وصلت بعض المخطوطات العربية إلى المكتبة الوطنية وقد صُنّفت في مجموعة يهودا (1877-1951) وهي عبارة عن 93 ورقة بخط اليد، وتحتوي على أحاديث نبوية صحيحة وأخرى يُختلف على مدى صحّتها في السّنة النبويّة والصحيحين لكننا من خلالها نستشّف الأهمية الرّوحانية لشهر رمضان لدى المسلمين وفضائله. من خلال المقال نسلّط الضوء على بعض المخطوطات الّتي يتم الحديث فيها عن شهر رمضان المبارك.
المخطوطة الّتي وصلتنا تعود إلى القرن الثالث عشر الهجري\ التاسع عشر الميلادي من المغرب (1290 هــ – 1873م)، حيث يشيرُ الفصل في البداية بالعنوان «باب فضل شهر رمضان» إلى الأهميّة الرّوحانية للشّهر لدى المسلمين عمومًا، حيث جاء في هذا الباب ما تمّ نقله عن الرسول محمد ﷺ بنقله المتن كاملًا للحديث في البداية قائلًا: «إنّ الجنّة لتَتزيَّنُ من الحَولِ إلى الحولِ بقدومِ شهر رمضان، فإذا كان أوّل ليلةٍ من شهر رمضان، هبَّت ريحٌ من تحتِ العرش يُقالُ لها المُثيرة فيصطفقُ ورق أشجار الجنة وحلَقُ المصاريع فيسمع لها طنينٌ لم يسمع السامعين أحسنَ منهُ».
وقد ذُكر هذا الحديث في صورٍ عديدة واختلفَ فيه الرّواةُ وفي مدى صحّته، على غِرار العديد من الأحاديث الأخرى في التّاريخ الإسلامي، حيث تم الاختلاف في العديد من الروايات لكن إن تدّل هذه الاختلافات بحسب العديد من الدّراسات الإسلامية على شيء، فإنها تدّل على اختلاف التدوين وبدايته في الإسلام، حيث بدأ تدوين الأحاديث متأخرًا ممّا أدى إلى الاختلاف في مدى صحّتها. وفي حالة المخطوطة الّتي نعالجها، وعلى الرغم من عدم التأكد من مدى صحّة الأحاديث النبويّة، إلّا أن الأحاديث المذكورة، تناقش الأهميّة الروحانية للشّهر الفضيل. وقد ذُكر الحديث في مراجع أخرى بالصّيغة التالية على سبيل المثال
«إنّ الجنّة للتتزيّن من الحَوَل إلى الحوَل لشهرِ رمضان، وإنّ الحورَ ليُّزيّن من الحول إلى الحول لصوّامِ رمضان، فإذا دخل رمضان قالت الجنّة: اللّهم اجعل لي في هذا الشّهرِ من عِبادكَ. ويقولنَ الحَوَر: اللّهم اجعل لي من عِبادكَ في هذا الشَّهرِ أزواجًا، فمَن لم يقذف فيه مسلّمًا ببهتان ولم يَشرب مُسكِرًا كفَّر الله عن ذنوبه، ومن قذفَ فيه مُسلمًا، أو شربَ فيه مُسكِرًا أحبطَ الله فيه عمله لسَنتهِ، فاتّقوا شهر رمضان فإنّه شهر الله، جعلَ الله لكم أحد عشرة شهرًا تأكلون فيه وتشربون وتتلّذذون وجعل لنفسهِ شهرًا، فاتقّوا شهر رمضان فإنه شهر الله».
ويتفق الحديث الّذي ذُكر في المخطوطة المغربية مع الحديث الثاني في الأهمية الرّوحانية لهذا الشّهر، وعلى أهميّته لدى الله تعالى عند الحديث عن العِبادات، فالعِبادات هي البوابة الّتي تصِل الإنسان بربّه بحسب الدّين الإسلاميّ، وأعظم الأوقات للقيام بهذا الرابط الروحاني بين العبد وربّه يكون في هذا الشّهر.
في الحديث الثاني، كانت هناك إضافة طفيفة لكن مهمّة، وهي حول تجنّب العبد لبعض الذنوب والخطايا الّتي منعها الدّين الإسلاميّ، وذلك من أجل قبول الصّيام والعِبادات والتّوبة فيه.
اطلعوا على بوابة شهر رمضان الرقمية في موقع المكتبة الوطنية.
وفي مخطوطةٍ أخرى، يُذكر حديثٌ آخر للنبيّ ﷺ حول فضل ليلة القدر للمسلمين وأهميتها الروحانية، حيث ذُكر في المخطوطة عن النبي ﷺ: «أريدُ أن أخبركم بليلة القدر ولكن خشيتُ أن تتكلّموا عليها وعسى أن تكون خيرًا فاطلبوها في تسع يمضين أو سبع يمضين أو خمس يمضين أو ثلاث يمضين أو في آخر ليلة، وجاء من أماراتها ليلةٌ بلحة سمحة لا حارّة ولا باردة تطلعُ الشّمس في صبيحتها ليس لها شعاع من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفرَ له ما تقدّم من ذنبه»
وقد ذُكر هذا الحديث أيضًا في عدّة صِور منها، جاء عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إن أمارةُ ليلة القدر أنها صافية بلجةُ كأنّ فيها قمرًا ساطعًا، ساكنةٌ ضاحيةٌ لا بَرْدَ فيها ولا حرّ، ولا يحلّ لكوكبٍ أن يُرمى فيها حتى يُصبح، وإن أمارتها أنّ الشّمس صبيحتُها تخرجٌ مستويةً ليس لها شعاع، مثل القمر البدر، لا يحلُّ للشيطان أن يخرج معها يومئذٍ»
وفي كلا الحديثين بغض النّظر عن مدى صحّتهما، فإنهما يشيران إلى مدى أهمية هذه اللّيلة في العبادة والتعبّد، ويردُ في كلا الحديثين بأنها ليلةٌ تُغفر فيها الذنوب ويُمنع فيها الشيطان من النّزول إلى الأرض. وفي العديد من التفسيرات الّتي ذُكرت أيضًا في المخطوطة، فإنّ المغفرة الّتي تمّ الحديث عنها في الحديث الأوّل، هي مغفرة عن الذنوب الّتي اُرتكبَت بين العبد وربّه وليس بين العبد وبقيّة العِباد، فحقوق العِباد محفوظة لليوم الآخر. والمغفرة هذه مشروطة بمعرفة العبد بشروط الشّهر الفضيل من حفظ اللّسان، والتّحرّر من الغيبة والنميمة والحسد، وصون جوارحه والكف عن الخطأ على المسلمين وحفظ أهل بيته.
وذكر في إحدى المخطوطات، عن عائشة رضي الله عنها، زوجة الرسول محمد ﷺ، «إنه خرج في جوف اللّيل في إحدى ليالي رمضان وصلّى في المسجد وصلّا النّاس بصّلاته، وأصبح الناس يتحدّثون بذلك وكثُر النّاس في اللّيلة الثامنة وصلّوا بصلاته، فلّما كانت اللّيلة التّاسعة كثُر النّاس حتى عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر، فلمّا صلّى صلاة الفجر أقبل على النّاس وقال أنه لم يخفَ عليّ شأنكم اللّيلة ولكن خشيت أن يعزم عليكم في صلاة اللّيل فتعجزوا عن ذلك» وبعد وفاة الرسول ﷺ استمر أبو بكرٍ وعمر الخلفاء من بعده بقيام الصلاة من بعد العشاء حتى الفجر في ليالي رمضان، وصارت سُنّةً نبويّة يقتدي فيها الناس.
وتعتبر صلاة التّراويح اليوم (الصلاة من بعد العشاء حتى الفجر في ليالي رمضان) سنّةً مثبتةً خلال الشّهر حتى يومنا هذا، فيقوم المسلمون بأداء صلاة التراويح كجزء من التّقرب من الله ومن محاولة زيادة التعبّد خلال الشّهر.
استمر شهر رمضان على مدار التاريخ الإسلامي بكونه شهرًا روحانيًا وفرضًا للصيام ومفضلًا للمسلمين ينتظرون قدومه للتقرب من الله تعالى خلاله، ففيه يتم التجرّد من رغبات النفس والذنوب ويتم التركيز على التّقرب من الله وصلة الأرحام والأقارب وقراءة القرآن وإقامة الصّلاة، ليكون بذلك أكثر الشهور روحانيةً وفضلًا للمسلمين.
إنّ المخطوطات الّتي في حوزتنا طويلة وكثيرة كما ذكرنا في بداية المقال، وإن أردنا الاستطراد أثناء الحديث عنها فإننا نحتاج إلى سلسلة من المقالات، لكننا حاولنا الاختصار من خلال إدراج بعض الأحاديث الّتي يتم تداولها سنويًا للحديث عن أهمية شهر رمضان روحيًا في الدين الإسلاميّ، إنّ الأحاديث المذكورة تهتم بإبراز الجانب الروحاني من خلال إظهار كيفية تزيُّن الجنّة واستعداد الملائكة لاستقبال الشّهر.