إن كنيسة القيامة معلم شديد الأهمية من معالم القدس وكذلك أحد أقدس الأماكن المسيحيّة حول العالم. تشترك كلّ من كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم بما يعرف ب”الوضع القائم” وهي انظمة وضُعت على يد الدولة العثمانيّة من خلال عدة فرامانات بين عام 1757 وعام 1852 تقوم بتقسيم مهام هذه الأماكن وخدمتها ورعايتها ما بين الطوائف المسيحيّة المختلفة، وهو وضع ما زال قائمًا إلى اليوم.
اطلعوا على أماكن ومقدسات مسيحية
عُرف “السّلم الثّابت” الموضوع على شرفة النّافذة اليمنى لواجهة كنيسة القيامة في القدس كرمز للوضع الراهن. إذ بسبب الاتفاق على الوضع الراهن بقي السلم الخشبي البسيط مكانه ولم يتحرك الّا في حالات خاصّة، وذلك خوفًا من اندلاع النّزاع بين الطوائف المسيحيّة إذا ما قام أحد بتحريكه واعتبرته الطوائف الأخرى تعديًا على الوضع الراهن. ومع مرور أكثر من مائتي عام، يمكننا القوم بأن السّلم أصبح جزئًا من الكنيسة، إذ يظهر في جميع المواد البصرية المتاحة في هذه السنوات كأحد معالمها، انظر على سبيل المثال إلى هذا الملصق المرسوم من مطلع القرن العشرين.
هناك من يرى أنّ هذه التّقاليد بقيت كعنوان للاتفاق والتفاهم بين الطّوائف، وهناك من اعتبرها أثرًا مذمومًا للانقسام المسيحي، من هؤلاء بابا الكنيسة الكاثوليكية بولس السادس (1897-1978) الذي حجّ إلى القدس في ستينات القرن العشرين واعتبر ان السلم الثابت رمزًا مرئيًا للانقسام المسيحي، وأكّد على ضرورة عدم تحريكه من مكانه إلى أن تصل الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكيّة إلى توافق فيما بينها.
دعونا نطّلع على تفاصيل قصّة الوضع الرّاهن والسّلم الشّهير الّذي أصبح معلمًا من المعالم هذه المدينة التاريخيّة المليئة بالقصص.
المعالم المسيحيّة المقدّسة في الشّرق وقصّة الوضع الرّاهن
بدأ التنافس أو الاختلاف على من يكون الاحق برعاية المعالم المسيحيّة المقدسة في الشرق (بالأساس كنيسة القيامة وكنيسة المهد في بيت لحم) عقود قليلة بعد وقوع الانشقاق العظيم بين الكنائس الشرقيّة الإغريقيّة التي باتت تعرف بالأرثوذكسية والكنائس الغربيّة اللاتينيّة التي باتت تُعرف بالكاثوليكيّة.
حين خرجت الحملة الصّليبيّة الأولى من الغرب وقعت هذه المواقع تحت سيطرة الكنيسة الكاثوليكيّة وبقيت كذلك حتى نهاية الحكم الصّليبي. خلال العهد العثماني كان هناك حالة من عدم الاستقرار بكيفيّة تقسيم الوصاية على هذه الاماكن بين الكنيسة الارثوذكسية والكنيسة الكاثوليكيّة، ممّا أسفر عن عدّة خلافات من أبرزها أحداث أسبوع الآلام عام 1757، في ذلك العام وضع السلطان العثماني أول فرامان للوضع القائم.
كان من الاسباب المعلنة لحرب القرم هو تغيير الوضع الراهن على يد السلطان العثماني لصالح فرنسا مما يعني منح الصلاحية الكاملة للكنيسة الكاثوليكيّة، فكان أحد أسباب شنّ الحرب من قبل روسيا هو أن تكون صلاحية رعاية هذه الاماكن تحت يد الكنيسة الارثوذكسيّة. وخلال الحرب التي دامت لثلاث سنوات بين 1853-1856 قام السلطان العثماني بالتأكيد على الوضع الراهن السابق في فرمانات جديدة في عام 1852 و 1853 كمحاولة لتهدئة الحرب. وتم التأكيد على ان الوضع الراهن في الاماكن المقدسة في القدس سيبقى على ما هو عليه إلى الأبد. أي ان الاماكن المشتركة للطوائف، أو المملوكة لأحدها حصرًا، ستبقى كذلك بدون تغيير.
ولأن كنيسة القيامة مشتركة بين الطوائف المتعددة، فإنّ تفاصيل إدارتها اليوميّة وكيفيّة تقاسم المساحات والمواقيت بها أمر غاية للاهمية ويمارس بدقة شديدة إلى اليوم. وذلك تمسّكًا بالوضع الراهن الّذي سمح لهذه الطوائف المتعددة بممارسة شعائرها وحقوقها بالتواجد في هذا المعلم الديني الأساسي لجميعهم.
السّلم الثّابت
السلم الخشبي الموضوع على شرفة النافذة اليمينية لواجهة الكنيسة أحد رموز الوضع الراهن ولكنه ليس الوحيد. في الحقيقة، هناك العديد من التقاليد المميزة في حياة هذه الكنيسة اليوميّة تؤدي دورها بحفظ السلم والاتفاق بين الطوائف المسيحيّة في الكنيسة بل وبينها وبين الطائفة المسلمة في المدينة أيضًا. من أشهر هذه التقاليد هو فتح أبواب الكنيسة وإغلاقها على يد أبناء من عائلة مسلمة من القدس تقوم بهذا الدور منذ مئات السنين.
مع ذلك، فإن السلم محط جدل من جهة واحترام من جهة أخرى، اذ ليس هناك أي اجراء يخصّه، كل ما في الأمر هو انه يُمنع تحريكه فقط، مما جعله رمز يوحي بحالة من الجمود من جهة والقداسة من جهة إخرى بالرغم من انه لا يحمل أي قداسة دينيّة لدى أي من الطوائف، بل يعتقد أنه هناك لأنّه كان يُستخدم على يد أحد العمال الّذي تركه، وبقي هناك خوفًا من انتهاك الوضع القائم.
من القصص المثيرة للجدل هي قيام سائح مسيحي عام 1997 برفع السّلم من مكانه وإخفائه خلف أحد أبواب الكنيسة الداخليّة كنوع من الاعتراض على الامر، وحين تم التعرف عليه والتحقيق معه حول هذه الجناية اقرّ بانه قام بذلك كنوع من التظاهر ضد الخلاف الطائفي حول إدارة شؤون كنيسة القيامة والذي اعتبره سخيفًا ومسيء للمسيحيّة.
في النهاية تبقى كلمات البابا بولس السادس تثير التفكير، اذ اعتبره بحزن رمزًا مرئيًا للانقسام المسيحي، ومع ذلك أكّد على ضرورة احترامه وعدم المساس به إلى أن يأت الوقت المناسب.