هديل عبد الحي عنبوسي
وادي الحوارث سهل منبسط فسيح، مترامي الأطراف، ويشكّل قسمًا كبيرًا من السّاحل الغربي في سورية الجنوبيّة في قضاء طولكرم سابقُا. جيّد التّربة والهواء، مساحته لا تقل عن خمسين ألف دونم، إذ يعتبر من السهول الكبيرة، ولا يعدّ وادي الحوارث واديًا بين جبلين كما يتبادر إلى الذّهن من كلمة “وادي”، بل هو السهل الساحلي الذي يقل عن نظيره من السهول ليس في البلاد فحسب، إنّما في خير الأرضين والبقاع في العالم.
وقد سُمّي بسهل وادي الحوارث نسبة إلى اسم أهل الوادي؛ عرب الحوارث، وهم قبائل ينتمون بمعظمهم إلى بني حارثة، وأصلهم من نجد، جاؤوا من سوريا ونزلوا حماة، ومن حماة نزحوا إلى فلسطين. يتكونّ وادي الحوارث من قسمين: شرقيّ وغربيّ، في القسم الشرقي يتكوّن من وادي القبّاني، ومنطقة لاستثمار الحكومة، بينما في القسم الغربي، يوجد وادي التيان، أرض السمارة، ورمال.
قضيّة وادي الحوارث
بدأت هجرة عرب الحوارث من واديهم قبل العام 1948، وتحديدًا في العام 1928 بحسب مقالات الصحف الفلسطينية في أرشيف جرايد. لذا، يمكن القول إن هجرة عرب الحوارث هي التهجير الفعلي الأول. وفقًا للمصادر، طُرد فلاحو الحوارث من أراضيهم بلا مأوى وبلا معيشة على يد مسؤولين بريطانيين ويهود، رغم مقاومتهم ومحاولات البقاء والصّمود في أراضيهم قدر المستطاع، بيد أنّ بساطتهم وقلّة الإمكانيّات جعلتهم مُشرّدين وبلا ملاذ.
وادي الحوارث وعائلة سرقس وانفجار بيروت
ما يُميّز حكاية وادي الحوارث أنّها من أولى الفاجعات الفلسطينية، نسبيًّا حدثت قديمًا، فكيف لها أن ترتبط مع حدثٍ معاصر كانفجار بيروت والذي وقع في آب من العام 2020؟!
السّر عند الليدي إيفون سرقس..
الليدي سرقس هي سيدة لبنانيّة مسيحيّة من عائلة أرستقراطيّة معروفة وفاحشة الثّراء والأملاك. والدها ألفرد موسى سرقس ابن عائلة مالكة الأراضي الكُبرى في الوطن العربي، وأمّها الدونا ماريا دي كاسنو وهي من عائلة إيطاليّة من سلالة عائلة الفيفيور. وقد ورثت الليدي عن عائلتها مئات آلاف الدونمات لأراضٍ في منطقة مرج ابن عامر، الجليل الغربي، وادي الحوارث، حيفا ويافا.
في انفجار بيروت، كانت الليدي سرقس إحدى الضحايا، فقصرها العائلي المُنيف، والذي قطنت فيه في آخر سنوات حياتها، يقع في حيّ الأشرفيّة في بيروت، وقد لحقت به أضرارًا جسيمة، وعانت الليدي في المستشفى لمدة 27 يوم بعد إصابتها في الانفجار حتى وافتها المنيّة في 31 آب 2020 عن عمر يُناهز 98 عام.
كانت معظم أراضي وادي الحوارث تحت سيطرة عائلة سرقس حيث كانت تمتلك 30 ألف دونم من أصل 50 ألف، وقد بيعت مساحة العائلة من الوادي للحركات الصهيونية بينما تبقّى بحيازة الفلسطينيين 20 ألف دونم، ولا نعلم كيف تمّ التصرف بها، والاحتمال الأكبر هو أن يكون عن طريق السماسرة الذين عاونوا الحركات الصهيونيّة وسهلّوا لهم بيع الأراضي، حيث لم يكن لفلاحي عرب الحوارث والسكان الأصليين للوادي أي سلطة في تسليم الأراضي أو بيعها.
بالإضافة إلى ما سبق، يجب تسليط الضوء على قانون أملاك الغائبين والذي سُنّ في العام 1950، وينصّ بموجبه “أنّ كل من هُجّر أو نزح خارج الحدود الفلسطينيّة حتى تاريخ تشرين الثاني من العام 1947 يعتبر إما غائبًا أو مفقودًا”، وبهذا التعريف، فإنّ الحكومة مخوّلة في السيطرة على أملاك هؤلاء الغائبين (كريتشمر 2012: 75). ومن شروط حالات الغائب والتي وقعت على الليدي سرقس هي حالة حيازة أملاك في فلسطين الانتدابية، ولكن مالكها مواطن في البلاد العربية أو بلاد العدوّ، أو يسكن في فلسطين (شرق القدس والضفة الغربية).
للصحف الفلسطينية كلمة…
عكست الصحف الفلسطينية القديمة وبيّنت ردة فعل عامة الناس حول ما يحدث في وادي الحوارث، كذلك قامت العديد من الصحف بكتابة أخبار ومقالات رأي حول هذه الفاجعة.
على سبيل المثال، ورد في صحيفة فلسطين في 20 تشرين الثاني 1929 وتحديدًا في الصفحة الثالثة التالي:
“ذهب اليوم مأمور الإجراء مع قوة من البوليس البريطاني والفلسطيني وستة من اليهود لإخلاء عرب وادي الحوارث البالغ عددهم ألفي نسمة من أراضيهم وتبلغ مساحتها 35 ألف دونم وتسليمها لليهود رغم القضايا العديدة التي أقاموها في تثبيت ملكيتهم لقسم كبير من هذه الأراضي. ولما كان رئيس المحكمة المركزية في نابلس أصدر أمرا بتأجيل المحاكمة عاد اليهود واستحصلوا على أمر بإخراجهم من أراضيهم بعد أن قدّموا كفالة ماليّة. إنّ عرب وادي الحوارث مصممون على عدم الخروج من أراضيهم التي عاشوا فيها منذ مئات السنين وليس لهم أي محل آخر يلجؤون إليه أو يعيشون منه ولذلك فالأفكار عندنا مضطربة لهذا الأمر. وقد علمنا أن مثل هذا الخبر قد أرسل للجمعية الإسلاميّة المسيحيّة لتقابل سعادة حاكم اللواء وتحتج لديه على هذا العمل!”
وقد خبّرت ذات الصحيفة بعد ثلاثة أيام، في يوم 23 تشرين الثاني 1929، أنّه قد “جاء 200 يهودي اليوم (الجمعة) للمرة الثانية من مستعمرة الخضيرة إلى وادي الحوارث ليحرثوا الأرض فيه فتجمهر عليهم العرب وأخرجوهم بضرب العصي ووقف نحو 1000 عربي على الحدود ليمنعوا دخول اليهود إلى أراضيهم بعد الآن”
بالإضافة إلى صحف أخرى مثل اليرموك، الحياة والجامعة العربية.
في الختام، تكرر مصطلح “الأندلس” في الصحف الفلسطينيّة، إذ شُبّهِت فلسطين بالأندلس، فمنهم من ذكر “وغدت فلسطين أندلسًا أُخرى“، “أندلس القرن العشرين“. ونرى أنّ عرب الحوارث كغيرهم، كانوا من “الغائبين الحاضرين” إن صحّ التعبير، فهم موجودون في أرضهم جسدًا وروحًا، لكنّه تم السيطرة على أراضيهم قمعًا وقسرًا.
نبذة حول هديل عبد الحي عنبوسي طالبة دراسات شرق أوسط وعلم آثار في جامعة بن غوريون في النقب. مهتمّة بدراسة القضايا الفلسطينية وتاريخ البلاد وآثاراتها من مختلف الفترات الزمنية توازيا مع تاريخ الإسلام في الشمال الافريقي وبلاد الأندلس.