المسحراتي، المدفع، المشاريب والحلويات المميزة، الأغاني والزّينة وتبادل الأطباق والتهاني، كلها عادات جميلة تكوّنت عضويًا بين الأهالي والمجتمعات على امتداد العالم العربي والعالم الإسلامي. ويمكننا بالطبع المقارنة بين هذه العادات في البلاد المختلفة. ولكن المقارنة عبر العصور أصعب قليلًا، فرمضان في القاهرة في القرن السّادس عشر للميلاد ليس مثل رمضان في القاهرة في العام 2023، وإن كان جوهر الشّهر واحد وهو فريضة الصّوم في الدّيانة الإسلاميّة.
المعلومات حول رمضان في الماضي البعيد عزيزة ولكنها موجودة، وبالرّغم من عدم توفّر تقنيات نقل الصوت والصّورة فقد دأب مؤرّخون عديدون على تدوين ملاحظات حول شهر رمضان في الزّمان الّذي عاشوا فيه، وذكروا بعض أنواع المأكولات التي ما زالت تتألق في رمضان إلى يومنا هذا، منها الكنافة والقطائف والزّلابية على سبيل المثال، وهي حلويات قديمة في المنطقة، إذ ذكرها الشّاعر الشهير في العصر المملوكي أبو الحسين بن الجزار وقال عن حلويات رمضان:
سقى الله أكناف الكنافة بالقطر وجاد عليها سكر دائم الدر
أهيم غراما كلما ذكر الحمى وليس الحمى إلا القطارة بالسعر
واشتاق ان هبت نسيم قطائف سحور سحيرًا وهي عاطرة النشر
طالع/ي أيضًا: رمضان: صور، وقصاصات من الصحف ومخطوطات قرآنية ومقالات في مدونة أمناء المكتبة
ومع التشابه الكبير في العادات والمأكولات الرمضانية عبر العصور، إلّا أننا أيضًا نستطيع رصد بعض التغيّرات أو الإضافات بالأحرى. فعادة تزيين البيوت مثلًا تعتبر عادة حديثة لم تتّبع سابقًا لكنها اليوم أضحت ضرورة من ضرورات الاحتفال بالشهر الكريم، وتتزين بها البيوت والحارات قبل حلول الشهر بأيام ترحيبًا به، وهي مما يستمتع به الأطفال على وجه الخصوص. كذلك المشاريب الرّمضانيّة تنوّعت في السنوات الأخيرة وباتت لا تُحصى، ففي حين كان التمر الهندي المشروب الرئيسي في رمضان ومع العرق سوس، أُضيفت إليه اليوم مشروبات إضافية في القدس على سبيل المثال، منها عصير اللوز والجزر.
في صورة نادرة لمسحراتي مدينة يافا في أوائل سنوات العشرينيّات نجد المسحراتي يلبس لباسه المعتاد في ذلك الوقت، ويطرق طبلة بسيطة معتمدًا على صوته وحده، ولا نلحظ وجود زينة على البيوت التي تظهر خلفه بوضوح. في بعض المدن العربية في البلاد اليوم يرتدي المسحراتي الملابس التقليدية القديمة تمسّكًا بذكرى المسحراتي التقليدي، تأكيدًا على أن هذه الوظيفة تاريخيّة ومستمرّة، وفي بعض الأحيان يستخدم مكبرًا للصوت، ويقوم بأداء مميّز من الإنشاد والغناء فضلًا عن التسحيرة المعهودة “اصحَ يا نايم.. وحد الدايم..”.
اقرأ/ي أيضًا: البحث عن المسحراتي يعقوب مراد
في هذه الصّورة نجد بائع المشاريب في يافا، كما اليوم يعرض المشاريب في ساعات الصّيام ويبدو عليه التعب، يقال أنّ الصائم يشتهي كل ما يراه، ويبدو أن تبضّع المشاريب والحلويات الرمضانية من الشارع والأسواق في ساعات الصّيام عادة قديمة وإن لم يلقي لها الكثيرون بالًا. ففي هذا الشهر تزدهر أعمال صانعي هذه الحلوى وهذه المشاريب أكثر من أي وقت آخر في العام.
نختتم هذه المقالة الصّغيرة بصورة جميلة لطفل يافاوي يمشي في الشّارع حاملًا طبقًا من الطّعام مبتسمًا وممثّلا لبهجة رمضان بأفضل شكل. ما رأيكم؟ هل هذا طبق حمّص لإضافته إلى المائدة كما يفعل محبّو الحمّص في رمضان اليوم؟ أم هي العادة الاجتماعية الجميلة بإرسال الأطباق بين الجيران لتنويع المأكولات وإدخال البهجة إلى المائدة الرمضانية؟
على كلّ، التقط هذه الصّور المصوّر فرانك شولتن خلال رحلته الطويلة بين الأعوام 1920-1923 في بلدان عديدة في الشرق الاوسط، وهي من مجموعة ياد يتسحاك بن تسفي، يمكنكم الاطلاع على مجموعة رحلات شولتن الرقمية بالكامل هنا.