طوابع بريديّة لإعانة عرب فلسطين

تعد الطوابع البريدية مرآةً ينعكس فيها وجه البلاد السياحي والاقتصادي والثقافي.في هذه المقال، بعض الطوابع لإعانة فلسطين، فكيف ذلك؟

 

بعد أن وصلتهم التقارير حول قيام رجال أعمال يهود بشراء الأراضي من أصحابهم بأموالٍ طائلة، اجتمع سفراء ومندوبو الدول العربيّة في جامعة الدول العربيّة لبحث آخر التطوّرات في قضيّة فلسطين والصراع الفلسطينيّ اليهوديّ الصهيونيّ، وقرّروا إنشاء صندوق ماليّ لإعانة عرب فلسطين،

فاقترح بعض المشاركين في الاجتماعات التحضيريّة للمؤتمر العربيّ العام بالاسكندريّة، إمكانيّة إصدار طوابع بريديّة تُلصق على جميع المكاتبات ويُرصد ريعها لأراضي عرب فلسطين، ضمن الاقتراح الخاص بمساهمة الحكومات والشعوب العربيّة في “صندوق الأمّة العربيّة” لإنقاذ أراضي العرب في فلسطين.

جريدة “الدفاع” عدد 15.06.1947

كثير ما تناولت الصحف العربيّة في فلسطين أخبار حول طوابع بريديّة واستخدامات مُختلفة لها، وعند صدور قرار الجامعة العربيّة بإصدار طوابع بريديّة لدعم قضيّة فلسطين، قامت جريدة “الدفاع” بنشر خبر  في أحد أعدادها، وبالتحديد في العدد الصادر يوم الخامس عشر من حزيران 1947 ينصّ على أنّه “اعتبار من صباح يوم غد الاثنين أي السادس عشر من حزيران تبدأ حكومة المملكة الأردنيّة الهاشميّة باستعمال الطوابع الخاصّة لإعانة عرب فلسطين، وقدرها 50 بالمئة من قيمة الطوابع الأصليّة التي تُستعمل في المعاملات الرسميّة البريديّة في المملكة الأردنيّة الهاشميّة”

ونقرأ في نصّ الخبر أعلاه تفاصيل الطابع، حيث تذكر “الدفاع” أنّها قد طُبِعَت طوابع خاصّة، عليها صورة مسجد، إشارة إلى المسجد الأقصى المبارك، وصورة الصخرة مُحاطة بنقوش عربيّة وإسلاميّة.​ وقد كُتب في أعلى الطابع “عبد الله بن الحسين” وفي أسفلها “المملكة الأردنيّة الهاشميّة” وبعد ذلك “اعانة عرب فلسطين”، وعلى جوانبه قيمة الطابع.​

نسخة عن الطابع المذكور في جريدة الدفاع في عدد 15.06.1947​
​نسخة من طابع إضافيّ أصدرته المملكة الأردنيّة الهاشميّة لإعانة عرب فلسطين
صحيفة “فلسطين” – عدد 13.10.1946

قبل ذلك بأشهر، نشرت صحيفة “فلسطين” في عددها الصادر في الثالث عشر من تشرين الأوّل 1946خبرًا تذكر فيه أنّ الحكومة السوريّة قد بدأت بدراسة مشروع لإصدار طوابع من فئة قرشين ونصف قرش تُلصق على جميع المُكاتبات ويُرصد ريعها لأراضي عرب فلسطين تنفيذًا لقرار الجامعة العربيّة.

هكذا حاولت الحكومات العربيّة في المنطقة إعانة العرب في فلسطين، وحماية أراضيهم من الضياع، بحثنا كثيرًا في المراجع حول حقيقة تحويل الأموال الخاصّة بالمشروع إلى فلسطين ومن هي الجهة التي قامت باستلام الأموال، وهل هناك جهة كذلك فعلا؟ كما هل تمّ بالفعل تحويل هذه الأموال؟ ولكنّنا لم نعثر على معلومات إضافيّة حول نجاح هذه الحملة وغيرها من الحملات لإعانة عرب فلسطين أو فشلها أو توقّفها. ويبقى المجال مفتوحًا للبحث والسؤال.

 

 

حركة الإعمار؛ ما بين الرأسمالية الفلسطينية والوعي الوطني

ماذا عن الدور الذي لعبته الطبقة الرأسمالية العربية الفلسطينية في إعمار البلاد في الفترة الانتدابية؟

حين نفكر في فلسطين الانتدابية، دومًا ما يتم الربط بين مفاهيم مثل “تطوير” و”اعمار البلاد” وبين الاستيطان الصهيوني أو السلطات البريطانية. لكن، الأبحاث الحديثة تظهر أن هذه القضايا قد شغلت بذات المستوى المستثمرين والطبقة الرأسمالية العربية الفلسطينية في الفترة ذاتها. إن مراجعة النقاشات الكثيرة حول “حركة الاعمار” في فترة الانتداب تمكّننا من دحض الادعاء الذي يقول أن الحركة الصهيونية والانجليز اشتغلوا في القضايا “الحداثية” أكثر من نظرائهم الفلسطينيين.

الكثير من الأخبار التي تعقّبت الحراك في فرع البناء ظهرت في الصحف العربية التي تعود لفترة الانتداب، جريدة الدفاع – على سبيل المثال – خصّصن العديد من المقالات القصيرة في مطلع تشرين الأول – أكتوبر 1935، حول قضية تباطؤ البناء في حيفا، مشيرة لارتفاع أسعار المواد وأجور العمال كعوامل مسببة لذلك. وفي تشرين الثاني – نوفمبر من ذات العام، نشرت الجريدة معطيات إحصائية للسنوات 1934-1933 تقارن بين مدن فلسطين الانتدابية في جوانب مثل: وتيرة البناء، المصروفات في فرع البناء، عدد تصاريح البناء التي منحتها السلطات.

جريدة فلسطين من جهتها تعقبت هي الأخرى هذه القضية، فمن فترة الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1948 خصصت الجريدة أخبارًا حول خطط البناء الحكومية وعلى حركة البناء بشكل عام، مع التركيز على ما يجري في الأحياء اليهودية في البلاد. في ذات الفترة كلا الجريدتين خصصوا مقالات حول النقص بمواد البناء والغلاء المتزايد، والذي أضر بتطوير الكثير من مشاريع البناء الفلسطينية والتي كانت ستلبي متطلبات الاسكان للمجتمع العربي في البلاد.

                                                                الدفاع، 5 تشرين الثاني 1935

لتصفح أعداد صحيفة “الدفاع”، اضغطوا هنا

                                                           فلسطين، 6 كانون الأول 1946

لتصفح أعداد صحيفة “فلسطين”، اضغطوا هنا   

عدا عن الاعلانات التجارية، كإعلانات الغرف التجارية لم يكن على ما يبدو من تطرق وبشكل معمق ومفصل لموضوع البناء أكثر من جريدة “مرآة الشرق”، الطريقة التي غطت بها فقاعة العقارات التي انفجرت في القدس عام 1933 توفر لنا امكانية لفهم الرؤية الاقتصادية والبرجوازية لمحرري الجريدة ولشدة الملاحظة التي أبدوها اتجاه التغيرات والتطورات الاقتصادية العالمية.

تفاقم الجفاف في صيف 1932 أدى لقيام سلطات الانتداب باتباع سياسية تقنين شديد للماء في القدس، وفق افادات “مرآة الشرق” كان لهذه السياسة آثار عديدة خاصة على قطاع البناء في المدينة. في 27 تموز من ذات العام، نشرت الجريدة بأن منع استخدام المياه لأعمال البناء والذي كان ضروريًّا لصناعة الطين والباطون، أدى لتوقف تام لهذا الفرع في المدينة. وكنتيجة لذلك، فإن عمال البناء في المدينة، اضافة للكثير من العاملين في  الصناعات المرتبطة بهذا الفرع كالنجارين، الحجارين، عمال المقالع، عانوا ليس فقط من تقنين المياه والتي عانى منها كل السكان، وإنما من البطالة حين وجدوا أنفسهم بلا عمل أو دخل. مع ذلك اختتم الخبر بأسلوب متفائل، وبأمل المحررين بأن تعود حركة البناء لسابق عهدها حين تنتهي الأزمة.

                                                                مرآة الشرق، 27 تموز 1932

لتصفح أعداد مرآة الشرق، اضغطوا هنا

ستكملت أعمال البناء بعد أشهر فعلاً. ولكن وبحسب ادعاء محرري “مرآة الشرق” فلشدتها أنتجت اشكالية مختلفة تماماً في جوهرها “فقاعة عقارية” مقدسية، في الأعداد من 29 نيسان وحتى 3 أيار 1933، نشرت الجريدة  على صفحاتها الأولى سلسلة من مقالين حول حركة البناء في المدينة. وأستبدل الأمل حول تجدد أعمال البناء باتهامات شديدة اللهجة، مفادها بأن ثروة المقدسيين تهدر على “الحجارة والقصارة” والتي لا تنتج شيئًا. المشكلة بنظر محرري الجريدة ليس في غياب البناء وانما العكس، أصحاب رؤوس الأموال المقدسيين يبنون بنهم. ولما كان المقدسيّ قبل عشر سنوات يفتش بالسراج والفتيلة كي يجد شقة يسكنها، فاليوم يجد مئات الشقق ولا مستأجر.

بعد استشارة “اقتصاديين كبار” استنتج كاتب المقال أن نهم البناء المقدسي يعارض “المبادئ الاقتصادية الحقيقية” ولهذا فمصيره الفشل، وفق هذه المبادئ كتب: يبدو أنه قد كان منطق ما هذا الجنون قبل عشر سنوات، حين كان هناك الكثير من المسؤولين البريطانيين يصلون البلاد وكانت هجرة يهودية متزايدة، فأدى ذلك كله لطلب متزايد على الايجار وعلى تكلفته.  يبدو أيضًا – وفق المقالات – أن لرؤوس الأموال كان منطقيًّا أن يبنوا بهذا الشكل حين لاحظوا هبوط الباوند الانجليزي وخافوا أن يكون مصيره كمصير المارك الألماني الذي انهار عام 1931.  ولكن ألم يميز أصحاب رؤوس الأموال أن أعداد المسؤولين الانجليز محدودة وأنه مذ أحداث العنف عام 1929، ارتد اليهود عن استئجار الشقق من أصحاب البيوت العرب وحتى عن الاستئجار في الأحياء العربية كلها؟ وأن الباوند الانجليزي لا يشبه المارك الألماني لأن امبراطورية بأكملها ومساحات حيوية من الاقتصاد العالمي مرتبط  بها؟
                                                                مرآة الشرق، 29 نيسان 1933

للمزيد حول صحيفة “مرآة الشرق”، اضغطوا هنا

المشكلة وفق “مرآة الشرق” كانت أن اصحاب رؤوس الأموال المقدسيين، اتخذوا لأنفسهم أنماط وسلوكيات غير منطقية وغير مهنية اقتصادياً، ورغم أن هذا التحليل مثير في جوهره، فمن المثير أيضاً نقاش كيف قامت الجريدة بصرف النظر عنه والذي يعكس اختلافاً في فهم علاقات القوى الاقتصادية في المدينة، وبيد من تكمن القدرة الاقتصادية في البلاد. سبق ذلك باقل من عام أن وصفت الجريدة مستقبل الاقتصاد في القدس بأنه رهينة بيد سياسية تقنين المياه البريطانية وهو تحت رحمة الطبيعة،  بينما الآن هو رهينة الطبقة البرجوازية العربية في البلاد. كان بمقدورهم أن يتبنوا “المبادئ الاقتصادية الحقيقية” ويوجهوا اقتصاد القدس بعيداً عن الكارثة.

                                                                      مرآة الشرق، 3 أيار 193​3
اضغطوا هنا، لتصفح العدد 3 أيار 1922

المقالات هذه في جريدة “مرآة الشرق” تعكس جوانباً هامة من تاريخ المجتمع الفلسطيني وفترة الانتداب والتي اعتاد البحث العلمي وحتى فترة قريبة تجاهلها. فالأبحاث عادة ما تهتم وتشدد على أهمية الفكر والأيديولوجيات العامة لأصحاب رؤوس الأموال والمثقفين العرب في فترة فلسطين الانتدابية، وعلى محاولاتهم بناء اقتصاد فلسطيني يرتكز على المبادئ الاقتصادية “الحقيقية” أو “العلمية” من النوع الذي وثقته مؤخراً المؤرخة شيرين صيقلي في كتابها Men of Capital اضافة لمقالات أخرى اهتمت بقضايا البناء، والتي تظهر أن “اعمار الأرض” والذي اعتبر مصطلحاً أيديولوجياً يخص الخطاب الصهيوني فقط كان خطاباً فلسطينياً أيضاً أثار اهتمام شرائح اجتماعية مهمة في المجتمع الفلسطيني وقيادته.

وختاماً تعكس هذه المقالات كيف أنه – وخلافاً للتوجه الذي يصور الفلسطينيين في فترة الانتداب كمتلقين أو كأشخاص يعملون فقط من منطلق رد الفعل على الصهيونية والانتداب، فان الطريقة التي تعاملت بها الصحافة الفلسطينية مع الواقع متغيرة بلورتها رؤية العاملين فيها لأنفسهم كوكلاء تاريخيين واقتصاديين ذوي تأثر وقوة.

 

يعقوب الغصين مرّ من هنا

محطات في حياة السياسي الفلسطيني ابن مدينة الرملة الأستاذ يعقوب الغصين

ولد السياسيّ الفلسطينيّ يعقوب الغصين في مدينة الرملة عام 1900، ومنذ فترة شبابه، سطع أسمه مبكّرًا كأحد الشباب المتحمّسين، حيث بدأ حياته السياسيّة كعضو في جمعيّة الشبّان المسلمين، والتي كانت حينها في ذروة انتشارها وعطاءها حينها، وكانت محطّة ضرورية للشباب الراغبين في العمل السياسي. لكن الغصين وكالكثير من أبناء جيله سرعان ما شعروا أن هذه الجمعيّة تمامًا كما اللجنة التنفيذية والتي كانت الاطار الجامع لكل التنظيمات الفلسطيني، لا تلبّي طموحاتهم وبالتالي كان من الشباب الذين حاولوا خلق بديل للقيادة الفلسطينية التي كانت حينها.

مع بداية ثلاثينيات القرن الماضي وتعاظم شعور الفلسطينيين بضعف اللجنة التنفيذية وعدم قدرتها على حماية الفلسطينيين أو تحقيق تطلعاتهم، خاصة بعد أحداث ثورة البراق واضطرابات يافا واستمرار الهجرة اليهودية، بدأت حالة تذمر شديدة بين الفلسطينيين من اللجنة ومن واقع البلاد، انعكس هذا التذمر في مئات المقالات التي عجت بها الصحف وكذلك في انطلاق أحزاب وتنظيمات فلسطينية جديدة، كان من بينها مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني الذي سرعان ما صار يعقوب الغصين رئيسًا له.

كان مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني يعكس التوجّه السياسيّ لشريحة من الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني والصهيونية ولكن في نفس الوقت النقد العميق للقيادات الفلسطينية التقليدية التي لم تفلح في تحقيق انجازات ملموسة للناس، وهو ما يمكن استشعاره في البيانات المتكررة التي أطلقها الغصين كرئيس لمؤتمر الشباب والتي تعكس الفكر السياسي للغصين وحزبه.

دعوة للإضراب، أرشيف المكتبة الوطنية الاسرائيلية، 29 تشرين أول 1932.

لفحص المطويات والإعلانات في أرشيف المكتبة الوطنية، اضغطوا هنا

كان يعرف يعقوب الغصين أهمية الصحافة في توعية الناس، وفي بناء توجهاتهم وأفكارهم ولذلك فمن خلال رئاسته للحزب قام بافتتاح فروع جديدة له في العديد من القرى والمدن، ثم سيفتتح بعدها جريدة “الكفاح” لسان حال مؤتمر الشباب الفلسطيني حيث سيكون أحد الداعمين لها وستتصدر مقالته صفحتها الأولى في عددها الأول كافتتاحية لـ “عهد الكفاح”:

 

الكفاح، 5 كانون الأوّل 1935

لتصفح أعداد صحيفة “الكفاح”، اضغطوا هنا

في مقالته أكد يعقوب الغصين على المبادئ التي انطلق من أجلها مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني، وهي التوجه القومي الوحدوي الرافض للاستعمار البريطاني والذي يرى بالدولة العربية كلها جبهة واحدة لذات الصراع، ورفض بيع أي جزء من الأراضي الفلسطينية والنضال ضد الصهيونية.

يصب الغصين في مقاله جام غضبه ​على القيادة الحالية والتي لم تستطع انقاذ البلاد ولم تفعل شيئًا سوى الكلام، وظلت حال البلاد تتدهور من سيء إلى أسوء، في حين ترفض الهيئات الوطنية التجديد ودخول الناس إليها مستأثرة بالمناصب دون وجود كفاءات وهو ما يسعد السلطة التي تفضل أن يظل التناحر الداخلي قائمًا لكي تستطيع السيطرة عليهم.

سنة واحدة فقط بعد انطلاقة جريدة “الكفاح” سيظهر اسم يعقوب الغصين مجدّدًا على الصفحات الأولى  للصحف الفلسطينية كأحد المبعدين الذين قررت السلطات البريطانية نفيهم إلى جزر سيشل بعد حل اللجنة العربية العليا، التي مثلت الفلسطينيين في الثورة التي اندلعت عام 1936.

في ذروة شبابه ومجد وقف يعقوب الغصين الشاب الفلسطيني المولود بالرملة أحد الأشخاص ا وراء اصدار جريدة “الكفاح” والتي ستكون لسان حال مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني، الحزب الذي حاول خلق قيادة فلسطينية بديلة.

                                                                 فلسطين، 19 تشرين الأوّل 1937

للمزيد حول صحيفة “فلسطين”، اضغطوا هنا

بعد عودة يعقوب الغصين من منفاه، سيعود إلى نشاطاته السياسية السابقة في مؤتمر الشباب، وفي صندوق الأمة الذي سيكون يعقوب الغصين من الأسماء البارزة فيه، وهو المبادرة التي كان تسعى القيادة الفلسطينية من خلالها لشراء الأراضي المهددة بالتسرب للحركة الصهيونية.

                                                                 فلسطين، 10 نيسان 1945

للمزيد حول صحيفة “فلسطين”، اضغطوا هنا

سيكون آخر منصب يتقلده يعقوب الغصين هو رئاسة بلدية الرملة

                                                          جريدة فلسطين، 27 شباط 1947

لقراءة العدد الكامل من هذا التاريخ، اضغطوا هنا

لكن القدر لن يمنحه اكمال أشهر قليلة في وظيفته حيث سيغادر يعقوب الغصين هذا العالم في عمر صغير (47 عاماً). لكنه مليء بالنشاط والانجازات قد يكون أخفق في بعضها ونجح في بعض، إلا أنه يظل شخصية مهمة لا يمكن تجاوزها في دراسة تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية لتكون قصته جزءاً من قصة تستحق البحث والتنقيب من جديد والصحافة مدخل مهم لذلك لما توفره من معلومات وتفاصيل ضرورية.

                                                             جريدة فلسطين، 22 تموز 1947

اضغطوا هنا لقراءة الخبر الكامل من عدد 22 تموز من جريدة “فلسطين”

سلام لكم من سيشل

حكاية وسردية القادة الفلسطينيين المبعدين لجزيرة سيشل خلال فترة الانتداب

في تشرين الأول من عام 1937 أقدمت السلطات البريطانية على خطوة نوعية لإخماد الثورة الفلسطينية المشتعلة في البلاد، كانت الخطوة ابعاد الزعماء الفلسطينيين المؤثرين ونفيهم إلى سيشل، حيث اعتقدت السلطات البريطانية أن ابعادهم قد يخمد الثورة، وقد يجعل القيادة تعيد النظر في قرارتها ومواقفها.

شمل الابعاد كُلاً من حسين الخالدي رئيس بلدية القدس ورئيس حزب الاصلاح، يعقوب الغصين رئيس لجنة مؤتمر الشباب التنفيذية، فؤاد سابا سكرتير اللجنة العربية العليا، جمال الحسيني رئيس الحزب العربي الفلسطيني، رشيد الحاج ابراهيم مدير البنك العربي في حيفا واحمد زعماء حيفا المؤثرين، أحمد حلمي باشا مدير عام البنك العربي.

 جريدة فلسطين، 10 تشرين أول 1937
جريدة فلسطين، 10 تشرين أول 1937

يكفي التمعن في الأسماء المذكورة لفهم التوجه البريطاني، فهي اختارت القيادة الفاعلة على الأرض والقادرة اقتصادياً وسياسياً، حيث حاولت السلطات من جهة قطع الامكانيات المادية عن الثورة من خلال ابعاد احمد حلمي باشا، ومن جهة أخرى ابعاد المؤثرين في الشارع كيعقوب الغصين.

ترك الابعاد أثراً قوياً في نفوس الفلسطينيين حيث كانوا يتتبعون أخبار الزعماء بشوق شديد، لهذا سعت الصحف الفلسطينية لتغطية كل ما يجري مع المبعدين، فوثقت دوماً وصول رسائلهم ونشرت مضمونها وتواصلت مع عائلاتهم للاطلاع على كل جديد، كما تتبعت أخبارهم من خلال ما تورده الصحف الغربية ونشرت تفاصيل حياتهم اليومية. بالتالي فالكثير من المعلومات التي نعرفها اليوم عن حياتهم هناك، مستقاة من الرسائل والمواد التي نشرتها الصحف الفلسطينية في تلك الفترة والتي  توفر لنا امكانية الوقوف على تفاصيلها.​

يقول الأستاذ فؤاد سابا في برقية أرسلها لزوجته ونشرتها جريدة الدفاع “وصلنا سيشل، صحتنا جيدة، خبروا عائلات حلمي باشا، والدكتور الخالدي ورشيد الحاج ابراهيم ويعقوب الغصين. سلام للجميع، فؤاد” هذه كانت برقية الوصول إلى جزيرة سيشل في الحادي عشر من تشرين الأول 1937.

جريدة الدفاع، 11 تشرين أول 1937

في سيشل – وكما تذكر صحيفة الديلي اكسبرس البريطانية –  كان المبعدون يتلقون اعانات مالية لكنهم كانوا ممنوعين من الزيارات، حيث كان يقف أمام مقرهم أربعة من رجال البوليس ويرافقهم حارس خاص اذا خرجوا للتنزه، كي يضمنوا ألا يتحدثوا للناس.

جريدة الدفاع، 1 شباط 1938

ومما تخبرنا به الصحف أن المبعدين كانوا يسكنون في دارين، واحدة يسكنها احمد حلمي باشا، رشيد الحاج ابراهيم والثانية يسكنها حسين الخالدي، فؤاد سابا ويعقوب الغصين. وتتحدث الصحيفة أنهم لم يأكلوا لحم الضأن مذ وصلوا حيث لا يوجد في الجزيرة من يعرف الذبح وبالتالي فأكثر طعامهم سمك.

كانت الصحيفة في ذاك الوقت مصدراً أساسياً للمعرفة، كانت أهميتها توازي أهمية الانترنت في ايامنا هذه، ولكنهم أيضاً كانوا محرومين منها، حيث كانت تصلهم أعداد قليلة كل فترة، كما لم يكن هناك كتب عربية فحاولوا الحصول على بعضها واهداء مكتبة الجزيرة بعضها.​

الدفاع، 27 كانون الثاني 1938

إن غياب الطعام الذي قد اعتاد عليه الزعماء المبعدين وغياب الصحف والكتب الاذاعات العربية، كل ذلك خلق حالة من السأم والملل في نفوس المبعدين، وهو ما ذكره فؤاد سابا في رسالته التي أرسلها لرئيس الجامعة العربية في الثامن من أيلول من عام 1938 ثم نشرتها جريدة الدفاع في 23 من الشهر نفسه.

الدفاع، 27 كانون الثاني 1938

 

كانت رسائل فؤاد سابا تتويجاً – أيضاً – لنشاطات شعبية فلسطينية قام بها رجال الدين ورؤساء الأموال ووجهاء القرى أرسلوا خلالها رسائل احتجاج لرئيس الوزراء البريطاني مطالبين إياه بنقل المبعدين لمكان يتوفر فيه مناخ مريح.

الدفاع، 21 شباط 1938

 

أثمر كل هذا النشاط في نهاية الأمر لأخلاء سبيل  الزعماء والذين سيعودون بدورهم لإكمال مسيرتهم السياسية، ليمضي كل في اتجاه، وسيكون لكل واحد منهم قصة مختلفة، لكن فيها أثراً مهماً من تلك الفترة، الفترة التي كانوا يرسلون فيها السلام من سيشل.

الدفاع، 8 كانون أول 1938​