بِنو روتنبرغ مصور في جبهة الحرب

صور بِنو روتنبيرغ في معارك عام الـ 1948 ضمن مجموعات صور المكتبة الوطنية.

نقل مجموعة من السكان العرب من قرية الطنطورة إلى الأردن بإشراف الأمم المتحدة والصليب الأحمر، 1948

نقل مجموعة من السكان العرب من قرية الطنطورة إلى الأردن بإشراف الأمم المتحدة والصليب الأحمر، 1948

ثمة عشرات الصور التي يتداولها الناس اليوم حول معارك عام 1948، مشاهد الدمار والبيوت المهدمة، مشاهد اللاجئين والراحلين، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن معظم هذه الصور قد التقطها مصور واحد، وهو المصور بِنو روتنبرغ والذي تجول في عشرات القرى والمدن حينها ووثّق المعارك كما لم يفعل أحد.

روتنبرغ الذي ولد في فرانكفورت في ألمانيا عام 1914 انتقل ليعيش في البلاد عام 1933 تعرف على اثنين من قيادة الحركة الصهيونية حينها، إسحاق سدي مؤسس قوات الصاعقة الصهيونية، ويجئال ألون جنرال عسكري في الهاجاناة سيصير لاحقاً قائد أركان الجيش الإسرائيلي. علاقة بنو روتنبرغ مع الاثنين ستكون مدخلاً له للتواجد في عشرات المواقع والأحداث المميزة ربما يكون الأكثر أهمية هو تواجده على الجبهات الأكثر تقدماً في معارك عام 1948.

تواجد بنو روتنبرغ على جبهة يافا وتل أبيب والتقطت عشرات الصور من القرى المحيطة كأبو كبير وغيرها، كما تواجد في الطنطورة والتقط صوراً نادرة حينها لا تزال مرجعاً للباحثين والمهتمين حتى اليوم.

نقل مجموعة من السكان العرب من قرية الطنطورة إلى الأردن بإشراف الأمم المتحدة والصليب الأحمر، 1948
نقل مجموعة من السكان العرب من قرية الطنطورة إلى الأردن بإشراف الأمم المتحدة والصليب الأحمر، 1948

 

كانت الطنطورة منطقة واحدة من بين عشرات المواقع والجبهات المهمة التي تواجد بها روتنبرغ، ففي حي أبو كبير في يافا سيلتقط عشرات الصور المهمة من لحظة المعارك، كما ستوثق عدسته الدمار الذي سيلحق بالحي لتكون صوره مادة حية حول ما حدث هناك.

سكنة أبو كبير وهي بيد العرب خلال حرب عام 1948.
سكنة أبو كبير وهي بيد العرب خلال حرب عام 1948.

ستكمل عدسة روتنبرغ التوثيق في أبو كبير، يبنا، العباسية، قرى الشمال والجنوب، قرى وادي عارة، الناصرة، حيفا، عكا، والقدس، وعشرات القرى والمدن أخرى. عشرات القضايا والملفات، سيتواجد ضمن الاتفاقيات والمعاهدات اللاحقة، كاتفاقية إخلاء قرية عراق السويدان، قضايا العرب المتبقين في البلاد، والذين سيشكلون نواة المجتمع العربي اليوم.

مجموعة من الأطفال يمتطون جملاً في وادي عارة، أيار 1949
مجموعة من الأطفال يمتطون جملاً في وادي عارة، أيار 1949

من ضمن القضايا ستكون ضمن اهتمام روتنبرغ: انتخابات الكنيست الإسرائيلية الأولى والتي شارك فيها العرب، المناسبات الثقافية والاجتماعية العربية وعشرات الصور التي توثق الحياة اليومية في البلاد. هذا لا يعني بأن روتنبرغ لم يصوّر المجتمع الإسرائيلي، روتنبرغ كان مهتمًا جداً بالآثار، بالمواقع التاريخية، وبتحوّلات البلاد خلال سنينها وعليه فإنّ توثيقه للمجتمع الإسرائيلي أيضاً لا يقل أهمية عن توثيقه للمجتمع والبلاد العربية.


طالع
/ي أيضًا: انتخابات إسرائيل في الصور والجرائد ومنشورات الدعايات الانتخابية

 

أول انتخابات للكنيست الإسرائيلية، 25 كانون الثاني 1949
أول انتخابات للكنيست الإسرائيلية، 25 كانون الثاني 1949

 

في 13 آذار 2012 توفي المصوّر الإسرائيلي بِنو روتنبرغ عن عمر يناهز 97 عاماً، مختتماً بذلك مسيرة عمل تمتد لأكثر من 60 عاماً في عالم التصوير، تاركاً لنا في ختامها إرثاً ضخماً يزيد عن 48 ألف صورة توثق عشرات المدن والقرى في بلادنا والعالم. يمكنكم الآن الاطلاع على كافة الصور في أرشيف روتنبيرغ.

طالع/ي أيضًا: مجموعات الصور في المكتبة الوطنية.

 

موهبة لا يمكن تقليدها: عازف القانون يوسف زعرور

كان يوسف زعرور موسيقيًا وعازفًا للقانون، عمل موسيقيًا في إذاعة أوركسترا بغداد، وقد منحته موهبته العظيمة نجاحًا في البلاد.

يوسف زعرور في المؤتمر العالمي للموسيقى العربيّة في القاهرة 1932

بقلم: راحيل جولدبيرغ

في أحد الأيام، خلال أحد التّمرينات في أوركسترا المقام العراقي في سلطة الإذاعة الإسرائيليّة، لاحظ عازف القانون يوسف زعرور عازفًا للقانون من زملائه، أفراهام سلمان، يجلس خارج الغرفة ويحاول تقليد تقنيّة زعرور المذهلة في العزف على الآلة. اقترب منه زعرور وقال مازحًا “ما الّذي تفعله؟ تقلّد عزفي؟ تقلّدني؟” أراد زعرور من المزحة أن يخفّف من حدّة التّوتر الحاصل كلّما أراد تلميذًا أن يجاري أستاذه. في النّهاية، لقد عرف زعرور سلمان منذ أيامهم في العراق، حين كان زعرور مديرًا فنّيا في أوركسترا إذاعة بغداد. كان زعرور يدعم الموسيقيين الموهوبين من الشّباب دومًا، بالذّات هؤلاء الّذين أتوا من الجالية اليهوديّة، وكان أفراهام سلمان من هؤلاء.

أوركسترا إذاعة بغداد، 1936
أوركسترا إذاعة بغداد، 1936

 

وُلد يوسف زعرور عام 1902 لعائلة ثريّة في بغداد. أظهر موهبة موسيقيّة منذ صغره، وفي سن الثامنة عشر اقتنى لنفسه قانونه الأوّل، كما عزف على الكمان والتشيللو. في العام 1932، شارك مع مجموعة من زملائه الموسيقيين العراقيين (كلهم يهود) في أول مؤتمر عالمي للموسيقى العربيّة في القاهرة. تجدون تسجيل نادر من هذا الحدث في مجموعات المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة. في المقطوعة الخامسة تسمعون عزف زعرور الجميل على القانون، وهي مقطوعة تقسيم على المقام العراقي “بنجكاه” على القانون. لشدّة تمرّسه وجمال موهبته، حصل زعرور على ميداليّة وحصد المركز الأوّل في هذا المؤتمر. لاحقًا، انضمّ زعرور إلى راديو بغداد عام 1936، وبعد خمس سنوات، عُيّن مديرًا فنّيًا في الإذاعة وبقي في هذه الوظيفة حتّى هاجر إلى البلاد عام 1951، وأثناء عمله في إذاعة بغداد، دعم زعرور العديد من الموسيقيين اليهود منهم المغنّي سليم شوات، ألبيرت الياس، أفراهام داوود، أفراهام سلمان، داوود أكرم، حقي عوفاديا، المغني صالح الشلبي وغيرهم كُثر.

أوركسترا إذاعة بغداد، 1938
أوركسترا إذاعة بغداد، 1938

لم يدفع زعرور الموسيقيين اليهود قدمًا وحسب، فحين أتى إليه المغني العراقي ناظم الغزالي إلى تجربة أداء غنّى أغنية مصريّة، فطلب منه زعرور أن يغنّي أغنيّة عراقيّة، مؤكّدًا على أن الغناء العراقي سيليق بأدائه أكثر، وبعد انتهاء تجربة الأداء أثنى زعرور على أداء الغزالي وتنبأ له بمستقبل عظيم وهو ما كان بالفعل. خلال سنوات عمله في راديو بغداد، لحّن زعرور ألحانًا مشهورة عديدة وعمل مع كبار المطربين العرب في ذلك الوقت، من الموسيقار الكبير محمّد عبدالوهاب إلى مطربة العالم العربي أم كلثوم. وبالرّغم من شدّة الطّلب عليه، إلّا أنّه كموظّف حكومي قدّم عروضًا خاصّة لعدد قليل من الشّخصيّات، منها الملك فيصل ملك العراق ورئيس الوزراء نوري السّعيد.

عازف الكمان الشّهير سامي الشّوّا عام 1931 في سينيما رويال في بغداد برفقة يوسف زعرور أما القانون وعيزرا أهارون عزّوري على العود
عازف الكمان الشّهير سامي الشّوّا عام 1931 في سينيما رويال في بغداد برفقة يوسف زعرور أما القانون وعيزرا أهارون عزّوري على العود.

أدّى مجيء زعرور إلى البلاد إلى تراجع ملحوظ في مكانته الفنّية، فتحوّل من إدارة الفنّانين والأوركسترا إلى العزف في الحفلات الخاصّة وأفراح الجالية العراقيّة اليهودية في البلاد. وبالرّغم من افتقاد الوقار الّذي تمتّع به في العراق فإنّه لم يتوقّف عن البحث عن المواهب وضمّها إليه. تقول عائلته، أنّه كلّما عُرض عليه العزف في احتفال عائليّ كان يسأل أصحاب الاحتفال عمّا إذا أرادوا عازف عود إلى جانبه، وكانوا دائمًا ما يرفضون الاقتراح لأنّهم يريدون سماع عزفه هو فقط، إلّا أنّهم تقديرًا لموهبته العظيمة كانوا يدفعون كما لو كانوا يستأجرون أوركسترا بأكملها.

 

مؤتمر الموسيقى العربيّة في القاهرة عام 1932 حين فاز زعرور بالمركز الأوّل
مؤتمر الموسيقى العربيّة في القاهرة عام 1932 حين فاز زعرور بالمركز الأوّل

جلبت له موهبته العظيمة نجاحًا مجدّدًا في البلاد وأسّس أوركسترا المقام البغدادي كجزء من الأوركسترا العربيّة في سلطة الإذاعة الإسرائيليّة، ومع ذلك كان عليه أن يقاتل للحصول على مكان بين الموسيقيين الّذين نجحوا هنا، وبعضهم كان قد قدّم دعمه لهم في السابق في العراق. العديد من تسجيلات زعرور من هذه الفترة تجدونها في مجموعات المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

 

يوسف زعرور في بيته عام 1966
يوسف زعرور في بيته عام 1966

إن القصّة الّتي بدأنا بها هذه المقالة تظهر التّحدّيات من أجل النّجاح ما بين المهاجرين القدامى والجدد وموهبة يوسف زعرور النّادرة. وقد حاول العديد من الموسيقيّون أن يصلوا إلى هذا المستوى من التمرّس، منهم حفيده عازف القانون دافيد ريغيف زعرور، الذي يقول أنّه يحاول أن يعزف مثل جدّه، وأنّه يتمنّى أن يتمكّن من ذلك يومًا ما.

من نَعَتّم بالـ “شلوحيين”؟

يستخدم العديد من الناس الكلمة الازدرائية "شلوح" لوصف شخص مُهمل ورَث الهيئة. هي كلمة ازدرائية نَعت بها سكان المدن الكبرى في المغرب أهالي القرى؟

أبناء قبيلة محلية في جبال الأطلس، 1955

أبناء قبيلة محلية في جبال الأطلس، 1955

بقلم: حن ملول

تبلورت فكرة المقالة قبل عدة سنوات، عندما سألت جدتي عن عدد اللغات التي تجيدها. يصعب تحديد ذلك، لأنّها تجيد عدة لهجات عربية (إلى جانب الفرنسية والإسبانية)، ولكنّها صبّت جل اهتمامها في إحدى اللغات: الشلحية، أو كما سميت بالأصل، تشلحيت. أخبرتني جدتي لديسيا بأنّها تعلمت هذه اللغة لتتواصل مع حماتها، التي لم تكن تتحدث سوى التشلحيت.  اقترن اسم اللغة مباشرة في ذهني بالكلمة الازدرائية الشائعة في البلاد “شلوح”- أي الشخص المُهمل ورث الهيئة.

تناولت إحدى مقالاتنا السابقة  اللقب المهين والمضلل الذي نُعت به سكان مدينة تشيلم في بولندا، ونتناول في هذه المقالة الشلوحيين. أولًا، إن لم تعرفوا من قبل مصدر المصطلح “شلوح”، إنّها كلمة ازدرائية تعود أصولها إلى المغرب، وعلى غرار “التشيلميم” مواليد بولندا أو “الحورانيين” مواليد سوريا، فإنّ كلمة “شلوح” هو لقب مهين نُسب لمجتمع كامل.

يهود من منطقة جبال الأطلس في مطلع القرن الـ 20. المصدر Jewish Encyclopedia
يهود من منطقة جبال الأطلس في مطلع القرن الـ 20. 

 

على غرار اللغة العربية متعددة اللهجات المحلية، فإنّ لغة الشلوحيين، تشلحيت، هي واحدة من اللغات الأمازيغية المحكية الثلاث متعددة اللهجات في المغرب. اللغتان الأخريان هما التمازيغت- الأمازيغية المعيارية ولهجة الريف.

يعيش الشلوحيون، موضوع هذه المقالة، في جنوب غرب المغرب، في نحو ألف قرية تربطها علاقة تجارية. قطنت هذه المنطقة أكبر جالية يهودية من يهود المغرب الذين جاوروا الأمازيغ.

الشهادات الأولى على الحياة المشتركة بين اليهود والأمازيغ في المغرب تعود إلى القرن الثالث للميلاد، ولكن التقاليد الشفوية ليهود جنوب المغرب تفيد بحضور اليهود إلى المنطقة في فترة الهيكل الأول، أي في القرن الـ 11 قبل الميلاد. إنّها على ما يبدو محاولة لدحض النظرية بأنّ يهود المنطقة هم من أصول أمازيغية وأنّهم اعتنقوا اليهودية في القرون الأولى بعد الميلاد. ينفي يهود المغرب الادعاء بأنّهم في الأصل أمازيغ اعتنقوا اليهودية-بل يعتبرون أنفسهم نسل جنود الملك داود وقائدهم وزير الجيش يوآف بن تسرويا، والذين لاحقوا الفلستيين حتى شمال أفريقيا.

بسبب القرب الجغرافي بين اليهود والشلوحيين- تطورت علاقات وثيقة وودية بين المجموعات السكانية المختلفة. ليس صدفة إذًا أن يتبنى يهود المنطقة لهجة التشلحيت وأن يتحدثوها. ما زال اليهود الذين سكنوا في هذه المجتمعات المحلية يقتبسون ويذكرون العديد من أمثال وأغاني وعادات جيرانهم الأمازيغ. الغالبية العظمى من هؤلاء اليهود قدموا إلى إسرائيل في الهجرة الكبرى في مطلع الخمسينات، قبل استقلال المغرب.

اعتاش الشلوحيون، ومعظمهم قرويون، على الزراعة. أما اليهود، فقد كانوا من أهل الذمة، وبالتالي، لم يكن يسمح لهم بحيازة أملاك. لذلك، كانوا بالأساس تجارًا اعتادوا التنقل في مجموعات صغيرة بين قراهم والقرى المجاورة لبيع بضائعهم وتقديم خدماتهم.  موّل البعض منهم المبادرات الزراعية لجيرانهم الأمازيغ بواسطة شراء البذور من أجلهم. وفي موسم الحصاد، كان المستثمرون اليهود يحصلون على ثلاثة أرباع المحصول الزراعي.

على مدار أكثر من أربعة عقود، التقى بروفسور يوسف شطريت بأشخاص يهود وأمازيغ جاوروا بعضهم بعضًا. في مقالته حول القرب والتباعد بين هذين المجتمعين، يشير إلى أنّه حتى بعد مرور عدة عقود، ما زال الجيران الشلوحيون يذكرون بعض العبارات العبرية، ابتداءً من “بروطيم” (مال) وحتى مشروب الحياة- الكلمة اليهودية-المغربية لمشروب العرق. خلال الفترة الطويلة التي عاشوا فيها جنبًا إلى جنب، عُرف اليهود كتجار أذكياء ومحنكين، وخُلّدوا في العديد من الأمثال الأمازيغية، مثل: اليهود في السوق كالملح في العجين.

سوق في المغرب، من مجموعات بيتمونا 
سوق في المغرب، من مجموعات بيتمونا

 

امرأة شلوحية من جنوب المغرب
امرأة شلوحية من جنوب المغرب

 

لم يتشارك اليهود وجيرانهم الشلوحيون مصادر المعيشة فحسب. فقد انضم الأمازيغ إلى يهود المنطقة في زياراتهم إلى قبور القديسين اليهود في مواسم الحجيج (الهيلولاه)؛ وكانوا يبيعون العجول والأغنام للمشاركين في مواسم الحجيج، بالإضافة إلى الفواكه والخضار. كان المعالجون اليهود يحظون بزيارات جيرانهم الشلوحيين في أوقات متقاربة، وقد استخدموا تمائمهم وعصائرهم بدون أي خوف.

في الأفراح أيضًا، كما في الأحزان، كان لليهود والشلوحيين عادات مشتركة، بل وتعاونوا أيضًا في أداء الرقصات والأغاني في المناسبات العامة. مع أنّ اليهود امتنعوا عن المشاركة في عادات أمازيغية متعلقة بالعقيدة الإسلامية، إلا أنّ كلّ من المجموعتين كانت تعرف جيدًا تقويم المجموعة الأخرى. إلى جانب تهنئة الجيران بالأعياد أو التمني لهم بصيام سهل، فإنّ أعياد ومناسبات هذين المجتمعين شكلت فرصة اقتصادية ذهبية: كان الشلوحيون يبيعون محاصيلهم الزراعية لليهود قبل دخول السبت وعشية الأعياد، ومن ضمنها القَصَب لبناء العرائش، بينما كانت النساء اليهوديات يُحكن ملابس جديدة لمناسبة الأعياد الإسلامية.

برز التعاون بين اليهود والمسلمين بشكل خاص قبل احتفال الميمونة. خلال العيد، كان اليهود يقدمون هدية لمعارفهم المسلمين، وقد شملت: مصّة، فطيرة وأحيانًا يخنة اللحم، بالمقابل، كان المسلمون يقدّمون لليهود الحليب، العسل، البيض والطحين، أي مستلزمات الميمونة.

 

صورة لشابة يهودية من جبال الأطلس على غلاف صحيفة "لافنير إيلوستريه" بعنوان: "دراستنا عن أحياء الملاح"، 19 آذار 1931. لقراءة المقالة، انقروا على الصورة
صورة لشابة يهودية من جبال الأطلس على غلاف صحيفة “لافنير إيلوستريه” بعنوان: “دراستنا عن أحياء الملاح”، 19 آذار 1931.

 

كيف إذًا ارتبط اسم “الشلوحيين”، هذه المجموعة المتنوعة والنشطة، بكلمة ازدرائية تعني شخص مهمل وغير جدير بالثقة؟ القادمون من المغرب هم من جلبوا هذا اللقب المهين، والذي يسيء للمسلمين ولليهود القرويين.

في سنة 1931، نشرت الصحيفة اليهودية الناطقة بالفرنسية “لافنير إيلوستريه” (L’Avenir illustré)، بالعبرية: المستقبل المصور، مقالة لتشارلز أبي حصيرة من مدينة الرباط في ملحق “إسرائيل الشابة”-  Jeune Israël . يكتب أبي حصيرة عن المهاجرين اليهود القرويين الذين ملأوا مدينته وينعت أحدهم بـ “شلوح”. الشخص الموصوف بهذا اللقب المهين في مقالة أبي حصيرة هو مسن يهودي يعتاش على التبرعات وبفضل السياح الذين يدفعون له مبلغًا بسيطًا ليلتقط لهم الصور. الشيء الثاني الذي يزعج “أبي حصيرة” هو حقيقة أنّ “الشلوح” كان يتسول أيام السبت، ويخرق قوانين الديانة اليهودية.

أبي حصيرة، الممثل الشاب ليهود المغرب الغربيين، يميّز نفسه عن هذا “الشلوح”، الذي يصوّره كشخص قذر وسلبي، لا يجيد العربية أو الفرنسية، بل الأمازيغية فقط. فهو يفعل ذلك بالفرنسية، في ملحق “إسرائيل الشابة” الذي كان يقرأه الفتيان والفتيات اليهود في المغرب الذين تعلموا الفرنسية في مدارس الإليانس، أجادوا اللغة الفرنسية وكانوا أكثر ارتباطًا بالقيم الغربية الأوروبية من القيم التقليدية في المغرب.

لم يبتكر أبي حصيرة لقب “شلوح” لنعت القرويين بالطبع، ولكنه استخدمه ليميز نفسه ومجتمعه عن المهاجرين من المناطق القروية. تجدر الإشارة إلى أنّ الاسم “بربر” يوحي بالسلبية، وأنّه اسم غريب عن البربر أنفسهم الذين يسمّون أنفسهم “أمازيغ” وتعني الإنسان الحر. يعود الاسم “بربر” إلى الكلمة الازدرائية الذي استخدمها اليونانيون القدماء لكل من لم يتكلم اليونانية (بحيث يعود الاسم بربر الذي نعرفه إلىβάρβαρος,.

 

"السواح في حي الملاح في الرباط"، لقراءة المقالة، انقروا على الصورة
“السواح في حي الملاح في الرباط”

على الرغم من محاولة الشاب أبي حصيرة والكثيرين غيره من اليهود أبناء المدن المغربية التميز عن اليهود الناطقين بالأمازيغية، تجدر الإشارة إلى أنّه قبيل مغادرة اليهود للمغرب، كان نصف سكان الدولة (المسلمين واليهود) يتحدثون الأمازيغية كلغتهم الأولى أو الثانية. بعد استقلال المغرب والتعليم الرسمي الذي اتبع فيها، انخفض هذا العدد إلى 30 بالمئة. تحدث معظم اليهود الناطقين بالأمازيغية بلهجة تشلحيت، وبالنسبة للبعض منهم (في منطقة تفنوت مثلًا، في أعالي سهل سوس)، كانت التشلحيت لغتهم الأم، على الأقل حتى الاحتلال الفرنسي للبلاد. بفضل الحماية الفرنسية على المغرب، والتي أنشأت شبكة طرق ربطت يهود القرى بالمدن الكبرى، تبلورت حركة هجرة من القرى. نشأ عن اللقاء بين أهالي المدن وأهالي القرى هذا اللقب المهين.

علاقة الجوار المركبة بين اليهود وجيرانهم الشلوحيين هي جزء لا يتجزأ من قصة القادمين من المغرب، وهو بالطبع جزء مهم من تاريخ المغرب. لم تسكن هاتان المجموعتان بجوار بعضهما بعضًا على مدار مئات وربما آلاف السنين فحسب، بل تشاركتا أيضًا عقائد وعادات، مثل تمجيد القديسين، الطب الشعبي ومخزون كامل من الأغاني الأمازيغية، الرقصات الشعبية والحِكم والأمثال. لذلك، فإنّ ازدراء الثقافة الشلوحية وإلغاءها- والذي بدأ في المغرب- يعتبر إساءة لجزء كبير من ثقافة يهود شمال أفريقيا.

في الوقت الحالي، وعلى الرغم من العلاقات المركبة والحساسة بين المجموعات المختلفة، فإنّ اليهود والأمازيغ يستذكرون ماضيهم المشترك بحنين. مغادرة اليهود للمغرب تركت أثرًا سلبيًا لسنوات طويلة على الاقتصادي القروي للأمازيغ والشلوحيين. قبل توطيد العلاقات الرسمية وغير الرسمية بين إسرائيل والمغرب، تعزز الحنين إلى هذه الشراكة، وانعكس ذلك في إضفاء المثالية على واقع اليهود في قراهم وبلداتهم الأصلية في المغرب. الآن، في أعقاب تسهيل السفر إلى المغرب، فإنّ الإسرائيليين المنحدرين من أصول مغربية يستطيعون معاودة زيارة هذه القرى وإعادة بناء العلاقات التي نُسجت بين آبائهم والأمازيغ على مدار عدة أجيال.

 

نتقدم بجزيل الشكر لبروفسور يوسف شطريت ود. دافيد غادج على مساهمتهما في كتابة المقالة.

 

لمزيد من المراجع

Joseph Yossi Chetrit, Intimacy, Cooperation and Ambivalence: Social, Economic and Cultural Interaction between Jews and Berbes in Morocco, European Judaism, Volume 52, No. 2, 2019: pp. 18-30

Joseph Yossi Chetrit, ” Judeo-Berber in Morocco” in: Languages in Jewish Communities, Past and Present, Edited by Benjamin Hary & Sarah Bunin Benor (De Gruyter, 2018)

David Guedj, “Jeune Israel”: Multiple Modernities of Jewish Childhood and Youth in Morocco in the First Half of the Twentieth Century, Jewish Quarterly Review, Volume 112, Number 2, 2022, pp. 316-343

דוד גדג’, דיוקנאות, ארץ־ישראל והקהילות היהודיות במרוקו: המסרים החזותיים בעיתון L’Avenir Illustré, מרכז יד בן-צבי

 

السامريون في مدينة نابلس

مجموعة صور حول الحياة الدينية والاجتماعية للطائفة السامرية في نابلس من أرشيف أرنون دانتشو في مجموعات صور المكتبة الوطنية

عشية عيد الأسابيع، 2016، أرشيف أرنون دانتشو، المكتبة الوطنية

عشية عيد الأسابيع، 2016، أرشيف أرنون دانتشو، المكتبة الوطنية

تعتبر الطائفة السامرية أصغر الطوائف في العالم وهي موجودة في مدينة نابلس على جبل جرزيم تحديدًا وحولون جنوب مدينة تل أبيب. السامريون في نابلس يتشابهون جدًا مع أغلبية سكان المدينة هناك في طقوسهم الاجتماعية بالذات، ولكن بدايةً، كيف وصل السامريون إلى مدينة نابلس؟
بعد خروجهم من مصر  بقيادة يوشع بن نون، دخلوا فلسطين حتى وصلوا جبل جرزيم وأقاموا هناك، وعندما احتل نبوخذ نصّر البلاد، سبى العديد منهم حتى أًصبحوا أقليّة فيما بعد. ويعتقد السامريّون أنّهم الوحيدون من بني إسرائيل “الأنقياء”؛ إذ لم يختلطوا مع باقي المجتمعات منها اليهودية، وهم ينسبون أنفسهم إلى نسل النبي يوسف. (ميلز، 1860)

أمّا اسم الطائفة بـ “السامرية”، اختلفت الآراء حول التسمية، منهم من أكّد أنها مشتقة من كلمة “السامرة” أو “شومرون” بالعبرية، وهي عاصمة القبائل التي خرجت من مصر واستقّرت في هذه المنطقة، بينما ورد في بعض المصادر والتي يؤكدها أبناء الطائفة أن “السامري” هو الحارس أو المحافظ؛ ويؤمن السامريّون أنّهم حافظوا على شريعة النبي موسى أكثر من اليهود، وقد وردت هذه التسمية كذلك في العهد الجديد مع حكاية المرأة السامرية مع السيد المسيح. وفي مقالنا هذا سنتطرق لبعض الصور الرقمية في المكتبة الوطنية التي تعكس الحياة الاجتماعية والدينية للطائفة السامرية في نابلس من خمسينيّات القرن الماضي حتى السنوات الأخيرة من الألفية الثانية.

بعد حرب العام 1948، عانى السامريّون كغيرهم من أهل البلاد؛ إذ بقي البعض منهم في جبل جرزيم، فيما بقيت باقي الطائفة في حولون، وكان الذهاب للحج في جبل جرزيم؛ إذ يعتبر السامريّون أنّ جبل جرزيم هو الجبل المقدّس المذكور في التوراة وليست تلة موريا في القدس. الصور أدناه من حدود بوابة مندلباوم على خط التماس في القدس لسامريين يعبرون للضفة الغربية بقيادة الحكومة الأردنية آنذاك.

صور القدس: المسجد الأقصى، أبواب القدس، طريق الآلام، أحياء القدس

 

سامريون يلتقون عند بوابة مندلباوم قبل عيد الفصح، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية.
سامريون يلتقون عند بوابة مندلباوم قبل عيد الفصح، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية.

 

سامريون عند بوابة بوابة مندلباوم متجهين لجبل جرزيم قبل عيد الفصح، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية.
سامريون عند بوابة بوابة مندلباوم متجهين لجبل جرزيم قبل عيد الفصح، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية.

 

صعود السامريين على جبل جرزيم عشية عيد الأسابيع، 2016، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية
صعود السامريين على جبل جرزيم عشية عيد الأسابيع، 2016، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية

 

عيد الأسابيع، 2016، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية
عيد الأسابيع، 2016، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية

للمزيد حول الأعياد اليهودية باللغة العربية في مجموعات المكتبة الوطنية.

وكما يظهر في الصور السابقة وبعض الصور التالية أنّ السامريين يتميّزون بلباسهم التقليدي وتحديدًا في أيام السبت والأعياد الدينية؛ إذ يلبس الصغار والكبار الجبات والطرابيش ذات اللون الأحمر.

 أطفال في داخل عريشة في عيد العُرُش، 2007، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية
أطفال في داخل عريشة في عيد العُرُش، 2007، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية

أمّا طقوس الزفاف والأفراح لدي السامريين، فهي شبيهة إلى حدًّ كبير للطقوس الشعبية التقليدية في مدينة نابلس، والتي تبدأ من الخطبة والتي يجتمع فيها الرجال بانفراد عن النساءـ والتي يظهر بعضها في حفل الحنّاء العربي، أو كما اجتماع عقد القران لدى المسلمين…

حفل خطوبة لأحد أبناء الطائفة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية.
حفل خطوبة لأحد أبناء الطائفة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية.

 

حفل حناء لدى الطائفة السامرية، 2018، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية
حفل حناء لدى الطائفة السامرية، 2018، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية

 

 

حفل سهرة الشباب للطائفة السامرية، 2018، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية
حفل سهرة الشباب للطائفة السامرية، 2018، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية

اقرأ/ي أيضًا: هاتوا هالحنا هاتوا…صور طقوس العرس الفلسطيني

والطائفة السامرية تلتزم بختان الذكور في اليوم الثامن وفقًا للشريعة اليهودية واتباعًا لأوامر النبي إبراهيم، ويكون الختان كحفل تقيمه العائلة ويجتمع فيه الناس للمباركة.

حفل ختان لأحد أبناء الطائفة السامرية، 2018، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية.
حفل ختان لأحد أبناء الطائفة السامرية، 2018، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية.

ونختم المقال بصورة اجتماعية في مناسبة دينية محضة وهي مولد النبي موسى، وعلى الرغم منّ أنّ المناسبة دينية إلا الصورة – وصور أخرى في ذات الألبوم – تظهر تجمّع لعدد من الرجال وكأنها مناسبة اجتماعية أو حفل عائلي.

مولد النبي موسى، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية.
مولد النبي موسى، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون، المكتبة الوطنية.