حكاية مكتبة محمد هادي الحاج مير؛ ثروةٌ فُقدت في البقعة

"لكن الذي يهمني في الحقيقة مكتبتي" – من كلمات الأستاذ محمد هادي الحاج مير في رسالته التي كتبها للبروفيسور هوغو بيرغمان طالبًا منه العون في البحث عن مكتبته في القدس والمحافظة عليها.

ربما حرب عام 1948 قد وضعت أوزارها، إلّا أنّ العديد من القصص والحكايات فُـقدت أثناء الحرب. ومن أكثر الحكايات التي آلمت أصحابها، هي حكاية مكتباتهم المفقودة التي فارقوها خلال الحرب آملين بعودتهم إليها واستعادة هذه الثروة المعرفية التي امتلكوها؛ مثل كتب خليل السكاكيني، محمد هادي الحاج مير، محمد إسعاف النشاشيبي، فايز أبو رحمة، توفيق كنعان وغيرهم من روّاد الثقافة الفلسطينية خلال عهد الانتداب البريطاني.

اختلفت سبل وتوجهات كلٍّ منهم بالمطالبة بمكتبته وتتبع أماكن وجود كتبهم، وكان من بين الأشخاص الأستاذ والمربي محمد هادي الحاج مير الذي تكاتب، برسالة بخط اليد، كتبها للبروفيسور هوجو بيرغمان مستفسرًا عن حال مكتبته أو كما سمّاها بالثروة العلمية.

ارتأينا أن نشارككم قصّة مكتبة الحاج مير وبحثه الضّنين عنها. فمن هو الأستاذ محمد الحاج مير؟

وردت بعض القصص والذكريات من الكلية العربية في كتاب “الكلية العربية في القدس: ذكريات وتاريخ” لـ مالك المصري وذلك توثيقاً لتاريخ هذا الصرح العلمي الأصيل والغني؛ حيث عرّف بكل الأساتذة فيما ترك الختام للأستاذ محمد هادي الحاج مير، وذلك للإسهاب في الحديث عنه كقامة تربوية وعلمية، فأخبرنا المصري: “لقد تلقى الدكتور الحاج مير دراسته العليا في ألمانيا، ومنها حصل على شهادة الدكتوراة، ومنها عاد إلى فلسطين ليمارس مهنة التعليم، حيث ارتقى حتى أصبح مدّرساً لمادة التاريخ في الكلية العربية. ولقد كان دائمًا يخبرنا أنّ التاريخ كالرياضيات، هكذا كان يقول الحاج مير، المقدمات تؤدي إلى النتائج.” لقد كان الحاج مير أستاذًا لمادة التاريخ المتوسط والتاريخ الحديث، ومن المربيين الذي دعموا الطلبة لتحصيل المعرفة وكذلك ممن يمازحون طلبتهم ويهتمون بهم وبأحوالهم الشخصية والعائلية وذوي الهيبة بين طلبتهم. (الكلية العربية في القدس: ذكريات وتاريخ، 1995)

كتب الأستاذ الحاج مير العديد من المقالات في مجلة الكلية العربية، منها مقالة الفوضى الثقافية في الشرق العربي” الصادرة في العام 1946، وكذلك نشر بعض الاقتراحات لتدريس مادة التاريخ في العام 1928. ظلّ الالحاج مير من أبرز المدرّسين المتميّزين في كلٍّ من الكليّة العربيّة والمدرسة الرّشيديّة في القدس حتّى أتى العام 1948 وغيّر أحوال البلاد وأهلها.

المنتدى، 22 شباط 1946
المنتدى، 22 شباط 1946

 

⁨⁨الكلية-العربية⁩⁩، 01 كانون الأوّل 1928
⁨⁨الكلية-العربية⁩⁩، 01 كانون الأوّل 1928

 

ماذا حلّ بـ الحاج مير؟

في تاريخ 14 تموز 1951، بعد ثلاثة أعوام من الحرب، أرسل الأستاذ الحاج مير رسالة بخط اليد وباللغة العربية للبروفيسور هوغو بيرغمان يطلب منه مساعدته لإيجاد مكتبته، ونفهم من خلالها ماذا حلّ بحياته بعد خروجه من بيته في القدس وأين انتهى به المطاف.

رسالة محمد حاج مير إلى هوغو بيرغمان
رسالة محمد حاج مير إلى هوغو بيرغمان


حضرة الأستاذ هوغو بيرغ
من المحترم،

أرجو أن تكون وعائلتك بصحة وعافية.
أكتب لك هذه الرسالة من أدنبرة – اسكتلندا راجيًا أن تفيدوني عن مسألة تهمني جدّا ألا وهي: مكتبتي
library

عندما غادرتُ البقعة في 5/5/1948 وكنت أسكن في بيت القوّاس في البقعة الفوقاء في جوار مدرسة الأمة على الطريق المؤدي إلى ميكور حاييم – تركت بيتي كما هو؛ أيّ بكل ما فيه من أثاث وغيره.

لكنّ الذي يهمني في الحقيقة مكتبتي الذي لا أشك بأنكم تقدّرون ما فيها من مؤلفات في جميع المراجع الإنسانية من تاريخ وفلسفة وفن واقتصاد والعلوم الإسلامية وكتب قّيمة جدًا في الصهيونية وتاريخها عدا عن بعض المخطوطات والآثار. كما أنّي تركت ثروة عظيمة من المحاضرات والمواضيع التي كنت جهّزتها للطبع وخاصة في تاريخ الحروب الصليبية وغيرها من المواضيع الإسلامية والأدبية.

وبما أّني أعتقد باهتمامك في هذا التراث العلمي القيّم وددتُ أن أتصل بك حتى تفيدني عما تمّ بذلك كما أنّي أرجوك أن تهتم بالمحافظة على هذه المكتبة لأنّي أعتقد بأنّك لا تشكّ بأنّ الأمر لو كان بالعكس؛ أي لو كانت مكتبتك في منطقة تخصني لما تأخرتُ أصلاً عن المحافظة كتراث علميّ أقدّر قيمته وعلى أمل أن أحصل على جواب مطمئن منك.

أتقدم باحتراماتي،
المخلص،
محمد الحاج مير

فما كان من البروفيسور هوجو بيرغمان إلا أن قام بالرّد عليه برسالة باللغة الألمانية “ليطمئنه” وذلك في تاريخ 29 تموز 1951، قمنا بترجمتها للعربية هنا:

 

رد هوغو بيرغمان على حاج مير
رد هوغو بيرغمان على حاج مير

عزيزي الأستاذ الحاج مير،
لقد استلمتُ رسالتك، شكراً لك. كنت أتمنى لو كان بمقدرتي أن أساعدك من الناحية القانونية لتتبع مسار مكتبتك. خلال القتال آنذاك، سعت مكتبتنا جاهدة لمنع تلف ودمار المكتبات وذلك من أجل الحفاظ على الكثير من الكتب، وهذه المكتبات الآن تحت رعاية السلطات المخوّلة بالحفاظ عليها. لقد توجهتُ إلى المدير الحالي للبحث والفحص مع مجموعة من الخبراء فيما لو كانت كتبك ضمن المجموعة التي حُفظت. بكل أسف، لقد أعلموني أنّ كتبك لم تكن ضمن المجموعة المحتفظ بها. أعتذر لهذا الخبر.

يُسرني أنك الآن في أدنبرة وأنك قد باشرتَ العمل على أبحاثك العلمية.
تحياتي الحارة وأطيب الأمنيات بالخير والسعادة،

مع الاحترام،
هوغو بيرغمان

لم يكن توجه الحاج مير لهوجو بيرغمان عبثًا، فلقد كان هوجو بيرغمان بروفيسورًا في الجامعة العبرية ولاحقاً رئيساً لدار الكتاب القومي والجامعي (المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة)، ومن نخبة المثقّفين الأوروبيين وصديقاً للعديد من الكُتّاب والفلاسفة مثل فرانز كافكا. لقد علم الحاج مير أن هوجر بيرغمان سيقّدر هذه الثروة العلمية ويساعده، وهو ما لم يحدث، مع الأسف. ولكن السؤال الأهم: أين المكتبة؟

لم يتمّ العثور على مكتبة محمد هادي الحاج مير حتّى هذه اللحظة، بعد ثلاثة وسبعون عامًا منذ أن افترق عنها في حي البقعة عام 1948. ربما اختفت المكتبة لعدم توثيق الكتب باسمه، وربّما أحيلت تحت قانون “أملاك الغائبين” وما زالت مقفلة في إحدى المخازن، وربما هُرست كما أسلف بعض الباحثين، إلّا أن عمله كمربي وأكاديمي لم يختفي وما زال حاضرًا حتى يومنا هذا.

يمكنكم الاطّلاع على كتابات الأستاذ محمد هادي الحاج مير في مجلّة الكلّية العربيّة على موقع أرشيف الصّحف الفلسطينيّة القديمة في المكتبة (جرايد).

هوغو بيرغمان: هو فيلسوف وأكاديمي إسرائيلي من أصول نمساوية ولد في مدينة براغ في العام 1883 وتوفي في مدينة القدس في العام 1975. قدم إلى البلاد عام 1920 وترأس دار الكتب القومية ولاحقاً في عام 1925 (افتتاح الجامعة العبرية في القدس) أصبح بروفيسورًا ورئيسًا للجامعة العبرية ولدار الكتب القومية والوطنية. بالإضافة لتأليف أكثر من عشرة كتب في مجالي الفلسفة والسياسة، والعديد من الكتب المترجمة والدراسات البحثية إلى اللغة العبرية.

صحيفة الوحدة ورؤيتها للصحافة

تعد جريدة الوحدة من الصحف القليلة التي اتخذت طريقًا مختلفًا وهو طريق التوعية الشاق: التوعية بالصحافة، أهميتها، بدايتها، ومحاولة إعطاء الجمهور فكرة جيّدة عن النشاط الصحفي الفلسطيني. كيف كان ذلك؟

لا شك أن مصلحة الصحف الفلسطينية كانت دومًا تسويق ذاتها، لنجاح مشروعها وزيادة إيراداتها وتعزيز حضورها. وقد كان ذلك يتم دومًا من خلال الاعلانات، أو من خلال الكتابة في مواضيع مثيرة ليزيد اقبال الجمهور عليها. لكن جريدة الوحدة  – الصادرة في القدس لمحررها اسحاق عبد السلام الحسيني – من الصحف القليلة التي اتخذت طريقًا مختلفًا وهو طريق التوعية الشاق: التوعية بالصحافة، أهميتها، بدايتها، ومحاولة اعطاء الجمهور فكرة جيّدة عن النشاط الصحفي الفلسطيني خلال العقود الأربعة الأخيرة.

                                                              جريدة الوحدة، 23 شباط 1946​

قامت جريدة الوحدة بإثارة النقاش حول الصحف المحليّة، ومحاولة القاء الضوء على نشاطات الصحف وكم الجهد الذي بذلته كل صحيفة. الوحدة تذكر وبشكل واضح لهذا الاهتمام، فهي ترى بالصحافة سلطة، فالأمن والاستقرار والسلم والحرب وكل ذلك متوقف على الرأي العام والرأي العام يتخذ مواقفه من الصحافة التي تساهم في تشكيله، فهي بمنزلة الاستاذ الأكبر للشعب، والذي يستمع لكلامها وعليه فعلى الصحافة كما الأستاذ أن تسهل المعرفة للناس، وأن تنقلها اليهم حيثما كانوا.

                                                              جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

من هنا تأتي أهميّة هذه التغطية أو المسح الشامل للصحف، كمحاولة لاطّلاع الجمهور على واقع الصحف، تعزيزها، وتعزيز حضورها بين الناس، اضافة لخلق اجماع بين الناس، ان رؤية قراءة لكيفية تعريف صحيفة الوحدة بجريدتي فلسطين والكرمل مثلًا يظهر بعض هذه الرسائل حين يتم تصوير رياديتهما، نضالهما في نقل الحقيقة، وخلق روح الاعتزاز لدى القراءة مثلًا حين يتم الحديث عن جريدة فلسطين كأوّل جريدة فلسطينيّة يوميًّا والتي تقرأ أيضاً خارج البلاد حيث تصل أعدادها بالطائرة إلى بيروت وبلاد أخرى وفي مواضع أخرى يقول “لا يستولي عليك الذهول عندما أقول لك بأننا سنشتري بعد وقت قريب طائرة خاصة بجريدة فلسطين”.

                                                               جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

                                                                 جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

لم تستكف الوحدة بذلك فقط بل ناقشت ضرورات صحفيّة ارتأت أن المجتمع الفلسطيني في البلاد يحتاجها، وبالتالي فان صحيفة الوحدة بذلك، تعمل على تعزيز الماضي وأيضًا على المستقبل، من قبل الحث وفتح النقاش على إصدار جريدة باللغة الانجليزيّة.

                                                               جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

استكتبت كتابًا للحديث حول تاريخ الصحافة الفلسطينية، كان من بينهم الأديب والمؤرخ الفلسطيني عارف العارف والذي لمع نجمه بين الفلسطينيين كأحد الوجوه الثقافيّة البارزة، حيث تحدّث في مقاله عن الصحافة العربية ونشاطاتها ودورها كما قدم توصيته لمن يريد الاشتغال بهذه المهنة متنبّهًا لواقع الصحافيّين وارتهان النقد الموضوع لرأسمال حيث يضطر الصحفي لغض البصر عن جهات بعينها إن كانت تمول الصحيفة أو تدعمها.
                                                              جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

تجلّت أيضًا محاولات نشر الوعي الصحفي من خلال مقالات تحاول اعطاء تعريف دقيق لمعنى الصحافة، ان مقالة “كيف تصبح صحافيًّا ناجحًا” لا تهمنا فقط على مستوى أهميّتها في التوعية بقدر ما تعطينا تفاصيل دقيقة عن فلسفة الفلسطينيين لمفهوم الصحافة، في تشديدها على البساطة في توصيل الفكرة، والأسلوب السلس الطريف، والأهم هو في المسؤوليّة الاجتماعيّة التي يجب على الصحفي أن يتحلى بها، والاختصار قدر المستطاع.

                                                                جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

إن جريدة الوحدة في عددها هذا من عام 1946، تعكس مستوى جيّد من النهضة الصحافيّة التي وصلها الفلسطينيّون، من خلال تقديمها مسحًا للصحف الفلسطينيّة ومضاي بعضها، دراسات لإشكاليّات الحاضر، توعية للصحافيين وتوجيهات كيف يكونوا صحفيين ناجحين، دعوة لسد النقص في بعض الجوانب كاللغة الانجليزيّة، ثم وبأسلوب جميل دعوة القراء أنفسهم للمشاركة في استطلاع رأي حاولت الصحيفة من خلاله فهم أنماط القراءة والاهتمام لدى قراءها، وهو ما يعكس مسؤولية صحفية حقيقية.
                                                                جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

لا شكّ أنّ جريدة الوحدة ليست عمليًّا دلالة على نهضة فرديّة بقدر ما هي انعكاس لتفاعل مجتمعيّ مع الصحافة واهتمام ملحوظ شارك فيها الكثيرون، وبالتالي فإنّ تطوّرها هو تطوّر وعي كامل بأهميّة الصحافة بدأ مع بدايات القرن العشرين ووصل إلى ذروته في الأربعينيّات. في صفحتيها السادسة والسابعة تدرج الوحدة قائمة بأسماء عشرات الجرائد والمجلاّت الفلسطينيّة منذ صدورها حتى لحظة صدور جريدة الوحدة، مراجعة عناوين الصحف هذه وأعدادها وأماكن صدورها يدل على انتشار الصحف على امتداد البلاد وعلى مشاركة جمعيّة هائلة وتنوع في الموضوعات والقضايا.

                                                                 جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

قد يكون البحث التاريخي مهمًّا في الصحافة الفلسطينيّة، لكن هذا العدد من جريدة الوحدة يحمل أهميّة، خاصّة أنّه يوفّر معلومات أوليّة غاية في الأهمية، ويوفر لنا نظرة عميقة، إنّها دراسة تاريخ الصحاف​​ة من خلال الصحافة وهي مهمّة ستحتاج الكثير من الباحثين لدراسة الصحف وما حملته من معلومات لقراءة جديدة في التاريخ.

 

 

صهيونيّون عارضوا قيام الدّولة اليهوديّة

لإنقاذ الوجود اليهوديّ في البلاد لا بد من التّخلي عن حلم "الدّولة اليهوديّة"؛ لجنة "إيحود فلسطين" وموقفها من الدولة اليهودية.

مارتين بوبر ويهوذا ماجنيس من شهادتهم أمام لجنة الّتحقيق الأنجلو أمريكيّة في القدس، 14 مارس 1946، القدس المصدر : شهادة مارتين بوبر ويهوذا ماyنيس امام لجنة التحقيق الأنجلو أمريكيّة، 1946، أرشيف مارتين بوبر، المكتبة الوطنيّة.

مارتين بوبر ويهوذا ماجنيس من شهادتهم أمام لجنة الّتحقيق الأنجلو أمريكيّة في القدس، 14 مارس 1946، القدس

مذكّرة “إيحود” فلسطين للجنة التحقيق الأنجلو-أمريكيّة

بعد نهاية الحرب العالميّة الثّانية وجدت بريطانيا نفسها في مأزقٍ حيال فلسطين ووعدها بإنشاء الوطن القومي لليهود فيها “دون المسّ بالفئات غير اليهوديّة” كما جاء في نصّ الوعد. أحداث متتالية امتدّت على مدار سنوات العشرينيّات والثّلاثينيّات دفعت بريطانيا لتوضيح سياساتها أو إعادة صياغتها فيما يراعي غضب العرب تارة وما يراعي غضب اليهود تارة، إلّا أن الواقع وتسارع الظروف والأحداث باتّجاه كارثة متوقّعة لم يكن بالشيء الّذي يمكن لجمه بسهولة.

اعتادت بريطانيا حتّى ذلك الوقت بتقديم كتابها الأبيض وتقارير الانتداب إلى عصبة الأمم، ونظرًا إلى حلّها عقب الحرب العالميّة الثّانية وازدياد النّفوذ الأمريكي في السّياسة العالميّة، تمّ الاتّفاق على انشاء لجنة التّحقيق الأنجلو-أمريكيّة الّتي تكوّنت من إثني عشر عضوًا جابوا فلسطين لثلاثة شهور من مطلع العام 1946 من أجل المعاينة وتقديم توصيات مدروسة لحكومتيّ بريطانيا والولايات المتّحدة الأمريكيّة حول ما يجب فعله في فلسطين. إلّا أن توصياتها لم تنفّذ قطّ، عقب قرار بريطانيا بالتّنصّل من المسألة برمّتها وتسليمها للأمم المتّحدة.

خارطة الكثافة السّكانية لفلسطين عام 1946، من إعداد هيئة مسح فلسطين البريطانيّة لاطّلاع اللّجنة خصّيصًا.
خارطة الكثافة السّكانية لفلسطين عام 1946، من إعداد هيئة مسح فلسطين              البريطانيّة لاطّلاع اللّجنة خصّيصًا.

الوصف: الكثافة السّكانيّة في فلسطين حسب الطّوائف، 1946، مجموعة خرائط عيران ليئور، المكتبة الوطنيّة.

للاطلاع على جميع خرائط مسح فلسطين اضغطوا هنا 

إلى جانب التجوّل واتّخاذ بعض التّقارير من حكومة الانتداب الفاعلة في فلسطين، قامت اللجنة بعقد جلسات استماع عامّة لاتّخاذ مقترحات ومقابلة متحدّثين باسم الفئات المختلفة للاطلاع على المشكلات المطروحة من جهة ولاستطلاع رؤية السّكان من جهة أخرى. من إحدى المذكّرات الّتي قدّمت أمام اللّجنة بشكلٍ مدروس وكان أثرها واضحٌ في توصيات اللّجنة لاحقًا كانت مذكّرة لجمعيّة “إيحود” فلسطين. إليكم بعض ممّا جاء فيها:

“بعضنا سكن هنا بما يكفي ليدرك أن اليهود والعرب قد تعاونوا في الماضي ويمكن أن يتعاونوا في شتّى مجالات الحياة بما فيها السّياسيّ، إلّا أن ذلك التّعاون السّياسي لن يأتي من تلقاء نفسه. هناك شرط واحد لتحقيق هذا التّعاون وهو أن يصبح موضوعًا مركزيّا للسياسة العليا وأن يتم تكثيف هذه السّياسة سلطويّا يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام.

نحن ندرك جيّدًا عدم مثاليّة اقتراحاتنا العمليّة، لكننا نعلم شيئًا واحدًا بالتأكيد: المخرج الوحيد من المأزق الّذي نحن فيه هو التّعاون اليهوديّ-العربيّ”.

مطلع مذكّرة “إيحود” فلسطين إلى لجنة التّحقيق الأنجلو أمريكيّة، 1946، أرشيف المكتبة الوطنيّة الإسرائيلية.

رأى هؤلاء الأفراد القادمون من خلفيّة دينيّة إصلاحيّة في الغالب أنه لإنقاذ التّواجد اليهوديّ للبلاد لا بد من التّخلي عن حلم “الدّولة اليهوديّة” كما نظّر لها هرتسل في كتابه “الدولة اليهوديّة” والّذي تأسس جدول عمل ورؤية الحركة الصّهيونيّة حوله منذ لحظة تأسّسها. وبدلًا عن ذلك، فإن فكرة دولة ثنائيّة القوميّة في فلسطين بدت لهم الحلّ الأفضل رغم وعيهم بعدم مثاليّتها لأي من الطّرفين، كما أوضح الائتلاف في المذكّرة الّتي قام بعرضها أمام لجنة التّحقيق الأنجلو-أمريكيّة عام 1946. والّذي احتوى على مقترحٍ مفصّل لكيفيّة إدارة الدولة ثنائيّة القوميّة بما يضمن التّشارك العادل للسلطة والاستقاليّة المضمونة لكلٍ من الشّعبين في إدارة شؤونه بنفسه. ورغم تركيز الإيحود على فكرة التّعاون الثّنائيّ، لم يكن هناك صوتًا فلسطينيّا يذكر في صفوفه الأماميّة. في الواقع، أخذت اللّجنة الكثير من مقترحات “إيحود فلسطين” بالفعل، والّتي لم تطبّق على كلّ حال.

“عرب إسرائيل يتفلسطنون”- نظرة الصحافة الإسرائيلية إلى ذكرى يوم الأرض

نظرة إلى عينة من أخبار الصحافة الإسرائيلية في كيفية تعاملها مع أحداث يوم الأرض خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي

يسعى هذا المقال إلى إظهار ردود الافعال في الصحافة الإسرائيلية وكيف كان تعاملها مع ذكرى يوم الأرض خلال فترة نهاية السبعينيات وعقد الثمانينيات من القرن الماضي. ويمكن تلخيص هذه السياسة من خلال شقين؛ إما الهجوم المبطن والتحذير من الهوية الفلسطينية المتجذرة ضمن صفوف المواطنين العرب في إسرائيل أو محاولة نقل الأخبار بطريقة هامشية بعيدة كل البعد عن محاولة إضافة الشرعية على المتظاهرين أو تحقيق العدالة للضحايا منهم.

ذكرى يوم الأرض

في الثلاثين من آذار عام 1976، وكرد فعل على القرار الذي صدر في صيف 1975 والذي نصّ على مصادرة ما يقرب الـ 20 ألف دونماً من أراضي منطقة رقم 9 التابعة لبلدة عرابة، سخنين ودير حنا وذلك لصالح مشروع (تطوير الجليل)، انطلقت المسيرات العامة والتظاهرات التي جابت غالبية القرى العربية في الجليل والمثلث والنقب؛ ابتداءً من قرية عرّابة (اليوم أصبحت مدينة) والتي سقط فيها أول ضحية وهوالشاب خير ياسين، ومن ثم استعرت التظاهرات إلى باقي القرى والمناطق، وسقط المزيد من الضحايا حتى وصل عددهم إلى 6:

خديجة قاسم شواهنة، رجا حسين أبو ريا، خضر عيد محمود خلايلة، محسن حسن سيد طه، رأفت علي زهدي وخير ياسين.

أدّى سقوط الضحايا برؤساء المجالس المحلية إلى رفع مذكرة إلى حكومة إسحق رابين (رئيس الحكومة آنذاك) مطالبين بالعدل والمساواة وذلك من أجل إنشاء لجنة تحقيق في أحداث يوم الأرض.

 

صحيفة معاريف- “يوم الأرض- إشارة على عملية فلسطنة عرب إسرائيل”

                         صحيفة معاريف، 2 نيسان 1976

بتاريخ 2 نيسان 1976، نشرت صحيفة معاريف مقالًا صحفيًا تلقي فيه الضوء على أحداث يوم الأرض. ولا بد أن نقول بأن العنوان “عرب إسرائيل يتفلسطنون” هو عنوان ليس بالصادم بوقتنا الحالي (بالنسبة للصحافة الإسرائيلية)، لكن عند العودة إلى عام 1976، وذاك التاريخ لم يكن بالتاريخ البعيد عن فترة انتهاء الحكم العسكري الذي تم فرضه على المناطق العربية حتى عام 1966، والذي فيه تمت محاولات محو واقتلاع جذور الهوية الفلسطينية (بشكل مباشر وغير مباشر)، لم يكن لدى الوعي والحيز الإسرائيلي أي استعداد لتقبل الهوية الفلسطينية للمواطنين العرب في البلاد. وهذه أحد الأمور التي قام يوم الأرض بكسرها وأحدث فيها مفارقة كبيرة لا تزال آثارها متوهجة حتى يومنا هذا.

بالعودة إلى مقال صحيفة معاريف بقلم “إيلي ريخس” الذي كان باحثًا في معهد شيلوح، قامت الصحيفة بإطلاق تسمية “الشباب” على المتظاهرين وبالتحديد على صورة التقطها المصور شموئيل رحماني “24 بلوس” لمتظاهرين من منطقة المثلث.

في مقدمة المقال، يقوم الكاتب بتقديم يوم الأرض- من وجهة نظر القوى الأمنية الإسرائيلية- بكونه “إشارة مركزية على التطرف الموجود والمتواصل تجاه إسرائيل منذ حرب الأيام الستة (حرب حزيران عام 1967)، وبأن انهيار الفواصل بين العرب “إسرئيل” و عرب “المناطق” (العرب الموجودين بالمناطق المحتلة) أدى إلى تجديد العلاقة مع الهوية الفلسطينية بعد انقطاع دام أكثر من 17 عامًا نتيجة حرب الاستقلال (حرب عام 1948)”.

لتصفح المقال الكامل باللغة العبرية اضغطوا هنا

صحيفة دافار- رفض رسمي لإقامة لجنة تحقيق لأحداث يوم الأرض

  صحيفة دافار، 18 نيسان 1977

بتاريخ 18 نيسان 1977، نشرت صحيفة دافار خبرًا مفداه رفض الحكومة عرض الوزيرين فيكتور شيم- توف وموشيه كول لإقامة لجنة تحقيق وزارية في أحداث يوم الأرض بقرى المثلث- جت وباقة الغربية. وكان هذا الرفض الرسمي بشكل قاطع لا رجعة فيه. تعود حيثيات عرض إقامة لجنة وزارية إلى لقاء بين ممثلين القرى المذكورة مع الحكومة والذين طالبوا فيها بإقامة لجنة التحقيق المذكورة.

لتصفح المقال الكامل باللغة العبرية اضغطوا هنا

صحيفة معاريف- “ما هو يوم الأرض؟”

                       صحيفة معاريف، 2 نيسان 1989

بتاريخ 2 نيسان 1989، بعد أكثر من 13 عامًا على أحداث يوم الأرض، وجهت صحيفة معاريف الأنظار نحو ما هو يوم الأرض ومفهومه لدى المجتمع اليهودي في إسرائيل، حيث تطرق المقال إلى آراء المواطنين اليهود حول يوم الأرض وما هي الذاكرة المتجذرة حوله.

يقول يتسحاق ليفي- 42 عامًا، من بات يم” يوم الأرض هو حدث مرتبط بالعرب الفلسطينيين، لكنه ليس مرتبطًا بالانتفاضة (التي اشتعلت عام 1987).

أفراهام معرافي- 35 عامًا، من بات يم ” سمعت عن ذلك خلال هذا الأسبوع، يوم الأرض هو يوم عيد بالنسبة للفلسطينيين؛ منهم من يحتفل به بأعمال شغب ومنهم من يحتفل به كيوم إجازة من العمل”.

راحيل كوهن- 21 عامًا، كريات غات” أنا لا أعلم ما هو ولماذا هو موجود. أنا فقط أعلم أنه حدث مرتبط بالفلسطينيين وبحرب الاستقلال”.

ميري آرو- 36 عامًا، حيفا ” يوم الأرض هو يعكس يوم تحرير السكان العرب في إسرائيل. وترتبط هذه المناسبة بقضية الأراضي التي بدأت منذ سنوات الخمسينيات.

لتصفح المقال الكامل باللغة العبرية اضغطوا هنا

إتاحة المواد المرتبطة بأحداث يوم الأرض في المكتبة الوطنية الإسرائيلية

بمناسبة حلول ذكرى يوم الأرض، قام طاقم المضمون الرقمي في المكتبة الوطنية الإسرائيلية ببناء بوابة معرفية حول المواد المرتبطة بأحداث يوم الأرض من أجل إتاحتها للجمهور؛ حيث العديد من المواد الرقمية الحصريّة لصور المسيرات في سنوات مختلفة، وكذلك بعض الصور والملصقات الخاصة بالنضال المشترك للعرب واليهود، وأخبار من أرشيفي الصحف العربية (وتحديداً صحيفة الإتحاد) والإسرائيلية وكيف تعاملت وجهات النظر المختلفة مع هذا اليوم. فيما تجدون في آخر البوابة المصادر التي استندنا إليها في هذا النص والمواد الرقمية الواردة.

يمكنكم تصفح البوابة الرقمية الخاصة بذكرى يوم الأرض من خلال الضغط هنا