“عرب إسرائيل يتفلسطنون”- نظرة الصحافة الإسرائيلية إلى ذكرى يوم الأرض

نظرة إلى عينة من أخبار الصحافة الإسرائيلية في كيفية تعاملها مع أحداث يوم الأرض خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي

يسعى هذا المقال إلى إظهار ردود الافعال في الصحافة الإسرائيلية وكيف كان تعاملها مع ذكرى يوم الأرض خلال فترة نهاية السبعينيات وعقد الثمانينيات من القرن الماضي. ويمكن تلخيص هذه السياسة من خلال شقين؛ إما الهجوم المبطن والتحذير من الهوية الفلسطينية المتجذرة ضمن صفوف المواطنين العرب في إسرائيل أو محاولة نقل الأخبار بطريقة هامشية بعيدة كل البعد عن محاولة إضافة الشرعية على المتظاهرين أو تحقيق العدالة للضحايا منهم.

ذكرى يوم الأرض

في الثلاثين من آذار عام 1976، وكرد فعل على القرار الذي صدر في صيف 1975 والذي نصّ على مصادرة ما يقرب الـ 20 ألف دونماً من أراضي منطقة رقم 9 التابعة لبلدة عرابة، سخنين ودير حنا وذلك لصالح مشروع (تطوير الجليل)، انطلقت المسيرات العامة والتظاهرات التي جابت غالبية القرى العربية في الجليل والمثلث والنقب؛ ابتداءً من قرية عرّابة (اليوم أصبحت مدينة) والتي سقط فيها أول ضحية وهوالشاب خير ياسين، ومن ثم استعرت التظاهرات إلى باقي القرى والمناطق، وسقط المزيد من الضحايا حتى وصل عددهم إلى 6:

خديجة قاسم شواهنة، رجا حسين أبو ريا، خضر عيد محمود خلايلة، محسن حسن سيد طه، رأفت علي زهدي وخير ياسين.

أدّى سقوط الضحايا برؤساء المجالس المحلية إلى رفع مذكرة إلى حكومة إسحق رابين (رئيس الحكومة آنذاك) مطالبين بالعدل والمساواة وذلك من أجل إنشاء لجنة تحقيق في أحداث يوم الأرض.

 

صحيفة معاريف- “يوم الأرض- إشارة على عملية فلسطنة عرب إسرائيل”

                         صحيفة معاريف، 2 نيسان 1976

بتاريخ 2 نيسان 1976، نشرت صحيفة معاريف مقالًا صحفيًا تلقي فيه الضوء على أحداث يوم الأرض. ولا بد أن نقول بأن العنوان “عرب إسرائيل يتفلسطنون” هو عنوان ليس بالصادم بوقتنا الحالي (بالنسبة للصحافة الإسرائيلية)، لكن عند العودة إلى عام 1976، وذاك التاريخ لم يكن بالتاريخ البعيد عن فترة انتهاء الحكم العسكري الذي تم فرضه على المناطق العربية حتى عام 1966، والذي فيه تمت محاولات محو واقتلاع جذور الهوية الفلسطينية (بشكل مباشر وغير مباشر)، لم يكن لدى الوعي والحيز الإسرائيلي أي استعداد لتقبل الهوية الفلسطينية للمواطنين العرب في البلاد. وهذه أحد الأمور التي قام يوم الأرض بكسرها وأحدث فيها مفارقة كبيرة لا تزال آثارها متوهجة حتى يومنا هذا.

بالعودة إلى مقال صحيفة معاريف بقلم “إيلي ريخس” الذي كان باحثًا في معهد شيلوح، قامت الصحيفة بإطلاق تسمية “الشباب” على المتظاهرين وبالتحديد على صورة التقطها المصور شموئيل رحماني “24 بلوس” لمتظاهرين من منطقة المثلث.

في مقدمة المقال، يقوم الكاتب بتقديم يوم الأرض- من وجهة نظر القوى الأمنية الإسرائيلية- بكونه “إشارة مركزية على التطرف الموجود والمتواصل تجاه إسرائيل منذ حرب الأيام الستة (حرب حزيران عام 1967)، وبأن انهيار الفواصل بين العرب “إسرئيل” و عرب “المناطق” (العرب الموجودين بالمناطق المحتلة) أدى إلى تجديد العلاقة مع الهوية الفلسطينية بعد انقطاع دام أكثر من 17 عامًا نتيجة حرب الاستقلال (حرب عام 1948)”.

لتصفح المقال الكامل باللغة العبرية اضغطوا هنا

صحيفة دافار- رفض رسمي لإقامة لجنة تحقيق لأحداث يوم الأرض

  صحيفة دافار، 18 نيسان 1977

بتاريخ 18 نيسان 1977، نشرت صحيفة دافار خبرًا مفداه رفض الحكومة عرض الوزيرين فيكتور شيم- توف وموشيه كول لإقامة لجنة تحقيق وزارية في أحداث يوم الأرض بقرى المثلث- جت وباقة الغربية. وكان هذا الرفض الرسمي بشكل قاطع لا رجعة فيه. تعود حيثيات عرض إقامة لجنة وزارية إلى لقاء بين ممثلين القرى المذكورة مع الحكومة والذين طالبوا فيها بإقامة لجنة التحقيق المذكورة.

لتصفح المقال الكامل باللغة العبرية اضغطوا هنا

صحيفة معاريف- “ما هو يوم الأرض؟”

                       صحيفة معاريف، 2 نيسان 1989

بتاريخ 2 نيسان 1989، بعد أكثر من 13 عامًا على أحداث يوم الأرض، وجهت صحيفة معاريف الأنظار نحو ما هو يوم الأرض ومفهومه لدى المجتمع اليهودي في إسرائيل، حيث تطرق المقال إلى آراء المواطنين اليهود حول يوم الأرض وما هي الذاكرة المتجذرة حوله.

يقول يتسحاق ليفي- 42 عامًا، من بات يم” يوم الأرض هو حدث مرتبط بالعرب الفلسطينيين، لكنه ليس مرتبطًا بالانتفاضة (التي اشتعلت عام 1987).

أفراهام معرافي- 35 عامًا، من بات يم ” سمعت عن ذلك خلال هذا الأسبوع، يوم الأرض هو يوم عيد بالنسبة للفلسطينيين؛ منهم من يحتفل به بأعمال شغب ومنهم من يحتفل به كيوم إجازة من العمل”.

راحيل كوهن- 21 عامًا، كريات غات” أنا لا أعلم ما هو ولماذا هو موجود. أنا فقط أعلم أنه حدث مرتبط بالفلسطينيين وبحرب الاستقلال”.

ميري آرو- 36 عامًا، حيفا ” يوم الأرض هو يعكس يوم تحرير السكان العرب في إسرائيل. وترتبط هذه المناسبة بقضية الأراضي التي بدأت منذ سنوات الخمسينيات.

لتصفح المقال الكامل باللغة العبرية اضغطوا هنا

إتاحة المواد المرتبطة بأحداث يوم الأرض في المكتبة الوطنية الإسرائيلية

بمناسبة حلول ذكرى يوم الأرض، قام طاقم المضمون الرقمي في المكتبة الوطنية الإسرائيلية ببناء بوابة معرفية حول المواد المرتبطة بأحداث يوم الأرض من أجل إتاحتها للجمهور؛ حيث العديد من المواد الرقمية الحصريّة لصور المسيرات في سنوات مختلفة، وكذلك بعض الصور والملصقات الخاصة بالنضال المشترك للعرب واليهود، وأخبار من أرشيفي الصحف العربية (وتحديداً صحيفة الإتحاد) والإسرائيلية وكيف تعاملت وجهات النظر المختلفة مع هذا اليوم. فيما تجدون في آخر البوابة المصادر التي استندنا إليها في هذا النص والمواد الرقمية الواردة.

يمكنكم تصفح البوابة الرقمية الخاصة بذكرى يوم الأرض من خلال الضغط هنا 

طوابع بريديّة لإعانة عرب فلسطين

تعد الطوابع البريدية مرآةً ينعكس فيها وجه البلاد السياحي والاقتصادي والثقافي.في هذه المقال، بعض الطوابع لإعانة فلسطين، فكيف ذلك؟

 

بعد أن وصلتهم التقارير حول قيام رجال أعمال يهود بشراء الأراضي من أصحابهم بأموالٍ طائلة، اجتمع سفراء ومندوبو الدول العربيّة في جامعة الدول العربيّة لبحث آخر التطوّرات في قضيّة فلسطين والصراع الفلسطينيّ اليهوديّ الصهيونيّ، وقرّروا إنشاء صندوق ماليّ لإعانة عرب فلسطين،

فاقترح بعض المشاركين في الاجتماعات التحضيريّة للمؤتمر العربيّ العام بالاسكندريّة، إمكانيّة إصدار طوابع بريديّة تُلصق على جميع المكاتبات ويُرصد ريعها لأراضي عرب فلسطين، ضمن الاقتراح الخاص بمساهمة الحكومات والشعوب العربيّة في “صندوق الأمّة العربيّة” لإنقاذ أراضي العرب في فلسطين.

جريدة “الدفاع” عدد 15.06.1947

كثير ما تناولت الصحف العربيّة في فلسطين أخبار حول طوابع بريديّة واستخدامات مُختلفة لها، وعند صدور قرار الجامعة العربيّة بإصدار طوابع بريديّة لدعم قضيّة فلسطين، قامت جريدة “الدفاع” بنشر خبر  في أحد أعدادها، وبالتحديد في العدد الصادر يوم الخامس عشر من حزيران 1947 ينصّ على أنّه “اعتبار من صباح يوم غد الاثنين أي السادس عشر من حزيران تبدأ حكومة المملكة الأردنيّة الهاشميّة باستعمال الطوابع الخاصّة لإعانة عرب فلسطين، وقدرها 50 بالمئة من قيمة الطوابع الأصليّة التي تُستعمل في المعاملات الرسميّة البريديّة في المملكة الأردنيّة الهاشميّة”

ونقرأ في نصّ الخبر أعلاه تفاصيل الطابع، حيث تذكر “الدفاع” أنّها قد طُبِعَت طوابع خاصّة، عليها صورة مسجد، إشارة إلى المسجد الأقصى المبارك، وصورة الصخرة مُحاطة بنقوش عربيّة وإسلاميّة.​ وقد كُتب في أعلى الطابع “عبد الله بن الحسين” وفي أسفلها “المملكة الأردنيّة الهاشميّة” وبعد ذلك “اعانة عرب فلسطين”، وعلى جوانبه قيمة الطابع.​

نسخة عن الطابع المذكور في جريدة الدفاع في عدد 15.06.1947​
​نسخة من طابع إضافيّ أصدرته المملكة الأردنيّة الهاشميّة لإعانة عرب فلسطين
صحيفة “فلسطين” – عدد 13.10.1946

قبل ذلك بأشهر، نشرت صحيفة “فلسطين” في عددها الصادر في الثالث عشر من تشرين الأوّل 1946خبرًا تذكر فيه أنّ الحكومة السوريّة قد بدأت بدراسة مشروع لإصدار طوابع من فئة قرشين ونصف قرش تُلصق على جميع المُكاتبات ويُرصد ريعها لأراضي عرب فلسطين تنفيذًا لقرار الجامعة العربيّة.

هكذا حاولت الحكومات العربيّة في المنطقة إعانة العرب في فلسطين، وحماية أراضيهم من الضياع، بحثنا كثيرًا في المراجع حول حقيقة تحويل الأموال الخاصّة بالمشروع إلى فلسطين ومن هي الجهة التي قامت باستلام الأموال، وهل هناك جهة كذلك فعلا؟ كما هل تمّ بالفعل تحويل هذه الأموال؟ ولكنّنا لم نعثر على معلومات إضافيّة حول نجاح هذه الحملة وغيرها من الحملات لإعانة عرب فلسطين أو فشلها أو توقّفها. ويبقى المجال مفتوحًا للبحث والسؤال.

 

 

الملك الصغير في حضرة المسجد الأقصى المبارك

لم تكن هذه الزيارة هي الأولى للأمير الصغير وكثير ما يطرح المتابعون لأحداث التاريخ الحديث أسئلة للبحث في زيارة الملك فيصل الثاني للقدس مرتين، فما كانت رسالة العائلة الهاشميّة؟​

​​​​يطلق المقدسيّون حتّى يومنا هذا على باب العتم في المسجد الأقصى المُبارك باب الملك فيصل، فقد أطلق المجلس الإسلامي الأعلى هذه التسمية بعد زيارة الملك فيصل للقدس عام 1943، حيث تبرّع آنذاك بعمارة هذا الباب في المسجد الأقصى المُبارك، في حين لم تكن هذه الزيارة هي الأولى، وكثير ما يطرح المتابعون لأحداث التاريخ الحديث والمدقّقون لتفاصيله أسئلة للبحث والتفكير حول سبب زيارة الملك فيصل الثاني للمدينة المقدّسة مرتين خلال أقل من عامين، فيتساءلون هل كان الأمر محاولة جديّة من خاله الوصيّ لتوطيد أركان الحكم الهاشميّ في القدس، أمّ أنّ الامر لا يتعدّى سوى رسائل رمزيّة تودّ العائلة الهاشميّة أن ترسلها للشعوب العربيّة بأنّهم هم الراعون والحامون للأماكن المقدّسة في فلسطين؟​

​عنوان الصفحة الأولى من مجلة المنتدى – آذار 1943

وتزودنا مجلّة المنتدى في عددها الأول بتفاصيل حول الزيارة الأولى للقدس، حين كان الملك فيصل في الثامنة من عمره، فتمدّنا بتفاصيل الزيارة وأسماء المرافقين للملك، فشارك فيها قنصل العراق العام وقائمقام القدس ونرى أيضًا في الصورة فضيلة الشيخ يوسف طهبوب، أحد اعضاء المجلس الإسلامي الأعلى البارزين.

صورتان حول زيارة الملك إلى المسجد الأقصى: الاولى مع مستقبليه الرسميّين، الثانية مع شيوخ الحرم الشريف​

ونراه يوقّع أسمه في دفتر التشريفات بدار القنصليّة العراقيّة حيث أقام وعائلته، ومن الملفت أنّه خصّصت المجلّة رسّامًا خاصًّا، قام برسم الملك رسمة خاصة على الدرج المُقابل لقبّة الصخرة المشرّفة.

وجبة الغذاء للملك فيصل الصغير في قصر الأمير عبدالله المعظّم

فيما يزودنا العدد الثاني من مجلة المنتدى في الأول من تموز 1944 بتفاصيل الزيارة الثانية والتي كانت هذه المرة تستهدف توطيد العلاقات السياسية، فنرى صورًا من زيارته لقادة في الجيش الانجليزي، إضافة لزيارة للجيش العربي عند وصوله.

الملك فيصل الثاني في حضرة مودّعيه، ونرى في الصورة أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى

رُبّما لم يعلم الملك فيصل الثاني أنّ تسمية الباب ستدوم أكثر من كلّ محاولاته التي لن تتكلّل بالنجاح التام، فكان اغتيال الملك عبد الله في القدس عام 1950، أما الملك الصغير فسيتم تصفيته في احدى أبشع المجازر في التاريخ الحديث، فيقتل هو ووالدته وخاله في ساحة القصر عام 1958 لتختتم قصة العائلة الهاشميّة في العراق.

التغطية الصحفيّة في العدد الرابع من المجلد الثاني من مجلّة المُنتدى

 

حركة الإعمار؛ ما بين الرأسمالية الفلسطينية والوعي الوطني

ماذا عن الدور الذي لعبته الطبقة الرأسمالية العربية الفلسطينية في إعمار البلاد في الفترة الانتدابية؟

حين نفكر في فلسطين الانتدابية، دومًا ما يتم الربط بين مفاهيم مثل “تطوير” و”اعمار البلاد” وبين الاستيطان الصهيوني أو السلطات البريطانية. لكن، الأبحاث الحديثة تظهر أن هذه القضايا قد شغلت بذات المستوى المستثمرين والطبقة الرأسمالية العربية الفلسطينية في الفترة ذاتها. إن مراجعة النقاشات الكثيرة حول “حركة الاعمار” في فترة الانتداب تمكّننا من دحض الادعاء الذي يقول أن الحركة الصهيونية والانجليز اشتغلوا في القضايا “الحداثية” أكثر من نظرائهم الفلسطينيين.

الكثير من الأخبار التي تعقّبت الحراك في فرع البناء ظهرت في الصحف العربية التي تعود لفترة الانتداب، جريدة الدفاع – على سبيل المثال – خصّصن العديد من المقالات القصيرة في مطلع تشرين الأول – أكتوبر 1935، حول قضية تباطؤ البناء في حيفا، مشيرة لارتفاع أسعار المواد وأجور العمال كعوامل مسببة لذلك. وفي تشرين الثاني – نوفمبر من ذات العام، نشرت الجريدة معطيات إحصائية للسنوات 1934-1933 تقارن بين مدن فلسطين الانتدابية في جوانب مثل: وتيرة البناء، المصروفات في فرع البناء، عدد تصاريح البناء التي منحتها السلطات.

جريدة فلسطين من جهتها تعقبت هي الأخرى هذه القضية، فمن فترة الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1948 خصصت الجريدة أخبارًا حول خطط البناء الحكومية وعلى حركة البناء بشكل عام، مع التركيز على ما يجري في الأحياء اليهودية في البلاد. في ذات الفترة كلا الجريدتين خصصوا مقالات حول النقص بمواد البناء والغلاء المتزايد، والذي أضر بتطوير الكثير من مشاريع البناء الفلسطينية والتي كانت ستلبي متطلبات الاسكان للمجتمع العربي في البلاد.

                                                                الدفاع، 5 تشرين الثاني 1935

لتصفح أعداد صحيفة “الدفاع”، اضغطوا هنا

                                                           فلسطين، 6 كانون الأول 1946

لتصفح أعداد صحيفة “فلسطين”، اضغطوا هنا   

عدا عن الاعلانات التجارية، كإعلانات الغرف التجارية لم يكن على ما يبدو من تطرق وبشكل معمق ومفصل لموضوع البناء أكثر من جريدة “مرآة الشرق”، الطريقة التي غطت بها فقاعة العقارات التي انفجرت في القدس عام 1933 توفر لنا امكانية لفهم الرؤية الاقتصادية والبرجوازية لمحرري الجريدة ولشدة الملاحظة التي أبدوها اتجاه التغيرات والتطورات الاقتصادية العالمية.

تفاقم الجفاف في صيف 1932 أدى لقيام سلطات الانتداب باتباع سياسية تقنين شديد للماء في القدس، وفق افادات “مرآة الشرق” كان لهذه السياسة آثار عديدة خاصة على قطاع البناء في المدينة. في 27 تموز من ذات العام، نشرت الجريدة بأن منع استخدام المياه لأعمال البناء والذي كان ضروريًّا لصناعة الطين والباطون، أدى لتوقف تام لهذا الفرع في المدينة. وكنتيجة لذلك، فإن عمال البناء في المدينة، اضافة للكثير من العاملين في  الصناعات المرتبطة بهذا الفرع كالنجارين، الحجارين، عمال المقالع، عانوا ليس فقط من تقنين المياه والتي عانى منها كل السكان، وإنما من البطالة حين وجدوا أنفسهم بلا عمل أو دخل. مع ذلك اختتم الخبر بأسلوب متفائل، وبأمل المحررين بأن تعود حركة البناء لسابق عهدها حين تنتهي الأزمة.

                                                                مرآة الشرق، 27 تموز 1932

لتصفح أعداد مرآة الشرق، اضغطوا هنا

ستكملت أعمال البناء بعد أشهر فعلاً. ولكن وبحسب ادعاء محرري “مرآة الشرق” فلشدتها أنتجت اشكالية مختلفة تماماً في جوهرها “فقاعة عقارية” مقدسية، في الأعداد من 29 نيسان وحتى 3 أيار 1933، نشرت الجريدة  على صفحاتها الأولى سلسلة من مقالين حول حركة البناء في المدينة. وأستبدل الأمل حول تجدد أعمال البناء باتهامات شديدة اللهجة، مفادها بأن ثروة المقدسيين تهدر على “الحجارة والقصارة” والتي لا تنتج شيئًا. المشكلة بنظر محرري الجريدة ليس في غياب البناء وانما العكس، أصحاب رؤوس الأموال المقدسيين يبنون بنهم. ولما كان المقدسيّ قبل عشر سنوات يفتش بالسراج والفتيلة كي يجد شقة يسكنها، فاليوم يجد مئات الشقق ولا مستأجر.

بعد استشارة “اقتصاديين كبار” استنتج كاتب المقال أن نهم البناء المقدسي يعارض “المبادئ الاقتصادية الحقيقية” ولهذا فمصيره الفشل، وفق هذه المبادئ كتب: يبدو أنه قد كان منطق ما هذا الجنون قبل عشر سنوات، حين كان هناك الكثير من المسؤولين البريطانيين يصلون البلاد وكانت هجرة يهودية متزايدة، فأدى ذلك كله لطلب متزايد على الايجار وعلى تكلفته.  يبدو أيضًا – وفق المقالات – أن لرؤوس الأموال كان منطقيًّا أن يبنوا بهذا الشكل حين لاحظوا هبوط الباوند الانجليزي وخافوا أن يكون مصيره كمصير المارك الألماني الذي انهار عام 1931.  ولكن ألم يميز أصحاب رؤوس الأموال أن أعداد المسؤولين الانجليز محدودة وأنه مذ أحداث العنف عام 1929، ارتد اليهود عن استئجار الشقق من أصحاب البيوت العرب وحتى عن الاستئجار في الأحياء العربية كلها؟ وأن الباوند الانجليزي لا يشبه المارك الألماني لأن امبراطورية بأكملها ومساحات حيوية من الاقتصاد العالمي مرتبط  بها؟
                                                                مرآة الشرق، 29 نيسان 1933

للمزيد حول صحيفة “مرآة الشرق”، اضغطوا هنا

المشكلة وفق “مرآة الشرق” كانت أن اصحاب رؤوس الأموال المقدسيين، اتخذوا لأنفسهم أنماط وسلوكيات غير منطقية وغير مهنية اقتصادياً، ورغم أن هذا التحليل مثير في جوهره، فمن المثير أيضاً نقاش كيف قامت الجريدة بصرف النظر عنه والذي يعكس اختلافاً في فهم علاقات القوى الاقتصادية في المدينة، وبيد من تكمن القدرة الاقتصادية في البلاد. سبق ذلك باقل من عام أن وصفت الجريدة مستقبل الاقتصاد في القدس بأنه رهينة بيد سياسية تقنين المياه البريطانية وهو تحت رحمة الطبيعة،  بينما الآن هو رهينة الطبقة البرجوازية العربية في البلاد. كان بمقدورهم أن يتبنوا “المبادئ الاقتصادية الحقيقية” ويوجهوا اقتصاد القدس بعيداً عن الكارثة.

                                                                      مرآة الشرق، 3 أيار 193​3
اضغطوا هنا، لتصفح العدد 3 أيار 1922

المقالات هذه في جريدة “مرآة الشرق” تعكس جوانباً هامة من تاريخ المجتمع الفلسطيني وفترة الانتداب والتي اعتاد البحث العلمي وحتى فترة قريبة تجاهلها. فالأبحاث عادة ما تهتم وتشدد على أهمية الفكر والأيديولوجيات العامة لأصحاب رؤوس الأموال والمثقفين العرب في فترة فلسطين الانتدابية، وعلى محاولاتهم بناء اقتصاد فلسطيني يرتكز على المبادئ الاقتصادية “الحقيقية” أو “العلمية” من النوع الذي وثقته مؤخراً المؤرخة شيرين صيقلي في كتابها Men of Capital اضافة لمقالات أخرى اهتمت بقضايا البناء، والتي تظهر أن “اعمار الأرض” والذي اعتبر مصطلحاً أيديولوجياً يخص الخطاب الصهيوني فقط كان خطاباً فلسطينياً أيضاً أثار اهتمام شرائح اجتماعية مهمة في المجتمع الفلسطيني وقيادته.

وختاماً تعكس هذه المقالات كيف أنه – وخلافاً للتوجه الذي يصور الفلسطينيين في فترة الانتداب كمتلقين أو كأشخاص يعملون فقط من منطلق رد الفعل على الصهيونية والانتداب، فان الطريقة التي تعاملت بها الصحافة الفلسطينية مع الواقع متغيرة بلورتها رؤية العاملين فيها لأنفسهم كوكلاء تاريخيين واقتصاديين ذوي تأثر وقوة.