بعيداً عن ضَوضاءِ الأسواق: سُنّةُ الاعتكاف في رمضان

في شَهرِ رمضانَ المُبارك، تمثل رؤية الهلال بداية طقوس روحانية مهمة لدى المسلمين في جميع أنحاء العالم، حيث يجتمعون على موائد الافطار وفي المساجد على حد سواء. ومن بين هذه الطقوس الاعتكاف، وهو خلوة روحية ذات أهمية بالغة، حيث يسعى المؤمنون إلى الاعتزالِ والتّقرب من الله تعالى. يُعتبر الاعتكاف، المتجذر في سنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وسيلة لتعميق الإيمان، ويدعو المؤمنين إلى الانغماس في أعمال العبادة والتأمل داخل جدران المسجد المقدسة.

832 629

بطاقة بريدية تظهر مجموعة من المصلين في الجامع الأزهر في القاهرة، مجموعة بن تسفي.

في شَهرِ رَمَضانَ المُبارك، عندَ تَتِمّة رُؤيةِ الهلال، تبدأُ شعائر الشهر الكريم بالحضور في زوايا منازل المسلمين ومساجدهم في جميع أنحاء العالم. أحدُ هذه التقاليد هو تقليدٌ معروفٌ باسم الاعتكاف، وهو خلوة روحية لها أهمية عميقة بالنسبة للمؤمنين الذين يسعون إلى التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

مع اقتراب الأيام العشرة الأخيرة والأقدس من شهر رمضان، تترقبُ المساجد و تستَعِد لاستقبال المصلين الذين يشرعون في رحلة الاعتكاف الروحية. شَرّعَ الإسلام الاعتكاف كوسيلة  لتعميق اتصال المؤمن بالله تعالى، وتعزيز الجانب الروحاني للإيمان، والعودة إلى الحياة اليومية بإيمان والتزام أقوى. إنه وقت التأمل والتفاني والاستسلام، حيث يقضي المؤمنون في حرم المسجد، ساعة، أو يومًا، أو حتى أكثر، منغمسين في أعمال العبادة بعيدًا عن مُلهيات العالم الخارجي. وهم في هذا المكان المقدس يقتدون بالملائكة الذين يسبحون الله ليلا ونهارا، ولا يتوانون في طاعتهم. كما يمكنُ اعتبار الاعتكاف تدريباً للنفس على الصبر والمثابرة في مواجهة الشدائد وإيجاد العزاء في عبادة الله تعالى.

End Of Ramadan
صلاة الجمعة الأخيرة في المسجد الأقصى، 1993، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية.


تعود أصول الاعتكاف إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي مارس هذه الخلوة الروحية خلال العشر الأواخر من رمضان. “عَنْ أبي هُريرةَ، رضي اللَّه عنهُ، قالَ: كانَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانَ عَشَرةَ أيَّامٍ، فَلَمًا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبًضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشرِينَ يَوْماً”.


للمزيد من مقالات مجلة المكتبة الوطنية حول شهر رمضان.

في ممارسة الاعتكاف المقدسة، لا يُدعى المؤمنون إلى العزلة في المسجد فحسب، بل أيضًا إلى الانخراط في العبادات المفيدة التي تغذي الروح وتعمق علاقتهم بالله، ممارسات كقراءة ما استطاعوا من القرآن الكريم و اقامة صلاة النوافل و الدروس الدينية.

لكن الاعتكاف لا يقتصر على شهر رمضان المبارك وحده. ويمكن ممارسته في أي وقت من السنة، وفي أي شهر، كوسيلة للتقرب من الله. ومع ذلك، هناك جاذبية خاصة للعزلة خلال شهر رمضان، وهو الوقت الذي يقال فيه أن الحسناتِ تتدفق بكثرة.

الاعتكاف في كَنَف القدس

الإتحاد, 10 كانون الثاني 1999 660
جريدة الإتحاد، 10 كانون الثاني 1999، موقع جرايد

لعقودٍ طَويلة، كانَ المسجدُ الأًقصى، داخل أسوار القدس القديمة، ملاذاً لأولئك الذين يبحثون عن الاعتزال الروحي والعبادة. منذ عصر الإمبراطورية العثمانية إلى يومنا هذا، كان المسلمون يجتمعون داخل ساحات المسجد على مدى الثلاثون يوماً للإفطار و آداءِ صلاةِ التراويح و أخيراً الاعتكاف.  

للمزيد من المواد الرقمية حول شهر رمضان في القدس.

ومنذ عام 1967، اكتسبت الاعتكافُ خلال الأيام العشرة الأخيرة من رمضان أهميةً خاصة في القدس، حيث يتدفق المصلون من كل مكان للمشاركة في هذا التقليد المقدس. وتشهد الأيام الإضافية، مثل الخميس والجمعة، تدفقًا للمصلين من جميع أنحاء البلاد، حريصين على الاستمتاع بالجو الروحي للمدينة المقدسة.