موهبة لا يمكن تقليدها: عازف القانون يوسف زعرور

كان يوسف زعرور موسيقيًا وعازفًا للقانون، عمل موسيقيًا في إذاعة أوركسترا بغداد، وقد منحته موهبته العظيمة نجاحًا في البلاد.

يوسف زعرور في المؤتمر العالمي للموسيقى العربيّة في القاهرة 1932

بقلم: راحيل جولدبيرغ

في أحد الأيام، خلال أحد التّمرينات في أوركسترا المقام العراقي في سلطة الإذاعة الإسرائيليّة، لاحظ عازف القانون يوسف زعرور عازفًا للقانون من زملائه، أفراهام سلمان، يجلس خارج الغرفة ويحاول تقليد تقنيّة زعرور المذهلة في العزف على الآلة. اقترب منه زعرور وقال مازحًا “ما الّذي تفعله؟ تقلّد عزفي؟ تقلّدني؟” أراد زعرور من المزحة أن يخفّف من حدّة التّوتر الحاصل كلّما أراد تلميذًا أن يجاري أستاذه. في النّهاية، لقد عرف زعرور سلمان منذ أيامهم في العراق، حين كان زعرور مديرًا فنّيا في أوركسترا إذاعة بغداد. كان زعرور يدعم الموسيقيين الموهوبين من الشّباب دومًا، بالذّات هؤلاء الّذين أتوا من الجالية اليهوديّة، وكان أفراهام سلمان من هؤلاء.

أوركسترا إذاعة بغداد، 1936
أوركسترا إذاعة بغداد، 1936

 

وُلد يوسف زعرور عام 1902 لعائلة ثريّة في بغداد. أظهر موهبة موسيقيّة منذ صغره، وفي سن الثامنة عشر اقتنى لنفسه قانونه الأوّل، كما عزف على الكمان والتشيللو. في العام 1932، شارك مع مجموعة من زملائه الموسيقيين العراقيين (كلهم يهود) في أول مؤتمر عالمي للموسيقى العربيّة في القاهرة. تجدون تسجيل نادر من هذا الحدث في مجموعات المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة. في المقطوعة الخامسة تسمعون عزف زعرور الجميل على القانون، وهي مقطوعة تقسيم على المقام العراقي “بنجكاه” على القانون. لشدّة تمرّسه وجمال موهبته، حصل زعرور على ميداليّة وحصد المركز الأوّل في هذا المؤتمر. لاحقًا، انضمّ زعرور إلى راديو بغداد عام 1936، وبعد خمس سنوات، عُيّن مديرًا فنّيًا في الإذاعة وبقي في هذه الوظيفة حتّى هاجر إلى البلاد عام 1951، وأثناء عمله في إذاعة بغداد، دعم زعرور العديد من الموسيقيين اليهود منهم المغنّي سليم شوات، ألبيرت الياس، أفراهام داوود، أفراهام سلمان، داوود أكرم، حقي عوفاديا، المغني صالح الشلبي وغيرهم كُثر.

أوركسترا إذاعة بغداد، 1938
أوركسترا إذاعة بغداد، 1938

لم يدفع زعرور الموسيقيين اليهود قدمًا وحسب، فحين أتى إليه المغني العراقي ناظم الغزالي إلى تجربة أداء غنّى أغنية مصريّة، فطلب منه زعرور أن يغنّي أغنيّة عراقيّة، مؤكّدًا على أن الغناء العراقي سيليق بأدائه أكثر، وبعد انتهاء تجربة الأداء أثنى زعرور على أداء الغزالي وتنبأ له بمستقبل عظيم وهو ما كان بالفعل. خلال سنوات عمله في راديو بغداد، لحّن زعرور ألحانًا مشهورة عديدة وعمل مع كبار المطربين العرب في ذلك الوقت، من الموسيقار الكبير محمّد عبدالوهاب إلى مطربة العالم العربي أم كلثوم. وبالرّغم من شدّة الطّلب عليه، إلّا أنّه كموظّف حكومي قدّم عروضًا خاصّة لعدد قليل من الشّخصيّات، منها الملك فيصل ملك العراق ورئيس الوزراء نوري السّعيد.

عازف الكمان الشّهير سامي الشّوّا عام 1931 في سينيما رويال في بغداد برفقة يوسف زعرور أما القانون وعيزرا أهارون عزّوري على العود
عازف الكمان الشّهير سامي الشّوّا عام 1931 في سينيما رويال في بغداد برفقة يوسف زعرور أما القانون وعيزرا أهارون عزّوري على العود.

أدّى مجيء زعرور إلى البلاد إلى تراجع ملحوظ في مكانته الفنّية، فتحوّل من إدارة الفنّانين والأوركسترا إلى العزف في الحفلات الخاصّة وأفراح الجالية العراقيّة اليهودية في البلاد. وبالرّغم من افتقاد الوقار الّذي تمتّع به في العراق فإنّه لم يتوقّف عن البحث عن المواهب وضمّها إليه. تقول عائلته، أنّه كلّما عُرض عليه العزف في احتفال عائليّ كان يسأل أصحاب الاحتفال عمّا إذا أرادوا عازف عود إلى جانبه، وكانوا دائمًا ما يرفضون الاقتراح لأنّهم يريدون سماع عزفه هو فقط، إلّا أنّهم تقديرًا لموهبته العظيمة كانوا يدفعون كما لو كانوا يستأجرون أوركسترا بأكملها.

 

مؤتمر الموسيقى العربيّة في القاهرة عام 1932 حين فاز زعرور بالمركز الأوّل
مؤتمر الموسيقى العربيّة في القاهرة عام 1932 حين فاز زعرور بالمركز الأوّل

جلبت له موهبته العظيمة نجاحًا مجدّدًا في البلاد وأسّس أوركسترا المقام البغدادي كجزء من الأوركسترا العربيّة في سلطة الإذاعة الإسرائيليّة، ومع ذلك كان عليه أن يقاتل للحصول على مكان بين الموسيقيين الّذين نجحوا هنا، وبعضهم كان قد قدّم دعمه لهم في السابق في العراق. العديد من تسجيلات زعرور من هذه الفترة تجدونها في مجموعات المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

 

يوسف زعرور في بيته عام 1966
يوسف زعرور في بيته عام 1966

إن القصّة الّتي بدأنا بها هذه المقالة تظهر التّحدّيات من أجل النّجاح ما بين المهاجرين القدامى والجدد وموهبة يوسف زعرور النّادرة. وقد حاول العديد من الموسيقيّون أن يصلوا إلى هذا المستوى من التمرّس، منهم حفيده عازف القانون دافيد ريغيف زعرور، الذي يقول أنّه يحاول أن يعزف مثل جدّه، وأنّه يتمنّى أن يتمكّن من ذلك يومًا ما.