النوّاب العرب في الكنيست: توفيق الطوبي، سيف الدين الزعبي، وأمين جرجورة

في هذا المقال، تتبّعنا حكاية وصول النوّاب العرب للكنيست في وقت مبكر في صور ضمن مجموعة المكتبة وأخبار من صحيفتي الصريح والاتحاد.

انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

في هذه الأيام، تشهد البلاد حالة من التيه والتضارب بين الأحزاب السياسية بشكل عام والأحزاب العربية في الكنيست لتشكيل الحكومة والتي – حتى هذه اللحظة – شكّلت أربع دورات وستُعقَد الدورة الخامسة في مطلع شهر تشرين الثاني. ولكن دومًا من خلف الكواليس يكون السؤال التالي: كيف نجح العرب في الوصول للكنيست مبكّرًا؟


الكنيست الأول وثلاثة أعضاء عرب

عقدت الدورة الأولى للكنيست في كانون الثاني من العام 1949، أي بعد أقل من عام على قيام الدولة، إذ كانت الحاجة تُلّح إلى تشكيل حكومة، وقد تشكّلت الحكومة بقيادة دافيد بن غوريون، فيما كان في هذه الدورة ثلاثة أعضاء عرب وهم: أمين سليم جرجورة وسيف الدين زعبي عن القائمة الديمواقراطية للناصرة، وتوفيق طوبي تحت كتلة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. حصدت حينها القائمة الديمواقراطية للناصرة مقعدين، بينما حصل الحزب الشيوعي الإسرائيلي على أربعة مقاعد. ولكن كيف التحق العرب بالكنيست الإسرائيلي وشاركوا في الانتخابات الإسرائيلية وتحديدًا بعد قيام الدولة أي أكثر الفترات حرجًا في البلاد؟

انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية
انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

توفيق الطوبي: أربعون عامًا وأكثر في الكنيست

في العام 1940، في عمر الثامنة عشر، التحق الفتى توفيق الطوبي، ابن مدينة حيفا، في الحزب الشيوعي الفلسطيني، وفي العام 1943، انفصل عن الحزب ليؤسس عصبة التحرر الوطني حتى العام 1948 والتي قرر فيها توحيد الشيوعيين العرب واليهود في حزب واحد ألا وهو الحزب الشيوعي الإسرائيلي وتحديدًا في شهر تشرين الأول، أي بعد خمسة أشهر من إعلان قيام دولة إسرائيل.

استمّر الطوبي في الكنيست الإسرائيلي حتى تسعينيّات القرن الماضي، ولم يتواني يومًا عن المطالبة بحقوق العرب في إسرائيل ولا سيّما المطالبة الأكبر بإسقاط الحكم العسكري. بقي الطوبي في الكنيست لـ 12 دورة انتخابية مثّل فيهنّ: الحزب الشيوعي الإسرائيلي (ماكي)، القائمة الشيوعية الجديدة (راكاح)، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش). وخلال تلك الفترة، نشر في صحيفة الاتحاد والتي كانت تنطق باسم عصبة التحرر والحزب الشيوعي الإسرائيلي. إلى جانب ذلك، وثّقت الصحيفة مطالبات وإنجازات توفيق الطوبي في الكنيست.

صحيفة الاتحاد: 16 تشرين الأول 1949 | ص. 2
صحيفة الاتحاد: 16 تشرين الأول 1949 | ص. 2

 

ومن أهم الدعوات التي شارك فيها توفيق طوبي إلى جانب توفيق زيّاد، الدعوة إلى مسيرات “يوم الأرض” للتصدّي لمصادرة أراضي الجليل لمشروع “تطوير الجليل” آنذاك.

شاهد/ي أيضًا: يوم الأرض الفلسطيني في الصور والصحف الفلسطينية والإسرائيلية

 

توفيق طوبي في ذكرى يوم الأرض، 1988، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية
توفيق طوبي في ذكرى يوم الأرض، 1988، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية


سيف الدين الزعبي وأمين جرجورة

نصراويان مثّلا القائمة الديموقراطية للناصرة في الدورة الأولى للكنيست، وفي الدورة الثانية، وبعد عامين، أوقف أمين سليم جرجورة ولايته، وفي العام 1954 تم تعيينه رئيسًا لبلدية الناصرة. يُعتبر أمين سليم جرجورة رجلًا قد شارك مع كل الحكومات في فلسطين العثمانية والانتدابية؛ إذ خدم في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، وكان معلّمًا في معارف حكومة فلسطين التابعة للانتداب البريطاني، حتى أصبح في البرلمان الإسرائيلي وبلدية الناصرة تحت الحكم العسكري.

أمين سليم جرجورة في خطاب في الوكالة اليهودية، 1949، أرشيف موشيه ليفين، المكتبة الوطنية
أمين سليم جرجورة في خطاب في الوكالة اليهودية، 1949، أرشيف موشيه ليفين، المكتبة الوطنية

أما سيف الدين زعبي، فلقد كان رفيقًا لجرجورة في القائمة الديموقراطية للناصرة في الدورة الأولى، وفي الدورة الثانية، انتقل الزعبي إلى القائمة الديمقراطية لعرب إسرائيل لدورتين متتاليتيْن حتى العام 1956، وتوّقف لمدة تسع سنوات، وعاد للكنيست في العام 1965 حتى العام 1979 مع كتلة التقدّم والتطوّر، وبالتزامن مع فترة الكنيست، ترأس بلدية الناصرة وتحديدًا بين 1959 حتى العام 1974.

سيف الدين الزعبي في خطاب في الأول من أيّار، 1965، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية
سيف الدين الزعبي في خطاب في الأول من أيّار، 1965، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية

وبعد الدورة الأولى للكنيست، توالت أخبار كل دورة حتى نشرت صحيفة الصريح أخبار الدورة الثانية بزيادة الأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي الجديد بمختلف خلفياتهم الدينية.

الصريح: 11 آب 1951 | ص. 1
الصريح: 11 آب 1951 | ص. 1

 

بطريقته الخاصة: فرانك سيناترا بخدمة “الهاغاناه”

هكذا ساعد المغني المناصر للدولة قيد الإنشاء وضلّل بعملاء الـ FBI من أجل إسرائيل

فرانك سيناترا يشاهد عرضًا للجيش الإسرائيلي أثناء زيارة في إسرائيل، 1962. مجموعة ميتار، المجموعة الوطنية للصور الفوتوغرافية على اسم عائلة فريتسكر، المكتبة الوطنية. تلوين: MyHeritage

ناتي غباي

والآن، باتت النهاية قريبة

يمضي الوقت مع الرياح.

وأقول لكم أعزائي،

بكل صراحة- كل شيء بات مباحًا.

عشت حياة جميلة

عشت عزلاتُ كثيرة

ولكنني كنت أسير دومًا بطريقتي

 

(“بطريقتي”: كلمات: بول أنكا. أداء: فرانك سيناترا)

آذار 1948. قبل قيام دولة إسرائيل بأيام.

سعت منظمة الهاغاناه بكل الطرق الممكنة لتسليح اليشوف اليهودي. في مقر سري للمنظمة، في فندق في نيويورك، بدأ مندوب الهاغاناه، تيدي كوليك، يضع خطواته: مهمّته، الموكلة إليه من قِبل بن غوريون، هي تحويل الأموال لربّان سفينة أسلحة إيرلندية محمّلة بالأسلحة والتي رست في مكان قريب. ستنطلق السفينة قريبًا إلى أرض إسرائيل. ولكن واجهت كوليك مشكلة صعبة. كان واضحَا بالنسبة له أنّه لن يتمكن من إخراج المال بنفسه من الفندق ليدفعه لربّان السفينة. وبات مصير شحنة الأسلحة التي كانت منظمة الهاغاناه بأمس الحاجة إليها مجهولًا.

بجوار مقر الهغاناه، في المبنى نفسه، يقع الملهى الليلي “كوباكبانا” الشهير. يجلس على البار نشطاء المقر ونخبة من الفنانين الترفيهيين، أحدهم المغني والممثل فرانك سيناترا.

“كنت جالسًا على البار وتوجّه إليّ سيناترا”، أفاد كوليك لاحقًا. “لا أعرف ماذا حلّ بي في تلك اللحظات، ولكنني أخبرته بما كنت أفعل في الولايات المتحدة وبالمعضلة التي كنت أواجهها”.

نشرت الصورة في صحيفة “دڤار”. 19 حزيران، 1980

 

في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي، يخرج تيدي كوليك من المبنى وبيده حقيبة. يتبعه عملاء الـ FBI. في تلك اللحظة تحديدًا، يخرج فرانك سيناترا من الباب الخلفي وبيده كيس ورقي فيه مليون دولار. يتوجّه إلى الرصيف البحري، يسلّم المال للربّان ويودّع سفينة الأسلحة التي تنطلق من المكان.

“كانت تلك أولى أيام الدولة الفتية “، قال سيناترا لاحقًا لابنته نانسي. “أردت المساعدة. كنت أخشى هزيمتهم”.

رافق فرانك سيناترا الدولة الفتية لسنوات طويلة، وقد فعل ذلك بكلّ الحب. بطريقته الخاصة.

 

الطنطورة: نظرة عامة على القرية

تمتاز قرية الطنطورة بموقعها البارز المطل على ساحل البحر الأبيض؛ إذ اعتُبِرت حلقة وصل للنشاطات التجارية بين المدن المركزية في البلاد. سنتعرّف في هذا المقال على طبيعة المشهد العام للطنطورة، والحياة الاقتصادية والتعليمية بإتاحة بعض المواد الرقمية.

الطنطورة: 1920-1930، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية.

الطنطورة: 1920-1930، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية.

“البحر حدّ البلد، يعيرها أصواته وألوانه، يلّفها بروائحه، نشمّها حتى في رائحة خبز الطابون.” هكذا استهّلت رضوى عاشور وصف قرية الطنطورة بعلاقتها الفريدة والراسخة مع البحر الأبيض بامتزاجها بخصائص البحر والبر. تقع قرية الطنطورة على ساحل البحر على بُعد 24 كيلو مترًا غرب مدينة حيفا، وتحيط بها العديد من البلدات والقرى العربية مثل: الفريديس، عين غزال، إجزم وجسر الزرقاء. وقبل العام 1948، قُدّرت مساحة أراضي الطنطورة أكثر من 12 ألف دونمًا، ووفقًا لإحصائيات السُّكان حتى العام 1945، كان في القرية ما يقارب الـ 1940 نسمة من العرب. (الخالدي، 1997). أمّا التسمية، فإنّ كلمة “طنطور” تعني المكان المرتفع قليلًا على هيئة قبعة مخروطية الشكل نوعًا ما، إذ تقع قرية الطنطورة على تل صغير وتظهر كشكل مخروطي. وسنتعرّف في هذا المقال على طبيعة المشهد العام للطنطورة، والحياة الاقتصادية والتعليمية بإتاحة بعض المواد الرقمية من صور وأخبار من موقع جرايد لأرشيف الصحف الفلسطينية القديمة.

الموقع الجغرافي والمشهد العام
تمتاز قرية الطنطورة بموقعها البارز المطل على ساحل البحر الأبيض، ويحاذي الشاطئ العديد من الجُزُر الصخرية والمُغُر، بالإضافة إلى انتصاف القرية الطريق بين مدينة حيفا ومدينة يافا؛ حيث كانت حلقة وصل للنشاطات التجارية بين المدينتين المركزيتيْن. وحينما أراد نابليون بونابرت احتلال مدينة عكا، مرّ بالطنطورة وجعل منها قاعدة عسكرية لجيوشه للزحف نحو المدينة، ولاحقًا استراحوا فيها بعد هزيمتهم على أسوار المدينة. بالإضافة إلى ذلك، أنشئت في الطنطورة محطة قطار لسكة الحديد قبل التوّجه لمدينة حيفا؛ إذ كان ميناء الطنطورة من موانئ الساحل التجارية الهامة.

اقرأ/ ي أيضًا: نابليون بونابرت: رسائل، خرائط وأراشيف رقمية من المكتبة الوطنية

خريطة توضيحية لموقع قرية الطنطورة والقرى والبلدات المحيطة
خريطة توضيحية لموقع قرية الطنطورة والقرى والبلدات المحيطة

 

مشهد جغرافي عام لصخور القرية المحاذية للشاطئ وعليها مجموعة من الصيّادين
مشهد جغرافي عام لصخور القرية المحاذية للشاطئ وعليها مجموعة من الصيّادين

النشاط الاقتصادي في الطنطورة

جعل موقع الطنطورة الاستراتيجي، كما أسلفنا، من القرية نقطة تجارية هامة للنقل التجاري البحري والبري؛ إذ حرصت على تصدير منتاجاتها من زراعة الحبوب مثل العدس والفول والسمسم والأشجار الثمرية مثل التين والرمان والتفاح والليمون، إلى جانب موسم البطيخ في الطنطورة الذي كان يُصدَّر إلى مدينتي حيفا، يافا، وغزة وكذلك مصر ولبنان.

واشتهرت الطنطورة كذلك بصيد الأسماك، إذ اهتمت القرية ومجلسها المحلي بطلب دعم الحكومة بتزويدها بقوارب صيد كي يزداد الإنتاج وبالتالي تقل أسعار البيع وتستطيع العائلات “المستورة” شراء السمك بأسعار معقولة، كما ورد في صحيفة الدفاع في العام 1943. كذلك ورد في صحيفة الدفاع في العام 1941، بأنّ دائرة مصائد الأسماك قد اهتمت بتزويد رخص قوارب لمئتي صيّاد لتشجيع حركة الصيد في منطقة حيفا وزيادة الإنتاج وبالتالي يتحسّن الدخل العام للقرية. وقد تمّيز صيادو الأسماك في الطنطورة بطريقة خاصة بهم في الصيد مما دفع حاكم اللواء بزيارة الطنطورة في موسم الصيد للتفرّج على هذه الطريقة. وقد وثّق الدكتور شكري العرّاف في كتابه “مصادر الاقتصاد الفلسطيني” منتوجات ومردودات إنتاج السمك في الطنطورة ومناطق عربية أخرى، وقد حرصت صحيفة الاتحاد بتقديم ملخصات لهذا الكتاب على مراحل في أعداد مختلفة من الصحيفة.

الدفاع: 4 أيّار 1943
الدفاع: 4 أيّار 1943

 

صحيفة الدفاع: 20 نيسان 1941
صحيفة الدفاع: 20 نيسان 1941

 

 

 

الدفاع: 30 نيسان 1943
الدفاع: 30 نيسان 1943

 

 

 

الاتحاد: 6 تموز 2000
الاتحاد: 6 تموز 2000

 


الحياة التعليمية

كانت الطنطورة مركزًا لأبناء وبنات القرى المجاورة؛ إذ بنيت مدرسة البنين في العام 1889 وقد كانت حتى الصف السابع، وبعد ذلك يقصد الطلبة مدارس حيفا المركزية وقد اهتم مجلس القرية بدفع المتفوقين لاستكمال تعليمهم وذلك بالتكفّل بتكاليف الدراسة للأول والثاني. بينما أُنشئت مدرسة للإناث في العام 1938، وكانت حتى الصف الرابع، ولمن أرادت استكمال تعليمها تتجه لمدارس الراهبات في حيفا أو الناصرة أو يافا. وفي العام 1942، فُرِض التعليم الإجباري على الذكور والإناث .  فيما استعدت الطنطورة لبناء مدرسة داخلية عالية لطلبة الطنطورة والقرى المحيطة كما ورد في صحيفة الاتحاد في العام 1941.

الدفاع: 29 تمّوز 1941
الدفاع: 29 تمّوز 1941

 

الدفاع: 31 آذار 1942
الدفاع: 31 آذار 1942

ختامًا، اعتُبرِت الطنطورة ذات مكانة هامة في العديد من الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية التي جعلت من اسم الطنطورة كما يقال “نارًا على علم”، وقد أصبحت في أيّامنا هذه عبارة عن منتزه كبير، والذي تم إنشاؤه في العام 1943 بعد تجفيف المستنقعات المائية الضارة وزراعة أشجار الكينا وأشجار حُرشية أخرى، بالإضافة إلى متحف.

الدفاع: 14 شباط 1943
الدفاع: 14 شباط 1943

تصفحوا مواد الطنطورة في أروقة المكتبة الرقمية

تلّة الذّخيرة – المعركة والميدان اليوم

لتخليد ذكرى المعركة، في "يوم القدس" الثّامن تمّ افتتاح موقعًا رسميًا في تلّة الذّخيرة يمكن زيارته لمشاهدة المخابئ والقنوات. تعرّفوا عن كثب على تلة الذخيرة والحرب التي جرت بين الأردن وإسرائيل هناك.

جنود اسرائيليّون يقلّون أسرى أردنيين معصوبي الأعين في العاشر من حزيران 1967، أرشيف دان هداني

في شمال القدس اليوم، يمرّ القطار الخفيف الّذي تمّ تشغيله رسميًا عام 2011، من محطّة جفعات هتحموشت، ومن يعتلي هذا القطار يوميًا يسمع هذا الاسم يتردّد بالتأكيد. لا يظهر الكثير للرّكاب من داخل القطار، فما يراه الرّاكب حوله من النّافذة يُشعره بأن هذه المنطقة ليست سوا مفترق طرقٍ كبير، يصل خطوط المواصلات ويربط غرب المدينة بشرقها وشمالها بجنوبها، إلّا أنّ الكثيرون لا يعلمون أنّهم يمرّون بجانب “مثلّث الموت” كما أسماه الجنود الّذين شاركوا في المعركة على القدس عام 1967 وهي ساحة لمعركة تلة الذّخيرة الشّرسة. تلك المعركة الحاسمة الّتي تقاتل فيها الجنود الأردنيّون مع اللّواء الخامس والخمسين من قوّات المظلّيين الإسرائيليّة، ومرّ من خلالها نجاح القوات الاسرائيليّة بالسّيطرة على القدس كاملة.

للتعرّف على معالم ساحة المعركة على القدس في حرب عام 1967 لا بدّ من التّطرّق إلى مآلات حرب عام 1948 في المنطقة، وكيف كانت تلّة جفعات هتحموشت تتربّع على منطقة مضطربة جغرافيّا في حين اندلاع الحرب الكبرى عام 1967، ممّا جعلها مسرحًا لهذه المعركة المفصليّة بين القوّات الأردنيّة والإسرائيليّة، والّتي وصفها البعض بالمعركة الأكثر دمويّة في تاريخ الحروب العربيّة-الإسرائيليّة على الإطلاق.

خارطة للقدس من إصدار ستيماتسكي عام 1955، تظهر تلّة الذّخيرة شمال غرب البلدة القديمة
خارطة للقدس من إصدار ستيماتسكي عام 1955، تظهر تلّة الذّخيرة شمال غرب البلدة القديمة

 

وفقًا لقرار التقسيم، كان يفترض أن تكون منطقة القدس تابعة لسيادة دوليّة، إلّا أن حرب عام 1948 أفضت لواقعٍ مختلف بدأ من عنده انقسام المدينة. فأصبح غربها بالكامل تحت السّيطرة الإسرائيليّة، وشرقها بمعظمه تحت السّيطرة الأردنيّة. وبهذا تم فصل جبل المشارف عن بقيّة الجزء الواقع تحت السّيطرة الإسرائيليّة في الغرب ومن هنا كان لا بدّ من استعادة الطّريق نحو الجبل في حرب 1967 من خلال احتلال تلّة الذّخيرة وجفعات همفتار أولًا.

أكاديميّة الشّرطة ومخازن الأونروا في تلّة الذّخيرة عام 1969 من خلف الحدود، أرشيف بن تسفي
أكاديميّة الشّرطة ومخازن الأونروا في تلّة الذّخيرة عام 1969 من خلف الحدود، أرشيف بن تسفي

 

بعد انضمام الأردن إلى الحرب وعمل جيشها تحت إمرة عربيّة موحّدة، كانت خطّة الجيش الإسرائيلي اقتحام التّلة من أجل الوصول إلى جبل المشارف، فبعد تأمين كلا الطّريقين بين القدس ورام الله والقدس وبيت لحم (تل الفول)، بقي تأمين الطريق نحو بلدة القدس القديمة. تلقّى لواء المظلّيين الخامس والخمسين الأمر بفتح الطّريق بين حيّ الشّيخ جرّاح وجبل المشارف وصولًا إلى متحف روكفلر، وبعد تردّدات حول التّوقيت الأنسب لشنّ الهجوم، بدأ جنود الوجدة بالتّقدّم في السّاعة الثّانية من صباح السّادس من حزيران، واندلعت هذه المعركة الّليليّة الّتي استمرّت لثلاث ساعات متواصلة.

اتّسمت معركة تلّة الذّخيرة بالدّمويّة وبالمواجهة المباشرة بين الجنود الأردنيّين والإسرائيليّين. فقد بدأ الجنود المظلّيين باقتحام أكاديميّة الشّرطة الّتي تمّ بنائها على يد الانتداب البريطاني وبقيت تحت السّيطرة الأردنيّة منذ تمكّنت منها عام 1948 وحتّى هذه اللّحظة من المعركة. وبعد أن تمّت السّيطرة عليها بسهولة بدأ الجنود بالتّحرك للهجوم على الحصن الأردني جنوب الأكاديميّة، ومنذ اللّحظة الأولى بدأ تبادل إطلاق النّيران بشراسة بين الجهتين. كان الحصن الأردنيّ محاط بالأسلاك الشّائكة وبحقول الألغام، كما أحيط من ثلاث جهات بقنوات حُفرت عميقًا ليطلق الجنود النّار من داخلها دون تعريض أجسادهم للخطر، بالإضافة إلى أنفاق ومنشئات بسيطة تحت الأرض أُعدّت للتّنقل الآمن بين أنحاء الحصن وربطه كذلك بناحية الأكاديميّة. بعد انضمام عناصر إضافيّة للمساعدة، تمكّن المقاتلون الإسرائيليّون من التّقدّم لمساحة كافية بحيث سمحت لهم مواقعهم بتفجير مخابئ المقاتلين الأردنيّين ممّا حسم نتيجة المعركة، وهكذا تمّت السّيطرة على تلّة الذّخيرة بالكامل بعد القضاء على السّرية الأردنيّة بأكملها تقريبًا، وسقوط أربعة وثلاثين جندي من القوّات الإسرائيلية.

قنوات تلّة الذّخيرة وتظهر خلفها بنايات حيّ رامات أشكول عام 1969، أرشيف بن تسفي
قنوات تلّة الذّخيرة وتظهر خلفها بنايات حيّ رامات أشكول عام 1969، أرشيف بن تسفي

 

لتخليد ذكرى المعركة، في “يوم القدس” الثّامن تمّ افتتاح موقعًا رسميًا في تلّة الذّخيرة يمكن زيارته لمشاهدة المخابئ والقنوات، بالإضافة إلى مبنى حديث بمثابة نصب تذكاري ليكون شاهدًا على معارك القدس بمجملها حيث تُعرض بعض الأسلحة والصّور والشّروحات، وفي ساحة الموقع تقوم الاحتفالات الرّسميّة بذكرى انتصار إسرائيل عام 1967، باعتبار هذا الموقع الأهم لثقل هذه المعركة وأثرها على بقيّة الحرب.

رسم لتصميم الموقع التّذكاري لتلّة الذّخيرة، 1987 أرشيف جيرشون تسيبور
رسم لتصميم الموقع التّذكاري لتلّة الذّخيرة، 1987 أرشيف جيرشون تسيبور

 

تصميم النّصب التّذكاري، أرشيف المهندس يعكوف جيفر
تصميم النّصب التّذكاري، أرشيف المهندس يعكوف جيفر

 

أراد الملك عبدالله في حرب 1948 الحفاظ على القدس بأي ثمن، ويقال أنه كلّم الضّباط الأردنيّين بنفسه قائلًا “القدس القدس، لآخر طلقة ولآخر رجل”، ويبدو أن هذه المقولة كانت تدوي كذلك بعد عشرين عامًا في نفوس الجنود الأردنييّن الّذين لقوا حتفهم في معركة جفعات هتحموشت أو تلّة الذّخيرة عام  1967 ويقدّر عددهم بثمانية وتسعين. وما زالت أرض المعركة إلى اليوم تكشف تفاصيلًا وقصّصًا مخبأة، ففي العام السّابق على سبيل المثال، وجدت بقايا رفات ومتعلّقات لجندي أردني منها خنجر وساعة يد وخوذة. ولا بدّ أن تلّة الذّخيرة الّتي احتفظ اسمها بطابعها الحربيّ، ما زالت تخبّئ المزيد من القصص والتّفاصيل الدّفينة لمعركة شديدة الدّمويّة وكبيرة الأثر.

جنود إسرائيليّون مع صورة للملك حسين في القدس، العاشر من حزيران 1967، أرشيف دان هداني
جنود إسرائيليّون مع صورة للملك حسين في القدس، العاشر من حزيران 1967، أرشيف دان هداني