مع ازدياد حالات التتريك التي شهدتها البلاد في نهاية الحقبة العثمانية، اتخذ الشيخ محمد الصالح خطوة ملفتة؛ حيث ذهب إلى تأسيس مدرسة وطنية (عام 1906) ترتكز على اللغة العربية كمادة للتدريس، وتبث التوّجهات الوطنية في قلوب الطلبة المنتسبين إليها. بدت الخطوة متواضعة وبمساعدة مجموعة من زملاء الشيخ منهم: الشيخ حسن أبو السعود، إسحق درويش، عبد اللطيف الحسيني، والتي اعتبرت خطوة جريئة ومميزة في فترة مضطربة من تاريخ فلسطين العثماني.
ولى في طريق الآلام بحسب المعتقد المسيحي، وبدأت ببث الحسّ العروبي لدى الطلبة، حيث كانت تعلّم باللغة العربية وإلى جوارها اللغتين التركية والفرنسية. كما تم إنشاء قسم للتعليم الليلي لاستغلال الوقت في تدريس الوقت حيث درس في المدرسة حوالي 360 تلميذاً، كما تذكر مجلة المنادي في 16 تموز 1912. لكن الواقع لن يستمر؛ فمع اندلاع الحرب العالمية الأولى ستسقط الدولة العثمانية وتنسحب من القدس، وستفرض بريطانيا نظاماً جديداً يتبدل فيه الشعور الفلسطيني بالخطر، فإذا كان في الفترة العثمانية الخوف على اللغة العربية، فهذه المرة الخوف هو على المكان نفسه؛ جراء الصراع بين الفلسطينيين وبين الحركة الصهيونية.
مع تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى، باتت المدرسة إحدى المشروعات المهمة التي يمولها، وبالتالي توّفر الاستقرار المادي من المجلس ساهم في انطلاقة وتطور نشاطات المدرسة فأصدرت بدءًا من تلك الفترة مجلة مميزة.
روضة المعارف التي سرعان ما تحوّلت إلى كلية، استطاعت استقطاب نخبة من المثقفين الفلسطينيين، فأنشأت اللجنة العلمية لتطوير موضوعات العلوم والبحث والكتابة فيها، كما طوّرت لجان أخرى في مختلف المجالات كاللجان الرياضية، لجنة الكشافة، لجنة اللغة الانجليزية، اللجان الصناعية، لكن الكلية لم تستقطب المثقفين فقط لأغراض التدريس، بل استعانت بهم لتتحول إلى مساحة فنية وثقافية حيث شهدت عشرات النشاطات السياسية، الثقافية والفنية المميزة.
في عام 1938 أخلت القوات البريطانية المبنى وسيطرت عليه من أجل استخدامه كنقطة شرطية للسيطرة على الحالة الأمنية داخل المدينة في ظل اشتداد الثورة الفلسطينية، وهو ما اضطر الكلية إلى ترك مبناها التاريخي والذي عملت فيه لأكثر من ثلاثين عام والبحث عن مكان بديل.
كان المكان البديل الذي استأجرته الكلية هو في باب الساهرة، والذي ظلت فيه أكثر من عشر سنوات حتى أعلنت الحكومة عن نيتها ترك المبنى وإعادته إلى ملكية روضة المعارف.
ستكون العودة إلى المبنى القديم عودة مؤقتة، ستندلع المعارك في عام 1948، وسينتهي الانتداب البريطاني عن البلاد، وستخضع القدس الشرقية للسيطرة الأردنية.
فمع اندلاع المعارك سنة 1948 ستقفل المدرسة أبوابها، ولن تعاود الافتتاح، ومع انتهاء مرحلة الانتداب وإعلان السلطات الأردنية ضمها لمنطقة القدس الشرقية ستكون روضة المعارف شيئاً من الماضي، وفي مبناها التاريخي ستنطلق مدرسة جديدة في مسيرتها هي المدرسة العمرية والتي ستعمل في نفس المبنى، لكنها ستتوقف أيضاً عن العمل عام 1967، لتظل مدرسة روضة المعارف كالمدرسة العمرية كالمدرسة الجاولية وغيرها من المدارس التي عملت في نفس المبنى، مادة تاريخية ومساحات ساهمت في تعليم وتثقيف الفلسطينيين على مدار سنين طويلة من التاريخ.