“قد لا تعني أحدًا تفاصيل سيرتنا الذّاتيّة لأننّا نعيش مثل غيرنا وسنموت مثلهم. لكن لأنّنا وُلدنا بعد الحرب الأولى فقد صرنا شهادة تاريخيّة”.
سلمان ناطور
وُلد سلمان ناطور لعائلة درزيّة في دالية الكرمل جنوب حيفا عام 1949. في أواخر السّتينيّات، التحق بجامعة حيفا لدراسة الفلسفة، وبدأ مساره الأدبي ونشاطه السّياسي الّذي استمر إلى آخر حياته.
في بداية مساره انضمّ سلمان ناطور إلى أطر ونشاطات سياسيّة متنوّعة، فانضمّ إلى الحزب الشّيوعي الإسرائيلي، ولجنة المبادرة العربيّة الدّرزيّة، كما عمل في بداية الثّمانينيّات في حركة التّضامن مع أهالي الجولان في إضرابهم واحتجاجهم على ضمّ الجولان لإسرائيل.
طالع/ي أيضًا: هضبة الجولان
عمل خلال هذه الفترة كمحرّرًا لقسم الثّقافة في جريدة الاتّحاد في مدينة حيفا وحرّر مجلّة “الجديد” للأدب والفنّ وكتب المقالات السّاخرة في مجلّة “المهماز”. وترك في أعداد هذه الدّوريّات المئات من مقالات الرأي والقصص القصيرة والنّصوص المتنوّعة.
لمقالات سلمان ناطور في أرشيف جرايد
شغل سلمان ناطور أيضًا مناصب إداريّة في عددٍ من المؤسّسات العربيّة في إسرائيل منها الثّقافيّة والحقوقيّة منها جمعيّة تطوير الموسيقى العربيّة ومركز إعلام للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل ومركز عدالة ومركز مساواة لحقوق المواطنين العرب ومعهد إميل توما للدّراسات الفلسطينيّة الإسرائيليّة. كما شارك في محافل ومبادرات ثقافيّة فلسطينيّة عديدة.
اهتمّ سلمان ناطور بالتّعرف على الثّقافة الإسرائيليّة وعلى المجتمع الإسرائيلي فأجرى العديد من المقابلات والمراسلات والنّقاشات مع كتّاب عبرييّن وكان من مؤسّسي اتّحاد المبدعين الإسرائيليّين والفلسطينيّين ضد الاحتلال.
كتب سلمان ناطور الشّعر والنّصوص السّاخرة والرّواية، والمقالة الصّحافيّة والتّاريخ الشّفوي والخواطر والانطباعات والدراسات، كما شارك في كتابة جزء من “وثائق الرؤية المستقبليّة للعرب الفلسطينيّين في إسرائيل“. وترك أكثر من ثلاثين مؤلّفًا وترجم عددًا من المؤلّفات العبريّة إلى اللّغة العربيّة.
أرشيف سلمان ناطور في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
سلمان ناطور وزوجته يلتقطان صورة ذاتيّة في سنوات الثّمانينيّات، أرشيف سلمان ناطور
توصّلت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة إلى موافقة من عائلة الأديب والرّوائي الرّاحل سلمان ناطور من أجل أرشفة نسخة رقميّة عن أرشيفه الشّخصي وإتاحته إلى جمهور المهتمّين والباحثين على موقعها، وقد تمّ تصنيف المواد وفهرستها وهي في مرحلة المسح الرّقمي الآن، وبعد ذلك سيتمّ إتاحتها عن بُعد.
يتكوّن أرشيف سلمان ناطور من حوالي تسعة آلاف مادّة تحتوي على نصوص أدبية، مقالات، مسوّدات بخط اليد، مراسلات شخصيّة ورسميّة، صور فوتوغرافية وتذكاريّة، وثائق متنوّعة، وثائق وقُصاصات من عمله الجماهيري والسياسي، قُصاصات صحافية، فيديوهات وأشرطة تسجيليّة، وقد استغرقت عمليّة الفهرسة أكثر من ستّة أشهر، وعمّا قريب سيكون معظمها في متناول أيديكم.
المرحلة الأولى – النّشاط الجماهيري والسّياسي والعمل الصّحافي
يمكّننا أرشيف سلمان ناطور من تقسيم نشاطه الأدبي وحياته إلى مرحلتين مختلفتين من حيث انشغالاته واهتماماته، وينعكس هذا التّقسيم بالنّظر إلى عناوين مؤلّفاته وآثاره المنشورة أيضًا. فتبدأ المرحلة الأولى بدراسة الفلسفة في الجامعة العبريّة وثمّ في حيفا، في هذه الفترة طالب سلمان ناطور التسريح المبكّر من الخدمة العسكريّة واستبدالها بالخدمة المدنيّة في سلك التّربية والتعليم، إلّا أن طلبه قوبل بالرّفض ومع ذلك رفض ناطور الاستمرار بالخدمة العسكريّةـ وعلى أثر ذلك عوقب بالسّجن لمدّة ستّة أشهر تقريبًا. بدأ بمناهضة فرض الخدمة العسكريّة على الدّروز و أصدر كتابه الأوّل “أنت القاتل يا شيخ” (رواية)، انضمّ لاحقًا للعمل في لجنة المبادرة الدّرزية وعمل محرّرًا في جريدة الاتّحاد، وفي أواخر السّبعينيّات انضمّ إلى الحزب الشّيوعي، وبرز نشاطه في الحزب وفي حركة التّضامن مع أهالي الجولان في سنوات الثّمانينيّات.
اقرأ/ي أيضًا: الشيخ أمين طريف: رجل حمل همّ توحيد الطائفة الدرزية
تبدأ هذه المرحلة من حياة سلمان ناطور من أواخر السّتّينيّات وتمتدّ إلى سنوات السّبعينيّات وإلى الثّمانينيّات، وهي المرحلة الّتي تزوّج بها من رفيقة دربه السّيدة ندى ناطور وأنجب منها أبناءه الأربعة.
في هذه الفترة، استغرق سلمان ناطور بالعمل الجماعي والجماهيري بشكل شبه كامل، بدأ بالنّشاط والمخاطبة في مجتمعه الدّرزي الأصغر ثمّ امتدّ للكتابة باسم الإنسان الفلسطيني في إسرائيل والفلسطينيّين عمومًا.
أصدر سلمان ناطور في هذه المرحلة عددًا من المؤلّفات منها:
آراء ودراسات في الفكر والفلسفة(مقالات)- القدس 1971
ما وراء الكلمات (قصص قصيرة) – القدس 1972
أنت القاتل يا شيخ (رواية) – القدس 1976
الشّجرة الّتي تمتدّ جذورها إلى صدري (قصص قصيرة) -عكّا 1979
ساعة واحدة وألف معسكر(مجموعة ساخرة) – حيفا 1980
ابو العبد يغازل مدم مندلوفيتش (مجموعة ساخرة) – بيروت 1981
وما نسينا (مسلسل تسجيلي) – حيفا 1982
كاتب غضب (مونولوج إسرائيلي)- حيفا 1984
حكاية لم تنته بعد – حيفا 1985
طالع/ي أيضًا: الطائفة الدرزية مواد مصوّرة وأعياد دينية
في أرشيف سلمان ناطور من هذه الفترة، يوجد مسوّدات لجزء من أعماله ومقالاته بخطّ اليد ونصوص لم تُنشر، بالإضافة إلى مراسلات شخصيّة ومهنيّة ووثائق رسميّة وغير رسميّة تتعلّق بنشاطه الجماهيري والسّياسي.
المرحلة الثّانية – التّعرف والكتابة عن المجتمع الإسرائيلي، أنشطة السّلام وأخيرًا الكتابة الذّاتيّة
يمكننا القول أنّ المرحلة الأولى انتهت بوضوح باستقالة سلمان ناطور من عمله في جريدة الاتّحاد في بداية التّسعينيّات وأيضًا من الحزب الشّيوعي بهدف التّفرّغ للكتابة. في هذه الفترة وتحديدًا منذ أواخر الثمانينيّات، يبدأ تحوّل ما بالظّهور في أرشيف سلمان ناطور من حيث كمّ النّشاطات والمبادرات والاهتمامات المتعلّقة بالسّلام وبالتّعرّف على المجتمع الإسرائيلي، ومن أبرز هذه المبادرات كتابه “يمشون على الرّيح” الّذي وضع فيه خلاصة لعشرات المقابلات الّتي أجراها في بلدة بيت شان وسمّاه أيضًا “عودة إلى بيسان” وجزء من تسجيلات هذه المقابلات محفوظًا أيضًا في أرشيفه. ذهب سلمان ناطور إلى بيت شان كما يقول في كتابه “يبحث عن الإنسان”. يلتقي بعشرات السكّان الإسرائيليّين ويلخّص تجربته وانطباعاته في هذا الكتاب.
من المشاريع الّتي ظهرت في هذه الفترة أيضًا “كحبّات المسبحة”، وهو مشروع يستكشف آراء طلبة الابتدائيّة اليهود بالطّلبة العرب والعكس. أسسّ سلمان ناطور في هذه الفترة اتّحاد المبدعين الإسرائيليّين والفلسطينيّين ضد الاحتلال عام 1986، وترجم مؤلّفات عبرية لكتّاب إسرائيليّين مثل يشعياهو ليبوفيتش وشمعون ليفي وغيرهم إلى العربيّة. كما بدأت كتاباته أيضًا بالاتّجاه نحو الذّاتية والعاطفة وأدب الأطفال. وبالرغم من استقالته من العمل الصّحافي بشكل دائم، فقد استمرّ بكتابة المقالات في صحف متنوّعة بين الفينة والأخرى، وعمل كاتبًا في برامج تلفزيونيّة أيضًا.
صدر لسلمان ناطور في هذه الفترة مؤلّفات عديدة منها:
يمشون على الرّيح – النّاصرة 1992
من هناك حتّى ثورة النّعناع سبع سنوات من الحوار مع الكتّاب العبريين – دالية الكرمل 1995
فلسطيني على الطريق – رام الله 2000
ذاكرة – بيت لحم 2006
سفر على سفر – رام الله 2008
ستّون عامًا رحلة الصّحراء – عمّان – رامالله 2009
هي أنا والخريف (رواية) حيفا 2011
في أرشيف سلمان ناطور من هذه المرحلة مسوّدات لكتاباته أيضًا، والكثير من المراسلات مع كتّاب عبريّين من أبرزهم شموئيل موريه ونير شوحط، بالإضافة إلى وثائق متنوّعة وتسجيلات صوتيّة وفيديو.
يعرّف سلمان ناطور عن نفسه من خلال ثيمات متكرّرة في نصوصه الأدبيّة: الذّاكرة الّتي تحدّثه وتمضي، الحنين واللّانهاية والسّفر، ويتساءل كثيرًا عن معنى ولادته في هذا المكان والزّمان. لم يتردد بخوض التّجارب الجماعيّة والفرديّة من أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، إلّا أنّه دائمًا ما كان يجد المزيد من الأسئلة تنتظره، ودائمًا ما كان يجد طريقًا لأن يسخر منها. لم يخجل من إظهار تعبه وحيرته وشعوره بالتّيه أحيانًا، لكنّه كثيرًا ما أظهر صراحةً مدى إدراكه لأهميّة تجاربه، فهو يرى في قصّته قصّة جيل كامل، وأنّ حياته عبارة عن “شهادة تاريخيّة”.
لا شكّ أنّ رحلة سلمان ناطور في البحث عن إجابات لأسئلته الكثيرة تستحقّ الاهتمام والاطّلاع، وتستطيعون استكشافها من خلال قراءة مؤلّفاته وتصفّح أرشيفه الرّقميّ الّذي سيظهر على موقع المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة قريبًا.