الحجاج الألمان الذي التقطوا للبلاد صورًا بألوان طبيعية

مجموعة بطاقات بريدية صدرت في ميونخ في عام 1932 تستعرض صورًا للأماكن المقدسة واليشوف العبري الناشئ، وذلك قبل صعود النازيين إلى سدة الحكم بأقل من سنة.

باب الخليل

باب الخليل

تُرجِم عن: حِن مَلول

إلى جانب عشرات آلاف الكتب التي تصل المكتبة الوطنية سنويًا، نتلقى أيضًا عشرات ومئات القطع التاريخية الإضافية: ألبومات صور، ملصقات، رسائل، وفي أحيان متباعدة – صناديق سريّة من الورق المقوى. يظهر على أحد الصناديق، والتي تم التبرّع بها مؤخرًا من مكتبة حانا ويورام هريئيل، وصف بالألمانية يعطي رمزًا أوليًا لمحتوى الصندوق، وجاء فيه: “الأرض المقدسة، 126 بطاقة بريدية بألوان طبيعية. برايس وشركاؤه، ميونخ”.

عند فتح الصندوق نكتشف المحتوى المرتقب: عشرات البطاقات البريدية تستعرض صورًا مختلفة لمشاهد طبيعية من البلاد، خارطتين لفلسطين (شمالًا وجنوبًا)، خارطة للقدس وكراسة باللغة الألمانية. إذا تأملنا البطاقات عميقًا، نكتشف أنّ الصور فيها ليس بألوان عادية، وأنّ الوصف “ألوان طبيعية” يرمز إلى البطاقات البريدية التي أنتجت بتقنية التلوين الضوئي.

شاب بدوي
شاب بدوي

 

مشاهد طبيعية من الأرض المقدسة

بعد مرور عقدين من الزمن على إنتاج أول صورة فوتوغرافية في عام 1880، قام طابِعٌ سويسري يُدعى أوريل فوسلي ( (Orell Füssli  بتطوير تقنية أخرى لإنتاج صور ملونة، سميّت بتقنية التلوين الضوئي. خلافًا للتصوير بالألوان، الذي يلتقط الألوان الطبيعية لمحتوى الصورة، فإنّ التلوين الضوئي هو تقنية قائمة على إعادة الطباعة بالألوان لصورة بالأبيض والأسود. الابتكار الذي طرحه فوسلي هو استخدام تقنية ينتج فيها اللون بواسطة الطباعة الحجرية- وهي طريقة طباعة قائمة منذ قرون.

للمفارقة، فـأنّ تقنية التلوين الضوئي التي طورها فوسلي، وكان الغرض من ورائها التعويض عن النقص في الصور الملونة الموثوقة وغير والمكلفة، أسفرت عن وضعًا معاكسًا: في حال عدم إعطاء الطابعين تعليمات واضحة ودقيقة بخصوص الألوان الأصلية في الصورة المطلوب تلوينها، كانوا يستعينون بخيالهم ومنطقهم لإنتاج الصور.

هذا هو حال عدد كبير من ألبومات التلوين الضوئي، حيث تكون العلاقة بين الألوان الطبيعية لمحتوى الصورة والألوان التي أضيفت إليها محض الصدفة في كثير من الأحيان. ولكن في البطاقات التي أمامنا، يبدو أنّ شركة Uvachrom التي أصدرتها عملت جاهدة للاقتراب قدر الإمكان من الواقع المصوّر.

عند قراءة الكراسة المرفقة، تتضح أمامنا خلفية الموضوع. الصور المشمولة في المجموعة، وعددها 126، التقطت أثناء “رحلة ربيعية إلى الأراضي المقدسة في عام 1931″، قبل طباعة البطاقات في ميونخ بعام واحد. الشعار الكاثوليكي لمدينة القدس الظاهر على صفحة الغلاف ، وجملة “بمباركة الراعي الأكبر” Mit oberhirtlicher Druckgenehmigung)) الظاهرة في الصفحة التالية يدلان على الدافع وراء إصدار البطاقات البريدية. يرجّح أنّ مجموعة البطاقات أصدرت من أجل الجمهور الألماني الكاثوليكي، وطبت بموافقة أسقف كبير، ربما الباب بنفسه.

 

صور الأراضي المقدسة


صور من الأراضي المقدسة

ولكن لا تدعوا هذه الحقيقة تضللكم، فعلى الرغم من التمثيل الكبير للأماكن المقدسة للمسيحيين في مجموعة البطاقات هذه (بما في ذلك كنيسة رقاد السيدة العذراء التي أقيمت بعد زيارة القيصر الألماني فيلهلم الثاني إلى الأراضي المقدسة)، يستعرض عددٌ كبيرٌ من البطاقات تقدّم المشروع الصهيوني في البلاد- على سبيل المثال، الجامعة العبرية، المكتبة الوطنية في مقرها السابق في جبل المشارف، ضريح الحاخام ميئير في طبريا ومحطة توليد الكهرباء الذي أقامها بنحاس روتينبيرغ.

ضريح الحاخام ميئير في طبريا
ضريح الحاخام ميئير في طبريا

80 بطاقة من أصل بطاقات المجموعة الـ 126 حُفظت في الصندوق الأصلي. أما البقية، فيبدو أنّ أصحاب مجموعة البطاقات أرسلوها للأصدقاء والعائلة. يقودنا ذلك إلى طرح السؤال الحتمي التالي: لمن أعدّت المجموعة؟ هوية المالك الأصلي للمجموعة مجهولة بالنسبة لنا، ولكن الإجابة عن السؤال حول الزبائن المحتملين لهذه المجموعة وردت في الكراسة المرفقة، حيث جاء أنّ المجموعة هي “تذكار لكل من تسنى له رؤية البلاد بأم عينه، وفرصة للآخرين لتأمل جمال البلاد”.

تحتوى الكراسة المكونة من 67 صفحة على معلومات كثيرة عن الأراضي المقدسة: معلومات عانة عن التضاريس، النقص الدائم في المياه، تاريخ الصهيونية واللغة العبرية، تناول موضوع القدس بشكل معمق بما في ذلك الحرم القدسي الشريف وحائط المبكى، بالإضافة إلى المراحل الحياتية المختلفة للسيد المسيح في القدس وفي البلاد كلها. تحتوى الكراسة أيضًا على رسم تخطيطي لباحة الحرم القدسي الشريف.

تكمن في تاريخ إصدار مجموعة البطاقات أهمية تاريخية كبيرة. صدرت المجموعة في ميونخ في ألمانيا، في عام 1932. بعد مرور أقل من عام، تحديدًا في كانون الثاني 1933، عيّن هتلر مستشارًا لألمانيا.

 

كنيس يوحنان بن زكاي في القدس
كنيس يوحنان بن زكاي في القدس

 

الحي اليهودي في القدس
الحي اليهودي في القدس

 

أطفال القدس يتلذذون بتناول برتقال أرض إسرائيل
أطفال القدس يتلذذون بتناول برتقال أرض إسرائيل

 

ضريح الحاخام عاكيفا
ضريح الحاخام عاكيفا

 

قبر راحيل
قبر راحيل

 

"مكتبة الجامعة اليهودية" هي المكتبة الأولى في مقرها الأصلي في جبل المشارف
“مكتبة الجامعة اليهودية” هي المكتبة الأولى في مقرها الأصلي في جبل المشارف

 

الجامعة العبرية
الجامعة العبرية

 

قبة الصخرة
قبة الصخرة

 

ساهم في كتابة المقالة د. ستيفان ليط، أمين مجموعة العلوم الإنسانية في المكتبة الوطنية

 

بالألوان: صور نادرة لليهود والمسلمين في البلاد من عام 1900

منحتنا تقنيّة تلوين الصّور (فوتوكروم) أوّل الصّور الملوّنة عن العالم، وكان ذلك بحسب خيال الموظّف المسؤول في دار الطّباعة.

يهود أشكناز، أحدهم يرتدي ثوبًا مخططًا بألوان قوس القزح

يهود أشكناز، أحدهم يرتدي ثوبًا مخططًا بألوان قوس القزح

بقلم: حِن مَلول

تحتوي المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة على ألبومين من الصّور الّتي تمّ التقاطها في أواخر القرن التاسع عشر وتمّ إنتاجها بتقنيّة الفوتوكروم. فما هي هذه التقنيّة؟ ولماذا تشبه هذه الصّور اللوحات الزيتيّة أكثر ممّا تشبه الصّور الأصليّة في الأبيض والأسود؟

إنّ أوّل صورة ملوّنة التقطت عام 1880 على يد توماس ساتون، تلميذ للريّاضيّ والمخترع جايمس كليرك ماكسويل. وكانت صورة لِوِشاح.

 

 

الحائط الغربي في نهاية القرن الـ 19، رجال ونساء يميلون على الحائط.
الحائط الغربي في نهاية القرن الـ 19، رجال ونساء يميلون على الحائط.

 

 

قبر راحيل
قبر راحيل

بالرّغم من أنّ تقنيّة إنتاج الصّور الملوّنة ظهرت بعد عقود قليلة من اختراع التّصوير، إلّا أنّ الصّور الملوّنة احتاجت لأكثر من 100 عام إلى أن استبدلت مكانة صور الأبيض والأسود. إنّ التّحوّل الكبير بالانتقال إلى الصّور الملوّنة حصل في سبعينيّات القرن الماضي. وحتّى ذلك الوقت، تطلّب التّصوير الملوّن تقنيّات باهظة الثّمن لم يستخدمها سوى المصوّرين الحرفيّين، ولكن في العقود الأولى، اعتبرت التّقنيّة غير مضمونة.

بعد عشرين عامًا من التقاط أوّل صورة ملوّنة، قام الطّابع السويسري أوريل فوسلي بتطوير تقنيّة الفوتوكروم، وبعكس التّصوير الفوتوغرافي الملوّن الّذي يلتقط الصّورة بألوان المشهد الأصليّة، تقوم تقنيّة الفوتوكروم على تلوين الصّور الملتقطة بالأبيض والأسود. استخدم فوسلي في اختراعة تقنيّة الطّباعة الحجريّة؛ وهي تقنيّة طباعة كانت مستخدمة منذ عقود. خلال سنوات قليلة انتشرت تقنيّة الفوتوكروم، وكانت منخفضة التكلفة نسبيًا، وكان من السّهل إنتاج عدّة نسخ سويّة وبيعها.

في العام 1888، افتتحت شركة فوسلي فرعًا في زيوريخ. ومنذ تأسيسها وحتّى عشرينيّات القرن الماضي، قامت الشركة باستخدام براءة اختراعها للسيّطرة على السّوق العالمي للصوّر الملوّنة. وكانت زيوريخ وجهة كل من يريد أن يضيف الألوان لصورة فوتوغرافيّة.

المصلى القبلي في المسجد الأقصى
المصلى القبلي في المسجد الأقصى

 

باب الخليل، القدس
باب الخليل، القدس

 

قبّة الصّخرة من الداخل
قبّة الصّخرة من الداخل

 

نهر الأردن
نهر الأردن

 

أدّى احتكار الشّركة السّويسريّة إلى انعطافًا مثيرًا. في غياب التّعليمات الواضحة، لم يكن لموظّفي الشّركة أي وسيلة لمعرفة ألوان المشاهد الأصليّة الّتي يقومون بطباعتها، ولذلك ببساطة اعتمدوا على خيالهم. وهذا يأخذنا إلى الألبومين المذكورين سابقًا في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

انتج الألبوم الأوّل عام 1900، وهو مجموعة من الصّور التّابعة لمجموعة من الحجّاج النمساويين الّذين زاروا البلاد. ولكن لم يقم الحجّاج بالتقاط الصّور بأنفسهم، ولكن فعل ذلك مصوّرون محترفون كانوا يعيشون في فلسطين العثمانيّة في ذلك الوقت. قام المصوّرون المحترفون بالتقاط تلك الصّور، أمّا التّلوين فتمّ على يد شركة فوتوكروم زيوريخ.

تصفح/ي: صور القدس: المسجد الأقصى، أبواب القدس، طريق الآلام، أحياء القدس

الحجّاج، مثل كلّ الزّبائن المهتمّين بشراء صور للبلاد المقدّسة، اختاروا الصّور الّتي يفضّلونها والّتي غالبًا ما كانت لأماكن قاموا بزيارتها خلال رحلتهم.

يهود أشكناز، أحدهم يرتدي ثوبًا مخططًا بألوان قوس القزح
يهود أشكناز، أحدهم يرتدي ثوبًا مخططًا بألوان قوس القزح

 

باب الأسباط القدس
باب الأسباط القدس

 

امرأة من بيت لحم
امرأة من بيت لحم

 

مسلمون يصلّون، ربّما التقطت الصّورة في المسجد الأقصى
مسلمون يصلّون، ربّما التقطت الصّورة في المسجد الأقصى

 

ولذلك ليس من الغريب أنّ معظم صور الألبوم الأوّل  تُظهر مواقع وأماكن غاية في الأهمّية في القدس والمناطق المحيطة لها. والموقع الوحيد الاستثنائي في هذه الحالة هي المدينة السّاحليّة يافا. في تلك الصّورة يظهر عمّال الشّحن والتّفريغ وهم يشدّون قارب المرشدة السّياحيّة الشّهيرة رولا فلويد.

قارب رولا فلويد في ميناء يافا
قارب رولا فلويد في ميناء يافا

 

في هذا الألبوم تم تلوين مدخل المسجد الأقصى بألوان زاهية، وتم معالجة صور باب الخليل وباب الأسباط وقبّة الصّخرة من الداخل بتقنيّة الفوتوكروم أيضًا، من الوارد كذلك أنّ موظّفي فوتوكروم زيوريخ قاموا بتلوين الصّور بحسب تصوّرهم عن أهالي هذه المنطقة، في جميع الصّور يرتدي المحلّيون ملابس ثقيلة وألوانها فاقعة.

 

خيّاط عربي
خيّاط عربي

 

قبّة الصّخرة (من الألبوم الثّاني)
قبّة الصّخرة (من الألبوم الثّاني)

نعرف القليل عن تاريخ الألبوم الثّاني، والّذي تم التقاط صوره وإنتاجها في فترة سابقة. كلّ ما لدينا من معلومات هو خاتم الملكيّة الخاص بمدرسة إنجيليّة سويسريّة يظهر على كلّ صفحة من الورق المقوّى، ربّما زار المُلّاك البلاد بأنفسهم، ولكن من الوارد أيضًا أنّهم قاموا باقتناء الألبوم من ملّاك سابقين.

تظهر الـ 36 مطبوعة في هذا الألبوم مناظر طبيعيّة من فلسطين العثمانيّة وسوريا. بعض الصّور الموجودة في الألبوم الأوّل موجودة أيضًا في الألبوم الثّاني، وبعض الصّور تُظهر المشاهد ذاتها إنّما بفارق زمني بسيط.

اقرأ/ي أيضاً:  الحياة والأزياء التقليدية في مسيرة خليل رعد

 

على كلّ حال، يظهر هذا الألبوم عدّة أمثلة على الحريّة الفنّية الّتي تمتّع بها موظّفو الشّركة السويسريّة، وأحد هذه الأمثلة صورة اليهودي الأشكنازي الّذي يرتدي ثوبًا مخطّطًا بألوان قوس القزح – وهي صورة على الأغلب غير مطابقة للأصل. كما نختتم بذكر الصّورة الجميلة لحائط المبكى من نهاية القرن التّاسع عشر، حيث يتكئ الرجال والنساء على الحائط ويلبسون مجموعة من الألوان الزاهية منها الأسود والأبيض والأحمر والأخضر والبنّي.

النوّاب العرب في الكنيست: توفيق الطوبي، سيف الدين الزعبي، وأمين جرجورة

في هذا المقال، تتبّعنا حكاية وصول النوّاب العرب للكنيست في وقت مبكر في صور ضمن مجموعة المكتبة وأخبار من صحيفتي الصريح والاتحاد.

انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

في هذه الأيام، تشهد البلاد حالة من التيه والتضارب بين الأحزاب السياسية بشكل عام والأحزاب العربية في الكنيست لتشكيل الحكومة والتي – حتى هذه اللحظة – شكّلت أربع دورات وستُعقَد الدورة الخامسة في مطلع شهر تشرين الثاني. ولكن دومًا من خلف الكواليس يكون السؤال التالي: كيف نجح العرب في الوصول للكنيست مبكّرًا؟


الكنيست الأول وثلاثة أعضاء عرب

عقدت الدورة الأولى للكنيست في كانون الثاني من العام 1949، أي بعد أقل من عام على قيام الدولة، إذ كانت الحاجة تُلّح إلى تشكيل حكومة، وقد تشكّلت الحكومة بقيادة دافيد بن غوريون، فيما كان في هذه الدورة ثلاثة أعضاء عرب وهم: أمين سليم جرجورة وسيف الدين زعبي عن القائمة الديمواقراطية للناصرة، وتوفيق طوبي تحت كتلة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. حصدت حينها القائمة الديمواقراطية للناصرة مقعدين، بينما حصل الحزب الشيوعي الإسرائيلي على أربعة مقاعد. ولكن كيف التحق العرب بالكنيست الإسرائيلي وشاركوا في الانتخابات الإسرائيلية وتحديدًا بعد قيام الدولة أي أكثر الفترات حرجًا في البلاد؟

انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية
انتخابات الكنيست الأول، 1949، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

توفيق الطوبي: أربعون عامًا وأكثر في الكنيست

في العام 1940، في عمر الثامنة عشر، التحق الفتى توفيق الطوبي، ابن مدينة حيفا، في الحزب الشيوعي الفلسطيني، وفي العام 1943، انفصل عن الحزب ليؤسس عصبة التحرر الوطني حتى العام 1948 والتي قرر فيها توحيد الشيوعيين العرب واليهود في حزب واحد ألا وهو الحزب الشيوعي الإسرائيلي وتحديدًا في شهر تشرين الأول، أي بعد خمسة أشهر من إعلان قيام دولة إسرائيل.

استمّر الطوبي في الكنيست الإسرائيلي حتى تسعينيّات القرن الماضي، ولم يتواني يومًا عن المطالبة بحقوق العرب في إسرائيل ولا سيّما المطالبة الأكبر بإسقاط الحكم العسكري. بقي الطوبي في الكنيست لـ 12 دورة انتخابية مثّل فيهنّ: الحزب الشيوعي الإسرائيلي (ماكي)، القائمة الشيوعية الجديدة (راكاح)، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش). وخلال تلك الفترة، نشر في صحيفة الاتحاد والتي كانت تنطق باسم عصبة التحرر والحزب الشيوعي الإسرائيلي. إلى جانب ذلك، وثّقت الصحيفة مطالبات وإنجازات توفيق الطوبي في الكنيست.

صحيفة الاتحاد: 16 تشرين الأول 1949 | ص. 2
صحيفة الاتحاد: 16 تشرين الأول 1949 | ص. 2

 

ومن أهم الدعوات التي شارك فيها توفيق طوبي إلى جانب توفيق زيّاد، الدعوة إلى مسيرات “يوم الأرض” للتصدّي لمصادرة أراضي الجليل لمشروع “تطوير الجليل” آنذاك.

شاهد/ي أيضًا: يوم الأرض الفلسطيني في الصور والصحف الفلسطينية والإسرائيلية

 

توفيق طوبي في ذكرى يوم الأرض، 1988، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية
توفيق طوبي في ذكرى يوم الأرض، 1988، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية


سيف الدين الزعبي وأمين جرجورة

نصراويان مثّلا القائمة الديموقراطية للناصرة في الدورة الأولى للكنيست، وفي الدورة الثانية، وبعد عامين، أوقف أمين سليم جرجورة ولايته، وفي العام 1954 تم تعيينه رئيسًا لبلدية الناصرة. يُعتبر أمين سليم جرجورة رجلًا قد شارك مع كل الحكومات في فلسطين العثمانية والانتدابية؛ إذ خدم في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، وكان معلّمًا في معارف حكومة فلسطين التابعة للانتداب البريطاني، حتى أصبح في البرلمان الإسرائيلي وبلدية الناصرة تحت الحكم العسكري.

أمين سليم جرجورة في خطاب في الوكالة اليهودية، 1949، أرشيف موشيه ليفين، المكتبة الوطنية
أمين سليم جرجورة في خطاب في الوكالة اليهودية، 1949، أرشيف موشيه ليفين، المكتبة الوطنية

أما سيف الدين زعبي، فلقد كان رفيقًا لجرجورة في القائمة الديموقراطية للناصرة في الدورة الأولى، وفي الدورة الثانية، انتقل الزعبي إلى القائمة الديمقراطية لعرب إسرائيل لدورتين متتاليتيْن حتى العام 1956، وتوّقف لمدة تسع سنوات، وعاد للكنيست في العام 1965 حتى العام 1979 مع كتلة التقدّم والتطوّر، وبالتزامن مع فترة الكنيست، ترأس بلدية الناصرة وتحديدًا بين 1959 حتى العام 1974.

سيف الدين الزعبي في خطاب في الأول من أيّار، 1965، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية
سيف الدين الزعبي في خطاب في الأول من أيّار، 1965، مجموعة بيتمونا للصور، المكتبة الوطنية

وبعد الدورة الأولى للكنيست، توالت أخبار كل دورة حتى نشرت صحيفة الصريح أخبار الدورة الثانية بزيادة الأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي الجديد بمختلف خلفياتهم الدينية.

الصريح: 11 آب 1951 | ص. 1
الصريح: 11 آب 1951 | ص. 1

 

حينما غُفِر لبريطانيا استعمارها: وجهاء عرب يدعون للتطوع في الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية

كيف ساهم سياسيون فلسطينيّون ومثقفون عرب وفلسطينيون في تشجيع الناس للتطوع في صفوف الجيش الإنجليزي الاستعماري؟

الفرقة الفلسطينية المتطوعة لصالح الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، المنتدى 01 آب 1941

الفرقة الفلسطينية المتطوعة لصالح الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، المنتدى 01 آب 1941

في الثالث من أيلول للعام 1939 بدأت حرب بريطانيا ضد ألمانيا النازية، وقد عاون بريطانيا العديد من الدول والفرق إلى جانب الحلفاء، حيث انضم الفيلق اليهودي للتدريب مع الجيش البريطاني وذلك للحفاظ على حلم الوطن القومي في فلسطين الذي ضمنه وعد بلفور. ولكن الأمر لم يتوقف على مؤازرة اليهود في أوروبا وفلسطين بقيادة الوكالة اليهودية والمندوب السامي، بل وصل إلى أبواب الفلسطينيين وكل ذلك خلال فترة استعمار بريطانيا أو انتدابها للبلاد، ولكن كيف بدأت حكاية تطوّع الفلسطيني مع مستعمره في محاربة استعمار آخر؟

بعد شهر من اندلاع الحرب، أعلنت القوات البريطانية في الصحف العربية عن فتح باب التطوّع للفلسطينيين للمشاركة في الحرب إلى جانب الجيش البريطاني، وذلك للحد من نفوذ ألمانيا النازية؛ إذ كانت المعارك لصالح الألمان حتى العام 1941، إلّا أنّ التطوّع كان مشروطًا، وقد نشرت صحيفة فلسطين بيان المندوب السامي حول الاستفادة من خدمات الفلسطينيين وذلك بإعلانها الحاجة إلى مهندسيين، عمال في النقليات ومخازن الأسلحة والذخائر وبالطبع الحاجة الكبرى إلى محاربين. ومن أبرز الشروط أن يكون عمر المحارب بين 20 – 25 بينما أعمار الفنيين لا بأس أن يكونوا أكبر سنًّا وقد أتيحت “الفرصة” لكل من كان عمره بين 35 – 40 عامًا. لم يتوقف الأمر بحكومة الانتداب عند هذا الحد، بل وعدت كل متطوع برواتب عالية تتوفر له ولعائلته – إن كان متزوجًا – وكل من يخدم خارج فلسطين سيعامل معاملة الجندي البريطاني، على حدّ قولهم.

شاهد/ي أيضًا: الحرب العالمية الثانية: معارض رقمية لصور وأخبار من الصحف الفلسطينية

صحيفة فلسطين: 12 تشرين الأول 1939
صحيفة فلسطين: 12 تشرين الأول 1939

فجأة، بدأت القوات البريطانية تنشر في الصحف الفلسطينية أعداد المتطوعين في كل أسبوع، والذي كان يزداد،؛ إذ نُشر بعد 10 أيام من الإعلان الأول، في الصفحة الثالثة من صحيفة فلسطين في خبر في آخر الصفحة بخط صغير، كخبر مهمل، العنوان التالي: 440 متطوّعًا حتى الآن منهم 7 أطباء ومهندسين، 252 حِرَفي، 147 محاربًا مع صفوف الجيش إلى جانب 34 متطوّعًا في المهام الفنية والكتابية.

صحيفة فلسطين: 22 تشرين الأول 1939 | ص. 3
      صحيفة فلسطين: 22 تشرين الأول 1939 | ص. 3


رجال دين وأدباء في خدمة الحكومة البريطانية الانتدابية

لم يتوانى الأمر مع الحكومة البريطانية عند حد إعلان التطوّع، بل تعاونت مع بعض الوجهاء في فلسطين ومصر لتشجيع عامة الناس للتطوّع في صفوف الجيش البريطاني، ولم تتوانى كذلك الصحف الفلسطينية عن توثيق الخطابات الجماهيرية التعبوية إن كانت من الشيوخ أو المثقفين أو الأدباء. ولكنّ السؤال هنا، لماذا لجأت بريطانيا لدعم “الوجهاء”؟ الجواب يبدأ من إيطاليا؛ إذ انضمت إلى صفوف ألمانيا النازية وشكّلت مع اليابان دول المحور. دخول إيطاليا، كان بمثابة انتهاء الحلم القومي لليهود لأنّها دعمت ثورة العرب والفلسطينيين منذ العام 1935. (بيان نويهض الحوت، 1983)

“أبدى العرب اليوم دليلًا جديدًا يُضاف إلى الأدلة الكثيرة التي سبقت على أنّهم في كل مكان موالون لبريطانيا العظمى وحلفائها ويؤيدون بكل قواهم قضية الديموقراطية العادلة”، هكذا استهلت صحيفة فلسطين في الصفحة الثالثة من عدد 18 حزيران 1940 حول اجتماع حاكم القدس العسكري، ومساعد حاكم لواء القدس، ومدير بوليس القدس والضابط فايز الإدريسي بالإضافة إلى الكاهنين يعقوب الحنّا ونقولا الخوري وصحفييْن من صحيفتي الدفاع وفلسطين، كل هؤلاء تجمّعوا في بيت المختار عبد الرحمن عريقات في منزله في بلدة أبو ديس، وكل هؤلاء اجتمعوا أيضًا للتأكيد لجماهير أبو ديس والبلدات المحيطة على أهمية الوقوف مع بريطانيا ودول الحلفاء في محاربة فاشية إيطاليا ونازية ألمانيا.

فلسطين: 18 حزيران 1940 | ص. 3
فلسطين: 18 حزيران 1940 | ص. 3

بعد أقل من شهر، عُقد اجتماع مشابه في مدينة الخليل للتأكيد على الولاء للديموقراطية؛ إذ بسّط فطين طهبوب مرامي السياسة الدولية والعالمية للجمهور، وبيّن كذلك كامل الجعبري مطامع الاستعمار الإيطالي، فيما تحدّث وشبان آخرون باللغة الإنجليزية للترحيب بالضيوف الإنجليز وتجديد الولاء والثبات على المبادئ الديموقراطية للحكومة البريطانية.  لكنّ الحديث الأدهش والمؤثر في هذا اليوم كان لصالح حاكم لواء القدس البريطاني “كيث روتش” الذي ذكّر الحضور العربي الفلسطيني أنّ الجميع يؤمن بالله، وأنّ بريطانيا وحكومتها وشعبها من أهل الكتاب، ويُعدّ دعم الإمبراطورية البريطانية من أسس الدين السليم، ووجب محاربة هتلر الذي استبدل الكتب المقدسة بنظامه النازي المطروح في كتابه “كفاحي”.

الدفاع: 5 تموز 1940
الدفاع: 5 تموز 1940

استمّرا المندوب السامي والحاكم العسكري بتشجيع الناس للانضمام لصفوف الحرب عبر استقبال بعض العائدين من الفرقة الفلسطينية من الحرب العالمية بحفل صاخب واستعراض عسكريّ مهيب يتخلله عامة الناس، سياسيون من الجانب الإنجليزي، اليهودي والعربي، بالإضافة إلى الصحافة العربية واليهودية؛ إذ نقلت صحيفة فلسطين الخبر في الصفحة الأولى من عددها الصادر في 29 أيلول من العام 1940، أي بعد عام من اندلاع الحرب.

فلسطين: 29 أيلول 1940
فلسطين: 29 أيلول 1940

عباس محمود العقّاد ينادي بالولاء لبريطانيا الديموقراطية

الحرب بعد 12 شهرًا و6 أسابيع، خطب الأديب عباس محمود العقّاد، والذي كان أيضًا أحد أعضاء مجلس النوّاب المصري، في إذاعة القدس مستهّلًا خطابه بـ “إخواننا أبناء العربية”، متابعًا وواصفًا فلسطين بأنّها مهد الديانات والرسالات السماوية، وكان الشاعر والروائي المصري عبد القادر المازني قد رافق العقّاد في رحلته إلى فلسطين وقد استقبلهم الأديب والمؤرخ عجاج نويهض في المسجد الأقصى. في يوميات طاهر عبد الحميد الفتياني، ورد بأنّ نويهض شارك في المؤتمر الذي أعدّه المندوب السامي في دار الحكومة بالقدس مع رؤساء بلديات يافا، الرملة، القدس، رام الله، حيفا، عكا، الناصرة، الخليل، وغزة حول مشروع تطوع عرب فلسطين في الجيش البريطاني، والبحث في وسائل تشجيع العرب للتطوّع. (سميح حمودة، مجلة حوليات مقدسية)

شاهد/ي أيضًا: مدن تاريخية مصوّرة

صحيفة فلسطين: 15 تشرين الأول 1940
صحيفة فلسطين: 15 تشرين الأول 1940

أما المحامي حنّا ديب نقارة، فقد أورد في كتابه “مذكرات محامٍ فلسطيني” الصادر في العام 1985 – بعد عام من وفاته – أنّ عجاج نويهض أدار إذاعة القدس لخدمة الجيش البريطاني؛ إذ كان هو والعقّاد يخطبون لصالح بريطانيا، وعلّق حينها: “مما أثار استهزاءنا بهذه الإذاعات الكاذبة. إذ كانت بريطانيا في نظرنا رأس الحية، ولا يهمنا من سيقضي على هذه الحية الرقطاء.”

بعد 10 أيام من خطاب العقاد، تعرّض هو والمازني وفخري النشاشيبي لإطلاق نار دون أن يُصاب أيّ منهم، أما عادل أرسلان – أخو الأمير شاكر أرسلان؛ المتهم بدعمه لألمانيا مع المفتي أمين الحسيني – فقد علّق على تصرفات العقّاد المتذبذة بأنه كان أشد الناس والكتّاب عداءً لبريطانيا لأنها قوة مستعمرة كغيرها؛ إلا أنّه في الحرب العالمية الثانية جاء إلى فلسطين مع المازني ليؤثر على عقول العرب فيصبحوا صهيانة. (أرسلان، 1983)

توالت الأحداث والأخبار حتى أصبحت تنشر في الصحف الفلسطينية أسماء المتطوعين القتلى والجرحى والمفقودين وتحديدًا في العام 1941 بعدما حمي الوطيس مع دول المحور وبدأت تنقلب معادلة الحرب لصالح دول الحلفاء.

صحيفة فلسطين: 22 تموز 1941 | ص. 5
صحيفة فلسطين: 22 تموز 1941 | ص. 5

 

صحيفة فلسطين: 29 تموز 1941 | ص. 5
صحيفة فلسطين: 29 تموز 1941 | ص. 5

لم تتوقف مكاتب التجنيد عن طلب المتطوعين، بل ازداد عدد المتطوعين المنخرطين في البحرية البريطانية كذلك.

فلسطينيّون في البحرية البريطانية، مجلة المنتدى: 1 أيّار 1943
فلسطينيّون في البحرية البريطانية، مجلة المنتدى: 1 أيّار 1943

 

مجلة المنتدى: 1 تموز 1943
مجلة المنتدى: 1 تموز 1943

 

مجلة المنتدى: 1 آب 1943
مجلة المنتدى: 1 آب 1943

قبل نهاية الحرب بأشهر قليلة، بدأت تنشر الصحف عن الأسرى الجنود، وعن عودة البعض واختفاء البعض الآخر، كما ورد في صحيفة فلسطين على سبيل المثال في العدد 9 حزيران 1945 خبر وصول 65 أسير حرب.

صحيفة فلسطين: 9 حزيران 1945
صحيفة فلسطين: 9 حزيران 1945

ولأن نهايات الحروب كما وصفها محمود درويش: ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز، تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة، تنتظر زوجها الحبيب وأولئك الأطفال، ينتظرون والدهم البطل. لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيتُ من دفع الثمن”. وعلى الرغم من هذا الوصف “الرومانسي” لنهاية الحرب، إلّا أنّ هذه عادة الحروب، تختفي أسماء وتُخلّد أسماء أخرى، فيما تنتصر دول وتُباد شعوب أخرى لسوء إدارة حُكّامها وألاعيب مثقّفيها.