حكاية لم تنتهِ بعد: عن أرشيف سلمان ناطور الرّقمي

كنز من المواد الجماهيريّة والشّخصيّة الخاصّة بالأديب الرّاحل سلمان ناطور سيصبح متاحًا عمّا قريب على موقع المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة. تعرّفوا على الأرشيف وصاحبه في هذه المقالة.

سلمان ناطور في مكتبه

“قد لا تعني أحدًا تفاصيل سيرتنا الذّاتيّة لأننّا نعيش مثل غيرنا وسنموت مثلهم. لكن لأنّنا وُلدنا بعد الحرب الأولى فقد صرنا شهادة تاريخيّة”.

سلمان ناطور

وُلد سلمان ناطور لعائلة درزيّة في دالية الكرمل جنوب حيفا عام 1949. في أواخر السّتينيّات، التحق بجامعة حيفا لدراسة الفلسفة، وبدأ مساره الأدبي ونشاطه السّياسي الّذي استمر إلى آخر حياته.

في بداية مساره انضمّ سلمان ناطور إلى أطر ونشاطات سياسيّة متنوّعة، فانضمّ إلى الحزب الشّيوعي الإسرائيلي، ولجنة المبادرة العربيّة الدّرزيّة، كما عمل في بداية الثّمانينيّات في حركة التّضامن مع أهالي الجولان في إضرابهم واحتجاجهم على ضمّ الجولان لإسرائيل.

طالع/ي أيضًا:
هضبة الجولان

عمل خلال هذه الفترة كمحرّرًا لقسم الثّقافة في جريدة الاتّحاد في مدينة حيفا وحرّر مجلّة “الجديد” للأدب والفنّ وكتب المقالات السّاخرة في مجلّة “المهماز”. وترك في أعداد هذه الدّوريّات المئات من مقالات الرأي والقصص القصيرة والنّصوص المتنوّعة.

لمقالات سلمان ناطور في أرشيف جرايد

شغل سلمان ناطور أيضًا مناصب إداريّة في عددٍ من المؤسّسات العربيّة في إسرائيل منها الثّقافيّة والحقوقيّة منها جمعيّة تطوير الموسيقى العربيّة ومركز إعلام للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل ومركز عدالة ومركز مساواة لحقوق المواطنين العرب ومعهد إميل توما للدّراسات الفلسطينيّة الإسرائيليّة. كما شارك في محافل ومبادرات ثقافيّة فلسطينيّة عديدة.

قصّة لسلمان ناطور من جريدة الاتّحاد في تاريخ 18 آب عام 1978، أرشيف جرايد الرّقمي
قصّة لسلمان ناطور من جريدة الاتّحاد في تاريخ 18 آب عام 1978، أرشيف جرايد الرّقمي

 

اهتمّ سلمان ناطور بالتّعرف على الثّقافة الإسرائيليّة وعلى المجتمع الإسرائيلي فأجرى العديد من المقابلات والمراسلات والنّقاشات مع كتّاب عبرييّن وكان من مؤسّسي اتّحاد المبدعين الإسرائيليّين والفلسطينيّين ضد الاحتلال.

كتب سلمان ناطور الشّعر والنّصوص السّاخرة والرّواية، والمقالة الصّحافيّة والتّاريخ الشّفوي والخواطر والانطباعات والدراسات، كما شارك في كتابة جزء من “وثائق الرؤية المستقبليّة للعرب الفلسطينيّين في إسرائيل“. وترك أكثر من ثلاثين مؤلّفًا وترجم عددًا من المؤلّفات العبريّة إلى اللّغة العربيّة.


أرشيف سلمان ناطور في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

سلمان ناطور وزوجته يلتقطان صورة ذاتيّة في سنوات الثّمانينيّات، أرشيف سلمان ناطور

سلمان ناطور وزوجته يلتقطان صورة ذاتيّة في سنوات الثّمانينات، أرشيف سلمان ناطور
سلمان ناطور وزوجته يلتقطان صورة ذاتيّة في سنوات الثّمانينات، أرشيف سلمان ناطور

توصّلت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة إلى موافقة من عائلة الأديب والرّوائي الرّاحل سلمان ناطور من أجل أرشفة نسخة رقميّة عن أرشيفه الشّخصي وإتاحته إلى جمهور المهتمّين والباحثين على موقعها، وقد تمّ تصنيف المواد وفهرستها وهي في مرحلة المسح الرّقمي الآن، وبعد ذلك سيتمّ إتاحتها عن بُعد.

يتكوّن أرشيف سلمان ناطور من حوالي تسعة آلاف مادّة تحتوي على نصوص أدبية، مقالات، مسوّدات بخط اليد، مراسلات شخصيّة ورسميّة، صور فوتوغرافية وتذكاريّة، وثائق متنوّعة، وثائق وقُصاصات من عمله الجماهيري والسياسي، قُصاصات صحافية، فيديوهات وأشرطة تسجيليّة، وقد استغرقت عمليّة الفهرسة أكثر من ستّة أشهر، وعمّا قريب سيكون معظمها في متناول أيديكم.


المرحلة الأولى – النّشاط الجماهيري والسّياسي والعمل الصّحافي

يمكّننا أرشيف سلمان ناطور من تقسيم نشاطه الأدبي وحياته إلى مرحلتين مختلفتين من حيث انشغالاته واهتماماته، وينعكس هذا التّقسيم بالنّظر إلى عناوين مؤلّفاته وآثاره المنشورة أيضًا. فتبدأ المرحلة الأولى بدراسة الفلسفة في الجامعة العبريّة وثمّ في حيفا، في هذه الفترة طالب سلمان ناطور التسريح المبكّر من الخدمة العسكريّة واستبدالها بالخدمة المدنيّة في سلك التّربية والتعليم، إلّا أن طلبه قوبل بالرّفض ومع ذلك رفض ناطور الاستمرار بالخدمة العسكريّةـ وعلى أثر ذلك عوقب بالسّجن لمدّة ستّة أشهر تقريبًا.  بدأ بمناهضة فرض الخدمة العسكريّة على الدّروز و أصدر كتابه الأوّل “أنت القاتل يا شيخ” (رواية)، انضمّ لاحقًا للعمل في لجنة المبادرة الدّرزية وعمل محرّرًا في جريدة الاتّحاد، وفي أواخر السّبعينيّات انضمّ إلى الحزب الشّيوعي، وبرز نشاطه في الحزب وفي حركة التّضامن مع أهالي الجولان في سنوات الثّمانينيّات.


اقرأ/ي أيضًا:
الشيخ أمين طريف: رجل حمل همّ توحيد الطائفة الدرزية

تبدأ هذه المرحلة من حياة سلمان ناطور من أواخر السّتّينيّات وتمتدّ إلى سنوات السّبعينيّات وإلى الثّمانينيّات، وهي المرحلة الّتي تزوّج بها من رفيقة دربه السّيدة ندى ناطور وأنجب منها أبناءه الأربعة.

في هذه الفترة، استغرق سلمان ناطور بالعمل الجماعي والجماهيري بشكل شبه كامل، بدأ بالنّشاط والمخاطبة في مجتمعه الدّرزي الأصغر ثمّ امتدّ للكتابة باسم الإنسان الفلسطيني في إسرائيل والفلسطينيّين عمومًا.

دعوة حفل زفاف سلمان ناطور من زوجته ندى حامد عام 1973، أرشيف سلمان ناطور
دعوة حفل زفاف سلمان ناطور من زوجته ندى حامد عام 1973، أرشيف سلمان ناطور


أصدر سلمان ناطور في هذه المرحلة عددًا من المؤلّفات منها:

آراء ودراسات في الفكر والفلسفة(مقالات)- القدس 1971
ما وراء الكلمات (قصص قصيرة) – القدس 1972
أنت القاتل يا شيخ (رواية) – القدس 1976
الشّجرة الّتي تمتدّ جذورها إلى صدري (قصص قصيرة) -عكّا 1979
ساعة واحدة وألف معسكر(مجموعة ساخرة) – حيفا 1980
ابو العبد يغازل مدم مندلوفيتش (مجموعة ساخرة) – بيروت 1981
وما نسينا (مسلسل تسجيلي) – حيفا 1982
كاتب غضب (مونولوج إسرائيلي)-  حيفا 1984
حكاية لم تنته بعد – حيفا 1985

طالع/ي أيضًا: الطائفة الدرزية مواد مصوّرة وأعياد دينية

في أرشيف سلمان ناطور من هذه الفترة، يوجد مسوّدات لجزء من أعماله ومقالاته بخطّ اليد ونصوص لم تُنشر، بالإضافة إلى مراسلات شخصيّة ومهنيّة ووثائق رسميّة وغير رسميّة تتعلّق بنشاطه الجماهيري والسّياسي.

رسالة من أنطون شمّاس إلى سلمان ناطور يعتذر بها عن حضور حفل زفافه
رسالة من أنطون شمّاس إلى سلمان ناطور يعتذر بها عن حضور حفل زفافه

 

المرحلة الثّانية – التّعرف والكتابة عن المجتمع الإسرائيلي، أنشطة السّلام وأخيرًا الكتابة الذّاتيّة

يمكننا القول أنّ المرحلة الأولى انتهت بوضوح باستقالة سلمان ناطور من عمله في جريدة الاتّحاد في بداية التّسعينيّات وأيضًا من الحزب الشّيوعي بهدف التّفرّغ للكتابة. في هذه الفترة وتحديدًا منذ أواخر الثمانينيّات، يبدأ تحوّل ما بالظّهور في أرشيف سلمان ناطور من حيث كمّ النّشاطات والمبادرات والاهتمامات المتعلّقة بالسّلام وبالتّعرّف على المجتمع الإسرائيلي، ومن أبرز هذه المبادرات كتابه “يمشون على الرّيح” الّذي وضع فيه خلاصة لعشرات المقابلات الّتي أجراها في بلدة بيت شان وسمّاه أيضًا “عودة إلى بيسان” وجزء من تسجيلات هذه المقابلات محفوظًا أيضًا في أرشيفه. ذهب سلمان ناطور إلى بيت شان كما يقول في كتابه “يبحث عن الإنسان”. يلتقي بعشرات السكّان الإسرائيليّين ويلخّص تجربته وانطباعاته في هذا الكتاب.

من المشاريع الّتي ظهرت في هذه الفترة أيضًا “كحبّات المسبحة”، وهو مشروع يستكشف آراء طلبة الابتدائيّة اليهود بالطّلبة العرب والعكس. أسسّ سلمان ناطور في هذه الفترة اتّحاد المبدعين الإسرائيليّين والفلسطينيّين ضد الاحتلال عام 1986، وترجم مؤلّفات عبرية لكتّاب إسرائيليّين مثل يشعياهو ليبوفيتش وشمعون ليفي وغيرهم إلى العربيّة. كما بدأت كتاباته أيضًا بالاتّجاه نحو الذّاتية والعاطفة وأدب الأطفال. وبالرغم من استقالته من العمل الصّحافي بشكل دائم، فقد استمرّ بكتابة المقالات في صحف متنوّعة بين الفينة والأخرى، وعمل كاتبًا في برامج تلفزيونيّة أيضًا.

صدر لسلمان ناطور في هذه الفترة مؤلّفات عديدة منها:

يمشون على الرّيح – النّاصرة 1992
من هناك حتّى ثورة النّعناع سبع سنوات من الحوار مع الكتّاب العبريين – دالية الكرمل 1995
فلسطيني على الطريق – رام الله 2000
ذاكرة – بيت لحم 2006
سفر على سفر – رام الله 2008
ستّون عامًا رحلة الصّحراء – عمّان – رامالله 2009
هي أنا والخريف (رواية) حيفا 2011

في أرشيف سلمان ناطور من هذه المرحلة مسوّدات لكتاباته أيضًا، والكثير من المراسلات مع كتّاب عبريّين من أبرزهم شموئيل موريه ونير شوحط، بالإضافة إلى وثائق متنوّعة وتسجيلات صوتيّة وفيديو.

يعرّف سلمان ناطور عن نفسه من خلال ثيمات متكرّرة في نصوصه الأدبيّة: الذّاكرة الّتي تحدّثه وتمضي، الحنين واللّانهاية والسّفر، ويتساءل كثيرًا عن معنى ولادته في هذا المكان والزّمان. لم يتردد بخوض التّجارب الجماعيّة والفرديّة من أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، إلّا أنّه دائمًا ما كان يجد المزيد من الأسئلة تنتظره، ودائمًا ما كان يجد طريقًا لأن يسخر منها. لم يخجل من إظهار تعبه وحيرته وشعوره بالتّيه أحيانًا، لكنّه كثيرًا ما أظهر صراحةً مدى إدراكه لأهميّة تجاربه، فهو يرى في قصّته قصّة جيل كامل، وأنّ حياته عبارة عن “شهادة تاريخيّة”.

لا شكّ أنّ رحلة سلمان ناطور في البحث عن إجابات لأسئلته الكثيرة تستحقّ الاهتمام والاطّلاع، وتستطيعون استكشافها من خلال قراءة مؤلّفاته وتصفّح أرشيفه الرّقميّ الّذي سيظهر على موقع المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة قريبًا.

النوّاب العرب في الكنيست: توفيق الطوبي، سيف الدين الزعبي، وأمين جرجورة

في هذا المقال، تتبّعنا حكاية وصول النوّاب العرب للكنيست في وقت مبكر في صور ضمن مجموعة المكتبة وأخبار من صحيفتي الصريح والاتحاد.

انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

في هذه الأيام، تشهد البلاد حالة من التيه والتضارب بين الأحزاب السياسية بشكل عام والأحزاب العربية في الكنيست لتشكيل الحكومة والتي – حتى هذه اللحظة – شكّلت أربع دورات وستُعقَد الدورة الخامسة في مطلع شهر تشرين الثاني. ولكن دومًا من خلف الكواليس يكون السؤال التالي: كيف نجح العرب في الوصول للكنيست مبكّرًا؟


الكنيست الأول وثلاثة أعضاء عرب

عقدت الدورة الأولى للكنيست في كانون الثاني من العام 1949، أي بعد أقل من عام على قيام الدولة، إذ كانت الحاجة تُلّح إلى تشكيل حكومة، وقد تشكّلت الحكومة بقيادة دافيد بن غوريون، فيما كان في هذه الدورة ثلاثة أعضاء عرب وهم: أمين سليم جرجورة وسيف الدين زعبي عن القائمة الديمواقراطية للناصرة، وتوفيق طوبي تحت كتلة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. حصدت حينها القائمة الديمواقراطية للناصرة مقعدين، بينما حصل الحزب الشيوعي الإسرائيلي على أربعة مقاعد. ولكن كيف التحق العرب بالكنيست الإسرائيلي وشاركوا في الانتخابات الإسرائيلية وتحديدًا بعد قيام الدولة أي أكثر الفترات حرجًا في البلاد؟

انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية
انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

توفيق الطوبي: أربعون عامًا وأكثر في الكنيست

في العام 1940، في عمر الثامنة عشر، التحق الفتى توفيق الطوبي، ابن مدينة حيفا، في الحزب الشيوعي الفلسطيني، وفي العام 1943، انفصل عن الحزب ليؤسس عصبة التحرر الوطني حتى العام 1948 والتي قرر فيها توحيد الشيوعيين العرب واليهود في حزب واحد ألا وهو الحزب الشيوعي الإسرائيلي وتحديدًا في شهر تشرين الأول، أي بعد خمسة أشهر من إعلان قيام دولة إسرائيل.

استمّر الطوبي في الكنيست الإسرائيلي حتى تسعينيّات القرن الماضي، ولم يتواني يومًا عن المطالبة بحقوق العرب في إسرائيل ولا سيّما المطالبة الأكبر بإسقاط الحكم العسكري. بقي الطوبي في الكنيست لـ 12 دورة انتخابية مثّل فيهنّ: الحزب الشيوعي الإسرائيلي (ماكي)، القائمة الشيوعية الجديدة (راكاح)، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش). وخلال تلك الفترة، نشر في صحيفة الاتحاد والتي كانت تنطق باسم عصبة التحرر والحزب الشيوعي الإسرائيلي. إلى جانب ذلك، وثّقت الصحيفة مطالبات وإنجازات توفيق الطوبي في الكنيست.

صحيفة الاتحاد: 16 تشرين الأول 1949 | ص. 2
صحيفة الاتحاد: 16 تشرين الأول 1949 | ص. 2

 

ومن أهم الدعوات التي شارك فيها توفيق طوبي إلى جانب توفيق زيّاد، الدعوة إلى مسيرات “يوم الأرض” للتصدّي لمصادرة أراضي الجليل لمشروع “تطوير الجليل” آنذاك.

شاهد/ي أيضًا: يوم الأرض الفلسطيني في الصور والصحف الفلسطينية والإسرائيلية

 

توفيق طوبي في ذكرى يوم الأرض، 1988، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية
توفيق طوبي في ذكرى يوم الأرض، 1988، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية


سيف الدين الزعبي وأمين جرجورة

نصراويان مثّلا القائمة الديموقراطية للناصرة في الدورة الأولى للكنيست، وفي الدورة الثانية، وبعد عامين، أوقف أمين سليم جرجورة ولايته، وفي العام 1954 تم تعيينه رئيسًا لبلدية الناصرة. يُعتبر أمين سليم جرجورة رجلًا قد شارك مع كل الحكومات في فلسطين العثمانية والانتدابية؛ إذ خدم في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، وكان معلّمًا في معارف حكومة فلسطين التابعة للانتداب البريطاني، حتى أصبح في البرلمان الإسرائيلي وبلدية الناصرة تحت الحكم العسكري.

أمين سليم جرجورة في خطاب في الوكالة اليهودية، 1949، أرشيف موشيه ليفين، المكتبة الوطنية
أمين سليم جرجورة في خطاب في الوكالة اليهودية، 1949، أرشيف موشيه ليفين، المكتبة الوطنية

أما سيف الدين زعبي، فلقد كان رفيقًا لجرجورة في القائمة الديموقراطية للناصرة في الدورة الأولى، وفي الدورة الثانية، انتقل الزعبي إلى القائمة الديمقراطية لعرب إسرائيل لدورتين متتاليتيْن حتى العام 1956، وتوّقف لمدة تسع سنوات، وعاد للكنيست في العام 1965 حتى العام 1979 مع كتلة التقدّم والتطوّر، وبالتزامن مع فترة الكنيست، ترأس بلدية الناصرة وتحديدًا بين 1959 حتى العام 1974.

سيف الدين الزعبي في خطاب في الأول من أيّار، 1965، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية
سيف الدين الزعبي في خطاب في الأول من أيّار، 1965، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية

وبعد الدورة الأولى للكنيست، توالت أخبار كل دورة حتى نشرت صحيفة الصريح أخبار الدورة الثانية بزيادة الأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي الجديد بمختلف خلفياتهم الدينية.

الصريح: 11 آب 1951 | ص. 1
الصريح: 11 آب 1951 | ص. 1

 

حينما غُفِر لبريطانيا استعمارها: وجهاء عرب يدعون للتطوع في الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية

كيف ساهم سياسيون فلسطينيّون ومثقفون عرب وفلسطينيون في تشجيع الناس للتطوع في صفوف الجيش الإنجليزي الاستعماري؟

الفرقة الفلسطينية المتطوعة لصالح الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، المنتدى 01 آب 1941

الفرقة الفلسطينية المتطوعة لصالح الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، المنتدى 01 آب 1941

في الثالث من أيلول للعام 1939 بدأت حرب بريطانيا ضد ألمانيا النازية، وقد عاون بريطانيا العديد من الدول والفرق إلى جانب الحلفاء، حيث انضم الفيلق اليهودي للتدريب مع الجيش البريطاني وذلك للحفاظ على حلم الوطن القومي في فلسطين الذي ضمنه وعد بلفور. ولكن الأمر لم يتوقف على مؤازرة اليهود في أوروبا وفلسطين بقيادة الوكالة اليهودية والمندوب السامي، بل وصل إلى أبواب الفلسطينيين وكل ذلك خلال فترة استعمار بريطانيا أو انتدابها للبلاد، ولكن كيف بدأت حكاية تطوّع الفلسطيني مع مستعمره في محاربة استعمار آخر؟

بعد شهر من اندلاع الحرب، أعلنت القوات البريطانية في الصحف العربية عن فتح باب التطوّع للفلسطينيين للمشاركة في الحرب إلى جانب الجيش البريطاني، وذلك للحد من نفوذ ألمانيا النازية؛ إذ كانت المعارك لصالح الألمان حتى العام 1941، إلّا أنّ التطوّع كان مشروطًا، وقد نشرت صحيفة فلسطين بيان المندوب السامي حول الاستفادة من خدمات الفلسطينيين وذلك بإعلانها الحاجة إلى مهندسيين، عمال في النقليات ومخازن الأسلحة والذخائر وبالطبع الحاجة الكبرى إلى محاربين. ومن أبرز الشروط أن يكون عمر المحارب بين 20 – 25 بينما أعمار الفنيين لا بأس أن يكونوا أكبر سنًّا وقد أتيحت “الفرصة” لكل من كان عمره بين 35 – 40 عامًا. لم يتوقف الأمر بحكومة الانتداب عند هذا الحد، بل وعدت كل متطوع برواتب عالية تتوفر له ولعائلته – إن كان متزوجًا – وكل من يخدم خارج فلسطين سيعامل معاملة الجندي البريطاني، على حدّ قولهم.

شاهد/ي أيضًا: الحرب العالمية الثانية: معارض رقمية لصور وأخبار من الصحف الفلسطينية

صحيفة فلسطين: 12 تشرين الأول 1939
صحيفة فلسطين: 12 تشرين الأول 1939

فجأة، بدأت القوات البريطانية تنشر في الصحف الفلسطينية أعداد المتطوعين في كل أسبوع، والذي كان يزداد،؛ إذ نُشر بعد 10 أيام من الإعلان الأول، في الصفحة الثالثة من صحيفة فلسطين في خبر في آخر الصفحة بخط صغير، كخبر مهمل، العنوان التالي: 440 متطوّعًا حتى الآن منهم 7 أطباء ومهندسين، 252 حِرَفي، 147 محاربًا مع صفوف الجيش إلى جانب 34 متطوّعًا في المهام الفنية والكتابية.

صحيفة فلسطين: 22 تشرين الأول 1939 | ص. 3
      صحيفة فلسطين: 22 تشرين الأول 1939 | ص. 3


رجال دين وأدباء في خدمة الحكومة البريطانية الانتدابية

لم يتوانى الأمر مع الحكومة البريطانية عند حد إعلان التطوّع، بل تعاونت مع بعض الوجهاء في فلسطين ومصر لتشجيع عامة الناس للتطوّع في صفوف الجيش البريطاني، ولم تتوانى كذلك الصحف الفلسطينية عن توثيق الخطابات الجماهيرية التعبوية إن كانت من الشيوخ أو المثقفين أو الأدباء. ولكنّ السؤال هنا، لماذا لجأت بريطانيا لدعم “الوجهاء”؟ الجواب يبدأ من إيطاليا؛ إذ انضمت إلى صفوف ألمانيا النازية وشكّلت مع اليابان دول المحور. دخول إيطاليا، كان بمثابة انتهاء الحلم القومي لليهود لأنّها دعمت ثورة العرب والفلسطينيين منذ العام 1935. (بيان نويهض الحوت، 1983)

“أبدى العرب اليوم دليلًا جديدًا يُضاف إلى الأدلة الكثيرة التي سبقت على أنّهم في كل مكان موالون لبريطانيا العظمى وحلفائها ويؤيدون بكل قواهم قضية الديموقراطية العادلة”، هكذا استهلت صحيفة فلسطين في الصفحة الثالثة من عدد 18 حزيران 1940 حول اجتماع حاكم القدس العسكري، ومساعد حاكم لواء القدس، ومدير بوليس القدس والضابط فايز الإدريسي بالإضافة إلى الكاهنين يعقوب الحنّا ونقولا الخوري وصحفييْن من صحيفتي الدفاع وفلسطين، كل هؤلاء تجمّعوا في بيت المختار عبد الرحمن عريقات في منزله في بلدة أبو ديس، وكل هؤلاء اجتمعوا أيضًا للتأكيد لجماهير أبو ديس والبلدات المحيطة على أهمية الوقوف مع بريطانيا ودول الحلفاء في محاربة فاشية إيطاليا ونازية ألمانيا.

فلسطين: 18 حزيران 1940 | ص. 3
فلسطين: 18 حزيران 1940 | ص. 3

بعد أقل من شهر، عُقد اجتماع مشابه في مدينة الخليل للتأكيد على الولاء للديموقراطية؛ إذ بسّط فطين طهبوب مرامي السياسة الدولية والعالمية للجمهور، وبيّن كذلك كامل الجعبري مطامع الاستعمار الإيطالي، فيما تحدّث وشبان آخرون باللغة الإنجليزية للترحيب بالضيوف الإنجليز وتجديد الولاء والثبات على المبادئ الديموقراطية للحكومة البريطانية.  لكنّ الحديث الأدهش والمؤثر في هذا اليوم كان لصالح حاكم لواء القدس البريطاني “كيث روتش” الذي ذكّر الحضور العربي الفلسطيني أنّ الجميع يؤمن بالله، وأنّ بريطانيا وحكومتها وشعبها من أهل الكتاب، ويُعدّ دعم الإمبراطورية البريطانية من أسس الدين السليم، ووجب محاربة هتلر الذي استبدل الكتب المقدسة بنظامه النازي المطروح في كتابه “كفاحي”.

الدفاع: 5 تموز 1940
الدفاع: 5 تموز 1940

استمّرا المندوب السامي والحاكم العسكري بتشجيع الناس للانضمام لصفوف الحرب عبر استقبال بعض العائدين من الفرقة الفلسطينية من الحرب العالمية بحفل صاخب واستعراض عسكريّ مهيب يتخلله عامة الناس، سياسيون من الجانب الإنجليزي، اليهودي والعربي، بالإضافة إلى الصحافة العربية واليهودية؛ إذ نقلت صحيفة فلسطين الخبر في الصفحة الأولى من عددها الصادر في 29 أيلول من العام 1940، أي بعد عام من اندلاع الحرب.

فلسطين: 29 أيلول 1940
فلسطين: 29 أيلول 1940

عباس محمود العقّاد ينادي بالولاء لبريطانيا الديموقراطية

الحرب بعد 12 شهرًا و6 أسابيع، خطب الأديب عباس محمود العقّاد، والذي كان أيضًا أحد أعضاء مجلس النوّاب المصري، في إذاعة القدس مستهّلًا خطابه بـ “إخواننا أبناء العربية”، متابعًا وواصفًا فلسطين بأنّها مهد الديانات والرسالات السماوية، وكان الشاعر والروائي المصري عبد القادر المازني قد رافق العقّاد في رحلته إلى فلسطين وقد استقبلهم الأديب والمؤرخ عجاج نويهض في المسجد الأقصى. في يوميات طاهر عبد الحميد الفتياني، ورد بأنّ نويهض شارك في المؤتمر الذي أعدّه المندوب السامي في دار الحكومة بالقدس مع رؤساء بلديات يافا، الرملة، القدس، رام الله، حيفا، عكا، الناصرة، الخليل، وغزة حول مشروع تطوع عرب فلسطين في الجيش البريطاني، والبحث في وسائل تشجيع العرب للتطوّع. (سميح حمودة، مجلة حوليات مقدسية)

شاهد/ي أيضًا: مدن تاريخية مصوّرة

صحيفة فلسطين: 15 تشرين الأول 1940
صحيفة فلسطين: 15 تشرين الأول 1940

أما المحامي حنّا ديب نقارة، فقد أورد في كتابه “مذكرات محامٍ فلسطيني” الصادر في العام 1985 – بعد عام من وفاته – أنّ عجاج نويهض أدار إذاعة القدس لخدمة الجيش البريطاني؛ إذ كان هو والعقّاد يخطبون لصالح بريطانيا، وعلّق حينها: “مما أثار استهزاءنا بهذه الإذاعات الكاذبة. إذ كانت بريطانيا في نظرنا رأس الحية، ولا يهمنا من سيقضي على هذه الحية الرقطاء.”

بعد 10 أيام من خطاب العقاد، تعرّض هو والمازني وفخري النشاشيبي لإطلاق نار دون أن يُصاب أيّ منهم، أما عادل أرسلان – أخو الأمير شاكر أرسلان؛ المتهم بدعمه لألمانيا مع المفتي أمين الحسيني – فقد علّق على تصرفات العقّاد المتذبذة بأنه كان أشد الناس والكتّاب عداءً لبريطانيا لأنها قوة مستعمرة كغيرها؛ إلا أنّه في الحرب العالمية الثانية جاء إلى فلسطين مع المازني ليؤثر على عقول العرب فيصبحوا صهيانة. (أرسلان، 1983)

توالت الأحداث والأخبار حتى أصبحت تنشر في الصحف الفلسطينية أسماء المتطوعين القتلى والجرحى والمفقودين وتحديدًا في العام 1941 بعدما حمي الوطيس مع دول المحور وبدأت تنقلب معادلة الحرب لصالح دول الحلفاء.

صحيفة فلسطين: 22 تموز 1941 | ص. 5
صحيفة فلسطين: 22 تموز 1941 | ص. 5

 

صحيفة فلسطين: 29 تموز 1941 | ص. 5
صحيفة فلسطين: 29 تموز 1941 | ص. 5

لم تتوقف مكاتب التجنيد عن طلب المتطوعين، بل ازداد عدد المتطوعين المنخرطين في البحرية البريطانية كذلك.

فلسطينيّون في البحرية البريطانية، مجلة المنتدى: 1 أيّار 1943
فلسطينيّون في البحرية البريطانية، مجلة المنتدى: 1 أيّار 1943

 

مجلة المنتدى: 1 تموز 1943
مجلة المنتدى: 1 تموز 1943

 

مجلة المنتدى: 1 آب 1943
مجلة المنتدى: 1 آب 1943

قبل نهاية الحرب بأشهر قليلة، بدأت تنشر الصحف عن الأسرى الجنود، وعن عودة البعض واختفاء البعض الآخر، كما ورد في صحيفة فلسطين على سبيل المثال في العدد 9 حزيران 1945 خبر وصول 65 أسير حرب.

صحيفة فلسطين: 9 حزيران 1945
صحيفة فلسطين: 9 حزيران 1945

ولأن نهايات الحروب كما وصفها محمود درويش: ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز، تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة، تنتظر زوجها الحبيب وأولئك الأطفال، ينتظرون والدهم البطل. لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيتُ من دفع الثمن”. وعلى الرغم من هذا الوصف “الرومانسي” لنهاية الحرب، إلّا أنّ هذه عادة الحروب، تختفي أسماء وتُخلّد أسماء أخرى، فيما تنتصر دول وتُباد شعوب أخرى لسوء إدارة حُكّامها وألاعيب مثقّفيها.

بطريقته الخاصة: فرانك سيناترا بخدمة “الهاغاناه”

هكذا ساعد المغني المناصر للدولة قيد الإنشاء وضلّل بعملاء الـ FBI من أجل إسرائيل

فرانك سيناترا يشاهد عرضًا للجيش الإسرائيلي أثناء زيارة في إسرائيل، 1962. مجموعة ميتار، المجموعة الوطنية للصور الفوتوغرافية على اسم عائلة فريتسكر، المكتبة الوطنية. تلوين: MyHeritage

ناتي غباي

والآن، باتت النهاية قريبة

يمضي الوقت مع الرياح.

وأقول لكم أعزائي،

بكل صراحة- كل شيء بات مباحًا.

عشت حياة جميلة

عشت عزلاتُ كثيرة

ولكنني كنت أسير دومًا بطريقتي

 

(“بطريقتي”: كلمات: بول أنكا. أداء: فرانك سيناترا)

آذار 1948. قبل قيام دولة إسرائيل بأيام.

سعت منظمة الهاغاناه بكل الطرق الممكنة لتسليح اليشوف اليهودي. في مقر سري للمنظمة، في فندق في نيويورك، بدأ مندوب الهاغاناه، تيدي كوليك، يضع خطواته: مهمّته، الموكلة إليه من قِبل بن غوريون، هي تحويل الأموال لربّان سفينة أسلحة إيرلندية محمّلة بالأسلحة والتي رست في مكان قريب. ستنطلق السفينة قريبًا إلى أرض إسرائيل. ولكن واجهت كوليك مشكلة صعبة. كان واضحَا بالنسبة له أنّه لن يتمكن من إخراج المال بنفسه من الفندق ليدفعه لربّان السفينة. وبات مصير شحنة الأسلحة التي كانت منظمة الهاغاناه بأمس الحاجة إليها مجهولًا.

بجوار مقر الهغاناه، في المبنى نفسه، يقع الملهى الليلي “كوباكبانا” الشهير. يجلس على البار نشطاء المقر ونخبة من الفنانين الترفيهيين، أحدهم المغني والممثل فرانك سيناترا.

“كنت جالسًا على البار وتوجّه إليّ سيناترا”، أفاد كوليك لاحقًا. “لا أعرف ماذا حلّ بي في تلك اللحظات، ولكنني أخبرته بما كنت أفعل في الولايات المتحدة وبالمعضلة التي كنت أواجهها”.

نشرت الصورة في صحيفة “دڤار”. 19 حزيران، 1980

 

في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي، يخرج تيدي كوليك من المبنى وبيده حقيبة. يتبعه عملاء الـ FBI. في تلك اللحظة تحديدًا، يخرج فرانك سيناترا من الباب الخلفي وبيده كيس ورقي فيه مليون دولار. يتوجّه إلى الرصيف البحري، يسلّم المال للربّان ويودّع سفينة الأسلحة التي تنطلق من المكان.

“كانت تلك أولى أيام الدولة الفتية “، قال سيناترا لاحقًا لابنته نانسي. “أردت المساعدة. كنت أخشى هزيمتهم”.

رافق فرانك سيناترا الدولة الفتية لسنوات طويلة، وقد فعل ذلك بكلّ الحب. بطريقته الخاصة.