بسم الله ويا ليت؛ من أغاني حرب أكتوبر

في هذه المقال، نعرض بعضًا من الأغاني المرتبطة بحرب أكتوبر (تشرين)، والّتي خلّدت كل من مشاعر الحماسة، الحزن، الخوف والرّجاء.

لعل حرب أكتوبر عام 1973  كانت من أكثر الحروب الّتي خلّفت ذكرى رمزية ووطنيّة هامّة لكلّ من الإسرائيليين والمصريين والسوريين. فقد عنت هذه الحرب الكثير للمصريّين الّذين رأوا بها ردًا على هزيمة 1967، وفي ذات السياق شكّلت هذه الحرب  ذكرى أليمة للإسرائيليين الّذين وجدوا أنفسهم في خضمّ حرب ضارية مباغتة. ولحدث كهذا أن يخلّف مشاعر ورمزيّة تناقلت إلى الأبناء وما زال الحديث عنها اليوم يثير مشاعر متنوّعة لدي الكثيرين.

نفهم هذه الرّمزيّة مما أنتجته ثقافة هذه الشّعوب من أغانٍ وأفلام وأشعار وكتب. وهي الوسائل الّتي عبّر بها النّاس عمّا يشعرون به ويرغبون بقوله. ولذلك فهي نافذة هامّة على ما عنته هذه الحرب في الحقيقة. وهذا ما تعرضه هذه المقالة بالتحديد؛ بعضًا من الأغاني المرتبطة بحرب أكتوبر (تشرين)، والّتي خلّدت كل من مشاعر الحماسة، الحزن، الخوف والرّجاء.

حرب أكتوبر

بعد أن قامت حرب الاستنزاف الممتدة بين عام 1967 وعام 1970 بإهدار قوى وموارد كثيرة لجميع الأطراف، أعقبت هجومًا غير متوقّع من كلّ من الدّولة المصريّة والسّورية ضد اسرائيل، وذلك لاسترجاع الأراضي التي خسرتها في حرب عام 1967 ولم تتمكّن من استرجاعها عن طريق الحلول الدبلوماسيّة، وهي شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. بدأ الهجوم على الجبهتين وانطلقت المدرعات والأسلحة الاسرائيليّة إلى تلك المناطق للمواجهة. كانت من أهم المحطات في هذه الحرب نجاح القوات المصريّة بعبور قناة السّويس وخط “بارليف” الدّفاعي كما نجحت القوات السّورية باجتياح الجولان، وحدث هذا في ظلّ عدم جهوزيّة من قبل الدولة الإسرائيليّة الّتي كانت تحتفل ب”يوم الغفران”. كان عبور قناة السويس وخط بارليف الحصين بالتحديد عنصرًا مفاجئًا في هذه الحرب. إلا أن القوات الاسرائيليّة تمكنت من استعادة توازنها وصدّ الهجوم في الأيام التّالية. انتهت الحرب بعد اندلاعها بأسبوعين بقرار من مجلس الأمن الدّولي، عقبه اتفاقيّة نزع السلاح عن مناطق معينة ما زالت سارية بين إسرائيل وسوريا إلى اليوم. أما على الطّرف المصريّ فأدت هذه الحرب إلى عقد اتفاقية السلام بين الدّولتين والمعروفة بكامب ديفد عام 1978.

بليغ حمدي – عاش اللي قال وبسم الله

تشير بعض المصادر إلى أن أغنية “بسم الله” الّتي ألّف كلماتها الشاعر عبد الرحيم منصور ولحّنها بليغ حمدي هي أول ما أذاعته الإذاعة المصريّة من أغانٍ مساء أوّل أيام الحرب، في السّادس من أكتوبر بعد أن نجحت القوات المصرية بعبور قناة السّويس. وقد استلهمت كلماتها من كلمات المصريين والجنود الّذين كانوا يكبروا ويقولون “بسم الله الله أكبر”، وتقال هذه العبارة المصريّة للاحتفال بشيء مبهر خوفًا من الحسد، أو للتعبير عن الفرح. ويبدو أن حماسة فريق الإذاعة وسرعة بليغ حمدي دفعت الفريق لاتمامها وبثّها بعد الانتهاء منها فورًا. ولذلك فإن التسجيل الأصلي خالٍ من الغناء الفردي (سولو) وتقوم المجموعة بأكملها بأداء الأغنية الّتي منحتها ألحان بليغ حمدي صخبًا يعبّر عن الاندفاع والفرح الشديد، فيبدو غناء المجموعة كمن يصرخ “الله أكبر” في الشّارع.

للاستماع للأغنية الرجاء الضغط هنا

أما الأغنيّة الثّانية الّتي وضع بها بليغ حمدي بصمة أخرى في الذكرى الوطنية المصرية لهذه الحرب فهي أغنية “عاش اللي قال” الّتي كتب كلماتها الشاعر محمد حمزة وقام بغنائها المطرب عبد الحليم حافظ. تمجّد الأغنية الرئيس السادات بشكل مباشر لاتخاذه قرار الحرب في السادس من أكتوبر فتقول الاغنية “عاش اللي قال الكلمة بحكمة وفي الوقت المناسب، عاش اللي قال لازم نرجع أرضنا من كل غاصب…. عاش اللي للرجال عدوا القنال..عاش اللي حوّل صبرنا حرب ونضال”، ويركّز توزيع الاغنية وتلحينها على كلمة “عاش” الّتي تتكرّر باستمرار، تأكيدًا على هدف الأغنية وهو تمجيد الرئيس السادات.

للاستماع للأغنية الرجاء الضغط هنا

نعومي شيمر – يا ليت

نعومي شيمر، الشّاعرة والملحّنة والمطربة الإسرائيليّة الحائزة على جائزة إسرائيل في الغناء العبري تركت بصمات عديدة في الغناء الإسرائيلي كأغنية “قدس الذهب” و”لو يهي” (يا ليت أو “لو أن ما نتمنّاه يكون”) الّتي شرعت بكتابتها قبل اندلاع الحرب بالهام من اغنية Let it be  لفرقة ذا بيتلز البريطانيّة. إلا أنها في أيام الحرب الأولى أنهت كتابة كلماتها الّتي تُظهر مشاعر القلق وتمنّي عودة الجنود سالمين بالوقت نفسه. قامت شمير بإعطاء الأغنية لحنًا خاص بها وليس منقولًا عن أغنية ذا بيتلز كي تكون أغنية عبرية بالكامل، وقامت بإدائها على تلفزيون اسرائيل بمشاركة فنّانين آخرين. لاحقًا قام العديد من المغنيّين الإسرائيليّين بتسجيل أغنية “لو يهي” الّتي باتت رمزًا من رموز هذه الحرب لدى الاسرائيلييّن.

من كلمات الأغنية :

“ما زال هناك شراعٌ أبيض يلوح في الأفق

وأمامه سحاب أسود ثقيل

لو أن ما نتمنّاه يكون

ولو اهزّت أضواء شموع العيد على نافذة المساء،

لو أنّ ما نتمنّاه يكون”

لسماع الاغنية الرجاء الضغط هنا 

جولة في القدس: أبنية وطرق عبر خرائط الانتداب البريطاني

أعدت السلطات الانتدابية في النصف الأول من القرن الـ 20 مجموعة من الخرائط للقدس، اليوم، صارت هذه الخرائط مرجعاً لدراسة الفارق بين الماضي والحاضر.

أعدت السلطات الانتدابية في النصف الأول من القرن العشرين مجموعة من الخرائط المميزة للقدس وكانت، في حينه، لأهداف عملية واضحة، مثل خرائط المواصلات والطرقات وغيرها، اليوم وبعد أكثر من سبعين عاماً على انتهاء الانتداب صارت هذه الخرائط مرجعاً مهماً يمدنا بمعلومات مهمة بحيث توفر لنا هذه الخرائط فرصة مميزة وجميلة للتعرف على القدس في حقبة مميزة ومرحلة مهمة من مراحل تشكلها، إذ تمنحنا القدرة على التجول في الشوارع، التعرف على الحارات والأحياء، الوقوف أمام المباني والبيوت التاريخية ومقاربة الواقع كما كان، ما يمدنا بمعرفة ثمينة حول تطور المدينة، وتجربة شعورية جميلة حول الفارق بين الماضي والحاضر.

 

في أرشيف المكتبة الوطنية الاسرائيلية هناك أكثر من مائتي خارطة تاريخية مميزة للقدس بجودة عالية ومتاحة للاستخدام، والتي أنتجت بين السنوات 1486-1947، بلغات وأشكال مختلفة وتوثق مدينة القدس كما رسمها الجغرافيون، المؤسسات والدول، والتي تكشف جمال المدينة وتفاصيلها المدهشة، وتوثق المراحل المختلفة. هناك من رسم مسلطاً الضوء على التفاصيل المسيحية، هناك من ركز على التفاصيل اليهودية وهناك من اهتم بالتفاصيل والوجود الإسلامي فيها، مئات الخرائط بمختلف اللغات والثقافات لتعكس القدس ببساطة هوية صاحبها لا هوية المدينة ذاتها والتي تعتبر مزيجاً جميلاً ومميزاً من الهويات والثقافات توفر لكل زائر مقصده.

 

جولة في القدس:

عام 1924 قامت مصلحة المساحة العمومية في مصر بإنتاج خارطة للقدس، لأن الانتداب لم يكن قد شكل هيئة للمساحة في القدس بعد، وبالتالي قامت المصلحة المصرية بفعل ذلك وكان هدف الخارطة التعريف بشوارع القدس والمباني الهامة في المدينة.

 

خارطة شوارع القدس، مصلحة المساحة العمومية في مصر. مجموعة عيران لَئور للخرائط، المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
خارطة شوارع القدس، مصلحة المساحة العمومية في مصر. مجموعة عيران لَئور للخرائط، المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

 

يوضح لنا هذا الجانب من الخريطة الكثير من المواقع الرئيسية في القدس من أبواب المدخل القديمة، الكنائس والمساجد، والمؤسسات الرسمية كالبلدية ودائرة البريد. كما يظهر أسماء العديد من الشوارع؛ بعضها لا يزال يحمل نفس الاسم كشارع السلطان سليمان وبعضها تغيرت كطريق بردويل الأول.

يظهر في الصورة أقصى اليمين مباني الجامعة العبرية والتي كانت قد بنيت وتنتظر اطلاقها حيث ستفتتح سنة واحدة بعد هذه الخريطة عام 1925، كما يظهر أن مستشفى هداسا ليس بجانبها، بل بجوار المسكوبية (السجن المركزي) وإلى يسار دار المهاجرة، في حين يظهر اسم المكتبة العبرية، وهو الاسم السابق للمكتبة الوطنية الاسرائيلية حيث يظهر مبناها حين كان المقر بجانب مسجد النبي عكاشة.

إن جولة في الخريطة توفر إطلالة مدهشة على القدس في بداية الانتداب البريطاني كما لا يمكن أن يوفر أي مصدر تاريخي آخر من تلك الفترة.

جولة في المسجد الأقصى:

عند التجول في البلدة القديمة، حتماً، لا بد من المرور بالمسجد الأقصى والتعرّف على معالمه من مصليات، بوائك، قباب وأبواب. في الخريطة المرفقة أدناه، الجاري مسحها في العام 1942، بينما صدرت في العام 1944 من دائرة مسح فلسطين، تبين معالم وساحات المسجد الأقصى بدقة وتفصيل وباللغة العربية أيضاً. تم الحصول على مسح بعض المباني من مسح سابق من العام 1865. وتم تأطير الخريطة بإطار زخرفي يحاكي إطار حائط الجزء الجنوبي للمسجد الأقصى.

 الحرم الشريف، خرائط مسح فلسطين، 1944، مجموعة عيران لئور، المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

الحرم الشريف، خرائط مسح فلسطين، 1944، مجموعة عيران لئور، المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

 

 

جولة خارج القدس:

وفي حال أردتم التجول خارج القدس، فإن خارطة فلسطين للسيارات توفر فرصة فريدة من نوعها، فالخريطة التي أعدت عام 1934 بإشراف مدير المساحة في فلسطين تحوي معلومات هامة عن الشوارع الهامة في المدن الرئيسية كيافا وحيفا والقدس، كما تحوي جدول المسافات بين كل مدينة ومدينة، وبين مدن البلاد ومدن الأردن ومصر وسوريا ولبنان.

خارطة شوارع القدس عام 1934، مجموعة عيران لئور، المكتبة الوطنية الإسرائيلية
خارطة شوارع القدس عام 1934، مجموعة عيران لئور، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

إن التمعن في الخارطة أعلاه، يوضح الكثير من التفاصيل حول المواصلات في الحقبة الانتدابية، حيث تشير الخطوط الحمراء لشوارع سيارات جيدة، في حين أنّ الخطوط السوداء المتقطعة تشير إلى شوارع بحالة سيئة، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن المواصلات كانت سهلة ومتاحة بين المدن الرئيسية في حين أن غالبية شوارع القرى لا تصلح للسفر.

كما توضح الخارطة شوارع السيارات وطرق القطارات (الحمراء المتقطعة) وهو ما يعد مدخلاً جيداً ليس فقط لدراسات المواصلات، بل لدراسة تنقلات الفلسطينيين في فترة الانتداب والتي لا بد أن تتلائم بحسب خطوط المواصلات، فالقرى التي كانت يمر من جانبها خطوط مواصلات جيدة، كان يمكن لأبنائها أن يسافروا نحو المدينة للعمل وهو موضوع يستحق البحث على ضوء خرائط مميزة مثل هذه.

إن الخارطة أعلاه بموازاة خارطة الشوارع في القدس وخرائط أخرى، تمكننا من السفر عبر الزمن وتعلم المساحات والأماكن مجدداً وهو مساحة تستحق البحث والتأمل.

الخرائط السابقة برزت في فترة الانتداب البريطاني على البلاد فيما يعرف بـ خرائط مسح فلسطين Survey of Palestine، منها ما أعيد إنتاجه عن الفترة العثمانية، ومنها ما تم إنتاجه وابتكاره لدراسات استعمارية في مجال الثقافة والعمران والبنى التحتية.

من دار المعلمين في القدس إلى الكلية العربية: محطة في التربية والتعليم

رغبات السكاكيني اصطدمت بأجندة السلطات الانتدابية ما جعله يستقيل ويخلي المنصب للمؤرخ خليل طوطح، وهو ما أدى إلى نشوب خلاف بينهما حول ذلك ولكن طوطح نفسه استقال بسبب ضغط الطلبة

الأستاذ محمد عبد السلام البرغوثي أثناء درس الهندسة. مجلة هنا القدس، 6 كانون الأول 1942

شفي بدايات عام 1920 تأسست أولى المجلات الفلسطينية المميزة تحت عنوان مجلة “دار المعلمين” والتي كانت كجزء من نشاطات دار المعلمين، وهي الكلية التي تأسست برعاية الانتداب لإعداد معلمين ذوي كفاءة يكونون قادرين على النهوض بالمجتمع الفلسطيني بحيث كانت عبارة عن مدرسة ثانوية وفي نفس الوقت كلية للمعلمين. هذا التوجه النهضوي هو الذي قاده وسعى إليه المربي الفلسطيني الكبير خليل السكاكيني، والذي وضع نصب عينيه بناء مستقبل أفضل للفلسطينيين، ولذلك فقد استقطب نخبة المثقفين الفلسطينيين والعرب، وأنشأ مجلة تربوية توعوية وحاول تطبيق أفكاره التربوية عبرها وعبر دار المعلمين.

مجلة دار المعلمين في القدس، عدد كانون الثاني 1922
مجلة دار المعلمين في القدس، عدد كانون الثاني 1922

لكن رغبات السكاكيني اصطدمت بأجندة السلطات الانتدابية التي كانت تسعى لتمرير سياسات، خاصة حالت دون تطبيق أفكاره ما جعله يستقيل ويخلي المنصب للمؤرخ خليل طوطح، وهو ما أدى إلى نشوب خلاف بينهما حول ذلك، حيث لم يرق للسكاكيني أن يقبل طوطح بهذا المنصب لكن طوطح نفسه سيضطر للاستقالة بعدها بثلاث سنوات فقط بسبب ضغط الطلبة، ففي آذار من عام 1925 زار اللورد بلفور القدس مما حذا بطلبة دار المعلمين إلى الاضراب رافضين الدوام، كما أرسلوا إلى أساتذتهم يحثونهم على الاضراب، الأمر الذي حذا بالسلطات إلى فصل المعلمين والأساتذة الذين شاركوا في الاضراب، فجلّ الطلاب والمعلمين المفصولين جام غضبهم على مدير المدرسة خليل طوطح الذي لم ينصارهم مما حول الأمر إلى قضية رأي عام اضطر على إثرها إلى الاستقالة.

 

جريدة مرآة الشرق. 29 آذار 1925. لقراءة الخبر كاملاً:
جريدة مرآة الشرق. 29 آذار 1925. لقراءة الخبر كاملاً

 

أحمد سامح الخالدي: إدارة جديدة، اسم جديد ومبنى جديد

كان أحد سامح الخالدي (1896-1951) أحد أشهر المربين الفلسطينيين في عشرينيات القرن الماضي، وكان حينها مفتشاً عاماً للمعارف وكان يحمل ماجستيرًا تربية. مع وصوله لمنصب مدير دار المعلمين كان أول ما فعله هو تغيير الاسم من دار المعلمين إلى “الكلية العربية” وذلك عام 1926 وهكذا توقفت مجلة “دار المعلمين” عن الصدور تحت هذا العنوان لتصدر بعدها تحت اسم “الكلية العربية”.

الأستاذ أحمد سامح الخالدي، مدير الكلية العربية. مجلة هنا القدس، 6 كانون الأول 1942
الأستاذ أحمد سامح الخالدي، مدير الكلية العربية. مجلة هنا القدس، 6 كانون الأول 1942

ستقفز الكلية في عهد الخالدي قفزات نوعية، ستستقطب مزيداً من النخب الفلسطينية، كما سيقوم الخالدي بالاستفادة من خبرات من سبقوه كالسكاكيني وكوع عبر المؤتمرات والنقاشات التربوية المميزة التي دعا إليها والتي وثقتها المجلة، كما ستفتح المجلة أبوابها لنقاش فكري تربوي عميق ولافت حول أساليب التربية والأنظمة التعليمية والفوارق بين الواقع التعليمي في فلسطين الانتدابية وفي دول وعواصم أخرى حول العالم.

من أعداد مجلة "الكلية العربية" بحلتها الجديدة، شباط 1938. لقراءة أعداد المجلة
 من أعداد مجلة “الكلية العربية” بحلتها الجديدة، شباط 1938. لقراءة أعداد المجلة

من بين أساتذة الكلية سيكون اسحاق موسى الحسيني، سليم كاتول، مصطفى مراد الدباغ، معروف الرصافي، نقولا زيادة، وصفي عنبتاوي وغيرهم. كما سيكون من التلاميذ المميزين: الروائي جبرا إبراهيم جبرا، المؤرخ عبد اللطيف الطيباوي، المؤرخ عرفان قعوار- شهيد، المؤرخ ناصر الدين الأسد وغيرهم.

 

 

الأستاذ الحاج مير أستاذ التاريخ في مكتبة الكلية العربية. مجلة هنا القدس، 6 كانون الاول 1942. لقراءة العدد
الأستاذ الحاج مير أستاذ التاريخ في مكتبة الكلية العربية. مجلة هنا القدس، 6 كانون الاول 1942.

 

عام 1936 سينتقل مبنى الكلية من شارع السلطان سليمان حيث سيصير المبنى القديم مبنىً لمدرسة الرشيدية، في حين ستنتقل الكلية إلى جبل المكبر، لتكمل من هناك رسالتها. تمدنا مجلة هنا القدس بمعلومات وصور جميلة ومميزة حول هذه تاريخ الكلية وصور لنخبة أستاذتها مثل: سليم كاتول واسحق موسى الحسيني وغيرهم.

 

الأستاذ سليم كاتول في المختبر مع صف الكيمياء. مجلة هنا القدس، 6 كانون الأول 1942. لقراءة العدد
الأستاذ سليم كاتول في المختبر مع صف الكيمياء. مجلة هنا القدس، 6 كانون الأول 1942. لقراءة العدد

 

مع نهاية الأربعينيات كان في الكلية العديد من المختبرات العلمية، الورشات البحثية، مكتبة يزيد عدد كتبها عن 5000 كتاب من أمهات كتب العلوم في مختلف اللغات، حدائق عامة، بساتين وملاعب، والعديد من المرافق التعليمية الحيوية لتكون في هذه المرحلة في ذروة عطائها، ولا يزال حتى اليوم أثر ذلك في الكثير من النخب الفلسطينية والعربية سواء تعلموا بشكل مباشر في الكلية أو تعلموا على يد خريجيها وهو ما يشير إلى أثرها حتى اليوم في المجتمع والثقافة الفلسطينيين.

صورة المقال الرئيسية تعود للأستاذ محمد عبد السلام البرغوثي أثناء درس الهندسة.مجلة هنا القدس، 6 كانون الأول 1942، لقراءة كامل العدد.

رحلة مدرسة روضة المعارف: أكثر من أربعين عاماً في نشر المعرفة

الشيخ محمد الصالح وتأسيس مدرسة وطنية (عام 1906) خطوة ملفتة ترتكز على اللغة العربية كمادة للتدريس، وتبث التوّجهات الوطنية في قلوب الطلبة المنتسبين إليها، إليكم مدرسة روضة المعارف

مع ازدياد حالات التتريك التي شهدتها البلاد في نهاية الحقبة العثمانية، اتخذ الشيخ محمد الصالح خطوة ملفتة؛ حيث ذهب إلى تأسيس مدرسة وطنية (عام 1906) ترتكز على اللغة العربية كمادة للتدريس، وتبث التوّجهات الوطنية في قلوب الطلبة المنتسبين إليها. بدت الخطوة متواضعة وبمساعدة مجموعة من زملاء الشيخ منهم: الشيخ حسن أبو السعود، إسحق درويش، عبد اللطيف الحسيني، والتي اعتبرت خطوة جريئة ومميزة في فترة مضطربة من تاريخ فلسطين العثماني.

الشيخ محمد الصالح والأستاذ عبد اللطيف الحسيني، مجلة روضة المعارف. العدد الأول، كانون الثاني 1932
الشيخ محمد الصالح والأستاذ عبد اللطيف الحسيني، مجلة روضة المعارف. العدد الأول، كانون الثاني 1932

 

الشيخ محمد الصالح والأستاذ عبد اللطيف الحسيني، مجلة روضة المعارف. العدد الأول، كانون الثاني 1932
الشيخ محمد الصالح والأستاذ عبد اللطيف الحسيني، مجلة روضة المعارف. العدد الأول، كانون الثاني 1932

ولى في طريق الآلام بحسب المعتقد المسيحي، وبدأت ببث الحسّ العروبي لدى الطلبة، حيث كانت تعلّم باللغة العربية وإلى جوارها اللغتين التركية والفرنسية. كما تم إنشاء قسم للتعليم الليلي لاستغلال الوقت في تدريس الوقت حيث درس في المدرسة حوالي 360 تلميذاً، كما تذكر مجلة المنادي في 16 تموز 1912. لكن الواقع لن يستمر؛ فمع اندلاع الحرب العالمية الأولى ستسقط الدولة العثمانية وتنسحب من القدس، وستفرض بريطانيا نظاماً جديداً يتبدل فيه الشعور الفلسطيني بالخطر، فإذا كان في الفترة العثمانية الخوف على اللغة العربية، فهذه المرة الخوف هو على المكان نفسه؛ جراء الصراع بين الفلسطينيين وبين الحركة الصهيونية.

مع تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى، باتت المدرسة إحدى المشروعات المهمة التي يمولها، وبالتالي توّفر الاستقرار المادي من المجلس ساهم في انطلاقة وتطور نشاطات المدرسة فأصدرت بدءًا من تلك الفترة مجلة مميزة.

مجلة روضة المعارف، العدد الثالث والرابع، سنة 1922
مجلة روضة المعارف، العدد الثالث والرابع، سنة 1922

 

روضة المعارف التي سرعان ما تحوّلت إلى كلية، استطاعت استقطاب نخبة من المثقفين الفلسطينيين، فأنشأت اللجنة العلمية لتطوير موضوعات العلوم والبحث والكتابة فيها، كما طوّرت لجان أخرى في مختلف المجالات كاللجان الرياضية، لجنة الكشافة، لجنة اللغة الانجليزية، اللجان الصناعية، لكن الكلية لم تستقطب المثقفين فقط لأغراض التدريس، بل استعانت بهم لتتحول إلى مساحة فنية وثقافية حيث شهدت عشرات النشاطات السياسية، الثقافية والفنية المميزة.

جريدة الجامعة العربية، 15 تموز 1929. لقراءة أخبار عن روضة المعارف الصحف الفلسطينية
جريدة الجامعة العربية، 15 تموز 1929. لقراءة أخبار عن روضة المعارف الصحف الفلسطينية

في عام 1938 أخلت القوات البريطانية المبنى وسيطرت عليه من أجل استخدامه كنقطة شرطية للسيطرة على الحالة الأمنية داخل المدينة في ظل اشتداد الثورة الفلسطينية، وهو ما اضطر الكلية إلى ترك مبناها التاريخي والذي عملت فيه لأكثر من ثلاثين عام والبحث عن مكان بديل.

اللجنة العلمية، مجلة روضة المعارف. العدد الثاني، آذار 1932
اللجنة العلمية، مجلة روضة المعارف. العدد الثاني، آذار 1932

 

كان المكان البديل الذي استأجرته الكلية هو في باب الساهرة، والذي ظلت فيه أكثر من عشر سنوات حتى أعلنت الحكومة عن نيتها ترك المبنى وإعادته إلى ملكية روضة المعارف.

 

جريدة فلسطين، 13 آب 1947
جريدة فلسطين، 13 آب 1947

 

ستكون العودة إلى المبنى القديم عودة مؤقتة، ستندلع المعارك في عام 1948، وسينتهي الانتداب البريطاني عن البلاد، وستخضع القدس الشرقية للسيطرة الأردنية.

فمع اندلاع المعارك سنة 1948 ستقفل المدرسة أبوابها، ولن تعاود الافتتاح، ومع انتهاء مرحلة الانتداب وإعلان السلطات الأردنية ضمها لمنطقة القدس الشرقية ستكون روضة المعارف شيئاً من الماضي، وفي مبناها التاريخي ستنطلق مدرسة جديدة في مسيرتها هي المدرسة العمرية والتي ستعمل في نفس المبنى، لكنها ستتوقف أيضاً عن العمل عام 1967، لتظل مدرسة روضة المعارف كالمدرسة العمرية كالمدرسة الجاولية وغيرها من المدارس التي عملت في نفس المبنى، مادة تاريخية ومساحات ساهمت في تعليم وتثقيف الفلسطينيين على مدار سنين طويلة من التاريخ.