تُرجِم عن: حِن مَلول
إلى جانب عشرات آلاف الكتب التي تصل المكتبة الوطنية سنويًا، نتلقى أيضًا عشرات ومئات القطع التاريخية الإضافية: ألبومات صور، ملصقات، رسائل، وفي أحيان متباعدة – صناديق سريّة من الورق المقوى. يظهر على أحد الصناديق، والتي تم التبرّع بها مؤخرًا من مكتبة حانا ويورام هريئيل، وصف بالألمانية يعطي رمزًا أوليًا لمحتوى الصندوق، وجاء فيه: “الأرض المقدسة، 126 بطاقة بريدية بألوان طبيعية. برايس وشركاؤه، ميونخ”.
عند فتح الصندوق نكتشف المحتوى المرتقب: عشرات البطاقات البريدية تستعرض صورًا مختلفة لمشاهد طبيعية من البلاد، خارطتين لفلسطين (شمالًا وجنوبًا)، خارطة للقدس وكراسة باللغة الألمانية. إذا تأملنا البطاقات عميقًا، نكتشف أنّ الصور فيها ليس بألوان عادية، وأنّ الوصف “ألوان طبيعية” يرمز إلى البطاقات البريدية التي أنتجت بتقنية التلوين الضوئي.
مشاهد طبيعية من الأرض المقدسة
بعد مرور عقدين من الزمن على إنتاج أول صورة فوتوغرافية في عام 1880، قام طابِعٌ سويسري يُدعى أوريل فوسلي ( (Orell Füssli بتطوير تقنية أخرى لإنتاج صور ملونة، سميّت بتقنية التلوين الضوئي. خلافًا للتصوير بالألوان، الذي يلتقط الألوان الطبيعية لمحتوى الصورة، فإنّ التلوين الضوئي هو تقنية قائمة على إعادة الطباعة بالألوان لصورة بالأبيض والأسود. الابتكار الذي طرحه فوسلي هو استخدام تقنية ينتج فيها اللون بواسطة الطباعة الحجرية- وهي طريقة طباعة قائمة منذ قرون.
للمفارقة، فـأنّ تقنية التلوين الضوئي التي طورها فوسلي، وكان الغرض من ورائها التعويض عن النقص في الصور الملونة الموثوقة وغير والمكلفة، أسفرت عن وضعًا معاكسًا: في حال عدم إعطاء الطابعين تعليمات واضحة ودقيقة بخصوص الألوان الأصلية في الصورة المطلوب تلوينها، كانوا يستعينون بخيالهم ومنطقهم لإنتاج الصور.
هذا هو حال عدد كبير من ألبومات التلوين الضوئي، حيث تكون العلاقة بين الألوان الطبيعية لمحتوى الصورة والألوان التي أضيفت إليها محض الصدفة في كثير من الأحيان. ولكن في البطاقات التي أمامنا، يبدو أنّ شركة Uvachrom التي أصدرتها عملت جاهدة للاقتراب قدر الإمكان من الواقع المصوّر.
عند قراءة الكراسة المرفقة، تتضح أمامنا خلفية الموضوع. الصور المشمولة في المجموعة، وعددها 126، التقطت أثناء “رحلة ربيعية إلى الأراضي المقدسة في عام 1931″، قبل طباعة البطاقات في ميونخ بعام واحد. الشعار الكاثوليكي لمدينة القدس الظاهر على صفحة الغلاف ، وجملة “بمباركة الراعي الأكبر” Mit oberhirtlicher Druckgenehmigung)) الظاهرة في الصفحة التالية يدلان على الدافع وراء إصدار البطاقات البريدية. يرجّح أنّ مجموعة البطاقات أصدرت من أجل الجمهور الألماني الكاثوليكي، وطبت بموافقة أسقف كبير، ربما الباب بنفسه.
صور من الأراضي المقدسة
ولكن لا تدعوا هذه الحقيقة تضللكم، فعلى الرغم من التمثيل الكبير للأماكن المقدسة للمسيحيين في مجموعة البطاقات هذه (بما في ذلك كنيسة رقاد السيدة العذراء التي أقيمت بعد زيارة القيصر الألماني فيلهلم الثاني إلى الأراضي المقدسة)، يستعرض عددٌ كبيرٌ من البطاقات تقدّم المشروع الصهيوني في البلاد- على سبيل المثال، الجامعة العبرية، المكتبة الوطنية في مقرها السابق في جبل المشارف، ضريح الحاخام ميئير في طبريا ومحطة توليد الكهرباء الذي أقامها بنحاس روتينبيرغ.
80 بطاقة من أصل بطاقات المجموعة الـ 126 حُفظت في الصندوق الأصلي. أما البقية، فيبدو أنّ أصحاب مجموعة البطاقات أرسلوها للأصدقاء والعائلة. يقودنا ذلك إلى طرح السؤال الحتمي التالي: لمن أعدّت المجموعة؟ هوية المالك الأصلي للمجموعة مجهولة بالنسبة لنا، ولكن الإجابة عن السؤال حول الزبائن المحتملين لهذه المجموعة وردت في الكراسة المرفقة، حيث جاء أنّ المجموعة هي “تذكار لكل من تسنى له رؤية البلاد بأم عينه، وفرصة للآخرين لتأمل جمال البلاد”.
تحتوى الكراسة المكونة من 67 صفحة على معلومات كثيرة عن الأراضي المقدسة: معلومات عانة عن التضاريس، النقص الدائم في المياه، تاريخ الصهيونية واللغة العبرية، تناول موضوع القدس بشكل معمق بما في ذلك الحرم القدسي الشريف وحائط المبكى، بالإضافة إلى المراحل الحياتية المختلفة للسيد المسيح في القدس وفي البلاد كلها. تحتوى الكراسة أيضًا على رسم تخطيطي لباحة الحرم القدسي الشريف.
تكمن في تاريخ إصدار مجموعة البطاقات أهمية تاريخية كبيرة. صدرت المجموعة في ميونخ في ألمانيا، في عام 1932. بعد مرور أقل من عام، تحديدًا في كانون الثاني 1933، عيّن هتلر مستشارًا لألمانيا.
ساهم في كتابة المقالة د. ستيفان ليط، أمين مجموعة العلوم الإنسانية في المكتبة الوطنية