سيف الدين الزعبي؛ عضو عربي في الكنيست أثار الجدل

سيف الدين الزعبي في كتابه "شاهد عيان"، كيف بقي بالناصرة بعد الحرب، وكيف وصل للكنيست الأول، وكيف هاجمته صحيفة الاتحاد.

سيف الدين الزعبي في مظاهرة يوم العمال في الناصرة، 1965، مجموعة بيتمونا.

لطالما كان اسم سيف الدين الزعبي (1913 – 1986) اسم مثير للجدل في الأوساط العربية بالبلاد، إذ كان من أوائل النوّاب العرب في الكنيست الإسرائيلي الأول عام 1949 ودعم قرار تقسيم فلسطين. ولكن، الأكثر من ذلك بإنه تعاون مع الهاجاناه قبل تأسيس إسرائيل عام 1948.

لقد كان سيف الدين الزعبي من مواليد قرية نين (إحدى قرى المرج) تعلّم في الكتّاب، وختم القرآن في عمر العاشرة من عمره. (شاهد عيان، 1987). انتقل لمدينة الناصرة لكي يدرس في مدارسها، إلا أنّه ووفقًا لمذكّراته لم يلتزم بالدوام في صفوف الدراسة على الرغم من أنّه كان فصيح اللسان، وملّمًا بالشعر والأدب والسياسة. لقد تقلّد سيف الدين العديد من المناصب حتى تقلّد منصب رئيس بلدية الناصرة.

سيف الدين الزعبي وآرائه الجدلية

عند النظر إلى موقفه من قرار تقسيم فلسطين، كان سيف الدين الزعبي من أوائل الناس الذين نظروا إلى قرار تقسيم فلسطين نظرة مختلفة عن الباقي؛ إذ يورد لنا في مذكراته “شاهد عيان”: “وتقرّر هيئة الأمم المتحدة تقسيم فلسطين سنة 1947 وتثور ثائرة العرب، ويقرر العرب ومعهم دول عربية سبع أن ينتزعوا البلاد بقوة السلاح. أما أنا فقد رأيت آنذاك ما لم يره أولئك الذين انخدعوا وضُّللوا من قبل الزعماء العرب، ورأيت بما حباني الله من بعد نظربأنّ ما يقوله أولئك الزعماء هو غير ما يفعلون. وأنّ التقسيم الذي قُّرر لا بد وأن يكون وأنّه من مصلحة العرب وأن يقبلوا بالأمر الواقع قبل أن تقع الكارثة فيندمون.” ويستطرد الزعبي في مذكراته حول المشاكل والأزمات التي دارت بينه وبين الزعماء العرب وعلى رأسهم المفتي أمين الحسيني، الذي تبيّن لاحقًا أنه قد أرسل ببعض “الزعران” لكي يغتالوا سيف الدين الزعبي (شاهد عيان، 1987).

أما موقفه من الهاجاناه، فقد كان سيف الدين الزعبي نشطًا في صفوف “الهجاناه” وتحديدًا في وحدة الاستخبارات، وقد نال على ذلك “وسام محاربي إسرائيل.” وهذا النشاط مكّنه من مساعدة بعض اللاجئين الفلسطينيين على العودة إلى البلاد بل واستعادة أراضيهم الزراعية، لا سيما بعض وجاهات قرى مرج بن عامر مثل إكسال ودبورية؛ إذ ساهمت علاقته الخاصة مع موشيه شاريت ويغال ألون بمساعدة بعض الناس بالعودة إلى بيوتهم، وتأمين بعض الأشغال لهم بعدما استشرى الجوع  والمرض في مدينة الناصرة.

ولقد اعتبر الزعبي أن دورة الكنيست الإسرائيلي الأولى كان فيها من الديموقراطية الجديدة التي لم يشهدها العرب من قبل، إذ سُمِح لهم باختيار نائب والتصويت له وكان التصويت لأول مرة حقًّا للجميع ذكورًا وإناثًا، أغنياءً وفقراء. عقدت الدورة الأولى للكنيست في كانون الثاني من العام 1949، أي بعد أقل من عام على قيام الدولة، إذ كانت الحاجة تُلّح إلى تشكيل حكومة، وقد تشكّلت الحكومة بقيادة دافيد بن غوريون، فيما كان في هذه الدورة ثلاثة أعضاء عرب وهم: أمين سليم جرجورة وسيف الدين زعبي عن القائمة الديمواقراطية للناصرة، وتوفيق طوبي تحت كتلة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. وقد حصدت حينها القائمة الديمواقراطية للناصرة مقعدين، بينما حصل الحزب الشيوعي الإسرائيلي على أربعة مقاعد.

اقرأ/ي أيضًا:  النوّاب العرب في الكنيست: توفيق الطوبي، سيف الدين الزعبي، وأمين جرجورة

 

اقتتال “الأخوة”: سيف الدين الزعبي والأعضاء العرب في الحزب الشيوعي الإسرائيلي

 

لا نشعر بوجود الحكم العسكري

سلسلة اعتداءات على أعضاء الحزب الشيوعي: صحيفة الاتحاد 26 أيار 1951

اتّهَمَت صحيفة الاتحاد التابعة للأعضاء العرب في الحزب الشيوعي الإسرائيلي سيف الدين زعبي بأنّه سياسي مثير للجدل في العديد من المواقف خلال عمله السياسي سواءًا في الكنيست أو بلدية الناصرة. على سبيل المثال، في العام 1951، اتُّهِم بتنظيم سلسلة من الاعتداءات على عدد من أعضاء الحزب الشيوعي الرافضين للحكم العسكري آنذاك مستخدمًا سلطته في الحكومة وعلاقاته. أمّا في العام 1960، خلال ترأسه لبلدية الناصرة، تحدّث باسم سكان الناصرة بأنّ “البلدية والأهالي لا يشعرون بوجود الحكم العسكري”. وفي انتخابات رئاسة بلدية الناصرة للعام 1971، عقّبت صحيفة الاتحاد أنّ الانتخابات تمّت في جلسة غير قانونية. وقد اتهم بتشكيل ائتلافات خاصة به داخل منظومة بلدية الناصرة، مما أدّى إلى الكشف عن فساد في إدارة سيف الدين الزعبي داخل البلدية. وقد توالت الأحداث والاشتباكات السياسية داخل البلدية مما أدّى بنشر خبر صحفي في صحيفة الاتحاد وُثِّق فيه تهديد سيف الدين الزعبي لعضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي توفيق طوبي بالطرد من مدينة الناصرة. و لم تتوانى صحيفة الاتحاد باللحاق بالنائب سيف الدين الزعبي والكتابة عنه والكشف عن الفساد والخطابات السياسية، التي وصفتها الصحيفة، بأنها لا تمثّل العرب في البلاد.

 

 

 

 

انتخاب سيف الدين الزعبي في جلسة غير قانونية: صحيفة الاتحاد 30 نيسان 1971

 

ائتلاف سيف الدين في بلدية الناصرة
ائتلاف سيف الدين في بلدية الناصرة: الاتحاد 20 حزيران 1972

 

فساد إدارة سيف الدين الزعبي: الاتحاد 5 كانون الثاني 1973

 

سيف الدين يهدد توفيق الطوبي: الاتحاد 12 تشرين الثاني 1976

سكن سيف الدين الزعبي في البلدة القديمة لمدينة الناصرة في ستينيّات القرن الماضي في بيتٍ قديم بُني من العام 1888، وكان يتبع لجميعة عميدار للإسكان، وقد اشترته ابنته من ذات الجمعية في العام 2011 وحوّلته لمركز سياحيّ وبيت ضيافة وصله العديد من القادة والسياسيين أمثال شمعون بيريز، جولدا مائير، جيمي كارتر وغيرهم.

 

أموال الحالوكاه أو التقسيمة – كيف عاش يهود اليشوف القديم؟

اليشوف القديم مصطلح عبري، ويُقصد به السكان اليهود في البلاد قبل الهجرات الصّهيونيّة، واعتاش هذا المجتمع على أموال التبرعات من يهود العالم. فما "الحالوكاه".

باب الخليل في القدس، نهاية القرن ال 19

باب الخليل في القدس، نهاية القرن ال 19

بقلم: شارون كوهين

إن فكرة تخصيص الميزانيات لطلبة العلم فكرة مألوفة لدى معظمنا، لكن جذور هذه الفكرة في الديانة اليهودية قديمة وتسمى باتفاقية يَساكار وزبولون. ظهر هذا الاتفاق في سفر التكوين وفيه حدث تحالف بين شخصين – أحدهما لديه المال والآخر طالب ذكي ولكنه فقير؛ الرجل الغني يدعم الطالب الذكي مادياً ويسمح له باستثمار وقته في دراسة التوراة. في المقابل، يُعتبر صاحب المال شريكًا للطالب الذكي في أداء فريضة دراسة التوراة.

ظهرت هذه الممارسة عبر التاريخ بأشكال مختلفة؛ أحدها هو الحالوكاه أو أموال التقسيمة – مصطلح من فترة اليشوف القديم في فلسطين العثمانيّة يشير إلى الحسابات التي كانت تدار على يد يهود الشتات من أجل المستوطنين اليهود في البلاد.

كان سكان اليشوف القديم يمثّلون الشعب اليهودي كله، واعتبر مكوثهم في البلاد عملًا يقرّب الخلاص. لذلك، شعر يهود الشتات بنوع من الالتزام بدعمهم والاهتمام باحتياجاتهم. كانت الأموال التي تم جمعها مخصصة في المقام الأول للفقراء من العلماء الذين كرّسوا حياتهم للصلاة ولدراسة التوراة، وكان يهود اليشوف يذكرون المتبرعين في صلاتهم ويدعون لهم.

مثال على ذلك، الملصق التالي والذي يُظهر الصلاة بمناسبة عيد الميلاد المائة للسيد موشيه مونتفيوري الذي جمع الكثير من الأموال لسكّان اليشوف القديم. كُتبت الصفحة وطُبعت في مطبعة الحاخام يوئيل موشيه شالامان، وطُبع اسم مونتيفيوري بالحبر الذهبي.

 

ملصق "صلاة لموشيه" من مجموعة الأفيمرا، المكتبة الوطنية.
ملصق “صلاة لموشيه” من مجموعة الأفيمرا، المكتبة الوطنية.

تطوّر جمع أموال التقسيمة وتنظيمها في القرن السابع عشر، عندما عرّف حاخامات البلاد أموال التقسيمة كفرض على يهود الشتات  وليست صدقة فقط. كانت إحدى الطرق الشائعة لجمع الأموال من خلال تركيب الحصّالة النقدية “الحاخام مئير صاحب المعجزة” في الكُنُس والبيوت، وقُسّمت الأموال التي تم جمعها على المستوطنين اليهود في البلاد، ومن هنا جاء اسم “أموال التقسيم”.

بدأت المشكلة عندما لم يتفق المستوطنون على حساب التّقسيمة، نشأت الخلافات بين الطائفة السفاردية والطائفة الأشكنازية في القدس حول توزيع أموال التقسيمة عندما قرّر السفارديون أن تٌعطى للقادة والعلماء، بينما قرّر الأشكنازيّون تقسيم الأموال وفقًا لمعادلة تم بموجبها تخصيص الثلث للمحتاجين، والثلث للعلماء والثلث للمؤسسات العامة.

على أثر هذه النّزاعات، غادر معظم الأشكنازيين القدس وانتقلوا إلى طبريا وصفد والخليل خلال القرن السابع عشر، ومنذ ذلك الحين، تم إرسال أموال التقسيمة إلى “المدن المقدسة الأربع” وهي القدس والخليل وطبريا وصفد. وفي العام 1786، قررت المجتمعات الأوروبية إنشاء “لجنة الكتّاب والمفوّضين” التي اهتمّت بتنسيق جمع الأموال وتوزيعها بشكلٍ منظّم.

طالع/ي أيضًا: صفحات عناوين المدن التاريخية

حتى بداية الهجرات الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر كان أهالي اليشوف القديم يعتمدون بشكل تام على أموال التقسيمة لتسيير حياتهم. عملت منظمات وشخصيات يهودية من جميع أنحاء الوجود اليهودي في العالم من الاستيطان القديم، ومن بين أهدافهم كان التأثير على ثقافته، مثل المنظمة اليهودية الفرنسية “كل أصدقاء إسرائيل”، والمتبرعين من عائلة روتشيلد، ورؤساء الجاليات من إنجلترا وعلى رأسهم موشيه مونتفيوري، كما ذكرنا سابقًا، وعائلة ساسون من بغداد ومومباي وغيرهم. يعتقد  الباحث موشيه سمت إلى أن نمو الاستيطان القديم وازدهاره كان مخيّبًا لهذا السبب بالتحديد – لأن المستوطنين القدامى لم يتمكنوا من إعالة أنفسهم واعتمدوا على الدعم المستمر من يهود الشتات.

إعلان خاص نشره موشيه بويمغارتن المقيم في القدس عام 1872 في صحيفة هابزالت.

في هذا الإعلان، يحتج السيّد على احتمال توقيف حصوله وعائلته على حصّتهم المعتادة من أموال التقسيمة بسبب افتتاحه لبيت مدراش (مقرّ علم ديني) بالقرب من منزله. وبحسبه، فقد تم تحذيره من أنه إذا لم يغلق البيت “مدراش”، فسوف يتوقف عن تلقي حصته من أموال التقسيمة خوفًا من أن يلجأ إلى جاليات يهودية في الخارج طلبًا لدعم البيت مدراش والتسبب بضرر للأموال المحوّلة إلى نظام التقسيمة.

 

الإعلان عام 1872، مجموعة الصحافة التاريخيّة في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة
الإعلان عام 1871، مجموعة الصحافة التاريخيّة في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة

وفقًا لأهالي الشتات حينها، كان من الأفضل تشجيع المستوطنين القدامى على العمل لكسب قوتهم بأنفسهم حتى يتمكنوا من العيش في البلاد باكتفاء ذاتي وبدون احتياج لتبرّعات من أي نوع. تبنّى هذا التوجّه ودعّمه العديد من المهاجرين الصّهيونيّين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والذين رأوا أن نظام التّقسيمة يتعارض مع اعتقادهم بأن على الاستيطان اليهودي في البلاد أن يقوم على أسس اقتصادية سليمة.

بحلول نهاية القرن التاسع عشر، كانت قد بدأت فكرة التقسيمة بالتّلاشي. اليوم، بقي استخدام صناديق التمويل في الخارج تحت إدارة الوكالة اليهودية ومنظمات إضافيّة، إلّا انّ هذه الأموال غير موجّهة إلى مواطني إسرائيل مباشرة، إنّما لدعم المنظّمات وأعمالها، ممّا يصبّ في المصلحة الجماعيّة للشعب اليهودي والإسرائيلي.

قرية الغجر لبنانية أم سورية

نستعرض في هذا المقال إشكالية المواطنة في قرية الغجر وجذرها الأول في الخرائط البريطانية.

جسر الرومي في قرية الغجر، 1945، أرشيف بن تسفي.

في الجزء الشمالي الغربي من البلاد، تقع قرية الغجر، وهي صغيرة نائية جدًا، أُغلِقَت على أهلها حتى حزيران من العام 2022. وإلى جانب الظرفين الجغرافي والسياسي، على المستوى الطائفي، أهل القرية هم من الطائفة العلوية. تعتبر القرية من قرى هضبة الجولان وهي على الحدود مع مزارع شبعا اللبنانية، لذلك إذا بحثنا في محرّك جوجل سنجد سؤال البحث الرئيسي: “قرية الغجر لبنانية أم سورية“؟ فما حكاية قرية الغجر ولم هذه الحيرة في الهوية؟


لبنان أم سوريا؟

في أواخر العهد العثماني، بإيعاز من الباب العالي، تولّى الأكراد حكم قرية الغجر وكانوا أوّل من استبدّل اسم القرية من “طرنجه” إلى “الغجر”، وفي ذلك الوقت، كانت القرية تابعة لحوران قضاء القنيطرة السورية. وبعد الحرب العالمية الأولى، شُملت القرية في سيطرة الانتداب الفرنسي الواقع على كل من سوريا ولبنان (في منطقة بلاد الشام)، وكانت جميع سجلّاتها الرسمية في القنيطرة ودمشق. في العام 1932، خلال فترة الانتداب، خُيّر أهالي القرية بشأن المواطنة ما بين لُبنان وسوريا فاختاروا المواطنة السّوريّة حيث الوجود الأكبر للطائفة العلويّة للحفاظ على أمنهم وترابطهم مع باقي الطائفة، وبالفعل حصل أهلها على المواطنة عند استقلال سوريا في عيد الجلاء في 17 نيسان للعام 1942. وفي إحصائيات العام 1960، كانت “الغجر” ضمن إحصائيات سكان الدولة السورية. (الخطيب، 2017)

خريطة ألمانية 1900
خريطة ألمانية، 1900، من مجموعة عيران لَئور للخرائط


انتهاء المواطنة السورية، ولبنان ترفُض

أثناء حرب عام 1967 والمعارك الدّائرة على المثلث الحدودي الإسرائيلي – اللبناني – السوري، تحديدًا على أراضي هضبة الجَوْلان، استخدمت الفرق العسكريّة الإسرائيليّة في المنطقة هناك خرائط مسح فلسطين البريطانية التي أظهرت أنّ قرية “الغجر” ضمن الحدود اللبنانيّة ولذلك لم تدخلها القوّات الإسرائيليّة لأن لبنان لم تكن مشتركة في الحرب، وهكذا أصبحت “الغجر” منطقة محرّمة لأنها محل نزاع من قبل طرفان تركاها دون احتلالها لأسباب تعود للخوف أو الشك؛ إذ رفضت لبنان طلب أهالي القرية بضمها إلى مناطق الدولة اللبنانية لأنهم سوريّين. بعد شهرين ونصف من العزلة الاقتصاديّة ونقص المواد الغذائيّة، آثر أهالي القرية الاتّصال ببقيّة قرى الجولان الواقعة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي وأعلنوا الخضوع للقوّات الإسرائيليّة في تاريخ 13 حزيران 1967، وافقت القوات الإسرائيليّة على ضمّ قرية الغجر إلى السّيطرة الإسرائيليّة وحصل سكّان القرية على المواطنة الإسرائيلية في العام 1981 مع إعلان قرار ضم الجولان في 14 كانون الأول.

خريطة طرابلس وتظهر فيها قرية الغجر، 1918، مجموعة عيران لئور
خريطة طرابلس وتظهر فيها قرية الغجر، 1918، مجموعة عيران لئور


الغجر تحت “الحصار”

من الجدير بالذكر أن أراضي القرية مقسّمة بين لبنان وإسرائيل، إلا أنّ جميع أهالي القرية في الشقيْن اللبناني والإسرائيلي يحملون الجنسيّة الإسرائيلية، والقرية محاطة بسياج عسكري من جميع جهاتها، ولم يكن لها سوى بوابة واحدة شرقي القرية، تغلق في وجه سكان القرية حتى يثبتوا هوياتهم، كما كانت تغلق في وجه الغرباء الذين لا يستصدرون تصريحًا من الجيش الإسرائيلي قبل يوم من الزيارة، وقد منعت القوات الإسرائيلية الصيوف من المبيت عند أصدقائهم وإجبارهم على مغادرة القرية قبل الساعة العاشرة ليلًا. (خطيب، 2017). استمر الوضع على هذا الحال حتى حزيران من العام 2022؛ إذ تم إزالة الحاجز وأصبح بالإمكان الدّخول إلى القرية بدون أي تقييدات.

مثلث الحيرة على مزارع شبعا
مثلث الحيرة على مزارع شبعا. صحيفة الاتحاد: 11 أيار 2001
 الغجر، قرية يمزقها صراع الشرق الأوسط
الغجر، قرية يمزقها صراع الشرق الأوسط. صحيفة الاتحاد: 7 أيلول 2001

ما زالت تعاني قرية الغجر من شُحّ الخدمات الحكومية على الرغم من مواطنتها بخلاف باقي قرى الجولان، إلا أنّ وجودها على الحدود الأكثر ارتباكًا أثّر على سكان القرية من جميع مناحي الحياة.

الحجاج الألمان الذي التقطوا للبلاد صورًا بألوان طبيعية

مجموعة بطاقات بريدية صدرت في ميونخ في عام 1932 تستعرض صورًا للأماكن المقدسة واليشوف العبري الناشئ، وذلك قبل صعود النازيين إلى سدة الحكم بأقل من سنة.

باب الخليل

باب الخليل

تُرجِم عن: حِن مَلول

إلى جانب عشرات آلاف الكتب التي تصل المكتبة الوطنية سنويًا، نتلقى أيضًا عشرات ومئات القطع التاريخية الإضافية: ألبومات صور، ملصقات، رسائل، وفي أحيان متباعدة – صناديق سريّة من الورق المقوى. يظهر على أحد الصناديق، والتي تم التبرّع بها مؤخرًا من مكتبة حانا ويورام هريئيل، وصف بالألمانية يعطي رمزًا أوليًا لمحتوى الصندوق، وجاء فيه: “الأرض المقدسة، 126 بطاقة بريدية بألوان طبيعية. برايس وشركاؤه، ميونخ”.

عند فتح الصندوق نكتشف المحتوى المرتقب: عشرات البطاقات البريدية تستعرض صورًا مختلفة لمشاهد طبيعية من البلاد، خارطتين لفلسطين (شمالًا وجنوبًا)، خارطة للقدس وكراسة باللغة الألمانية. إذا تأملنا البطاقات عميقًا، نكتشف أنّ الصور فيها ليس بألوان عادية، وأنّ الوصف “ألوان طبيعية” يرمز إلى البطاقات البريدية التي أنتجت بتقنية التلوين الضوئي.

شاب بدوي
شاب بدوي

 

مشاهد طبيعية من الأرض المقدسة

بعد مرور عقدين من الزمن على إنتاج أول صورة فوتوغرافية في عام 1880، قام طابِعٌ سويسري يُدعى أوريل فوسلي ( (Orell Füssli  بتطوير تقنية أخرى لإنتاج صور ملونة، سميّت بتقنية التلوين الضوئي. خلافًا للتصوير بالألوان، الذي يلتقط الألوان الطبيعية لمحتوى الصورة، فإنّ التلوين الضوئي هو تقنية قائمة على إعادة الطباعة بالألوان لصورة بالأبيض والأسود. الابتكار الذي طرحه فوسلي هو استخدام تقنية ينتج فيها اللون بواسطة الطباعة الحجرية- وهي طريقة طباعة قائمة منذ قرون.

للمفارقة، فـأنّ تقنية التلوين الضوئي التي طورها فوسلي، وكان الغرض من ورائها التعويض عن النقص في الصور الملونة الموثوقة وغير والمكلفة، أسفرت عن وضعًا معاكسًا: في حال عدم إعطاء الطابعين تعليمات واضحة ودقيقة بخصوص الألوان الأصلية في الصورة المطلوب تلوينها، كانوا يستعينون بخيالهم ومنطقهم لإنتاج الصور.

هذا هو حال عدد كبير من ألبومات التلوين الضوئي، حيث تكون العلاقة بين الألوان الطبيعية لمحتوى الصورة والألوان التي أضيفت إليها محض الصدفة في كثير من الأحيان. ولكن في البطاقات التي أمامنا، يبدو أنّ شركة Uvachrom التي أصدرتها عملت جاهدة للاقتراب قدر الإمكان من الواقع المصوّر.

عند قراءة الكراسة المرفقة، تتضح أمامنا خلفية الموضوع. الصور المشمولة في المجموعة، وعددها 126، التقطت أثناء “رحلة ربيعية إلى الأراضي المقدسة في عام 1931″، قبل طباعة البطاقات في ميونخ بعام واحد. الشعار الكاثوليكي لمدينة القدس الظاهر على صفحة الغلاف ، وجملة “بمباركة الراعي الأكبر” Mit oberhirtlicher Druckgenehmigung)) الظاهرة في الصفحة التالية يدلان على الدافع وراء إصدار البطاقات البريدية. يرجّح أنّ مجموعة البطاقات أصدرت من أجل الجمهور الألماني الكاثوليكي، وطبت بموافقة أسقف كبير، ربما الباب بنفسه.

 

صور الأراضي المقدسة


صور من الأراضي المقدسة

ولكن لا تدعوا هذه الحقيقة تضللكم، فعلى الرغم من التمثيل الكبير للأماكن المقدسة للمسيحيين في مجموعة البطاقات هذه (بما في ذلك كنيسة رقاد السيدة العذراء التي أقيمت بعد زيارة القيصر الألماني فيلهلم الثاني إلى الأراضي المقدسة)، يستعرض عددٌ كبيرٌ من البطاقات تقدّم المشروع الصهيوني في البلاد- على سبيل المثال، الجامعة العبرية، المكتبة الوطنية في مقرها السابق في جبل المشارف، ضريح الحاخام ميئير في طبريا ومحطة توليد الكهرباء الذي أقامها بنحاس روتينبيرغ.

ضريح الحاخام ميئير في طبريا
ضريح الحاخام ميئير في طبريا

80 بطاقة من أصل بطاقات المجموعة الـ 126 حُفظت في الصندوق الأصلي. أما البقية، فيبدو أنّ أصحاب مجموعة البطاقات أرسلوها للأصدقاء والعائلة. يقودنا ذلك إلى طرح السؤال الحتمي التالي: لمن أعدّت المجموعة؟ هوية المالك الأصلي للمجموعة مجهولة بالنسبة لنا، ولكن الإجابة عن السؤال حول الزبائن المحتملين لهذه المجموعة وردت في الكراسة المرفقة، حيث جاء أنّ المجموعة هي “تذكار لكل من تسنى له رؤية البلاد بأم عينه، وفرصة للآخرين لتأمل جمال البلاد”.

تحتوى الكراسة المكونة من 67 صفحة على معلومات كثيرة عن الأراضي المقدسة: معلومات عانة عن التضاريس، النقص الدائم في المياه، تاريخ الصهيونية واللغة العبرية، تناول موضوع القدس بشكل معمق بما في ذلك الحرم القدسي الشريف وحائط المبكى، بالإضافة إلى المراحل الحياتية المختلفة للسيد المسيح في القدس وفي البلاد كلها. تحتوى الكراسة أيضًا على رسم تخطيطي لباحة الحرم القدسي الشريف.

تكمن في تاريخ إصدار مجموعة البطاقات أهمية تاريخية كبيرة. صدرت المجموعة في ميونخ في ألمانيا، في عام 1932. بعد مرور أقل من عام، تحديدًا في كانون الثاني 1933، عيّن هتلر مستشارًا لألمانيا.

 

كنيس يوحنان بن زكاي في القدس
كنيس يوحنان بن زكاي في القدس

 

الحي اليهودي في القدس
الحي اليهودي في القدس

 

أطفال القدس يتلذذون بتناول برتقال أرض إسرائيل
أطفال القدس يتلذذون بتناول برتقال أرض إسرائيل

 

ضريح الحاخام عاكيفا
ضريح الحاخام عاكيفا

 

قبر راحيل
قبر راحيل

 

"مكتبة الجامعة اليهودية" هي المكتبة الأولى في مقرها الأصلي في جبل المشارف
“مكتبة الجامعة اليهودية” هي المكتبة الأولى في مقرها الأصلي في جبل المشارف

 

الجامعة العبرية
الجامعة العبرية

 

قبة الصخرة
قبة الصخرة

 

ساهم في كتابة المقالة د. ستيفان ليط، أمين مجموعة العلوم الإنسانية في المكتبة الوطنية