بقلم: حِن مَلول
تحتوي المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة على ألبومين من الصّور الّتي تمّ التقاطها في أواخر القرن التاسع عشر وتمّ إنتاجها بتقنيّة الفوتوكروم. فما هي هذه التقنيّة؟ ولماذا تشبه هذه الصّور اللوحات الزيتيّة أكثر ممّا تشبه الصّور الأصليّة في الأبيض والأسود؟
إنّ أوّل صورة ملوّنة التقطت عام 1880 على يد توماس ساتون، تلميذ للريّاضيّ والمخترع جايمس كليرك ماكسويل. وكانت صورة لِوِشاح.
بالرّغم من أنّ تقنيّة إنتاج الصّور الملوّنة ظهرت بعد عقود قليلة من اختراع التّصوير، إلّا أنّ الصّور الملوّنة احتاجت لأكثر من 100 عام إلى أن استبدلت مكانة صور الأبيض والأسود. إنّ التّحوّل الكبير بالانتقال إلى الصّور الملوّنة حصل في سبعينيّات القرن الماضي. وحتّى ذلك الوقت، تطلّب التّصوير الملوّن تقنيّات باهظة الثّمن لم يستخدمها سوى المصوّرين الحرفيّين، ولكن في العقود الأولى، اعتبرت التّقنيّة غير مضمونة.
بعد عشرين عامًا من التقاط أوّل صورة ملوّنة، قام الطّابع السويسري أوريل فوسلي بتطوير تقنيّة الفوتوكروم، وبعكس التّصوير الفوتوغرافي الملوّن الّذي يلتقط الصّورة بألوان المشهد الأصليّة، تقوم تقنيّة الفوتوكروم على تلوين الصّور الملتقطة بالأبيض والأسود. استخدم فوسلي في اختراعة تقنيّة الطّباعة الحجريّة؛ وهي تقنيّة طباعة كانت مستخدمة منذ عقود. خلال سنوات قليلة انتشرت تقنيّة الفوتوكروم، وكانت منخفضة التكلفة نسبيًا، وكان من السّهل إنتاج عدّة نسخ سويّة وبيعها.
في العام 1888، افتتحت شركة فوسلي فرعًا في زيوريخ. ومنذ تأسيسها وحتّى عشرينيّات القرن الماضي، قامت الشركة باستخدام براءة اختراعها للسيّطرة على السّوق العالمي للصوّر الملوّنة. وكانت زيوريخ وجهة كل من يريد أن يضيف الألوان لصورة فوتوغرافيّة.
أدّى احتكار الشّركة السّويسريّة إلى انعطافًا مثيرًا. في غياب التّعليمات الواضحة، لم يكن لموظّفي الشّركة أي وسيلة لمعرفة ألوان المشاهد الأصليّة الّتي يقومون بطباعتها، ولذلك ببساطة اعتمدوا على خيالهم. وهذا يأخذنا إلى الألبومين المذكورين سابقًا في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.
انتج الألبوم الأوّل عام 1900، وهو مجموعة من الصّور التّابعة لمجموعة من الحجّاج النمساويين الّذين زاروا البلاد. ولكن لم يقم الحجّاج بالتقاط الصّور بأنفسهم، ولكن فعل ذلك مصوّرون محترفون كانوا يعيشون في فلسطين العثمانيّة في ذلك الوقت. قام المصوّرون المحترفون بالتقاط تلك الصّور، أمّا التّلوين فتمّ على يد شركة فوتوكروم زيوريخ.
تصفح/ي: صور القدس: المسجد الأقصى، أبواب القدس، طريق الآلام، أحياء القدس
الحجّاج، مثل كلّ الزّبائن المهتمّين بشراء صور للبلاد المقدّسة، اختاروا الصّور الّتي يفضّلونها والّتي غالبًا ما كانت لأماكن قاموا بزيارتها خلال رحلتهم.
ولذلك ليس من الغريب أنّ معظم صور الألبوم الأوّل تُظهر مواقع وأماكن غاية في الأهمّية في القدس والمناطق المحيطة لها. والموقع الوحيد الاستثنائي في هذه الحالة هي المدينة السّاحليّة يافا. في تلك الصّورة يظهر عمّال الشّحن والتّفريغ وهم يشدّون قارب المرشدة السّياحيّة الشّهيرة رولا فلويد.
في هذا الألبوم تم تلوين مدخل المسجد الأقصى بألوان زاهية، وتم معالجة صور باب الخليل وباب الأسباط وقبّة الصّخرة من الداخل بتقنيّة الفوتوكروم أيضًا، من الوارد كذلك أنّ موظّفي فوتوكروم زيوريخ قاموا بتلوين الصّور بحسب تصوّرهم عن أهالي هذه المنطقة، في جميع الصّور يرتدي المحلّيون ملابس ثقيلة وألوانها فاقعة.
نعرف القليل عن تاريخ الألبوم الثّاني، والّذي تم التقاط صوره وإنتاجها في فترة سابقة. كلّ ما لدينا من معلومات هو خاتم الملكيّة الخاص بمدرسة إنجيليّة سويسريّة يظهر على كلّ صفحة من الورق المقوّى، ربّما زار المُلّاك البلاد بأنفسهم، ولكن من الوارد أيضًا أنّهم قاموا باقتناء الألبوم من ملّاك سابقين.
تظهر الـ 36 مطبوعة في هذا الألبوم مناظر طبيعيّة من فلسطين العثمانيّة وسوريا. بعض الصّور الموجودة في الألبوم الأوّل موجودة أيضًا في الألبوم الثّاني، وبعض الصّور تُظهر المشاهد ذاتها إنّما بفارق زمني بسيط.
اقرأ/ي أيضاً: الحياة والأزياء التقليدية في مسيرة خليل رعد
على كلّ حال، يظهر هذا الألبوم عدّة أمثلة على الحريّة الفنّية الّتي تمتّع بها موظّفو الشّركة السويسريّة، وأحد هذه الأمثلة صورة اليهودي الأشكنازي الّذي يرتدي ثوبًا مخطّطًا بألوان قوس القزح – وهي صورة على الأغلب غير مطابقة للأصل. كما نختتم بذكر الصّورة الجميلة لحائط المبكى من نهاية القرن التّاسع عشر، حيث يتكئ الرجال والنساء على الحائط ويلبسون مجموعة من الألوان الزاهية منها الأسود والأبيض والأحمر والأخضر والبنّي.