لطالما كان اسم سيف الدين الزعبي (1913 – 1986) اسم مثير للجدل في الأوساط العربية بالبلاد، إذ كان من أوائل النوّاب العرب في الكنيست الإسرائيلي الأول عام 1949 ودعم قرار تقسيم فلسطين. ولكن، الأكثر من ذلك بإنه تعاون مع الهاجاناه قبل تأسيس إسرائيل عام 1948.
لقد كان سيف الدين الزعبي من مواليد قرية نين (إحدى قرى المرج) تعلّم في الكتّاب، وختم القرآن في عمر العاشرة من عمره. (شاهد عيان، 1987). انتقل لمدينة الناصرة لكي يدرس في مدارسها، إلا أنّه ووفقًا لمذكّراته لم يلتزم بالدوام في صفوف الدراسة على الرغم من أنّه كان فصيح اللسان، وملّمًا بالشعر والأدب والسياسة. لقد تقلّد سيف الدين العديد من المناصب حتى تقلّد منصب رئيس بلدية الناصرة.
سيف الدين الزعبي وآرائه الجدلية
عند النظر إلى موقفه من قرار تقسيم فلسطين، كان سيف الدين الزعبي من أوائل الناس الذين نظروا إلى قرار تقسيم فلسطين نظرة مختلفة عن الباقي؛ إذ يورد لنا في مذكراته “شاهد عيان”: “وتقرّر هيئة الأمم المتحدة تقسيم فلسطين سنة 1947 وتثور ثائرة العرب، ويقرر العرب ومعهم دول عربية سبع أن ينتزعوا البلاد بقوة السلاح. أما أنا فقد رأيت آنذاك ما لم يره أولئك الذين انخدعوا وضُّللوا من قبل الزعماء العرب، ورأيت بما حباني الله من بعد نظربأنّ ما يقوله أولئك الزعماء هو غير ما يفعلون. وأنّ التقسيم الذي قُّرر لا بد وأن يكون وأنّه من مصلحة العرب وأن يقبلوا بالأمر الواقع قبل أن تقع الكارثة فيندمون.” ويستطرد الزعبي في مذكراته حول المشاكل والأزمات التي دارت بينه وبين الزعماء العرب وعلى رأسهم المفتي أمين الحسيني، الذي تبيّن لاحقًا أنه قد أرسل ببعض “الزعران” لكي يغتالوا سيف الدين الزعبي (شاهد عيان، 1987).
أما موقفه من الهاجاناه، فقد كان سيف الدين الزعبي نشطًا في صفوف “الهجاناه” وتحديدًا في وحدة الاستخبارات، وقد نال على ذلك “وسام محاربي إسرائيل.” وهذا النشاط مكّنه من مساعدة بعض اللاجئين الفلسطينيين على العودة إلى البلاد بل واستعادة أراضيهم الزراعية، لا سيما بعض وجاهات قرى مرج بن عامر مثل إكسال ودبورية؛ إذ ساهمت علاقته الخاصة مع موشيه شاريت ويغال ألون بمساعدة بعض الناس بالعودة إلى بيوتهم، وتأمين بعض الأشغال لهم بعدما استشرى الجوع والمرض في مدينة الناصرة.
ولقد اعتبر الزعبي أن دورة الكنيست الإسرائيلي الأولى كان فيها من الديموقراطية الجديدة التي لم يشهدها العرب من قبل، إذ سُمِح لهم باختيار نائب والتصويت له وكان التصويت لأول مرة حقًّا للجميع ذكورًا وإناثًا، أغنياءً وفقراء. عقدت الدورة الأولى للكنيست في كانون الثاني من العام 1949، أي بعد أقل من عام على قيام الدولة، إذ كانت الحاجة تُلّح إلى تشكيل حكومة، وقد تشكّلت الحكومة بقيادة دافيد بن غوريون، فيما كان في هذه الدورة ثلاثة أعضاء عرب وهم: أمين سليم جرجورة وسيف الدين زعبي عن القائمة الديمواقراطية للناصرة، وتوفيق طوبي تحت كتلة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. وقد حصدت حينها القائمة الديمواقراطية للناصرة مقعدين، بينما حصل الحزب الشيوعي الإسرائيلي على أربعة مقاعد.
اقرأ/ي أيضًا: النوّاب العرب في الكنيست: توفيق الطوبي، سيف الدين الزعبي، وأمين جرجورة
اقتتال “الأخوة”: سيف الدين الزعبي والأعضاء العرب في الحزب الشيوعي الإسرائيلي
سلسلة اعتداءات على أعضاء الحزب الشيوعي: صحيفة الاتحاد 26 أيار 1951
اتّهَمَت صحيفة الاتحاد التابعة للأعضاء العرب في الحزب الشيوعي الإسرائيلي سيف الدين زعبي بأنّه سياسي مثير للجدل في العديد من المواقف خلال عمله السياسي سواءًا في الكنيست أو بلدية الناصرة. على سبيل المثال، في العام 1951، اتُّهِم بتنظيم سلسلة من الاعتداءات على عدد من أعضاء الحزب الشيوعي الرافضين للحكم العسكري آنذاك مستخدمًا سلطته في الحكومة وعلاقاته. أمّا في العام 1960، خلال ترأسه لبلدية الناصرة، تحدّث باسم سكان الناصرة بأنّ “البلدية والأهالي لا يشعرون بوجود الحكم العسكري”. وفي انتخابات رئاسة بلدية الناصرة للعام 1971، عقّبت صحيفة الاتحاد أنّ الانتخابات تمّت في جلسة غير قانونية. وقد اتهم بتشكيل ائتلافات خاصة به داخل منظومة بلدية الناصرة، مما أدّى إلى الكشف عن فساد في إدارة سيف الدين الزعبي داخل البلدية. وقد توالت الأحداث والاشتباكات السياسية داخل البلدية مما أدّى بنشر خبر صحفي في صحيفة الاتحاد وُثِّق فيه تهديد سيف الدين الزعبي لعضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي توفيق طوبي بالطرد من مدينة الناصرة. و لم تتوانى صحيفة الاتحاد باللحاق بالنائب سيف الدين الزعبي والكتابة عنه والكشف عن الفساد والخطابات السياسية، التي وصفتها الصحيفة، بأنها لا تمثّل العرب في البلاد.
سكن سيف الدين الزعبي في البلدة القديمة لمدينة الناصرة في ستينيّات القرن الماضي في بيتٍ قديم بُني من العام 1888، وكان يتبع لجميعة عميدار للإسكان، وقد اشترته ابنته من ذات الجمعية في العام 2011 وحوّلته لمركز سياحيّ وبيت ضيافة وصله العديد من القادة والسياسيين أمثال شمعون بيريز، جولدا مائير، جيمي كارتر وغيرهم.