في الجزء الشمالي الغربي من البلاد، تقع قرية الغجر، وهي صغيرة نائية جدًا، أُغلِقَت على أهلها حتى حزيران من العام 2022. وإلى جانب الظرفين الجغرافي والسياسي، على المستوى الطائفي، أهل القرية هم من الطائفة العلوية. تعتبر القرية من قرى هضبة الجولان وهي على الحدود مع مزارع شبعا اللبنانية، لذلك إذا بحثنا في محرّك جوجل سنجد سؤال البحث الرئيسي: “قرية الغجر لبنانية أم سورية“؟ فما حكاية قرية الغجر ولم هذه الحيرة في الهوية؟
لبنان أم سوريا؟
في أواخر العهد العثماني، بإيعاز من الباب العالي، تولّى الأكراد حكم قرية الغجر وكانوا أوّل من استبدّل اسم القرية من “طرنجه” إلى “الغجر”، وفي ذلك الوقت، كانت القرية تابعة لحوران قضاء القنيطرة السورية. وبعد الحرب العالمية الأولى، شُملت القرية في سيطرة الانتداب الفرنسي الواقع على كل من سوريا ولبنان (في منطقة بلاد الشام)، وكانت جميع سجلّاتها الرسمية في القنيطرة ودمشق. في العام 1932، خلال فترة الانتداب، خُيّر أهالي القرية بشأن المواطنة ما بين لُبنان وسوريا فاختاروا المواطنة السّوريّة حيث الوجود الأكبر للطائفة العلويّة للحفاظ على أمنهم وترابطهم مع باقي الطائفة، وبالفعل حصل أهلها على المواطنة عند استقلال سوريا في عيد الجلاء في 17 نيسان للعام 1942. وفي إحصائيات العام 1960، كانت “الغجر” ضمن إحصائيات سكان الدولة السورية. (الخطيب، 2017)

انتهاء المواطنة السورية، ولبنان ترفُض
أثناء حرب عام 1967 والمعارك الدّائرة على المثلث الحدودي الإسرائيلي – اللبناني – السوري، تحديدًا على أراضي هضبة الجَوْلان، استخدمت الفرق العسكريّة الإسرائيليّة في المنطقة هناك خرائط مسح فلسطين البريطانية التي أظهرت أنّ قرية “الغجر” ضمن الحدود اللبنانيّة ولذلك لم تدخلها القوّات الإسرائيليّة لأن لبنان لم تكن مشتركة في الحرب، وهكذا أصبحت “الغجر” منطقة محرّمة لأنها محل نزاع من قبل طرفان تركاها دون احتلالها لأسباب تعود للخوف أو الشك؛ إذ رفضت لبنان طلب أهالي القرية بضمها إلى مناطق الدولة اللبنانية لأنهم سوريّين. بعد شهرين ونصف من العزلة الاقتصاديّة ونقص المواد الغذائيّة، آثر أهالي القرية الاتّصال ببقيّة قرى الجولان الواقعة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي وأعلنوا الخضوع للقوّات الإسرائيليّة في تاريخ 13 حزيران 1967، وافقت القوات الإسرائيليّة على ضمّ قرية الغجر إلى السّيطرة الإسرائيليّة وحصل سكّان القرية على المواطنة الإسرائيلية في العام 1981 مع إعلان قرار ضم الجولان في 14 كانون الأول.

الغجر تحت “الحصار”
من الجدير بالذكر أن أراضي القرية مقسّمة بين لبنان وإسرائيل، إلا أنّ جميع أهالي القرية في الشقيْن اللبناني والإسرائيلي يحملون الجنسيّة الإسرائيلية، والقرية محاطة بسياج عسكري من جميع جهاتها، ولم يكن لها سوى بوابة واحدة شرقي القرية، تغلق في وجه سكان القرية حتى يثبتوا هوياتهم، كما كانت تغلق في وجه الغرباء الذين لا يستصدرون تصريحًا من الجيش الإسرائيلي قبل يوم من الزيارة، وقد منعت القوات الإسرائيلية الصيوف من المبيت عند أصدقائهم وإجبارهم على مغادرة القرية قبل الساعة العاشرة ليلًا. (خطيب، 2017). استمر الوضع على هذا الحال حتى حزيران من العام 2022؛ إذ تم إزالة الحاجز وأصبح بالإمكان الدّخول إلى القرية بدون أي تقييدات.


ما زالت تعاني قرية الغجر من شُحّ الخدمات الحكومية على الرغم من مواطنتها بخلاف باقي قرى الجولان، إلا أنّ وجودها على الحدود الأكثر ارتباكًا أثّر على سكان القرية من جميع مناحي الحياة.