في الجزء الشمالي الغربي من البلاد، تقع قرية الغجر، وهي صغيرة نائية جدًا، أُغلِقَت على أهلها حتى حزيران من العام 2022. وإلى جانب الظرفين الجغرافي والسياسي، على المستوى الطائفي، أهل القرية هم من الطائفة العلوية. تعتبر القرية من قرى هضبة الجولان وهي على الحدود مع مزارع شبعا اللبنانية، لذلك إذا بحثنا في محرّك جوجل سنجد سؤال البحث الرئيسي: “قرية الغجر لبنانية أم سورية“؟ فما حكاية قرية الغجر ولم هذه الحيرة في الهوية؟
لبنان أم سوريا؟
في أواخر العهد العثماني، بإيعاز من الباب العالي، تولّى الأكراد حكم قرية الغجر وكانوا أوّل من استبدّل اسم القرية من “طرنجه” إلى “الغجر”، وفي ذلك الوقت، كانت القرية تابعة لحوران قضاء القنيطرة السورية. وبعد الحرب العالمية الأولى، شُملت القرية في سيطرة الانتداب الفرنسي الواقع على كل من سوريا ولبنان (في منطقة بلاد الشام)، وكانت جميع سجلّاتها الرسمية في القنيطرة ودمشق. في العام 1932، خلال فترة الانتداب، خُيّر أهالي القرية بشأن المواطنة ما بين لُبنان وسوريا فاختاروا المواطنة السّوريّة حيث الوجود الأكبر للطائفة العلويّة للحفاظ على أمنهم وترابطهم مع باقي الطائفة، وبالفعل حصل أهلها على المواطنة عند استقلال سوريا في عيد الجلاء في 17 نيسان للعام 1942. وفي إحصائيات العام 1960، كانت “الغجر” ضمن إحصائيات سكان الدولة السورية. (الخطيب، 2017)
انتهاء المواطنة السورية، ولبنان ترفُض
أثناء حرب عام 1967 والمعارك الدّائرة على المثلث الحدودي الإسرائيلي – اللبناني – السوري، تحديدًا على أراضي هضبة الجَوْلان، استخدمت الفرق العسكريّة الإسرائيليّة في المنطقة هناك خرائط مسح فلسطين البريطانية التي أظهرت أنّ قرية “الغجر” ضمن الحدود اللبنانيّة ولذلك لم تدخلها القوّات الإسرائيليّة لأن لبنان لم تكن مشتركة في الحرب، وهكذا أصبحت “الغجر” منطقة محرّمة لأنها محل نزاع من قبل طرفان تركاها دون احتلالها لأسباب تعود للخوف أو الشك؛ إذ رفضت لبنان طلب أهالي القرية بضمها إلى مناطق الدولة اللبنانية لأنهم سوريّين. بعد شهرين ونصف من العزلة الاقتصاديّة ونقص المواد الغذائيّة، آثر أهالي القرية الاتّصال ببقيّة قرى الجولان الواقعة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي وأعلنوا الخضوع للقوّات الإسرائيليّة في تاريخ 13 حزيران 1967، وافقت القوات الإسرائيليّة على ضمّ قرية الغجر إلى السّيطرة الإسرائيليّة وحصل سكّان القرية على المواطنة الإسرائيلية في العام 1981 مع إعلان قرار ضم الجولان في 14 كانون الأول.
الغجر تحت “الحصار”
من الجدير بالذكر أن أراضي القرية مقسّمة بين لبنان وإسرائيل، إلا أنّ جميع أهالي القرية في الشقيْن اللبناني والإسرائيلي يحملون الجنسيّة الإسرائيلية، والقرية محاطة بسياج عسكري من جميع جهاتها، ولم يكن لها سوى بوابة واحدة شرقي القرية، تغلق في وجه سكان القرية حتى يثبتوا هوياتهم، كما كانت تغلق في وجه الغرباء الذين لا يستصدرون تصريحًا من الجيش الإسرائيلي قبل يوم من الزيارة، وقد منعت القوات الإسرائيلية الصيوف من المبيت عند أصدقائهم وإجبارهم على مغادرة القرية قبل الساعة العاشرة ليلًا. (خطيب، 2017). استمر الوضع على هذا الحال حتى حزيران من العام 2022؛ إذ تم إزالة الحاجز وأصبح بالإمكان الدّخول إلى القرية بدون أي تقييدات.
ما زالت تعاني قرية الغجر من شُحّ الخدمات الحكومية على الرغم من مواطنتها بخلاف باقي قرى الجولان، إلا أنّ وجودها على الحدود الأكثر ارتباكًا أثّر على سكان القرية من جميع مناحي الحياة.
حكاية لم تنتهِ بعد: عن أرشيف سلمان ناطور الرّقمي
كنز من المواد الجماهيريّة والشّخصيّة الخاصّة بالأديب الرّاحل سلمان ناطور سيصبح متاحًا عمّا قريب على موقع المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة. تعرّفوا على الأرشيف وصاحبه في هذه المقالة.
“قد لا تعني أحدًا تفاصيل سيرتنا الذّاتيّة لأننّا نعيش مثل غيرنا وسنموت مثلهم. لكن لأنّنا وُلدنا بعد الحرب الأولى فقد صرنا شهادة تاريخيّة”.
سلمان ناطور
وُلد سلمان ناطور لعائلة درزيّة في دالية الكرمل جنوب حيفا عام 1949. في أواخر السّتينيّات، التحق بجامعة حيفا لدراسة الفلسفة، وبدأ مساره الأدبي ونشاطه السّياسي الّذي استمر إلى آخر حياته.
في بداية مساره انضمّ سلمان ناطور إلى أطر ونشاطات سياسيّة متنوّعة، فانضمّ إلى الحزب الشّيوعي الإسرائيلي، ولجنة المبادرة العربيّة الدّرزيّة، كما عمل في بداية الثّمانينيّات في حركة التّضامن مع أهالي الجولان في إضرابهم واحتجاجهم على ضمّ الجولان لإسرائيل.
طالع/ي أيضًا: هضبة الجولان
عمل خلال هذه الفترة كمحرّرًا لقسم الثّقافة في جريدة الاتّحاد في مدينة حيفا وحرّر مجلّة “الجديد” للأدب والفنّ وكتب المقالات السّاخرة في مجلّة “المهماز”. وترك في أعداد هذه الدّوريّات المئات من مقالات الرأي والقصص القصيرة والنّصوص المتنوّعة.
شغل سلمان ناطور أيضًا مناصب إداريّة في عددٍ من المؤسّسات العربيّة في إسرائيل منها الثّقافيّة والحقوقيّة منها جمعيّة تطوير الموسيقى العربيّة ومركز إعلام للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل ومركز عدالة ومركز مساواة لحقوق المواطنين العرب ومعهد إميل توما للدّراسات الفلسطينيّة الإسرائيليّة. كما شارك في محافل ومبادرات ثقافيّة فلسطينيّة عديدة.
اهتمّ سلمان ناطور بالتّعرف على الثّقافة الإسرائيليّة وعلى المجتمع الإسرائيلي فأجرى العديد من المقابلات والمراسلات والنّقاشات مع كتّاب عبرييّن وكان من مؤسّسي اتّحاد المبدعين الإسرائيليّين والفلسطينيّين ضد الاحتلال.
كتب سلمان ناطور الشّعر والنّصوص السّاخرة والرّواية، والمقالة الصّحافيّة والتّاريخ الشّفوي والخواطر والانطباعات والدراسات، كما شارك في كتابة جزء من “وثائق الرؤية المستقبليّة للعرب الفلسطينيّين في إسرائيل“. وترك أكثر من ثلاثين مؤلّفًا وترجم عددًا من المؤلّفات العبريّة إلى اللّغة العربيّة.
أرشيف سلمان ناطور في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
سلمان ناطور وزوجته يلتقطان صورة ذاتيّة في سنوات الثّمانينيّات، أرشيف سلمان ناطور
توصّلت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة إلى موافقة من عائلة الأديب والرّوائي الرّاحل سلمان ناطور من أجل أرشفة نسخة رقميّة عن أرشيفه الشّخصي وإتاحته إلى جمهور المهتمّين والباحثين على موقعها، وقد تمّ تصنيف المواد وفهرستها وهي في مرحلة المسح الرّقمي الآن، وبعد ذلك سيتمّ إتاحتها عن بُعد.
يتكوّن أرشيف سلمان ناطور من حوالي تسعة آلاف مادّة تحتوي على نصوص أدبية، مقالات، مسوّدات بخط اليد، مراسلات شخصيّة ورسميّة، صور فوتوغرافية وتذكاريّة، وثائق متنوّعة، وثائق وقُصاصات من عمله الجماهيري والسياسي، قُصاصات صحافية، فيديوهات وأشرطة تسجيليّة، وقد استغرقت عمليّة الفهرسة أكثر من ستّة أشهر، وعمّا قريب سيكون معظمها في متناول أيديكم.
المرحلة الأولى – النّشاط الجماهيري والسّياسي والعمل الصّحافي
يمكّننا أرشيف سلمان ناطور من تقسيم نشاطه الأدبي وحياته إلى مرحلتين مختلفتين من حيث انشغالاته واهتماماته، وينعكس هذا التّقسيم بالنّظر إلى عناوين مؤلّفاته وآثاره المنشورة أيضًا. فتبدأ المرحلة الأولى بدراسة الفلسفة في الجامعة العبريّة وثمّ في حيفا، في هذه الفترة طالب سلمان ناطور التسريح المبكّر من الخدمة العسكريّة واستبدالها بالخدمة المدنيّة في سلك التّربية والتعليم، إلّا أن طلبه قوبل بالرّفض ومع ذلك رفض ناطور الاستمرار بالخدمة العسكريّةـ وعلى أثر ذلك عوقب بالسّجن لمدّة ستّة أشهر تقريبًا. بدأ بمناهضة فرض الخدمة العسكريّة على الدّروز و أصدر كتابه الأوّل “أنت القاتل يا شيخ” (رواية)، انضمّ لاحقًا للعمل في لجنة المبادرة الدّرزية وعمل محرّرًا في جريدة الاتّحاد، وفي أواخر السّبعينيّات انضمّ إلى الحزب الشّيوعي، وبرز نشاطه في الحزب وفي حركة التّضامن مع أهالي الجولان في سنوات الثّمانينيّات.
تبدأ هذه المرحلة من حياة سلمان ناطور من أواخر السّتّينيّات وتمتدّ إلى سنوات السّبعينيّات وإلى الثّمانينيّات، وهي المرحلة الّتي تزوّج بها من رفيقة دربه السّيدة ندى ناطور وأنجب منها أبناءه الأربعة.
في هذه الفترة، استغرق سلمان ناطور بالعمل الجماعي والجماهيري بشكل شبه كامل، بدأ بالنّشاط والمخاطبة في مجتمعه الدّرزي الأصغر ثمّ امتدّ للكتابة باسم الإنسان الفلسطيني في إسرائيل والفلسطينيّين عمومًا.
أصدر سلمان ناطور في هذه المرحلة عددًا من المؤلّفات منها:
آراء ودراسات في الفكر والفلسفة(مقالات)- القدس 1971
ما وراء الكلمات (قصص قصيرة) – القدس 1972
أنت القاتل يا شيخ (رواية) – القدس 1976
الشّجرة الّتي تمتدّ جذورها إلى صدري (قصص قصيرة) -عكّا 1979
ساعة واحدة وألف معسكر(مجموعة ساخرة) – حيفا 1980
ابو العبد يغازل مدم مندلوفيتش (مجموعة ساخرة) – بيروت 1981
وما نسينا (مسلسل تسجيلي) – حيفا 1982
كاتب غضب (مونولوج إسرائيلي)- حيفا 1984
حكاية لم تنته بعد – حيفا 1985
في أرشيف سلمان ناطور من هذه الفترة، يوجد مسوّدات لجزء من أعماله ومقالاته بخطّ اليد ونصوص لم تُنشر، بالإضافة إلى مراسلات شخصيّة ومهنيّة ووثائق رسميّة وغير رسميّة تتعلّق بنشاطه الجماهيري والسّياسي.
المرحلة الثّانية – التّعرف والكتابة عن المجتمع الإسرائيلي، أنشطة السّلام وأخيرًا الكتابة الذّاتيّة
يمكننا القول أنّ المرحلة الأولى انتهت بوضوح باستقالة سلمان ناطور من عمله في جريدة الاتّحاد في بداية التّسعينيّات وأيضًا من الحزب الشّيوعي بهدف التّفرّغ للكتابة. في هذه الفترة وتحديدًا منذ أواخر الثمانينيّات، يبدأ تحوّل ما بالظّهور في أرشيف سلمان ناطور من حيث كمّ النّشاطات والمبادرات والاهتمامات المتعلّقة بالسّلام وبالتّعرّف على المجتمع الإسرائيلي، ومن أبرز هذه المبادرات كتابه “يمشون على الرّيح” الّذي وضع فيه خلاصة لعشرات المقابلات الّتي أجراها في بلدة بيت شان وسمّاه أيضًا “عودة إلى بيسان” وجزء من تسجيلات هذه المقابلات محفوظًا أيضًا في أرشيفه. ذهب سلمان ناطور إلى بيت شان كما يقول في كتابه “يبحث عن الإنسان”. يلتقي بعشرات السكّان الإسرائيليّين ويلخّص تجربته وانطباعاته في هذا الكتاب.
من المشاريع الّتي ظهرت في هذه الفترة أيضًا “كحبّات المسبحة”، وهو مشروع يستكشف آراء طلبة الابتدائيّة اليهود بالطّلبة العرب والعكس. أسسّ سلمان ناطور في هذه الفترة اتّحاد المبدعين الإسرائيليّين والفلسطينيّين ضد الاحتلال عام 1986، وترجم مؤلّفات عبرية لكتّاب إسرائيليّين مثل يشعياهو ليبوفيتش وشمعون ليفي وغيرهم إلى العربيّة. كما بدأت كتاباته أيضًا بالاتّجاه نحو الذّاتية والعاطفة وأدب الأطفال. وبالرغم من استقالته من العمل الصّحافي بشكل دائم، فقد استمرّ بكتابة المقالات في صحف متنوّعة بين الفينة والأخرى، وعمل كاتبًا في برامج تلفزيونيّة أيضًا.
صدر لسلمان ناطور في هذه الفترة مؤلّفات عديدة منها:
يمشون على الرّيح – النّاصرة 1992
من هناك حتّى ثورة النّعناع سبع سنوات من الحوار مع الكتّاب العبريين – دالية الكرمل 1995
فلسطيني على الطريق – رام الله 2000
ذاكرة – بيت لحم 2006
سفر على سفر – رام الله 2008
ستّون عامًا رحلة الصّحراء – عمّان – رامالله 2009
هي أنا والخريف (رواية) حيفا 2011
في أرشيف سلمان ناطور من هذه المرحلة مسوّدات لكتاباته أيضًا، والكثير من المراسلات مع كتّاب عبريّين من أبرزهم شموئيل موريه ونير شوحط، بالإضافة إلى وثائق متنوّعة وتسجيلات صوتيّة وفيديو.
يعرّف سلمان ناطور عن نفسه من خلال ثيمات متكرّرة في نصوصه الأدبيّة: الذّاكرة الّتي تحدّثه وتمضي، الحنين واللّانهاية والسّفر، ويتساءل كثيرًا عن معنى ولادته في هذا المكان والزّمان. لم يتردد بخوض التّجارب الجماعيّة والفرديّة من أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، إلّا أنّه دائمًا ما كان يجد المزيد من الأسئلة تنتظره، ودائمًا ما كان يجد طريقًا لأن يسخر منها. لم يخجل من إظهار تعبه وحيرته وشعوره بالتّيه أحيانًا، لكنّه كثيرًا ما أظهر صراحةً مدى إدراكه لأهميّة تجاربه، فهو يرى في قصّته قصّة جيل كامل، وأنّ حياته عبارة عن “شهادة تاريخيّة”.
لا شكّ أنّ رحلة سلمان ناطور في البحث عن إجابات لأسئلته الكثيرة تستحقّ الاهتمام والاطّلاع، وتستطيعون استكشافها من خلال قراءة مؤلّفاته وتصفّح أرشيفه الرّقميّ الّذي سيظهر على موقع المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة قريبًا.
بالألوان: صور نادرة لليهود والمسلمين في البلاد من عام 1900
منحتنا تقنيّة تلوين الصّور (فوتوكروم) أوّل الصّور الملوّنة عن العالم، وكان ذلك بحسب خيال الموظّف المسؤول في دار الطّباعة.
تحتوي المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة على ألبومين من الصّور الّتي تمّ التقاطها في أواخر القرن التاسع عشر وتمّ إنتاجها بتقنيّة الفوتوكروم. فما هي هذه التقنيّة؟ ولماذا تشبه هذه الصّور اللوحات الزيتيّة أكثر ممّا تشبه الصّور الأصليّة في الأبيض والأسود؟
إنّ أوّل صورة ملوّنة التقطت عام 1880 على يد توماس ساتون، تلميذ للريّاضيّ والمخترع جايمس كليرك ماكسويل. وكانت صورة لِوِشاح.
بالرّغم من أنّ تقنيّة إنتاج الصّور الملوّنة ظهرت بعد عقود قليلة من اختراع التّصوير، إلّا أنّ الصّور الملوّنة احتاجت لأكثر من 100 عام إلى أن استبدلت مكانة صور الأبيض والأسود. إنّ التّحوّل الكبير بالانتقال إلى الصّور الملوّنة حصل في سبعينيّات القرن الماضي. وحتّى ذلك الوقت، تطلّب التّصوير الملوّن تقنيّات باهظة الثّمن لم يستخدمها سوى المصوّرين الحرفيّين، ولكن في العقود الأولى، اعتبرت التّقنيّة غير مضمونة.
بعد عشرين عامًا من التقاط أوّل صورة ملوّنة، قام الطّابع السويسري أوريل فوسلي بتطوير تقنيّة الفوتوكروم، وبعكس التّصوير الفوتوغرافي الملوّن الّذي يلتقط الصّورة بألوان المشهد الأصليّة، تقوم تقنيّة الفوتوكروم على تلوين الصّور الملتقطة بالأبيض والأسود. استخدم فوسلي في اختراعة تقنيّة الطّباعة الحجريّة؛ وهي تقنيّة طباعة كانت مستخدمة منذ عقود. خلال سنوات قليلة انتشرت تقنيّة الفوتوكروم، وكانت منخفضة التكلفة نسبيًا، وكان من السّهل إنتاج عدّة نسخ سويّة وبيعها.
في العام 1888، افتتحت شركة فوسلي فرعًا في زيوريخ. ومنذ تأسيسها وحتّى عشرينيّات القرن الماضي، قامت الشركة باستخدام براءة اختراعها للسيّطرة على السّوق العالمي للصوّر الملوّنة. وكانت زيوريخ وجهة كل من يريد أن يضيف الألوان لصورة فوتوغرافيّة.
أدّى احتكار الشّركة السّويسريّة إلى انعطافًا مثيرًا. في غياب التّعليمات الواضحة، لم يكن لموظّفي الشّركة أي وسيلة لمعرفة ألوان المشاهد الأصليّة الّتي يقومون بطباعتها، ولذلك ببساطة اعتمدوا على خيالهم. وهذا يأخذنا إلى الألبومين المذكورين سابقًا في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.
انتج الألبوم الأوّل عام 1900، وهو مجموعة من الصّور التّابعة لمجموعة من الحجّاج النمساويين الّذين زاروا البلاد. ولكن لم يقم الحجّاج بالتقاط الصّور بأنفسهم، ولكن فعل ذلك مصوّرون محترفون كانوا يعيشون في فلسطين العثمانيّة في ذلك الوقت. قام المصوّرون المحترفون بالتقاط تلك الصّور، أمّا التّلوين فتمّ على يد شركة فوتوكروم زيوريخ.
الحجّاج، مثل كلّ الزّبائن المهتمّين بشراء صور للبلاد المقدّسة، اختاروا الصّور الّتي يفضّلونها والّتي غالبًا ما كانت لأماكن قاموا بزيارتها خلال رحلتهم.
ولذلك ليس من الغريب أنّ معظم صور الألبوم الأوّل تُظهر مواقع وأماكن غاية في الأهمّية في القدس والمناطق المحيطة لها. والموقع الوحيد الاستثنائي في هذه الحالة هي المدينة السّاحليّة يافا. في تلك الصّورة يظهر عمّال الشّحن والتّفريغ وهم يشدّون قارب المرشدة السّياحيّة الشّهيرة رولا فلويد.
في هذا الألبوم تم تلوين مدخل المسجد الأقصى بألوان زاهية، وتم معالجة صور باب الخليل وباب الأسباط وقبّة الصّخرة من الداخل بتقنيّة الفوتوكروم أيضًا، من الوارد كذلك أنّ موظّفي فوتوكروم زيوريخ قاموا بتلوين الصّور بحسب تصوّرهم عن أهالي هذه المنطقة، في جميع الصّور يرتدي المحلّيون ملابس ثقيلة وألوانها فاقعة.
نعرف القليل عن تاريخ الألبوم الثّاني، والّذي تم التقاط صوره وإنتاجها في فترة سابقة. كلّ ما لدينا من معلومات هو خاتم الملكيّة الخاص بمدرسة إنجيليّة سويسريّة يظهر على كلّ صفحة من الورق المقوّى، ربّما زار المُلّاك البلاد بأنفسهم، ولكن من الوارد أيضًا أنّهم قاموا باقتناء الألبوم من ملّاك سابقين.
تظهر الـ 36 مطبوعة في هذا الألبوم مناظر طبيعيّة من فلسطين العثمانيّة وسوريا. بعض الصّور الموجودة في الألبوم الأوّل موجودة أيضًا في الألبوم الثّاني، وبعض الصّور تُظهر المشاهد ذاتها إنّما بفارق زمني بسيط.
على كلّ حال، يظهر هذا الألبوم عدّة أمثلة على الحريّة الفنّية الّتي تمتّع بها موظّفو الشّركة السويسريّة، وأحد هذه الأمثلة صورة اليهودي الأشكنازي الّذي يرتدي ثوبًا مخطّطًا بألوان قوس القزح – وهي صورة على الأغلب غير مطابقة للأصل. كما نختتم بذكر الصّورة الجميلة لحائط المبكى من نهاية القرن التّاسع عشر، حيث يتكئ الرجال والنساء على الحائط ويلبسون مجموعة من الألوان الزاهية منها الأسود والأبيض والأحمر والأخضر والبنّي.
النوّاب العرب في الكنيست: توفيق الطوبي، سيف الدين الزعبي، وأمين جرجورة
في هذا المقال، تتبّعنا حكاية وصول النوّاب العرب للكنيست في وقت مبكر في صور ضمن مجموعة المكتبة وأخبار من صحيفتي الصريح والاتحاد.
في هذه الأيام، تشهد البلاد حالة من التيه والتضارب بين الأحزاب السياسية بشكل عام والأحزاب العربية في الكنيست لتشكيل الحكومة والتي – حتى هذه اللحظة – شكّلت أربع دورات وستُعقَد الدورة الخامسة في مطلع شهر تشرين الثاني. ولكن دومًا من خلف الكواليس يكون السؤال التالي: كيف نجح العرب في الوصول للكنيست مبكّرًا؟
الكنيست الأول وثلاثة أعضاء عرب
عقدت الدورة الأولى للكنيست في كانون الثاني من العام 1949، أي بعد أقل من عام على قيام الدولة، إذ كانت الحاجة تُلّح إلى تشكيل حكومة، وقد تشكّلت الحكومة بقيادة دافيد بن غوريون، فيما كان في هذه الدورة ثلاثة أعضاء عرب وهم: أمين سليم جرجورة وسيف الدين زعبي عن القائمة الديمواقراطية للناصرة، وتوفيق طوبي تحت كتلة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. حصدت حينها القائمة الديمواقراطية للناصرة مقعدين، بينما حصل الحزب الشيوعي الإسرائيلي على أربعة مقاعد. ولكن كيف التحق العرب بالكنيست الإسرائيلي وشاركوا في الانتخابات الإسرائيلية وتحديدًا بعد قيام الدولة أي أكثر الفترات حرجًا في البلاد؟
توفيق الطوبي: أربعون عامًا وأكثر في الكنيست
في العام 1940، في عمر الثامنة عشر، التحق الفتى توفيق الطوبي، ابن مدينة حيفا، في الحزب الشيوعي الفلسطيني، وفي العام 1943، انفصل عن الحزب ليؤسس عصبة التحرر الوطني حتى العام 1948 والتي قرر فيها توحيد الشيوعيين العرب واليهود في حزب واحد ألا وهو الحزب الشيوعي الإسرائيلي وتحديدًا في شهر تشرين الأول، أي بعد خمسة أشهر من إعلان قيام دولة إسرائيل.
استمّر الطوبي في الكنيست الإسرائيلي حتى تسعينيّات القرن الماضي، ولم يتواني يومًا عن المطالبة بحقوق العرب في إسرائيل ولا سيّما المطالبة الأكبر بإسقاط الحكم العسكري. بقي الطوبي في الكنيست لـ 12 دورة انتخابية مثّل فيهنّ: الحزب الشيوعي الإسرائيلي (ماكي)، القائمة الشيوعية الجديدة (راكاح)، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش). وخلال تلك الفترة، نشر في صحيفة الاتحاد والتي كانت تنطق باسم عصبة التحرر والحزب الشيوعي الإسرائيلي. إلى جانب ذلك، وثّقت الصحيفة مطالبات وإنجازات توفيق الطوبي في الكنيست.
ومن أهم الدعوات التي شارك فيها توفيق طوبي إلى جانب توفيق زيّاد، الدعوة إلى مسيرات “يوم الأرض” للتصدّي لمصادرة أراضي الجليل لمشروع “تطوير الجليل” آنذاك.
نصراويان مثّلا القائمة الديموقراطية للناصرة في الدورة الأولى للكنيست، وفي الدورة الثانية، وبعد عامين، أوقف أمين سليم جرجورة ولايته، وفي العام 1954 تم تعيينه رئيسًا لبلدية الناصرة. يُعتبر أمين سليم جرجورة رجلًا قد شارك مع كل الحكومات في فلسطين العثمانية والانتدابية؛ إذ خدم في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، وكان معلّمًا في معارف حكومة فلسطين التابعة للانتداب البريطاني، حتى أصبح في البرلمان الإسرائيلي وبلدية الناصرة تحت الحكم العسكري.
أما سيف الدين زعبي، فلقد كان رفيقًا لجرجورة في القائمة الديموقراطية للناصرة في الدورة الأولى، وفي الدورة الثانية، انتقل الزعبي إلى القائمة الديمقراطية لعرب إسرائيل لدورتين متتاليتيْن حتى العام 1956، وتوّقف لمدة تسع سنوات، وعاد للكنيست في العام 1965 حتى العام 1979 مع كتلة التقدّم والتطوّر، وبالتزامن مع فترة الكنيست، ترأس بلدية الناصرة وتحديدًا بين 1959 حتى العام 1974.
وبعد الدورة الأولى للكنيست، توالت أخبار كل دورة حتى نشرت صحيفة الصريح أخبار الدورة الثانية بزيادة الأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي الجديد بمختلف خلفياتهم الدينية.