بقلم: شارون كوهين
إن فكرة تخصيص الميزانيات لطلبة العلم فكرة مألوفة لدى معظمنا، لكن جذور هذه الفكرة في الديانة اليهودية قديمة وتسمى باتفاقية يَساكار وزبولون. ظهر هذا الاتفاق في سفر التكوين وفيه حدث تحالف بين شخصين – أحدهما لديه المال والآخر طالب ذكي ولكنه فقير؛ الرجل الغني يدعم الطالب الذكي مادياً ويسمح له باستثمار وقته في دراسة التوراة. في المقابل، يُعتبر صاحب المال شريكًا للطالب الذكي في أداء فريضة دراسة التوراة.
ظهرت هذه الممارسة عبر التاريخ بأشكال مختلفة؛ أحدها هو الحالوكاه أو أموال التقسيمة – مصطلح من فترة اليشوف القديم في فلسطين العثمانيّة يشير إلى الحسابات التي كانت تدار على يد يهود الشتات من أجل المستوطنين اليهود في البلاد.
كان سكان اليشوف القديم يمثّلون الشعب اليهودي كله، واعتبر مكوثهم في البلاد عملًا يقرّب الخلاص. لذلك، شعر يهود الشتات بنوع من الالتزام بدعمهم والاهتمام باحتياجاتهم. كانت الأموال التي تم جمعها مخصصة في المقام الأول للفقراء من العلماء الذين كرّسوا حياتهم للصلاة ولدراسة التوراة، وكان يهود اليشوف يذكرون المتبرعين في صلاتهم ويدعون لهم.
مثال على ذلك، الملصق التالي والذي يُظهر الصلاة بمناسبة عيد الميلاد المائة للسيد موشيه مونتفيوري الذي جمع الكثير من الأموال لسكّان اليشوف القديم. كُتبت الصفحة وطُبعت في مطبعة الحاخام يوئيل موشيه شالامان، وطُبع اسم مونتيفيوري بالحبر الذهبي.
تطوّر جمع أموال التقسيمة وتنظيمها في القرن السابع عشر، عندما عرّف حاخامات البلاد أموال التقسيمة كفرض على يهود الشتات وليست صدقة فقط. كانت إحدى الطرق الشائعة لجمع الأموال من خلال تركيب الحصّالة النقدية “الحاخام مئير صاحب المعجزة” في الكُنُس والبيوت، وقُسّمت الأموال التي تم جمعها على المستوطنين اليهود في البلاد، ومن هنا جاء اسم “أموال التقسيم”.
بدأت المشكلة عندما لم يتفق المستوطنون على حساب التّقسيمة، نشأت الخلافات بين الطائفة السفاردية والطائفة الأشكنازية في القدس حول توزيع أموال التقسيمة عندما قرّر السفارديون أن تٌعطى للقادة والعلماء، بينما قرّر الأشكنازيّون تقسيم الأموال وفقًا لمعادلة تم بموجبها تخصيص الثلث للمحتاجين، والثلث للعلماء والثلث للمؤسسات العامة.
على أثر هذه النّزاعات، غادر معظم الأشكنازيين القدس وانتقلوا إلى طبريا وصفد والخليل خلال القرن السابع عشر، ومنذ ذلك الحين، تم إرسال أموال التقسيمة إلى “المدن المقدسة الأربع” وهي القدس والخليل وطبريا وصفد. وفي العام 1786، قررت المجتمعات الأوروبية إنشاء “لجنة الكتّاب والمفوّضين” التي اهتمّت بتنسيق جمع الأموال وتوزيعها بشكلٍ منظّم.
طالع/ي أيضًا: صفحات عناوين المدن التاريخية
حتى بداية الهجرات الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر كان أهالي اليشوف القديم يعتمدون بشكل تام على أموال التقسيمة لتسيير حياتهم. عملت منظمات وشخصيات يهودية من جميع أنحاء الوجود اليهودي في العالم من الاستيطان القديم، ومن بين أهدافهم كان التأثير على ثقافته، مثل المنظمة اليهودية الفرنسية “كل أصدقاء إسرائيل”، والمتبرعين من عائلة روتشيلد، ورؤساء الجاليات من إنجلترا وعلى رأسهم موشيه مونتفيوري، كما ذكرنا سابقًا، وعائلة ساسون من بغداد ومومباي وغيرهم. يعتقد الباحث موشيه سمت إلى أن نمو الاستيطان القديم وازدهاره كان مخيّبًا لهذا السبب بالتحديد – لأن المستوطنين القدامى لم يتمكنوا من إعالة أنفسهم واعتمدوا على الدعم المستمر من يهود الشتات.
إعلان خاص نشره موشيه بويمغارتن المقيم في القدس عام 1872 في صحيفة هابزالت.
في هذا الإعلان، يحتج السيّد على احتمال توقيف حصوله وعائلته على حصّتهم المعتادة من أموال التقسيمة بسبب افتتاحه لبيت مدراش (مقرّ علم ديني) بالقرب من منزله. وبحسبه، فقد تم تحذيره من أنه إذا لم يغلق البيت “مدراش”، فسوف يتوقف عن تلقي حصته من أموال التقسيمة خوفًا من أن يلجأ إلى جاليات يهودية في الخارج طلبًا لدعم البيت مدراش والتسبب بضرر للأموال المحوّلة إلى نظام التقسيمة.
وفقًا لأهالي الشتات حينها، كان من الأفضل تشجيع المستوطنين القدامى على العمل لكسب قوتهم بأنفسهم حتى يتمكنوا من العيش في البلاد باكتفاء ذاتي وبدون احتياج لتبرّعات من أي نوع. تبنّى هذا التوجّه ودعّمه العديد من المهاجرين الصّهيونيّين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والذين رأوا أن نظام التّقسيمة يتعارض مع اعتقادهم بأن على الاستيطان اليهودي في البلاد أن يقوم على أسس اقتصادية سليمة.
بحلول نهاية القرن التاسع عشر، كانت قد بدأت فكرة التقسيمة بالتّلاشي. اليوم، بقي استخدام صناديق التمويل في الخارج تحت إدارة الوكالة اليهودية ومنظمات إضافيّة، إلّا انّ هذه الأموال غير موجّهة إلى مواطني إسرائيل مباشرة، إنّما لدعم المنظّمات وأعمالها، ممّا يصبّ في المصلحة الجماعيّة للشعب اليهودي والإسرائيلي.