أموال الحالوكاه أو التقسيمة – كيف عاش يهود اليشوف القديم؟

اليشوف القديم مصطلح عبري، ويُقصد به السكان اليهود في البلاد قبل الهجرات الصّهيونيّة، واعتاش هذا المجتمع على أموال التبرعات من يهود العالم. فما "الحالوكاه".

باب الخليل في القدس، نهاية القرن ال 19

باب الخليل في القدس، نهاية القرن ال 19

بقلم: شارون كوهين

إن فكرة تخصيص الميزانيات لطلبة العلم فكرة مألوفة لدى معظمنا، لكن جذور هذه الفكرة في الديانة اليهودية قديمة وتسمى باتفاقية يَساكار وزبولون. ظهر هذا الاتفاق في سفر التكوين وفيه حدث تحالف بين شخصين – أحدهما لديه المال والآخر طالب ذكي ولكنه فقير؛ الرجل الغني يدعم الطالب الذكي مادياً ويسمح له باستثمار وقته في دراسة التوراة. في المقابل، يُعتبر صاحب المال شريكًا للطالب الذكي في أداء فريضة دراسة التوراة.

ظهرت هذه الممارسة عبر التاريخ بأشكال مختلفة؛ أحدها هو الحالوكاه أو أموال التقسيمة – مصطلح من فترة اليشوف القديم في فلسطين العثمانيّة يشير إلى الحسابات التي كانت تدار على يد يهود الشتات من أجل المستوطنين اليهود في البلاد.

كان سكان اليشوف القديم يمثّلون الشعب اليهودي كله، واعتبر مكوثهم في البلاد عملًا يقرّب الخلاص. لذلك، شعر يهود الشتات بنوع من الالتزام بدعمهم والاهتمام باحتياجاتهم. كانت الأموال التي تم جمعها مخصصة في المقام الأول للفقراء من العلماء الذين كرّسوا حياتهم للصلاة ولدراسة التوراة، وكان يهود اليشوف يذكرون المتبرعين في صلاتهم ويدعون لهم.

مثال على ذلك، الملصق التالي والذي يُظهر الصلاة بمناسبة عيد الميلاد المائة للسيد موشيه مونتفيوري الذي جمع الكثير من الأموال لسكّان اليشوف القديم. كُتبت الصفحة وطُبعت في مطبعة الحاخام يوئيل موشيه شالامان، وطُبع اسم مونتيفيوري بالحبر الذهبي.

 

ملصق "صلاة لموشيه" من مجموعة الأفيمرا، المكتبة الوطنية.
ملصق “صلاة لموشيه” من مجموعة الأفيمرا، المكتبة الوطنية.

تطوّر جمع أموال التقسيمة وتنظيمها في القرن السابع عشر، عندما عرّف حاخامات البلاد أموال التقسيمة كفرض على يهود الشتات  وليست صدقة فقط. كانت إحدى الطرق الشائعة لجمع الأموال من خلال تركيب الحصّالة النقدية “الحاخام مئير صاحب المعجزة” في الكُنُس والبيوت، وقُسّمت الأموال التي تم جمعها على المستوطنين اليهود في البلاد، ومن هنا جاء اسم “أموال التقسيم”.

بدأت المشكلة عندما لم يتفق المستوطنون على حساب التّقسيمة، نشأت الخلافات بين الطائفة السفاردية والطائفة الأشكنازية في القدس حول توزيع أموال التقسيمة عندما قرّر السفارديون أن تٌعطى للقادة والعلماء، بينما قرّر الأشكنازيّون تقسيم الأموال وفقًا لمعادلة تم بموجبها تخصيص الثلث للمحتاجين، والثلث للعلماء والثلث للمؤسسات العامة.

على أثر هذه النّزاعات، غادر معظم الأشكنازيين القدس وانتقلوا إلى طبريا وصفد والخليل خلال القرن السابع عشر، ومنذ ذلك الحين، تم إرسال أموال التقسيمة إلى “المدن المقدسة الأربع” وهي القدس والخليل وطبريا وصفد. وفي العام 1786، قررت المجتمعات الأوروبية إنشاء “لجنة الكتّاب والمفوّضين” التي اهتمّت بتنسيق جمع الأموال وتوزيعها بشكلٍ منظّم.

طالع/ي أيضًا: صفحات عناوين المدن التاريخية

حتى بداية الهجرات الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر كان أهالي اليشوف القديم يعتمدون بشكل تام على أموال التقسيمة لتسيير حياتهم. عملت منظمات وشخصيات يهودية من جميع أنحاء الوجود اليهودي في العالم من الاستيطان القديم، ومن بين أهدافهم كان التأثير على ثقافته، مثل المنظمة اليهودية الفرنسية “كل أصدقاء إسرائيل”، والمتبرعين من عائلة روتشيلد، ورؤساء الجاليات من إنجلترا وعلى رأسهم موشيه مونتفيوري، كما ذكرنا سابقًا، وعائلة ساسون من بغداد ومومباي وغيرهم. يعتقد  الباحث موشيه سمت إلى أن نمو الاستيطان القديم وازدهاره كان مخيّبًا لهذا السبب بالتحديد – لأن المستوطنين القدامى لم يتمكنوا من إعالة أنفسهم واعتمدوا على الدعم المستمر من يهود الشتات.

إعلان خاص نشره موشيه بويمغارتن المقيم في القدس عام 1872 في صحيفة هابزالت.

في هذا الإعلان، يحتج السيّد على احتمال توقيف حصوله وعائلته على حصّتهم المعتادة من أموال التقسيمة بسبب افتتاحه لبيت مدراش (مقرّ علم ديني) بالقرب من منزله. وبحسبه، فقد تم تحذيره من أنه إذا لم يغلق البيت “مدراش”، فسوف يتوقف عن تلقي حصته من أموال التقسيمة خوفًا من أن يلجأ إلى جاليات يهودية في الخارج طلبًا لدعم البيت مدراش والتسبب بضرر للأموال المحوّلة إلى نظام التقسيمة.

 

الإعلان عام 1872، مجموعة الصحافة التاريخيّة في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة
الإعلان عام 1871، مجموعة الصحافة التاريخيّة في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة

وفقًا لأهالي الشتات حينها، كان من الأفضل تشجيع المستوطنين القدامى على العمل لكسب قوتهم بأنفسهم حتى يتمكنوا من العيش في البلاد باكتفاء ذاتي وبدون احتياج لتبرّعات من أي نوع. تبنّى هذا التوجّه ودعّمه العديد من المهاجرين الصّهيونيّين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والذين رأوا أن نظام التّقسيمة يتعارض مع اعتقادهم بأن على الاستيطان اليهودي في البلاد أن يقوم على أسس اقتصادية سليمة.

بحلول نهاية القرن التاسع عشر، كانت قد بدأت فكرة التقسيمة بالتّلاشي. اليوم، بقي استخدام صناديق التمويل في الخارج تحت إدارة الوكالة اليهودية ومنظمات إضافيّة، إلّا انّ هذه الأموال غير موجّهة إلى مواطني إسرائيل مباشرة، إنّما لدعم المنظّمات وأعمالها، ممّا يصبّ في المصلحة الجماعيّة للشعب اليهودي والإسرائيلي.

الحجاج الألمان الذي التقطوا للبلاد صورًا بألوان طبيعية

مجموعة بطاقات بريدية صدرت في ميونخ في عام 1932 تستعرض صورًا للأماكن المقدسة واليشوف العبري الناشئ، وذلك قبل صعود النازيين إلى سدة الحكم بأقل من سنة.

باب الخليل

باب الخليل

تُرجِم عن: حِن مَلول

إلى جانب عشرات آلاف الكتب التي تصل المكتبة الوطنية سنويًا، نتلقى أيضًا عشرات ومئات القطع التاريخية الإضافية: ألبومات صور، ملصقات، رسائل، وفي أحيان متباعدة – صناديق سريّة من الورق المقوى. يظهر على أحد الصناديق، والتي تم التبرّع بها مؤخرًا من مكتبة حانا ويورام هريئيل، وصف بالألمانية يعطي رمزًا أوليًا لمحتوى الصندوق، وجاء فيه: “الأرض المقدسة، 126 بطاقة بريدية بألوان طبيعية. برايس وشركاؤه، ميونخ”.

عند فتح الصندوق نكتشف المحتوى المرتقب: عشرات البطاقات البريدية تستعرض صورًا مختلفة لمشاهد طبيعية من البلاد، خارطتين لفلسطين (شمالًا وجنوبًا)، خارطة للقدس وكراسة باللغة الألمانية. إذا تأملنا البطاقات عميقًا، نكتشف أنّ الصور فيها ليس بألوان عادية، وأنّ الوصف “ألوان طبيعية” يرمز إلى البطاقات البريدية التي أنتجت بتقنية التلوين الضوئي.

شاب بدوي
شاب بدوي

 

مشاهد طبيعية من الأرض المقدسة

بعد مرور عقدين من الزمن على إنتاج أول صورة فوتوغرافية في عام 1880، قام طابِعٌ سويسري يُدعى أوريل فوسلي ( (Orell Füssli  بتطوير تقنية أخرى لإنتاج صور ملونة، سميّت بتقنية التلوين الضوئي. خلافًا للتصوير بالألوان، الذي يلتقط الألوان الطبيعية لمحتوى الصورة، فإنّ التلوين الضوئي هو تقنية قائمة على إعادة الطباعة بالألوان لصورة بالأبيض والأسود. الابتكار الذي طرحه فوسلي هو استخدام تقنية ينتج فيها اللون بواسطة الطباعة الحجرية- وهي طريقة طباعة قائمة منذ قرون.

للمفارقة، فـأنّ تقنية التلوين الضوئي التي طورها فوسلي، وكان الغرض من ورائها التعويض عن النقص في الصور الملونة الموثوقة وغير والمكلفة، أسفرت عن وضعًا معاكسًا: في حال عدم إعطاء الطابعين تعليمات واضحة ودقيقة بخصوص الألوان الأصلية في الصورة المطلوب تلوينها، كانوا يستعينون بخيالهم ومنطقهم لإنتاج الصور.

هذا هو حال عدد كبير من ألبومات التلوين الضوئي، حيث تكون العلاقة بين الألوان الطبيعية لمحتوى الصورة والألوان التي أضيفت إليها محض الصدفة في كثير من الأحيان. ولكن في البطاقات التي أمامنا، يبدو أنّ شركة Uvachrom التي أصدرتها عملت جاهدة للاقتراب قدر الإمكان من الواقع المصوّر.

عند قراءة الكراسة المرفقة، تتضح أمامنا خلفية الموضوع. الصور المشمولة في المجموعة، وعددها 126، التقطت أثناء “رحلة ربيعية إلى الأراضي المقدسة في عام 1931″، قبل طباعة البطاقات في ميونخ بعام واحد. الشعار الكاثوليكي لمدينة القدس الظاهر على صفحة الغلاف ، وجملة “بمباركة الراعي الأكبر” Mit oberhirtlicher Druckgenehmigung)) الظاهرة في الصفحة التالية يدلان على الدافع وراء إصدار البطاقات البريدية. يرجّح أنّ مجموعة البطاقات أصدرت من أجل الجمهور الألماني الكاثوليكي، وطبت بموافقة أسقف كبير، ربما الباب بنفسه.

 

صور الأراضي المقدسة


صور من الأراضي المقدسة

ولكن لا تدعوا هذه الحقيقة تضللكم، فعلى الرغم من التمثيل الكبير للأماكن المقدسة للمسيحيين في مجموعة البطاقات هذه (بما في ذلك كنيسة رقاد السيدة العذراء التي أقيمت بعد زيارة القيصر الألماني فيلهلم الثاني إلى الأراضي المقدسة)، يستعرض عددٌ كبيرٌ من البطاقات تقدّم المشروع الصهيوني في البلاد- على سبيل المثال، الجامعة العبرية، المكتبة الوطنية في مقرها السابق في جبل المشارف، ضريح الحاخام ميئير في طبريا ومحطة توليد الكهرباء الذي أقامها بنحاس روتينبيرغ.

ضريح الحاخام ميئير في طبريا
ضريح الحاخام ميئير في طبريا

80 بطاقة من أصل بطاقات المجموعة الـ 126 حُفظت في الصندوق الأصلي. أما البقية، فيبدو أنّ أصحاب مجموعة البطاقات أرسلوها للأصدقاء والعائلة. يقودنا ذلك إلى طرح السؤال الحتمي التالي: لمن أعدّت المجموعة؟ هوية المالك الأصلي للمجموعة مجهولة بالنسبة لنا، ولكن الإجابة عن السؤال حول الزبائن المحتملين لهذه المجموعة وردت في الكراسة المرفقة، حيث جاء أنّ المجموعة هي “تذكار لكل من تسنى له رؤية البلاد بأم عينه، وفرصة للآخرين لتأمل جمال البلاد”.

تحتوى الكراسة المكونة من 67 صفحة على معلومات كثيرة عن الأراضي المقدسة: معلومات عانة عن التضاريس، النقص الدائم في المياه، تاريخ الصهيونية واللغة العبرية، تناول موضوع القدس بشكل معمق بما في ذلك الحرم القدسي الشريف وحائط المبكى، بالإضافة إلى المراحل الحياتية المختلفة للسيد المسيح في القدس وفي البلاد كلها. تحتوى الكراسة أيضًا على رسم تخطيطي لباحة الحرم القدسي الشريف.

تكمن في تاريخ إصدار مجموعة البطاقات أهمية تاريخية كبيرة. صدرت المجموعة في ميونخ في ألمانيا، في عام 1932. بعد مرور أقل من عام، تحديدًا في كانون الثاني 1933، عيّن هتلر مستشارًا لألمانيا.

 

كنيس يوحنان بن زكاي في القدس
كنيس يوحنان بن زكاي في القدس

 

الحي اليهودي في القدس
الحي اليهودي في القدس

 

أطفال القدس يتلذذون بتناول برتقال أرض إسرائيل
أطفال القدس يتلذذون بتناول برتقال أرض إسرائيل

 

ضريح الحاخام عاكيفا
ضريح الحاخام عاكيفا

 

قبر راحيل
قبر راحيل

 

"مكتبة الجامعة اليهودية" هي المكتبة الأولى في مقرها الأصلي في جبل المشارف
“مكتبة الجامعة اليهودية” هي المكتبة الأولى في مقرها الأصلي في جبل المشارف

 

الجامعة العبرية
الجامعة العبرية

 

قبة الصخرة
قبة الصخرة

 

ساهم في كتابة المقالة د. ستيفان ليط، أمين مجموعة العلوم الإنسانية في المكتبة الوطنية

 

حكاية لم تنتهِ بعد: عن أرشيف سلمان ناطور الرّقمي

كنز من المواد الجماهيريّة والشّخصيّة الخاصّة بالأديب الرّاحل سلمان ناطور سيصبح متاحًا عمّا قريب على موقع المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة. تعرّفوا على الأرشيف وصاحبه في هذه المقالة.

سلمان ناطور في مكتبه

“قد لا تعني أحدًا تفاصيل سيرتنا الذّاتيّة لأننّا نعيش مثل غيرنا وسنموت مثلهم. لكن لأنّنا وُلدنا بعد الحرب الأولى فقد صرنا شهادة تاريخيّة”.

سلمان ناطور

وُلد سلمان ناطور لعائلة درزيّة في دالية الكرمل جنوب حيفا عام 1949. في أواخر السّتينيّات، التحق بجامعة حيفا لدراسة الفلسفة، وبدأ مساره الأدبي ونشاطه السّياسي الّذي استمر إلى آخر حياته.

في بداية مساره انضمّ سلمان ناطور إلى أطر ونشاطات سياسيّة متنوّعة، فانضمّ إلى الحزب الشّيوعي الإسرائيلي، ولجنة المبادرة العربيّة الدّرزيّة، كما عمل في بداية الثّمانينيّات في حركة التّضامن مع أهالي الجولان في إضرابهم واحتجاجهم على ضمّ الجولان لإسرائيل.

طالع/ي أيضًا:
هضبة الجولان

عمل خلال هذه الفترة كمحرّرًا لقسم الثّقافة في جريدة الاتّحاد في مدينة حيفا وحرّر مجلّة “الجديد” للأدب والفنّ وكتب المقالات السّاخرة في مجلّة “المهماز”. وترك في أعداد هذه الدّوريّات المئات من مقالات الرأي والقصص القصيرة والنّصوص المتنوّعة.

لمقالات سلمان ناطور في أرشيف جرايد

شغل سلمان ناطور أيضًا مناصب إداريّة في عددٍ من المؤسّسات العربيّة في إسرائيل منها الثّقافيّة والحقوقيّة منها جمعيّة تطوير الموسيقى العربيّة ومركز إعلام للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل ومركز عدالة ومركز مساواة لحقوق المواطنين العرب ومعهد إميل توما للدّراسات الفلسطينيّة الإسرائيليّة. كما شارك في محافل ومبادرات ثقافيّة فلسطينيّة عديدة.

قصّة لسلمان ناطور من جريدة الاتّحاد في تاريخ 18 آب عام 1978، أرشيف جرايد الرّقمي
قصّة لسلمان ناطور من جريدة الاتّحاد في تاريخ 18 آب عام 1978، أرشيف جرايد الرّقمي

 

اهتمّ سلمان ناطور بالتّعرف على الثّقافة الإسرائيليّة وعلى المجتمع الإسرائيلي فأجرى العديد من المقابلات والمراسلات والنّقاشات مع كتّاب عبرييّن وكان من مؤسّسي اتّحاد المبدعين الإسرائيليّين والفلسطينيّين ضد الاحتلال.

كتب سلمان ناطور الشّعر والنّصوص السّاخرة والرّواية، والمقالة الصّحافيّة والتّاريخ الشّفوي والخواطر والانطباعات والدراسات، كما شارك في كتابة جزء من “وثائق الرؤية المستقبليّة للعرب الفلسطينيّين في إسرائيل“. وترك أكثر من ثلاثين مؤلّفًا وترجم عددًا من المؤلّفات العبريّة إلى اللّغة العربيّة.


أرشيف سلمان ناطور في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

سلمان ناطور وزوجته يلتقطان صورة ذاتيّة في سنوات الثّمانينيّات، أرشيف سلمان ناطور

سلمان ناطور وزوجته يلتقطان صورة ذاتيّة في سنوات الثّمانينات، أرشيف سلمان ناطور
سلمان ناطور وزوجته يلتقطان صورة ذاتيّة في سنوات الثّمانينات، أرشيف سلمان ناطور

توصّلت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة إلى موافقة من عائلة الأديب والرّوائي الرّاحل سلمان ناطور من أجل أرشفة نسخة رقميّة عن أرشيفه الشّخصي وإتاحته إلى جمهور المهتمّين والباحثين على موقعها، وقد تمّ تصنيف المواد وفهرستها وهي في مرحلة المسح الرّقمي الآن، وبعد ذلك سيتمّ إتاحتها عن بُعد.

يتكوّن أرشيف سلمان ناطور من حوالي تسعة آلاف مادّة تحتوي على نصوص أدبية، مقالات، مسوّدات بخط اليد، مراسلات شخصيّة ورسميّة، صور فوتوغرافية وتذكاريّة، وثائق متنوّعة، وثائق وقُصاصات من عمله الجماهيري والسياسي، قُصاصات صحافية، فيديوهات وأشرطة تسجيليّة، وقد استغرقت عمليّة الفهرسة أكثر من ستّة أشهر، وعمّا قريب سيكون معظمها في متناول أيديكم.


المرحلة الأولى – النّشاط الجماهيري والسّياسي والعمل الصّحافي

يمكّننا أرشيف سلمان ناطور من تقسيم نشاطه الأدبي وحياته إلى مرحلتين مختلفتين من حيث انشغالاته واهتماماته، وينعكس هذا التّقسيم بالنّظر إلى عناوين مؤلّفاته وآثاره المنشورة أيضًا. فتبدأ المرحلة الأولى بدراسة الفلسفة في الجامعة العبريّة وثمّ في حيفا، في هذه الفترة طالب سلمان ناطور التسريح المبكّر من الخدمة العسكريّة واستبدالها بالخدمة المدنيّة في سلك التّربية والتعليم، إلّا أن طلبه قوبل بالرّفض ومع ذلك رفض ناطور الاستمرار بالخدمة العسكريّةـ وعلى أثر ذلك عوقب بالسّجن لمدّة ستّة أشهر تقريبًا.  بدأ بمناهضة فرض الخدمة العسكريّة على الدّروز و أصدر كتابه الأوّل “أنت القاتل يا شيخ” (رواية)، انضمّ لاحقًا للعمل في لجنة المبادرة الدّرزية وعمل محرّرًا في جريدة الاتّحاد، وفي أواخر السّبعينيّات انضمّ إلى الحزب الشّيوعي، وبرز نشاطه في الحزب وفي حركة التّضامن مع أهالي الجولان في سنوات الثّمانينيّات.


اقرأ/ي أيضًا:
الشيخ أمين طريف: رجل حمل همّ توحيد الطائفة الدرزية

تبدأ هذه المرحلة من حياة سلمان ناطور من أواخر السّتّينيّات وتمتدّ إلى سنوات السّبعينيّات وإلى الثّمانينيّات، وهي المرحلة الّتي تزوّج بها من رفيقة دربه السّيدة ندى ناطور وأنجب منها أبناءه الأربعة.

في هذه الفترة، استغرق سلمان ناطور بالعمل الجماعي والجماهيري بشكل شبه كامل، بدأ بالنّشاط والمخاطبة في مجتمعه الدّرزي الأصغر ثمّ امتدّ للكتابة باسم الإنسان الفلسطيني في إسرائيل والفلسطينيّين عمومًا.

دعوة حفل زفاف سلمان ناطور من زوجته ندى حامد عام 1973، أرشيف سلمان ناطور
دعوة حفل زفاف سلمان ناطور من زوجته ندى حامد عام 1973، أرشيف سلمان ناطور


أصدر سلمان ناطور في هذه المرحلة عددًا من المؤلّفات منها:

آراء ودراسات في الفكر والفلسفة(مقالات)- القدس 1971
ما وراء الكلمات (قصص قصيرة) – القدس 1972
أنت القاتل يا شيخ (رواية) – القدس 1976
الشّجرة الّتي تمتدّ جذورها إلى صدري (قصص قصيرة) -عكّا 1979
ساعة واحدة وألف معسكر(مجموعة ساخرة) – حيفا 1980
ابو العبد يغازل مدم مندلوفيتش (مجموعة ساخرة) – بيروت 1981
وما نسينا (مسلسل تسجيلي) – حيفا 1982
كاتب غضب (مونولوج إسرائيلي)-  حيفا 1984
حكاية لم تنته بعد – حيفا 1985

طالع/ي أيضًا: الطائفة الدرزية مواد مصوّرة وأعياد دينية

في أرشيف سلمان ناطور من هذه الفترة، يوجد مسوّدات لجزء من أعماله ومقالاته بخطّ اليد ونصوص لم تُنشر، بالإضافة إلى مراسلات شخصيّة ومهنيّة ووثائق رسميّة وغير رسميّة تتعلّق بنشاطه الجماهيري والسّياسي.

رسالة من أنطون شمّاس إلى سلمان ناطور يعتذر بها عن حضور حفل زفافه
رسالة من أنطون شمّاس إلى سلمان ناطور يعتذر بها عن حضور حفل زفافه

 

المرحلة الثّانية – التّعرف والكتابة عن المجتمع الإسرائيلي، أنشطة السّلام وأخيرًا الكتابة الذّاتيّة

يمكننا القول أنّ المرحلة الأولى انتهت بوضوح باستقالة سلمان ناطور من عمله في جريدة الاتّحاد في بداية التّسعينيّات وأيضًا من الحزب الشّيوعي بهدف التّفرّغ للكتابة. في هذه الفترة وتحديدًا منذ أواخر الثمانينيّات، يبدأ تحوّل ما بالظّهور في أرشيف سلمان ناطور من حيث كمّ النّشاطات والمبادرات والاهتمامات المتعلّقة بالسّلام وبالتّعرّف على المجتمع الإسرائيلي، ومن أبرز هذه المبادرات كتابه “يمشون على الرّيح” الّذي وضع فيه خلاصة لعشرات المقابلات الّتي أجراها في بلدة بيت شان وسمّاه أيضًا “عودة إلى بيسان” وجزء من تسجيلات هذه المقابلات محفوظًا أيضًا في أرشيفه. ذهب سلمان ناطور إلى بيت شان كما يقول في كتابه “يبحث عن الإنسان”. يلتقي بعشرات السكّان الإسرائيليّين ويلخّص تجربته وانطباعاته في هذا الكتاب.

من المشاريع الّتي ظهرت في هذه الفترة أيضًا “كحبّات المسبحة”، وهو مشروع يستكشف آراء طلبة الابتدائيّة اليهود بالطّلبة العرب والعكس. أسسّ سلمان ناطور في هذه الفترة اتّحاد المبدعين الإسرائيليّين والفلسطينيّين ضد الاحتلال عام 1986، وترجم مؤلّفات عبرية لكتّاب إسرائيليّين مثل يشعياهو ليبوفيتش وشمعون ليفي وغيرهم إلى العربيّة. كما بدأت كتاباته أيضًا بالاتّجاه نحو الذّاتية والعاطفة وأدب الأطفال. وبالرغم من استقالته من العمل الصّحافي بشكل دائم، فقد استمرّ بكتابة المقالات في صحف متنوّعة بين الفينة والأخرى، وعمل كاتبًا في برامج تلفزيونيّة أيضًا.

صدر لسلمان ناطور في هذه الفترة مؤلّفات عديدة منها:

يمشون على الرّيح – النّاصرة 1992
من هناك حتّى ثورة النّعناع سبع سنوات من الحوار مع الكتّاب العبريين – دالية الكرمل 1995
فلسطيني على الطريق – رام الله 2000
ذاكرة – بيت لحم 2006
سفر على سفر – رام الله 2008
ستّون عامًا رحلة الصّحراء – عمّان – رامالله 2009
هي أنا والخريف (رواية) حيفا 2011

في أرشيف سلمان ناطور من هذه المرحلة مسوّدات لكتاباته أيضًا، والكثير من المراسلات مع كتّاب عبريّين من أبرزهم شموئيل موريه ونير شوحط، بالإضافة إلى وثائق متنوّعة وتسجيلات صوتيّة وفيديو.

يعرّف سلمان ناطور عن نفسه من خلال ثيمات متكرّرة في نصوصه الأدبيّة: الذّاكرة الّتي تحدّثه وتمضي، الحنين واللّانهاية والسّفر، ويتساءل كثيرًا عن معنى ولادته في هذا المكان والزّمان. لم يتردد بخوض التّجارب الجماعيّة والفرديّة من أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، إلّا أنّه دائمًا ما كان يجد المزيد من الأسئلة تنتظره، ودائمًا ما كان يجد طريقًا لأن يسخر منها. لم يخجل من إظهار تعبه وحيرته وشعوره بالتّيه أحيانًا، لكنّه كثيرًا ما أظهر صراحةً مدى إدراكه لأهميّة تجاربه، فهو يرى في قصّته قصّة جيل كامل، وأنّ حياته عبارة عن “شهادة تاريخيّة”.

لا شكّ أنّ رحلة سلمان ناطور في البحث عن إجابات لأسئلته الكثيرة تستحقّ الاهتمام والاطّلاع، وتستطيعون استكشافها من خلال قراءة مؤلّفاته وتصفّح أرشيفه الرّقميّ الّذي سيظهر على موقع المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة قريبًا.

بالألوان: صور نادرة لليهود والمسلمين في البلاد من عام 1900

منحتنا تقنيّة تلوين الصّور (فوتوكروم) أوّل الصّور الملوّنة عن العالم، وكان ذلك بحسب خيال الموظّف المسؤول في دار الطّباعة.

يهود أشكناز، أحدهم يرتدي ثوبًا مخططًا بألوان قوس القزح

يهود أشكناز، أحدهم يرتدي ثوبًا مخططًا بألوان قوس القزح

بقلم: حِن مَلول

تحتوي المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة على ألبومين من الصّور الّتي تمّ التقاطها في أواخر القرن التاسع عشر وتمّ إنتاجها بتقنيّة الفوتوكروم. فما هي هذه التقنيّة؟ ولماذا تشبه هذه الصّور اللوحات الزيتيّة أكثر ممّا تشبه الصّور الأصليّة في الأبيض والأسود؟

إنّ أوّل صورة ملوّنة التقطت عام 1880 على يد توماس ساتون، تلميذ للريّاضيّ والمخترع جايمس كليرك ماكسويل. وكانت صورة لِوِشاح.

 

 

الحائط الغربي في نهاية القرن الـ 19، رجال ونساء يميلون على الحائط.
الحائط الغربي في نهاية القرن الـ 19، رجال ونساء يميلون على الحائط.

 

 

قبر راحيل
قبر راحيل

بالرّغم من أنّ تقنيّة إنتاج الصّور الملوّنة ظهرت بعد عقود قليلة من اختراع التّصوير، إلّا أنّ الصّور الملوّنة احتاجت لأكثر من 100 عام إلى أن استبدلت مكانة صور الأبيض والأسود. إنّ التّحوّل الكبير بالانتقال إلى الصّور الملوّنة حصل في سبعينيّات القرن الماضي. وحتّى ذلك الوقت، تطلّب التّصوير الملوّن تقنيّات باهظة الثّمن لم يستخدمها سوى المصوّرين الحرفيّين، ولكن في العقود الأولى، اعتبرت التّقنيّة غير مضمونة.

بعد عشرين عامًا من التقاط أوّل صورة ملوّنة، قام الطّابع السويسري أوريل فوسلي بتطوير تقنيّة الفوتوكروم، وبعكس التّصوير الفوتوغرافي الملوّن الّذي يلتقط الصّورة بألوان المشهد الأصليّة، تقوم تقنيّة الفوتوكروم على تلوين الصّور الملتقطة بالأبيض والأسود. استخدم فوسلي في اختراعة تقنيّة الطّباعة الحجريّة؛ وهي تقنيّة طباعة كانت مستخدمة منذ عقود. خلال سنوات قليلة انتشرت تقنيّة الفوتوكروم، وكانت منخفضة التكلفة نسبيًا، وكان من السّهل إنتاج عدّة نسخ سويّة وبيعها.

في العام 1888، افتتحت شركة فوسلي فرعًا في زيوريخ. ومنذ تأسيسها وحتّى عشرينيّات القرن الماضي، قامت الشركة باستخدام براءة اختراعها للسيّطرة على السّوق العالمي للصوّر الملوّنة. وكانت زيوريخ وجهة كل من يريد أن يضيف الألوان لصورة فوتوغرافيّة.

المصلى القبلي في المسجد الأقصى
المصلى القبلي في المسجد الأقصى

 

باب الخليل، القدس
باب الخليل، القدس

 

قبّة الصّخرة من الداخل
قبّة الصّخرة من الداخل

 

نهر الأردن
نهر الأردن

 

أدّى احتكار الشّركة السّويسريّة إلى انعطافًا مثيرًا. في غياب التّعليمات الواضحة، لم يكن لموظّفي الشّركة أي وسيلة لمعرفة ألوان المشاهد الأصليّة الّتي يقومون بطباعتها، ولذلك ببساطة اعتمدوا على خيالهم. وهذا يأخذنا إلى الألبومين المذكورين سابقًا في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

انتج الألبوم الأوّل عام 1900، وهو مجموعة من الصّور التّابعة لمجموعة من الحجّاج النمساويين الّذين زاروا البلاد. ولكن لم يقم الحجّاج بالتقاط الصّور بأنفسهم، ولكن فعل ذلك مصوّرون محترفون كانوا يعيشون في فلسطين العثمانيّة في ذلك الوقت. قام المصوّرون المحترفون بالتقاط تلك الصّور، أمّا التّلوين فتمّ على يد شركة فوتوكروم زيوريخ.

تصفح/ي: صور القدس: المسجد الأقصى، أبواب القدس، طريق الآلام، أحياء القدس

الحجّاج، مثل كلّ الزّبائن المهتمّين بشراء صور للبلاد المقدّسة، اختاروا الصّور الّتي يفضّلونها والّتي غالبًا ما كانت لأماكن قاموا بزيارتها خلال رحلتهم.

يهود أشكناز، أحدهم يرتدي ثوبًا مخططًا بألوان قوس القزح
يهود أشكناز، أحدهم يرتدي ثوبًا مخططًا بألوان قوس القزح

 

باب الأسباط القدس
باب الأسباط القدس

 

امرأة من بيت لحم
امرأة من بيت لحم

 

مسلمون يصلّون، ربّما التقطت الصّورة في المسجد الأقصى
مسلمون يصلّون، ربّما التقطت الصّورة في المسجد الأقصى

 

ولذلك ليس من الغريب أنّ معظم صور الألبوم الأوّل  تُظهر مواقع وأماكن غاية في الأهمّية في القدس والمناطق المحيطة لها. والموقع الوحيد الاستثنائي في هذه الحالة هي المدينة السّاحليّة يافا. في تلك الصّورة يظهر عمّال الشّحن والتّفريغ وهم يشدّون قارب المرشدة السّياحيّة الشّهيرة رولا فلويد.

قارب رولا فلويد في ميناء يافا
قارب رولا فلويد في ميناء يافا

 

في هذا الألبوم تم تلوين مدخل المسجد الأقصى بألوان زاهية، وتم معالجة صور باب الخليل وباب الأسباط وقبّة الصّخرة من الداخل بتقنيّة الفوتوكروم أيضًا، من الوارد كذلك أنّ موظّفي فوتوكروم زيوريخ قاموا بتلوين الصّور بحسب تصوّرهم عن أهالي هذه المنطقة، في جميع الصّور يرتدي المحلّيون ملابس ثقيلة وألوانها فاقعة.

 

خيّاط عربي
خيّاط عربي

 

قبّة الصّخرة (من الألبوم الثّاني)
قبّة الصّخرة (من الألبوم الثّاني)

نعرف القليل عن تاريخ الألبوم الثّاني، والّذي تم التقاط صوره وإنتاجها في فترة سابقة. كلّ ما لدينا من معلومات هو خاتم الملكيّة الخاص بمدرسة إنجيليّة سويسريّة يظهر على كلّ صفحة من الورق المقوّى، ربّما زار المُلّاك البلاد بأنفسهم، ولكن من الوارد أيضًا أنّهم قاموا باقتناء الألبوم من ملّاك سابقين.

تظهر الـ 36 مطبوعة في هذا الألبوم مناظر طبيعيّة من فلسطين العثمانيّة وسوريا. بعض الصّور الموجودة في الألبوم الأوّل موجودة أيضًا في الألبوم الثّاني، وبعض الصّور تُظهر المشاهد ذاتها إنّما بفارق زمني بسيط.

اقرأ/ي أيضاً:  الحياة والأزياء التقليدية في مسيرة خليل رعد

 

على كلّ حال، يظهر هذا الألبوم عدّة أمثلة على الحريّة الفنّية الّتي تمتّع بها موظّفو الشّركة السويسريّة، وأحد هذه الأمثلة صورة اليهودي الأشكنازي الّذي يرتدي ثوبًا مخطّطًا بألوان قوس القزح – وهي صورة على الأغلب غير مطابقة للأصل. كما نختتم بذكر الصّورة الجميلة لحائط المبكى من نهاية القرن التّاسع عشر، حيث يتكئ الرجال والنساء على الحائط ويلبسون مجموعة من الألوان الزاهية منها الأسود والأبيض والأحمر والأخضر والبنّي.