في مطلع شباط من العام 1948، قال دافيد بن غوريون رئيس الوكالة اليهوديّة حينها ورئيس حكومة إسرائيل فيما بعد “إذا دخلتم القدس عبر لفتا- روميما أو عبر محانيه يهودا أو عبر الملك جورج أو مئاه شعاريم فإنكم لن تجدوا غريبًا واحدًا”. وكان كلامه هذا احتفائًا بانتصارات الجماعات اليهوديّة المسلّحة ونجاحها بإحكام قبضتها على تلك المناطق في الشهر السابق وخلوها من غير اليهود.
لفتا، البوابة الغربيّة للقدس، الّتي امتدّت على مساحات شاسعة، تختلف حدودها بحسب الشهادات المختلفة. إلّا أن جمالها لا يختلف عليه أحد. شملت القرية بيوتًا جميلة ذات طابع معماري مميّز، بالإضافة إلى عين الماء الّتي ما زالت موجودة إلى اليوم، معصرة زيتون، أراضي زراعيّة ودور عبادة، مدرسة ومقبرة. كما أن تاريخها العريق يمتدّ بعيدًا. حيث وُجدت في أراضي لفتا آثار للعصر الحديديّ، كما يربط بعض المؤرّخين اليهود لفتا بقرية “مي نفتواح” المذكورة في التوراة، ومن أسمائها الأخرى “نيفثو” و “كليبستا”، نيفثو كان اسمها إبّان الحكم البيزنطيّ والرومانيّ، وكلبستا أثناء الحكم الصّليبي. أما في فترة الحكم العثماني فكانت تابعة للواء القدس.
ومن المصادر الّتي توضح شيئًا من تفاصيل الحياة الجميلة في لفتا نهاية الفترة العثمانية هي مقالة كتبها المؤرّخ الألمانيّ جوستاف روشتاين بعنوان “عادات العرس الإسلامي في قرية لفتا قرب القدس”، فقد زار القرية عام 1907 ملبيَا دعوة مدرّسه للّغة العربيّة وابن القرية إلياس نصرالله وفُتن بعادات الأعراس الّتي كانت تستمرّ لياليها لأكثر من أسبوع يحفل بالرقص والغناء والطعام المميّز والعادات الخاصّة بالأعراس كرسم الحنّاء والأزياء.
عند الانتداب البريطاني، كان تعداد سكّان لفتا يقارب ال 1500 ساكن، كلّهم من المسلمين، وقد شارك أهالي القرية بما عُرف بثورة البراق عام 1929 وهاجموا الأحياء اليهوديّة القريبة منهم.
بدأ القتال في لفتا نهاية عام 1947 حين هاجم عناصر من الهاجاناه محطة وقود يملكها أحد سكّان لفتا ظنًّا بأنه ينقل معلومات للمقاتلين العرب حول حركة المجموعات اليهوديّة بين القدس وتل أبيب، بحسب المؤرّخ الإسرائيلي بيني موريس، أما وفقًا لشهادات فلسطينيّة وثّقها عارف العارف فإنّ الشّرارة الأولى كانت هجومًا شُنّ على أحد مقاهي القرية، والذي أسفر عن مقتل ستة رجال كانوا يجلسون بها ومن ثمّ الهجوم بالنيران على حافلة كانت على مداخل القرية، وقد أدت هذه الحوادث إلى خروج أهالي لفتا منها، بالإضافة إلى تفجير البيوت، كما ذكر مقاتل الليحي عيزرا يخين في مذكّراته، حيث شارك في عمليات الليحي في القرية حين بلغ 19 عامًا والّتي شملت تفجير ثلاثة بيوت، كما كان مشاركًا في معركة دير ياسين كذلك ومعارك أخرى.
بين مجموعات المكتبة الوطنيّة وُجدت بعض الصّور من معسكر الهجاناه في القرية أثناء الحرب وهي من مجموعة كلارا دي هرتوخ (من أرشيف ياد يتسحاك بن تسفي) وقد كانت مجنّدة في الهاجاناه حينها، وأصبحت فيما بعد في درجة ضابط ورقيب في الجيش. توثّق هذه الصّور نقاط الحراسة الخاصّة بالهجاناه والتي كان دورها إيجاد المقاتلين العرب وترقّب اقترابهم.
أثناء الحرب، كانت قرية لفتا خالية بالكامل وحينها تم توطين أكثر من مائتي عائلة يهوديّة يمنيّة بهدف منع العائلات العربيّة من العودة كما تمّ توطين عائلات يهوديّة كرديّة كذلك والتي سكنت القرية لعشرات السّنين.
باتيا مازور، الّتي عاشت طفولتها في القرية قامت بإنتاج فيلم قصير يحكي ذكريات ساكنيها من اليمنييّن والأكراد اليهود قبل نقلهم منذ بداية السّبعينات إلى وحدات سكنيّة خارج القرية، ومعارضة أبنائهم فيما بعد لمشاريع حكوميّة كان من المخطّط إقامتها على أراضي لفتا.