زلفة السعدي: فنانة تشكيلية في المجلس الإسلامي الأعلى

زلفة السعدي: فنانة تشكيلية مقدسية عرضت رسوماتها ومنتجاتها في المعرض العربي في المجلس الإسلامي الأعلى في ثلاثينيّات القرن الماضي.

صحيفة الاتحاد في 9 تشرين أول 1998

صحيفة الاتحاد في 9 تشرين أول 1998

في المعرض العربي الذي أقيم في المجلس الإسلامي الأعلى في شارع مأمن الله (ماميلا) في القدس، كانت الفنانة زلفة السعدي تعرض في جناح فلسطين رسوماتها الزيتية ومنتجاتها التطريزية، وقد ولدت الفنانة زلفة السعدي (1905-1988) في مدينة القدس في البلدة القديمة بالقرب من باب السلسلة، أحد أبواب المسجد الأقصى.

المعرض العربي في المجلس الإسلامي الأعلى

خلال الفترة الانتدابية على فلسطين، نشطت حركة المعارض الفنية بدعم من الإرساليات الأجنبية في المدارس التبشيرية، وكانت المعارض عبارة عن عرض صور لمصورين محليين، منتجات يدوية لعدد من الحرفيين والمتاجر، ولاحقًا ضُمّت اللوحات الزيتية في فن التصوير والذي عُرف بفن الأيقونغرافي، وكانت لوحات الفنانة زلفة السعدي المرسومة بالزيت قد لاقت استحسان الجمهور الفلسطيني وغير الفلسطيني؛ إذ قدّمت السعدي حينها معرضًا منفردًا في جناح فلسطين؛ وعرضت فيه لوحاتها وأعمالها اليدوية من التطريز. (بُلاطة، 2011)

فن الأيقونغرافي

قام الفنان كمال بلاطة، ابن مدينة القدس، بتحضير دراسة عن الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر بعنوان “استحضار المكان: دراسة في الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر” باحثًا حول بداية وتاريخ الفن التشكيلي الفلسطيني. وقد قدّم لجمهور القراء والباحثين جانبًا فنيًّا عن الفنانة زلفة السعدي؛ إذ ورد في كتابه أنّ السعدي اعتمدت في رسماتها على محاكاة الصور، وبالتالي كانت من السبّاقات في فن اللوحات المصوّرة المعروف بالأيقونغرافي، والذي اُعتُبِر فنًّا “مستحدثًا” في التعبير وقد ساهم في تأريخ الوجه الثقافي الفلسطيني في ذلك الوقت. (بلاطة، 2011)

اقرأ/ي أيضًا: الحياة والأزياء التقليدية في مسيرة خليل رعد

بالإضافة إلى ذلك، أضافت زلفة السعدي لرسماتها صورًا لشخصيات تاريخية دينية ووطنية مثل المفكر جمال الدين الأفغاني، عمر المختار، وأحمد شوقي محاكية ظروف التصوير في تلك الفترة والتي كانت معتمدة على صور شخصيات باللباس التقليدي الديني والمجتمعي. بالرغم من أنّ المعارض الفنية كانت ضمن النشاطات الممولة من الإرساليات الأجنبية، إلا أنّ الفنانة زلفة السعدي استبدلت في لوحاتها التصويرية الأحرف اللاتينية واليونانية بأحرف اللغة العربية.

رسم شخصية أحمد شوقي، 1930، بريشة زلفة السعدي
رسم شخصية أحمد شوقي، 1930، بريشة زلفة السعدي من كتاب استحضار المكان لكمال بلاطة

 

 

رسم شخصية الملك فيصل الأول، 1930، بريشة زلفة السعدي من كتاب استحضار المكان لكمال بلاطة
رسم شخصية الملك فيصل الأول، 1930، بريشة زلفة السعدي من كتاب استحضار المكان لكمال بلاطة



“وقائع اكتشاف فنانة”

نشرت صحيفة الاتحاد في 9 تشرين أول 1998 وقائع اكتشاف الفنانة زلفة السعدي من قبل الفنان إسماعيل شمّوط. خلال بحث الفنان إسماعيل شمّوط عن الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية، اصطدم برسومات للفنانة زلفة السعدي عندما قام شاب وشابة بتسليمه ما تبّقى من رسوماتها، إلى جانب دفتر الزيارات الخاصة بالمعرض العربي والذي أقيم في المجلس الإسلامي الأعلى. ورد في دفتر الزيارات أن شركة المعرض العربي بفلسطين المحدودة قد رعت مجموعة من الأجنحة والأقسام لمنتجات زراعية صناعية وفنية، وقد كان هناك جناحًا للفنانة زلفة السعدي باسم “جناح فلسطين“، بالإضافة إلى ذلك، ورد في الدفتر إشادة الاقتصادي ورجل الأعمال ومدير بنك الأمة العربية آنذاك أحمد حلمي عبد الباقي، إذ كتب على الدفتر: “وإنه ليسرنا أن نرى الآنسات والسيدات العربيات في الطليعة من هذه الفئة العاملة… زرت قسم الأشغال اليدوية في المعرض العربي الأول التي تعرض فيه الآنسة زلفى ]زلفة[ السعدي صنع أناملها وآثار عبقريتها وبحثت المعروضات وأمعنت النظر فيها فملأت قلبي بهجة وحبورًا ونفسي إعجابا.” ووفقًا لما ذُكِر في هذا الدفتر، فقد مُنِحت زلفة السعدي، شهادة من الدرجة الأولى بناءً على قرار لجنة التحكيم الخاصة بالمعرض.

صحيفة الاتحاد في 9 تشرين أول 1998
صحيفة الاتحاد في 9 تشرين أول 1998

وقد وُصِفت صورها أو رسوماتها بأنّها صورًا ناطقة وذلك لشدة دقتها ووضوحها، وقد عبّر شمّوط عن ذلك بأنّه على الرغم من السعدي تتلمذت على يد نقولا الصايغ، عميد المعلمين والحرفين في القدس في الفن الأيقوني، إلا أنّ دقة رسوماتها للأشخاص والطبيعة والنباتات، تعكس وتبيّن أن الفنانة لم تكن تلميذة أو حتى هاوية بل هي فنّانة متمّرسة.

رسم شخصية أحمد شوقي، 1930، بريشة زلفة السعدي من كتاب استحضار المكان لكمال بلاطة
رسم شخصية عمر المختار، 1930، بريشة زلفة السعدي من كتاب استحضار المكان لكمال بلاطة

تزوجت زلفة السعدي عام 1938 من السيد سيف الدين الدجاني وهو فنان تشكيلي كذلك، وبعد حرب الـ 1948، هاجرت السعدي وزوجها إلى دمشق وهناك أصبحت معلمة للفنون ومديرة مدرسة اللد التابعة لوكالة الغوث (الأنوروا). غادرت زلفة السعدي مدينة القدس مع عدد قليل جدًا من لوحاتها الزيتية، وعلى ما يبدو أنّها لم تعد تمارس الرسم كمهنة بعد الحرب.