتُبر مثل هذا النوع في إنتاج التصوير ما هو إلا تقليد أوروبي معتمد على طباعة صور الأماكن والناس مع وصوفات مكتوبة باللغة الإنجليزية للتوجّه لجمهور الأجانب والسياح القادمين لزيارة الأراضي المقدّسة.

 

الشاعر الروسي ألتر ليفين بلباس عربي في ستديو رعد، 1929.
الشاعر الروسي ألتر ليفين بلباس عربي في ستديو رعد، 1929، أرشيف أبراهام شفدرون.

في الواقع، بين التناقض في صور رعد ذات الطابع الأوروبي “الاستعماري” والشيئي، إلا أنّه لم يوثّق الحياة الاجتماعية للفلسطينيين بنظرة أوروبية مستشرقة “إلى حد ما”، على الأقل في ألبومه “رحلات فلسطينية”. مع ذلك، تتداخل المعاني لكل صورة – مهما كانت بسيطة – وتنشأ علاقات جديدة بين الصورة ومشاهدها في كل مرة تنشأ فيها “قراءة” جديدة للصورة في سياقها التاريخي، دون إغفال جماليات الصورة وقت التقاطها.

حكايات البطيخ في الأمثال الشعبية

كيف ارتبطت الأمثال الشعبية "البطيخيّة" بالأحوال السياسية في البلاد؟ لمعرفة كل ذلك، اقرأوا المقال في مدونة أمناء المكتبة.

شاب يافاوي يحمل البطيخ، عشرينيّات القرن الماضي

ينتظر الكثير من الناس فصل الصيف بفارغ الصبر لقضاء عطلة طويلة من الدراسة والأجواء الأكاديمية، ومنهم من ينتظره للاستمتاع على الشواطئ، فيما ينتظر آخرون الوقت الطويل لنهار الصيف، مع ذلك هناك جمعٌ آخر ينتظر الصيف فقط لأنه موسم البطيخ. وفي مدونتنا، لن نتحدّث عن مذاق البطيخ، أو عن الفائدة الغذائية والفيتامينات الموجودة في هذه الفاكهة المميزة، وكذلك لن نستطرد في مشاعر البهجة التي يضفيها على محبيه في أول الموسم حتى مشاعر الحزن التي تملأ وجوهم في منتصف آب لانتهاء الموسم، بل سنتطرّق إلى كيف استطاع الناس جعل فاكهة البطيخ مادة لُغوية غنية ومتنوّعة في الأمثال العربية الشعبية.

اختلفت الأمثال الشعبية في ذكر البطيخ، وبطبيعة الحال تحمل الأمثال معانٍ متعددة من التورية في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وقد تستخدم أيضًا لكي تعكس وضعًا سياسيًّا ما. ومن الأمثال التي تعكس الحالات الاجتماعية قول الناس: “ما بشبع بطنه بطيخة صيفي“، معبّرين عن الشره وكثرة تناول الطعام حتى لو بطيخة من بطيخ الصيف كبير الحجم.

ولقد وصف آخرون الأفعال الغير محسوبة الجالبة للحسرة بقولهم: “السّلام بجر كلام والكلام بجر بطيخ“: ويقال لتجنب أي فعل سيجر على صاحبه الخسارة؛ ولهذا المثل حكاية شعبية توضح معناه وهي أن أحدهم كان يطرح السلام على تاجر بطيخ، ثم يبدأ بالحديث معه لينتهي بأكل البطيخ مجانًا، فامتنع التاجر عن رد السلام حتى لا يخسر بطيخًا، فأصبح قولًا مأثورًا ينبّه من التفاعل الاجتماعي الغير مرغوب فيه. فيما أسرف العرب قديمًا بالحديث عن الزواج بقولهم: “المرة مثل البطيخة” أو “الزلمة متل البطيخة” والقصد بأنهم مجهولو الطباع لأنهم كانوا يتزوجون من غير سابق معرفة، كما لا يمكن معرفة طعم ولون البطيخ قبل التوّرط في اختيارها.

أمّا للتعبير عن الأحوال الاقتصادية، قال الناس: “أيام البطيخ، ارفع الطبيخ”، أو “طلّ البطيخ، بطَّلوا الطبيخ“؛ إذ حينما يتوفر البطيخ بسعر الكيلو الزهيد في فصل الصيف، يُكثر الناس من الاعتماد عليه كوجبة أساسية خلال يومهم. بالإضافة إلى هذه الأمثال، المثل القائل: “مال جنين يا بطيخ” وذلك للتعبير عن جودة البطيخ المُباع؛ حيث تعتمد جنين في اقتصادها الصيفي على تصدير البطيخ للمدن المجاورة، ويعتبر بطيخ جنين من أفضل أنواع البطيخ بعد أن كانت مدينة يافا، قبل عام الـ 1948، تتسابق مع مصر في تصديره، كما ورد في صحيفة الصراط.

بطيخ مصر يسبق، الصراط: 30 أيار 1935
بطيخ مصر يسبق، الصراط: 30 أيار 1935

اقرأ/ي أيضًا: جنين: معرض رقمي لصور وخرائط وجرايد

وسياسيًّا، استخدم العديد من الصحافيين الأمثال الشعبية عن البطيخ لوصف وقياس الأوضاع السياسية في أحداث خاصة، مثلًا، كتب الصحافي محمود أبو شنب في صحيفة الاتحاد حول المفاوضات العربية الإسرائيلية في العام 1993؛ إذ استخدم المثل “الكلام بيجر بطيخ” الذي سبق ذكره ولكن بطريقة معكوسة؛ إذ عنوَن المقال بـ الكلام “لن يجر بطيخ”؛ مبيّنًا بأنّ جولات المفاوضات والنقاشات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والسوريين ستفضي فقط إلى المماطلة دون التوّصل إلى اتفاقيات سلام، ولن يجلب هذا الكلام أي خسارة للإسرائليين على عكس الفلسطينيين والسوريين. وعلى ما يبدو أنّ أبو شنب من محبي فاكهة البطيخ؛ إذ عنون مقالًا آخر، سابق للمقال الأول، في العام 1973 بالمثل “على السكّين .. يا بطيخ”، وهو قول مأثور يشير إلى باعة البطيخ الذين يسمحون للزبائن بشقّ البطيخة للتأكد من لونها قبل شرائها حتّى لا يندموا على قرارهم، ويستخدم هذا القول مجازًا لدعوة الناس لفحص أمورهم ومشترياتهم وقراراتهم قبل البدء بأي خطوة. إلا أنّ أبو شنب قد استخدمه ساخرًا من تفاؤل البعض بقرار الحكومة الإسرائيليّة الصادر في العام 1973 بتحرير الأوقاف والممتلكات الإسلامية وتسليمها إلى لجان أمناء معيّنة من قبل وزارة الأديان، مبيّنًا في مقاله أنّ هذه الخطوة ما هي إلا حبرًا على ورق، والهدف منها هو دعوة للحركات الإسلامية وأتباعها للمشاركة في انتخابات الكنيست في ذات العام مع بقاء الممتلكات الإسلامية بقبضة الحكومة الإسرائيلية.

الكلام لن يجر بطيخ، الاتحاد: 2 أيّار 1993
الكلام لن يجر بطيخ، الاتحاد: 2 أيّار 1993

 

على السكين يا بطيخ، الاتحاد: 1 حزيران 1973
على السكين يا بطيخ، الاتحاد: 1 حزيران 1973

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ الصحافة المقدسية في فلسطين العثمانية والانتدابية في أرشيف جرايد

إلى جانب أبو شنب، نقل لنا الكاتب والصحافي هشام نفّاع في مقال كتبه في العام 1994 انتقاد أحد رؤساء المجالس المحلية الدرزية لعضو الكنيست الدرزي أسعد أسعد – ممثل المعسكر القومي عن الليكود – بعدم المطالبة بحقوق الطائفة الدرزية في الكنيست؛ إذ قال رئيس المجلس خلال مظاهرة “بلا حلف دم بلا بطيخ“؛ ويكأنّه يلمح لعدم كفاءة اتفاقية الحلف. ولقد استخدم العديد من الصحافيين الأمثال الشعبية عن البطيخ لوصف أحوال وأمور لا تُقارن بضخامة الأوضاع في يومنا هذا؛ إذ يبدوا أنهم كما المثل المصريّ القائل: “علشان حتة بطيخ عمل مشكلة وصريخ“.

"حفير هكنيست"، الاتحاد: 12 كانون الأول 1994
“حفير هكنيست”، الاتحاد: 12 كانون الأول 1994

اقرأ/ي أيضًا: دالية الكرمل – من تمرّد جبل لبنان حتّى حلف الدّم مع إسرائيل

عن البطيخ، لن ينتهي الكلام ولا الأمثال وربما يكون قول الكاتب مارك توين في روايته ويلسون المغفّل: “البطيخ طعام الملائكة” هو أرّق وألّذ ما قيل في البطيخ حتى يومنا هذا، ولن يسعفنا الإطالة والاستطراد في هذا المقال بالحديث عن البطيخ في غير الأمثال الشعبية لأنه كما المثل: بطيختين بالإيد ما بينحملوا”.

“وحسب فرائضهم لا تسلكوا”؛ ما بين التصوّف اليهودي والإسلامي

هكذا ترك التّصوّف الإسلامي بصمته على العبادة والفكر اليهوديّ من العصور الوسطى إلى اليوم

بقلم: راحيل جولدبيرغ

منذ نعومة أظفاره، تأهّب إبراهيم وتربّى لأن يملأ مكان أبيه يومًا ما حين يكبر، وكان أبوه رجل الدّين والطّبيب والفيلسوف اليهوديّ الشّهير موسى بن ميمون، المولود في مدينة قرطبة في القرن الثّاني عشر للميلاد.

نشأ إبراهيم ليرث بالفعل دور أبيه كرئيسٍ للطائفة اليهوديّة في مصر. إلّا أنّه من خلال سعيه لحثّ أبناء المجتمع اليهوديّ على التّمسك باليهوديّة كشف بدوره عن تأثّره الكبير بالمسلك الرّوحانيّ في الإسلام إلا وهو التّصوّف. ويظهر هذا الأثر في كتاباته وفي أحكامه الشّرعيّة. فمثلًا، ابتدع وجوب غسل القدمين واليدين قبل الصّلاة، ودعم هذا الادّعاء بمصدر تلموديّ واحد وهو ما لم يتمّ تقبّله، وذلك بالطّبع لأن المصدر الحقيقي لهذا التّجديد كان نابعًا من التّقاليد الإسلاميّة (الوضوء).

واجه إبراهيم بن موسى من اتّهموه بتقليد غير اليهود بطريقتين. أمّا الأولى فمن خلال إيجاد مصادر يهوديّة الأصل لتدعم مختلف أحكامه، وإن كانت هذه المصادر فريدة وغير واسعة الانتشار. أمّا الثّانية، فقد جادل بأنّ الوصيّة التوراتيّة “ولا تتّبعوا قوانينهم” لا تشمل بالضّرورة تقليد المسلمين.

بالطّبع لم يكن إبراهيم بن موسى بن ميمون أوّل من أظهر تأثرًا يهوديًّا بالتّصوّف الإسلامي، فقبله بكثير عُرفت حركة “الحاسيدوت” اليهوديّة، وقد كانت معروفة بتأثّرها بحركة التّصوف الإسلامي.

أوّل كتاب نعرفه من هذه الحركة هو كتاب “فرائض القلوب” لابن فقوده المولود في سرقسطة عام 1080 للميلاد. قسّم ابن فقوده كتابه إلى أبواب تدلّ القارئ على الطّريقة الرّوحانيّة ليصل بالنّهاية إلى الباب العاشر ويرى كما ورد في عنوانه “المحبّة الحقيقيّة لله تعالى”. تتشابه بنية كتاب “فرائض القلوب” مع الطّريقة الصّوفيّة إلى حدٍ كبير، والّتي تعد السّالك بالتّرقي من مرحلة إلى مرحلة ليصل إلى الهدف نفسه. يستخدم الكتاب، الّذي كُتب بالعربيّة اليهوديّة، تعابير إسلاميّة عديدة مثل “الله تعالى” و”الله عزّ وجلّ”. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ابن فقوده يستشهد بمصادر إسلاميّة للتأكيد على صحّة كلامه، فنراه يقتبس مثلًا الصّوفي ذو النّون المصري (ت 859م) في مقالته عن إثبات وجود الله: “من يعرف الله حقًا هو من يستحي منه”، ثمّ لاحقًا في ذات المقالة، يتحدّث عن التّفسير العقلي لوجود الله ويقول “من المنطقيّ أن نقول عن خالق كلّ شيء، أنّه ليس كمثله شيء”. وهنا يقتبس ابن فقوده من الآية الحادية عشر من سورة الشّورى في القرآن.

من مخطوطة ل"فرائض القلوب"، القرن الرّابع عشر
من مخطوطة ل”فرائض القلوب”، القرن الرّابع عشر

تشير هيئة الكتاب إلى أنّها ليست النّسخة الأولى من نوعها، إلّا أنّها الأقدم من بين النّسخ الّتي حُفظت ووصلت إلينا. يحظى كتاب “فرائض القلوب” بشعبيّة كبيرة إلى اليوم، ويُعتبر من الكتب الأساسيّة في مجالات الإيمان والأخلاق. تمّ نشر نُسخ حديثة للكتاب في السّنوات الأخيرة ، كنُسخ دراسيّة بالإضافة إلى نُسخ مقسّمة لفصول صغيرة مُعدّة للقراءة اليوميّة وبالخصوص لفترة “سليحوت” أي أيّام الاستغفار الّتي تمهّد ليوم الغفران.

لقد كان إبراهيم بن موسى يكتُب لتثقيف المجتمع اليهوديّ الّذي تواجد في مكانه وزمانه، بينما كتب ابن فقوده للجميع ولكلّ يهودي في أي مكان، بغضّ النّظر عن الدّرجة الرّوحانيّة أو المعرفيّة له، ومن هنا ينبع التّباين بين شعبيّة الكاتِبيَن.

ترك التّصوّف الإسلامي وقيمُه بصمته على اليهوديّة وتاريخها بعدّة طرق، بدءًا من ظهور مصطلح “حساب النّفس” الّذي لم يُذكر قبل كتاب “فرائض القلوب”، إلى تطوّر أدبيّات الأخلاق ووجوب تأكيد نيّة القلب قبل أداء الفرائض.