حظيت مدينة طبريا التي لا تزال مأهولة بالسكّان، منذ العقد الثالث للميلاد، بذكر شاسع لينابيعها السّاخنة وحمّاماتها المعدنيّة، ومع أن الصّورة الّتي تصلنا عن الحياة في طبريا تبدو رومانسيّة في الغالب، إلا أنّ الحياة في مناخها الحارّ لم تكن سهلة على الاطلاق. فقد شاع عن أهالي طبريّا في القرن العاشر للميلاد – كما يحدّث المؤرّخ شمس الدين المقدسي – أنّ عامهم كان يسير كالتالي: أنّهم يرقصون شهرين، ويلتهمون لشهرين، فيضربون لشهرين، ويذهبون عراة لشهرين، ويتوغّلون في الطّين شهرين. وكان يقصد المقدسيّ أنّهم يرقصون من شدّة البراغيث، ثمّ يتلذّذون بفاكهتهم ، ثمّ يجنّون من كثرة الحشرات فيضربوها لشهرين، ثمّ يخلعون ملابسهم لشهرين من شدّة الحرارة في الصيف، ثمّ يملأهم وحل الشوارع حين يأتي الشّتاء.
إلّا أن ينابيع طبريا الساخنة كانت تعرف قديمًا وإلى حقب ليست ببعيدة بقدرتها على شفاء الأمراض الجلديّة، فكان يتدفّق إليها الزّوار من جميع أنحاء بلاد الشّام للتطبّب في مياهها العذبة والاستجمام بها لبضعة أيام، مما جعل المدينة دائمة الاستقبال للغرباء والضّيوف. ولكن كيف تمّت إدارة هذا المورد الطبيعي الّذي لطالما كان ملاذًا لعامّة الناس في العصر الحديث؟ إليكم تعريف مجلّة المنتدى بحمامات طبريا إلى قرائها عام 1946 بقلم الاستاذ أحمد خليفة، والّذي يتطرّق إلى أحوال البحيرة وينابيعها في العهد العثمانيّ:
ويبدو أنّ البحيرة كانت متصلة بالبحر الابيض بواسطة مرج بن عامر فقذف أحد البراكين التي كانت ملتهبة بحممه عليها فسد طريق الاتّصال بينها وبين البحر الأبيض. ومن الأدلة على ذلك وجود مواد بركانية في طبقات المرج السّفلي ومن الأدلة على أن حفرة البحيرة بركانيّة وجود الحمامات المعدنية في أطرافها وتكاثف طبقات البازالت في قصر البحيرة وتوالي الزلازل في أنحائها. أما الينابيع المعدنيّة فهي واقعة على مسافة تقرب من كيلومترين إلى جنوب المدينة وكانت معروفة بتأثير مياهها في شفاء بعض الأمراض الجلدية والعصبية من العهد الرّوماني.
وقد أقام هيرود حمامات حول الينابيع وبنى قصرًا في سفح الجبل خلفها وإلى الشمال من الحمامات بنى مدينة طبريا وجعلها عاصمة الجليل وأكثر فيها من المنازل الجميلة والهياكل. تغطي الينبوع الآن قبة يجري الماء من تحتها الى الحمامات.
وزادت الحكومة العثمانية في تلك الأبنية سنة 1890 ونالت بعض الشركات امتيازًا لإقامة أبنية عصرية وحدائق حول الحمامات ومن المبهج أن الحكومة العثمانية كانت قد قررت تخصيص قسم من واردات الحمامات لشؤون التعليم وأن بناء مدرسة البنين في طبرية ذي الطراز العربي قد أُقيم من الواردات المذكورة وإذا توافرت رؤوس الأموال تخصصها الشركات لبناء منازل وفنادق في طبريا، فإن هذه المدينة تصبح مشتى لا لأهل فلسطين فحسب بل لسكان الشرق العربي كله فحين تكون قمم الجبال مكسوة بالثلج يتمتّع أهل طبريا بجو استوائي دافئ كأنهم في قارة أخرى.
لقراءة المقالة كامة في مجلة المنتدى
أمّا في العهد الانتدابي، فنرى في جريدة فلسطين خبرًا في العشرين من نيسان عام 1929 يفيد بأن حكومة الانتداب منحت امتياز شراء حمامات طبريّا لمستثمرين أجانب، في حين يملك بعض الملّاك العرب في بيروت أسهمًا بسيطة من عائدات المشروع، ممّا جعل الانتفاع بمياه الينابيع حكرًا على مشروعات المستثمرين الّذين صادق عليهم المندوب السّامي فقط.
ويبدو أن الحمامات بقيت موقعًا جذابًا للزوار، ولكن ربّما بطريقة أخرى، فنرى دعوة في جريدة فلسطين أيضًا بعد ثلاثة عشر عامًا لاحتفال تقيمه “شركة حمامات طبريا” حيث ستقيم الأوركسترا الفلسطينيّة حفلًا موسيقيًاَ! أمّا اليوم فتعتبر منطقة الينابيع السّاخنة موقعًا أثريًا ومتنزّه وطنيّ تحت إشراف سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيليّة.
لم يعد هناك حديث عن قدرة خاصّة لهذه المياه على شفاء الأمراض، كما أنها لم تعد تحمل سمة قدسيّة على وجه الخصوص، سوى أنّ المراجع القديمة منها والحديثة تشهد على اعتبارها كذلك لعقود. خاصّة للاعتقاد بأن السيّد المسيح أدىّ بعض من معجزاته الشّهيرة في شفاء الأمراض وإحياء الموتى على ضفاف بحيرة طبريّا وهو ربّما السّبب الّذي أضفى على مياه ينابيع طبريّا صفة شهيرة في شفاء الأمراض والقداسة وصلت إلى شتّى الطّوائف الّتي سكنت المنطقة لعصور.
للمزيد حول مدينة طبريا إليكم بوابة المحتوى الرقمي حول مدينة طبريا والتي يمكن من خلالها الوصول إلى مواد رقمية متنوعة حول المدينة وتاريخها وسكانها.