لعل حرب أكتوبر عام 1973 كانت من أكثر الحروب الّتي خلّفت ذكرى رمزية ووطنيّة هامّة لكلّ من الإسرائيليين والمصريين والسوريين. فقد عنت هذه الحرب الكثير للمصريّين الّذين رأوا بها ردًا على هزيمة 1967، وفي ذات السياق شكّلت هذه الحرب ذكرى أليمة للإسرائيليين الّذين وجدوا أنفسهم في خضمّ حرب ضارية مباغتة. ولحدث كهذا أن يخلّف مشاعر ورمزيّة تناقلت إلى الأبناء وما زال الحديث عنها اليوم يثير مشاعر متنوّعة لدي الكثيرين.
نفهم هذه الرّمزيّة مما أنتجته ثقافة هذه الشّعوب من أغانٍ وأفلام وأشعار وكتب. وهي الوسائل الّتي عبّر بها النّاس عمّا يشعرون به ويرغبون بقوله. ولذلك فهي نافذة هامّة على ما عنته هذه الحرب في الحقيقة. وهذا ما تعرضه هذه المقالة بالتحديد؛ بعضًا من الأغاني المرتبطة بحرب أكتوبر (تشرين)، والّتي خلّدت كل من مشاعر الحماسة، الحزن، الخوف والرّجاء.
حرب أكتوبر
بعد أن قامت حرب الاستنزاف الممتدة بين عام 1967 وعام 1970 بإهدار قوى وموارد كثيرة لجميع الأطراف، أعقبت هجومًا غير متوقّع من كلّ من الدّولة المصريّة والسّورية ضد اسرائيل، وذلك لاسترجاع الأراضي التي خسرتها في حرب عام 1967 ولم تتمكّن من استرجاعها عن طريق الحلول الدبلوماسيّة، وهي شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. بدأ الهجوم على الجبهتين وانطلقت المدرعات والأسلحة الاسرائيليّة إلى تلك المناطق للمواجهة. كانت من أهم المحطات في هذه الحرب نجاح القوات المصريّة بعبور قناة السّويس وخط “بارليف” الدّفاعي كما نجحت القوات السّورية باجتياح الجولان، وحدث هذا في ظلّ عدم جهوزيّة من قبل الدولة الإسرائيليّة الّتي كانت تحتفل ب”يوم الغفران”. كان عبور قناة السويس وخط بارليف الحصين بالتحديد عنصرًا مفاجئًا في هذه الحرب. إلا أن القوات الاسرائيليّة تمكنت من استعادة توازنها وصدّ الهجوم في الأيام التّالية. انتهت الحرب بعد اندلاعها بأسبوعين بقرار من مجلس الأمن الدّولي، عقبه اتفاقيّة نزع السلاح عن مناطق معينة ما زالت سارية بين إسرائيل وسوريا إلى اليوم. أما على الطّرف المصريّ فأدت هذه الحرب إلى عقد اتفاقية السلام بين الدّولتين والمعروفة بكامب ديفد عام 1978.
بليغ حمدي – عاش اللي قال وبسم الله
تشير بعض المصادر إلى أن أغنية “بسم الله” الّتي ألّف كلماتها الشاعر عبد الرحيم منصور ولحّنها بليغ حمدي هي أول ما أذاعته الإذاعة المصريّة من أغانٍ مساء أوّل أيام الحرب، في السّادس من أكتوبر بعد أن نجحت القوات المصرية بعبور قناة السّويس. وقد استلهمت كلماتها من كلمات المصريين والجنود الّذين كانوا يكبروا ويقولون “بسم الله الله أكبر”، وتقال هذه العبارة المصريّة للاحتفال بشيء مبهر خوفًا من الحسد، أو للتعبير عن الفرح. ويبدو أن حماسة فريق الإذاعة وسرعة بليغ حمدي دفعت الفريق لاتمامها وبثّها بعد الانتهاء منها فورًا. ولذلك فإن التسجيل الأصلي خالٍ من الغناء الفردي (سولو) وتقوم المجموعة بأكملها بأداء الأغنية الّتي منحتها ألحان بليغ حمدي صخبًا يعبّر عن الاندفاع والفرح الشديد، فيبدو غناء المجموعة كمن يصرخ “الله أكبر” في الشّارع.
للاستماع للأغنية الرجاء الضغط هنا
أما الأغنيّة الثّانية الّتي وضع بها بليغ حمدي بصمة أخرى في الذكرى الوطنية المصرية لهذه الحرب فهي أغنية “عاش اللي قال” الّتي كتب كلماتها الشاعر محمد حمزة وقام بغنائها المطرب عبد الحليم حافظ. تمجّد الأغنية الرئيس السادات بشكل مباشر لاتخاذه قرار الحرب في السادس من أكتوبر فتقول الاغنية “عاش اللي قال الكلمة بحكمة وفي الوقت المناسب، عاش اللي قال لازم نرجع أرضنا من كل غاصب…. عاش اللي للرجال عدوا القنال..عاش اللي حوّل صبرنا حرب ونضال”، ويركّز توزيع الاغنية وتلحينها على كلمة “عاش” الّتي تتكرّر باستمرار، تأكيدًا على هدف الأغنية وهو تمجيد الرئيس السادات.
للاستماع للأغنية الرجاء الضغط هنا
نعومي شيمر – يا ليت
نعومي شيمر، الشّاعرة والملحّنة والمطربة الإسرائيليّة الحائزة على جائزة إسرائيل في الغناء العبري تركت بصمات عديدة في الغناء الإسرائيلي كأغنية “قدس الذهب” و”لو يهي” (يا ليت أو “لو أن ما نتمنّاه يكون”) الّتي شرعت بكتابتها قبل اندلاع الحرب بالهام من اغنية Let it be لفرقة ذا بيتلز البريطانيّة. إلا أنها في أيام الحرب الأولى أنهت كتابة كلماتها الّتي تُظهر مشاعر القلق وتمنّي عودة الجنود سالمين بالوقت نفسه. قامت شمير بإعطاء الأغنية لحنًا خاص بها وليس منقولًا عن أغنية ذا بيتلز كي تكون أغنية عبرية بالكامل، وقامت بإدائها على تلفزيون اسرائيل بمشاركة فنّانين آخرين. لاحقًا قام العديد من المغنيّين الإسرائيليّين بتسجيل أغنية “لو يهي” الّتي باتت رمزًا من رموز هذه الحرب لدى الاسرائيلييّن.
من كلمات الأغنية :
“ما زال هناك شراعٌ أبيض يلوح في الأفق
وأمامه سحاب أسود ثقيل
لو أن ما نتمنّاه يكون
ولو اهزّت أضواء شموع العيد على نافذة المساء،
لو أنّ ما نتمنّاه يكون”