حمامات طبريا في جرايد فلسطين الانتدابية

نشارككم بعض من أخبار ينابيع طبريا الساخنة وحماماتها التّاريخيّة كما وردت في الصحف الفلسطينيّة أثناء فترة الانتداب البريطاني.

عائلة عربيّة بالقرب من حمامات طبريا في سنوات الأربعينات، أرشيف بن تسفي

حظيت مدينة طبريا التي لا تزال مأهولة بالسكّان، منذ العقد الثالث للميلاد، بذكر شاسع لينابيعها السّاخنة وحمّاماتها المعدنيّة، ومع أن الصّورة الّتي تصلنا عن الحياة في طبريا تبدو رومانسيّة في الغالب، إلا أنّ الحياة في مناخها الحارّ لم تكن سهلة على الاطلاق. فقد شاع عن أهالي طبريّا في القرن العاشر للميلاد – كما يحدّث المؤرّخ شمس الدين المقدسي – أنّ عامهم كان يسير كالتالي: أنّهم يرقصون شهرين، ويلتهمون لشهرين، فيضربون لشهرين، ويذهبون عراة لشهرين، ويتوغّلون في الطّين شهرين. وكان يقصد المقدسيّ أنّهم يرقصون من شدّة البراغيث، ثمّ يتلذّذون بفاكهتهم ، ثمّ يجنّون من كثرة الحشرات فيضربوها لشهرين، ثمّ يخلعون ملابسهم لشهرين من شدّة الحرارة في الصيف، ثمّ يملأهم وحل الشوارع حين يأتي الشّتاء.

امرأة بجانب حمامات طبريا السّاخنة عام 1945، أرشيف بن تسفي
امرأة بجانب حمامات طبريا السّاخنة عام 1945، أرشيف بن تسفي

 

إلّا أن ينابيع طبريا الساخنة كانت تعرف قديمًا وإلى حقب ليست ببعيدة بقدرتها على شفاء الأمراض الجلديّة، فكان يتدفّق إليها الزّوار من جميع أنحاء بلاد الشّام للتطبّب في مياهها العذبة والاستجمام بها لبضعة أيام، مما جعل المدينة دائمة الاستقبال للغرباء والضّيوف. ولكن كيف تمّت إدارة هذا المورد الطبيعي الّذي لطالما كان ملاذًا لعامّة الناس في العصر الحديث؟ إليكم تعريف مجلّة المنتدى بحمامات طبريا إلى قرائها عام 1946 بقلم الاستاذ أحمد خليفة، والّذي يتطرّق إلى أحوال البحيرة وينابيعها في العهد العثمانيّ:

ويبدو أنّ البحيرة كانت متصلة بالبحر الابيض بواسطة مرج بن عامر فقذف أحد البراكين التي كانت ملتهبة بحممه عليها فسد طريق الاتّصال بينها وبين البحر الأبيض. ومن الأدلة على ذلك وجود مواد بركانية في طبقات المرج السّفلي ومن الأدلة على أن حفرة البحيرة بركانيّة وجود الحمامات المعدنية في أطرافها وتكاثف طبقات البازالت في قصر البحيرة وتوالي الزلازل في أنحائها. أما الينابيع المعدنيّة فهي واقعة على مسافة تقرب من كيلومترين إلى جنوب المدينة وكانت معروفة بتأثير مياهها في شفاء بعض الأمراض الجلدية والعصبية من العهد الرّوماني.

وقد أقام هيرود حمامات حول الينابيع وبنى قصرًا في سفح الجبل خلفها وإلى الشمال من الحمامات بنى مدينة طبريا وجعلها عاصمة الجليل وأكثر فيها من المنازل الجميلة والهياكل. تغطي الينبوع الآن قبة يجري الماء من تحتها الى الحمامات.

وزادت الحكومة العثمانية في تلك الأبنية سنة 1890 ونالت بعض الشركات امتيازًا لإقامة أبنية عصرية وحدائق حول الحمامات ومن المبهج أن الحكومة العثمانية كانت قد قررت تخصيص قسم من واردات الحمامات لشؤون التعليم وأن بناء مدرسة البنين في طبرية ذي الطراز العربي قد أُقيم من الواردات المذكورة وإذا توافرت رؤوس الأموال تخصصها الشركات لبناء منازل وفنادق في طبريا، فإن هذه المدينة تصبح مشتى لا لأهل فلسطين فحسب بل لسكان الشرق العربي كله فحين تكون قمم الجبال مكسوة بالثلج يتمتّع أهل طبريا بجو استوائي دافئ كأنهم في قارة أخرى.

لقراءة المقالة كامة في مجلة المنتدى

أمّا في العهد الانتدابي، فنرى في جريدة فلسطين خبرًا في العشرين من نيسان عام 1929 يفيد بأن حكومة الانتداب منحت امتياز شراء حمامات طبريّا لمستثمرين أجانب، في حين يملك بعض الملّاك العرب في بيروت أسهمًا بسيطة من عائدات المشروع، ممّا جعل الانتفاع بمياه الينابيع حكرًا على مشروعات المستثمرين الّذين صادق عليهم المندوب السّامي فقط.

جريدة فلسطين 20 نيسان 1929، أرشيف جرايد
جريدة فلسطين 20 نيسان 1929، أرشيف جرايد

 

ويبدو أن الحمامات بقيت موقعًا جذابًا للزوار، ولكن ربّما بطريقة أخرى، فنرى دعوة في جريدة فلسطين أيضًا بعد ثلاثة عشر عامًا لاحتفال تقيمه “شركة حمامات طبريا” حيث ستقيم الأوركسترا الفلسطينيّة حفلًا موسيقيًاَ! أمّا اليوم فتعتبر منطقة الينابيع السّاخنة موقعًا أثريًا ومتنزّه وطنيّ تحت إشراف سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيليّة.

جريدة فلسطين 5 نيسان 1942، أرشيف جرايد
جريدة فلسطين 5 نيسان 1942، أرشيف جرايد

 

لم يعد هناك حديث عن قدرة خاصّة لهذه المياه على شفاء الأمراض، كما أنها لم تعد تحمل سمة قدسيّة على وجه الخصوص، سوى  أنّ المراجع القديمة منها والحديثة تشهد على اعتبارها كذلك لعقود. خاصّة للاعتقاد بأن السيّد المسيح أدىّ بعض من معجزاته الشّهيرة في شفاء الأمراض وإحياء الموتى على ضفاف بحيرة طبريّا وهو ربّما السّبب الّذي أضفى على مياه ينابيع طبريّا صفة شهيرة في شفاء الأمراض والقداسة وصلت إلى شتّى الطّوائف الّتي سكنت المنطقة لعصور.

للمزيد حول مدينة طبريا إليكم بوابة المحتوى الرقمي حول مدينة طبريا والتي يمكن من خلالها الوصول إلى مواد رقمية متنوعة حول المدينة وتاريخها وسكانها.

اليوم الذي قرر فيه أحمد جمال باشا الانتقام من سكان القدس

صُدم سكان القدس بمشهد إعدام السلطات العثمانية خمسة أشخاص شنقًا، وقد وثّق هذا المشهد مصوّر مقدسي، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصورة أسطورة مقدسية تجمع بين سكان المدينة.

التقطت الصورة )على ما يبدو (بعدسة خليل رعد، الذي حضر إلى ميدان الإعدام قبل إنزال الجثث. تتطرق مصادر مختلفة إلى كيفية انتشار الصورة: يقول البعض إنّه قام ببيعها في دكانه في البلدة القديمة، ويقول آخرون إنها وصلت ليد أقرباء أحد القتلى عن طريق مسؤول سابق في الإدارة العثمانية.

بقلم: شير برام

التقطت الصورة (على ما يبدو ) بعدسة خليل رعد، الذي حضر إلى ميدان الإعدام قبل إنزال الجثث. تتطرق مصادر مختلفة إلى كيفية انتشار الصورة: يقول البعض إنّه قام ببيعها في دكانه في البلدة القديمة، ويقول آخرون إنها وصلت ليد أقرباء أحد القتلى عن طريق مسؤول سابق في الإدارة العثمانية.

تصوير: ياد يتسحاك بن تسفي

 

في شهر حزيران 1916، وجد أحمد جمال باشا، قائد الوحدة العسكرية الرابعة في الجيش العثماني وحاكم لواء دمشق، نفسه أمام معضلة صعبة: فرّ جنود كثر من صفوف الجيش العثماني، الذي كان يعاني من نقص شديد في القوى البشرية. الهجمات العثمانية على قناة السويس باءت بالفشل، وعاد الجنود إلى البلاد مهزومين، مرهقين وجوعى. على غرار مدن كثيرة أخرى في الإمبراطورية العثمانية، امتلأت القدس بعدد كبير من الجنود الذين فروا من الجيش واختفت آثارهم.

أحمد جمال باشا، الحاكم العسكري العثماني في بلاد الشام. تصوير: ياد يتسحاك بن تفسي
أحمد جمال باشا، الحاكم العسكري العثماني في بلاد الشام. أرشيف: ياد يتسحاك بن تسفي.

سميّ الجنود الفارون بـ “الفُرّار” وجاب الشوارع عدد كبير من عناصر الشرطة العسكرية بحثًا عنهم. أما جمال باشا، والذي كان بأمس الحاجة للجنود، فقد أصدر حكمًا بالإعدام على كلّ جندي فار لا يسلّم نفسه، ولكن دون جدوى. لشدة غيظه ووحشيته، قرر تلقين السكان درسًا. أمر رجاله بالقبض على خمسة جنود فارين وإعدامهم في موقع مركزي في المدينة. وبالفعل، تم القبض على خمسة منهم- يهوديْين، مسيحيْين ومسلم واحد- وأعدموا شنقًا في إجراء مسرّع. إليكم قصتهم.

مريض البوسفور

أدى انضمام الامبراطورية العثمانية للحرب العالمية الأولى إلى أزمة اقتصادية صعبة جدًا في جميع أرجاء الإمبراطورية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا في القدس. فقد انهارَ الاقتصاد السياحي المحلي وجُفّف عدد كبير من مصادر التمويل؛ ألحقت سنة القحط ضررًا جسيمًا بمحاصيل المزارعين، وازدادت الأمور سوءًا مع موجة الجراد التي اجتاحت الشرق الأوسط في 1914-1915، ووصلت المدينة المقدسة. التجنيد الإلزامي الذي فرضته السلطات العثمانية تركَ عددًا كبيرًا من العائلات بدون معيل، مما أدى إلى استفحال الفقر والجوع. العديد من السكان المحليين لم يُرسلوا إلى الوحدات القتالية، بل إلى “الكتائب العمالية”- وهي كتائب الأعمال الشاقة في الخدمة العسكرية العثمانية.

 

عرض عسكري للجيش العثماني في باحة القشلة، أسفل برج القلعة (قلعة القدس)، القدس. تصوير: ياد يتسحاك بن تسفي.

المزيج بين الحرب العالمية والأزمة الاقتصادية أدى إلى انخفاض الروح المعنوية وإلى معدلات فرار عالية في صفوف الجيش العثماني في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، بدأت حركات قومية محلية بالتمرد ضد الحكم العثماني ودعم قوات الحلفاء. إنشاء مثل هذه الحركات، مثل فرقة البغالة الصهيونية التي شاركت في حملة غاليبولي، أو حملة الدردنيل، وثورة الحسين بن علي شريف مكة، دفعا بجمال باشا لممارسة العنف الشديد تجاه كلّ ما بدا له تمردًا وعصيانًا. على امتداد العامين 1915-1916، ارتكب أحمد جمال باشا سلسلة من جرائم الحرب، أهمها اضطهاد ممنهج للأرمن، والتي رسّخت صورته كإحدى الشخصيات الأكثر تطرفًا خلال فترة الحرب العالمية الأولى.

الإعدام شنقًا عند باب الخليل

في منتصف عام 1916، بعد أن أُعدم ونُفى الفارين من صفوف الجيش و “الخونة” في جميع أرجاء الشرق الأوسط، حضر أحمد جمال باشا إلى القدس لـمعالجة ظاهرة الفرار من الجيش. صرّح بأنّه سيصدر حكمًا بالإعدام ضد كلّ جندي فار لا يسلّم نفسه حتى نهاية حزيران 1916، وتعهّد بأنّه سيعفو عن جميع الجنود الفارين إذا عادوا إلى قواعدهم، ولكن دون جدوى.  عندما احتدم غيظه، أمر جمال باشا بشنق خمسة فارين سيتم القبض عليهم بشكل عشوائي، لتلقين الآخرين درسًا. اُختير الفارون حسب ديانتهم- يهوديْين، عربيْين مسيحيْين وعربي مسلم واحد.

جمال باشا يخرج إلى المعركة لاحتلال قناة السويس، باب الخليل القدس، 1915. تصوير: ياد يتسحاك بن تسفي.

خلال يوم واحد، تم القبض على خمسة فارين يستوفون المواصفات المطلوبة، وأعدموا شنقًا في الميدان المركزي لمدينة القدس في حينه- في باحة باب الخليل. كان هؤلاء الخمسة إبراهيم قندلفت وموسى سوس المسيحيين، أحمد إلوتسو المسلم، وموشيه ميلل ويوسف أموزيغ اليهوديين (ينبغي الانتباه إلى كون الأسماء مترجمة من اللغة العبرية ويمكن أن تكون مختلفة بالعربية).  سمح للمدانين الخمسة بمحادثة أخيرة مع رجال دين، كل حسب طائفته، ومن ثم شنقوا حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة. علقت على أعناقهم لافتات تصف جرائمهم، وبقيت جثثهم معلقة حتى المساء، ليرسخ في أذهان الناس الدرس القاسي الذي أراد جمال باشا تلقينهم إياه.

انتشر في المدينة خبر إعدام العثمانيين لشخصين يهوديين، وفي اليوم التالي، كُتب الخبر في صحيفة “الحرية”،  حيث اقتبست الطلبات الأخيرة للمتهمين. تفيد المصادر بأنّ أموزيغ اكتفى بشرب القليل من الماء قبل تنفيذ حكم الإعدام؛ بينما طلب ميلل أن تُجبى أموال مستحقة له من مدينيه وإعطاءها لوالدته، وطلب أيضًا إزالة الغطاء عن عينيه ليلقى حتفه بأعين مفتوحة. أضاف المراسل أيضًا إلى أنّ طلبه بإزالة الغطاء عن عينيه رُفضَ للأسف، لأنّه كان مخالفًا للقانون العثماني.

 

صحيفة “الحرية” تنشر نبأ الإعدام شنقًا، 30 حزيران، 1916.

 

إعدام يوسف أموزيغ كان مأساويًا للغاية، فهو لم يكن أصلًا من الفارين من صفوف الجيش. ولد أموزيغ في المغرب، وهاجر مع شقيقته ووالدته حنينة إلى مدينة القدس. سار يوسف على خطى والده، بحيث أصبح خياطًا وأقام ورشة خياطة مشتركة مع أحد السكان المسلمين المحليين في البلدة القديمة في القدس. قصدَ ورشته أثرياء المدينة وعائلات مرموقة مثل النشاشيبي، ويقال أيضًا إنّه كان يحيك الملابس لجمال باشا ورعيته. مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، أغلقت ورشته وجُنّد للجيش. عمل كخياط في قاعدة عسكرية في بئر السبع، وهي المدينة الوحيدة التي أقامها العثمانيون في فلسطين.

ذات يوم، أمره قائده بالعودة إلى القدس ليحيك له بعض البِدل. فتح ورشته وباشر بعمله، إلى أن رآه مخبرو الجيش العثماني وظنّوا أنّه فر من الجيش. تم القبض عليه من قبل عناصر الشرطة العسكرية، واعتقلَ. عندما حاول شرح المهمة التي كلّف بها، واجه صعوبات عديدة، لم يتمكن من التواصل مع قائده، وتأشيرة نقله العسكرية إلى القدس اختفت.  حاولت والدة يوسف إيجاد التأشيرة، ولكن دون جدوى. بعد اعتقاله، سجن يوسف أموزيغ في القشلة (السجن المحلي المجاور لبرج القلعة)، لم يتم إيجاد التأشيرة، وأعدمَ أموزيغ مع الآخرين.

الموروث

في فترة لاحقة، تزوجت ابنة أخ أموزيغ، إستر حروش، من عكيفا أزولاي، والذي شغل منصب نائب رئيس بلدية القدس. كانت إستر من بين القلائل الذين تذكروا القصة، والتي سردت بعدة صيغ متشابهة نسبيًا، مع بعض التفاصيل المختلفة. على مدار سنوات طويلة، اعتاد اليهود السفراديون سرد قصة إعدام أموزيغ وميلل، إلى أن أصبحت حدثًا معروفًا في المدينة. بعد الحادثة بسنوات طويلة، اكتُشف أنّ منفّذ حكم الإعدام كان يهوديًا يُدعى مردخاي ساسون، والذي نفذ أوامر العثمانيين بحزن شديد، ورافق القتلى اليهود إلى مثواهم الأخير.

قرار جمال باشا بإعدام هؤلاء الخمسة حسب انتمائهم الديني كان قرارًا استثنائيًا، نسبةً لسائر أفعاله الوحشية خلال الحرب. عشوائية الاختيار، التنفيذ السريع للحكم وأثره على الجاليات المختلفة في المدينة- جميعها حولت هذا الحدث إلى مَعلم مهم في تاريخ مدينة القدس. بالإضافة إلى نشطاء منظمة نيلي، نعمان بليكند ويوسف ليشنسكي، اللذين أعدما في نفس الفترة بتهمة التجسس.

ترمز هذه القصة إلى حد ما إلى قدسية مدينة القدس للديانات السماوية الثلاث، وكيف تشكّل هذه المدينة ملتقى لأبناء الديانات الثلاث.

 

حرب لبنان 1982: مجموعة صور توثق وصول الجيش الإسرائيلي إلى مطار بيروت

مجموعة من الصور الرقمية والتي تستعرض حرب لبنان "عملية سلامة الجليل"، بالإضافة إلى بعض الصور الرقمية الخاصة في مدينة بيروت.

الجيش الإسرائيلي في مطار بيروت 1982 - 990040194290205171 - 715 537

الجيش الإسرائيلي في مطار بيروت 1982

اندلعت حرب لبنان 1982، أو ما يعرف بحرب لبنان الأولى، التي لم تكن حدًثا عابرًا في تاريخ المنطقة. هذه الحرب التي بقيت مشتعلة، لاحقًا، لأكثر من 18 عامًا قد خلفت آثارًا عميقة وكبيرة على كل من عاصر الحرب أو شارك فيها (من كافة الأطراف)، وخاصة لكون الحرب قد حدثت في أوج الحرب الأهلية اللبنانية والاقتتال اللبناني- الفلسطيني. لقد اختلفت مسميّات الحرب، منها “حرب لبنان”، أو “غزو لبنان”، فيما سمّتها إسرائيل بـ “عملية سلامة الجليل” أو “حرب الصنوبر”.  لكنّ مخلّفات هذه الحرب لم ولن يختلف عليها أحد. في هذه المقالة، نستحضر ذكريات هذه الحرب باستعراض الذكريات المصورة من أرشيف المصور دان هداني ومجموعة ميتار حول حرب لبنان الأولى وكيف كان الحال حينها.

حرب لبنان 1982: منذ عملية “سلامة الجليل” إلى احتلال مطار بيروت

تقلبت أجواء الحرب تبعًا لشدة وبأس مقاتليها؛ سواء الجيش الإسرائيلي من جهة أو التنظيمات الفلسطينية والأطراف اللبنانية المتحاربة من جهة أخرى. ولم يخلو الأمر من تحالف أعداء الأمس ضد أعداء اليوم والعكس صحيح (بين أطراف الحرب: كل من إسرائيل والفلسطينيين واللبنانيين وسوريا). وهذا ما أثرًا فعليًا على مجريات الحرب وآثارها التي بدأت، بحسب الرواية الإسرائيلية، بعملية من أجل تأمين منطقة الجليل من الصواريخ الفلسطينية التي غطت كامل المنطقة الشمالية، أما الرواية الفلسطينية (وجزء من المجتمع اللبناني المتمثل بالحركة الوطنية اللبنانية) فكانت المشاركة بالحرب هي قرار اضطراري لا رجعة فيه لكونه وجب فيه الدفاع عن سيادة لبنان في وجه الاحتلال الإسرائيلي. وهذا ما حذا بالجيش الإسرائيلي لتطوير سير عملياته ووصوله حتى بيروت واحتلال مطارها. لم يكن احتلال المطار حدثًا عابرًا أو حتى غابرًا، ولذلك الحدث أثر على الذاكرة المصوّرة في الأرشيفات الإسرائيلية التي وثقت أجزاء كبيرة من سير أجواء الحرب وأحداثها. فقد تم تنظيم عرض عسكري إسرائيلي في ذات المطار بعد عمليات عسكرية استمرت لأكثر من 3 أشهر متواصلة شقّ فيها الجيش الإسرائيلي طريقه من جنوب لبنان حتى منتصفه.

كانت نتائج هذا العرض العسكري المباشرة هي طرد التنظيمات الفلسطينية من لبنان والبقاء في أجزاء من لبنان حتى شهر أيار من العام 2000 عندما قرر رئيس الحكومة الإسرائيلي، آن ذاك،  إيهود بارك الانسحاب من جنوب لبنان بشكل نهائي وإغلاق الحدود بين الدولتين.

هنا، نترك الصور تتكلم عن الأحداث التي بدأت منذ بداية الحرب حتى انتهائها:

صورة للنقطة الحدودية بين لبنان وإسرائيل، 1983، أرشيف بوريس كرمي من مجموعة ميتار.
صورة للنقطة الحدودية بين لبنان وإسرائيل، 1983، أرشيف بوريس كرمي من مجموعة ميتار.

 

حاجز عسكري، 1982، أرشيف دان هداني.
حاجز عسكري، 1982، أرشيف دان هداني.

 

لبنان، 1985، أرشيف دان هداني.
لبنان، 1985، أرشيف دان هداني.

 

حاجز عسكري، 1982، أرشيف دان هداني.
حاجز عسكري، 1982، أرشيف دان هداني.

 

الجيش الإسرائيلي في لبنان، 1982، أرشيف دان هداني.
الجيش الإسرائيلي في لبنان، 1982، أرشيف دان هداني.

 

تحطّم طائرة مدنية لبنانية في مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.
تحطّم طائرة مدنية لبنانية في مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.

 

الجيش الإسرائيلي يغادر مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.
الجيش الإسرائيلي يغادر مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.

 

الجيش الإسرائيلي يغادر من مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.
الجيش الإسرائيلي يغادر من مطار بيروت، 1982، أرشيف دان هداني.

تحتوي المكتبة الوطنية على ما يزيد عن 3300 صورة رقمية لحرب لبنان الأولى وهي متاحة للاستخدام وللتنزيل على أجهزتكم الخاصة. للمزيد من الصور الرقمية لمدينة بيروت؛ مجموعة منوّعة ونادرة، يمكن الحصول عليها بسهولة واستخدامها ولكن بالإشارة إلى اسم الأرشيف وفقاً لحقوق الاستخدام والنشر.


المصادر التي استند عليها المقال:

1. بوتيمرمان، جاكو. (1983). أطول الحروب الغزو الإسرائيلي للبنان.القاهرة، مصر. دار الثقافة الجديدة.
Rabinovich, Itamar. (1986). The War for Lebanon. New York, USA. Cornell University Press .2

بسم الله ويا ليت؛ من أغاني حرب أكتوبر

في هذه المقال، نعرض بعضًا من الأغاني المرتبطة بحرب أكتوبر (تشرين)، والّتي خلّدت كل من مشاعر الحماسة، الحزن، الخوف والرّجاء.

لعل حرب أكتوبر عام 1973  كانت من أكثر الحروب الّتي خلّفت ذكرى رمزية ووطنيّة هامّة لكلّ من الإسرائيليين والمصريين والسوريين. فقد عنت هذه الحرب الكثير للمصريّين الّذين رأوا بها ردًا على هزيمة 1967، وفي ذات السياق شكّلت هذه الحرب  ذكرى أليمة للإسرائيليين الّذين وجدوا أنفسهم في خضمّ حرب ضارية مباغتة. ولحدث كهذا أن يخلّف مشاعر ورمزيّة تناقلت إلى الأبناء وما زال الحديث عنها اليوم يثير مشاعر متنوّعة لدي الكثيرين.

نفهم هذه الرّمزيّة مما أنتجته ثقافة هذه الشّعوب من أغانٍ وأفلام وأشعار وكتب. وهي الوسائل الّتي عبّر بها النّاس عمّا يشعرون به ويرغبون بقوله. ولذلك فهي نافذة هامّة على ما عنته هذه الحرب في الحقيقة. وهذا ما تعرضه هذه المقالة بالتحديد؛ بعضًا من الأغاني المرتبطة بحرب أكتوبر (تشرين)، والّتي خلّدت كل من مشاعر الحماسة، الحزن، الخوف والرّجاء.

حرب أكتوبر

بعد أن قامت حرب الاستنزاف الممتدة بين عام 1967 وعام 1970 بإهدار قوى وموارد كثيرة لجميع الأطراف، أعقبت هجومًا غير متوقّع من كلّ من الدّولة المصريّة والسّورية ضد اسرائيل، وذلك لاسترجاع الأراضي التي خسرتها في حرب عام 1967 ولم تتمكّن من استرجاعها عن طريق الحلول الدبلوماسيّة، وهي شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. بدأ الهجوم على الجبهتين وانطلقت المدرعات والأسلحة الاسرائيليّة إلى تلك المناطق للمواجهة. كانت من أهم المحطات في هذه الحرب نجاح القوات المصريّة بعبور قناة السّويس وخط “بارليف” الدّفاعي كما نجحت القوات السّورية باجتياح الجولان، وحدث هذا في ظلّ عدم جهوزيّة من قبل الدولة الإسرائيليّة الّتي كانت تحتفل ب”يوم الغفران”. كان عبور قناة السويس وخط بارليف الحصين بالتحديد عنصرًا مفاجئًا في هذه الحرب. إلا أن القوات الاسرائيليّة تمكنت من استعادة توازنها وصدّ الهجوم في الأيام التّالية. انتهت الحرب بعد اندلاعها بأسبوعين بقرار من مجلس الأمن الدّولي، عقبه اتفاقيّة نزع السلاح عن مناطق معينة ما زالت سارية بين إسرائيل وسوريا إلى اليوم. أما على الطّرف المصريّ فأدت هذه الحرب إلى عقد اتفاقية السلام بين الدّولتين والمعروفة بكامب ديفد عام 1978.

بليغ حمدي – عاش اللي قال وبسم الله

تشير بعض المصادر إلى أن أغنية “بسم الله” الّتي ألّف كلماتها الشاعر عبد الرحيم منصور ولحّنها بليغ حمدي هي أول ما أذاعته الإذاعة المصريّة من أغانٍ مساء أوّل أيام الحرب، في السّادس من أكتوبر بعد أن نجحت القوات المصرية بعبور قناة السّويس. وقد استلهمت كلماتها من كلمات المصريين والجنود الّذين كانوا يكبروا ويقولون “بسم الله الله أكبر”، وتقال هذه العبارة المصريّة للاحتفال بشيء مبهر خوفًا من الحسد، أو للتعبير عن الفرح. ويبدو أن حماسة فريق الإذاعة وسرعة بليغ حمدي دفعت الفريق لاتمامها وبثّها بعد الانتهاء منها فورًا. ولذلك فإن التسجيل الأصلي خالٍ من الغناء الفردي (سولو) وتقوم المجموعة بأكملها بأداء الأغنية الّتي منحتها ألحان بليغ حمدي صخبًا يعبّر عن الاندفاع والفرح الشديد، فيبدو غناء المجموعة كمن يصرخ “الله أكبر” في الشّارع.

للاستماع للأغنية الرجاء الضغط هنا

أما الأغنيّة الثّانية الّتي وضع بها بليغ حمدي بصمة أخرى في الذكرى الوطنية المصرية لهذه الحرب فهي أغنية “عاش اللي قال” الّتي كتب كلماتها الشاعر محمد حمزة وقام بغنائها المطرب عبد الحليم حافظ. تمجّد الأغنية الرئيس السادات بشكل مباشر لاتخاذه قرار الحرب في السادس من أكتوبر فتقول الاغنية “عاش اللي قال الكلمة بحكمة وفي الوقت المناسب، عاش اللي قال لازم نرجع أرضنا من كل غاصب…. عاش اللي للرجال عدوا القنال..عاش اللي حوّل صبرنا حرب ونضال”، ويركّز توزيع الاغنية وتلحينها على كلمة “عاش” الّتي تتكرّر باستمرار، تأكيدًا على هدف الأغنية وهو تمجيد الرئيس السادات.

للاستماع للأغنية الرجاء الضغط هنا

نعومي شيمر – يا ليت

نعومي شيمر، الشّاعرة والملحّنة والمطربة الإسرائيليّة الحائزة على جائزة إسرائيل في الغناء العبري تركت بصمات عديدة في الغناء الإسرائيلي كأغنية “قدس الذهب” و”لو يهي” (يا ليت أو “لو أن ما نتمنّاه يكون”) الّتي شرعت بكتابتها قبل اندلاع الحرب بالهام من اغنية Let it be  لفرقة ذا بيتلز البريطانيّة. إلا أنها في أيام الحرب الأولى أنهت كتابة كلماتها الّتي تُظهر مشاعر القلق وتمنّي عودة الجنود سالمين بالوقت نفسه. قامت شمير بإعطاء الأغنية لحنًا خاص بها وليس منقولًا عن أغنية ذا بيتلز كي تكون أغنية عبرية بالكامل، وقامت بإدائها على تلفزيون اسرائيل بمشاركة فنّانين آخرين. لاحقًا قام العديد من المغنيّين الإسرائيليّين بتسجيل أغنية “لو يهي” الّتي باتت رمزًا من رموز هذه الحرب لدى الاسرائيلييّن.

من كلمات الأغنية :

“ما زال هناك شراعٌ أبيض يلوح في الأفق

وأمامه سحاب أسود ثقيل

لو أن ما نتمنّاه يكون

ولو اهزّت أضواء شموع العيد على نافذة المساء،

لو أنّ ما نتمنّاه يكون”

لسماع الاغنية الرجاء الضغط هنا