شفي بدايات عام 1920 تأسست أولى المجلات الفلسطينية المميزة تحت عنوان مجلة “دار المعلمين” والتي كانت كجزء من نشاطات دار المعلمين، وهي الكلية التي تأسست برعاية الانتداب لإعداد معلمين ذوي كفاءة يكونون قادرين على النهوض بالمجتمع الفلسطيني بحيث كانت عبارة عن مدرسة ثانوية وفي نفس الوقت كلية للمعلمين. هذا التوجه النهضوي هو الذي قاده وسعى إليه المربي الفلسطيني الكبير خليل السكاكيني، والذي وضع نصب عينيه بناء مستقبل أفضل للفلسطينيين، ولذلك فقد استقطب نخبة المثقفين الفلسطينيين والعرب، وأنشأ مجلة تربوية توعوية وحاول تطبيق أفكاره التربوية عبرها وعبر دار المعلمين.
لكن رغبات السكاكيني اصطدمت بأجندة السلطات الانتدابية التي كانت تسعى لتمرير سياسات، خاصة حالت دون تطبيق أفكاره ما جعله يستقيل ويخلي المنصب للمؤرخ خليل طوطح، وهو ما أدى إلى نشوب خلاف بينهما حول ذلك، حيث لم يرق للسكاكيني أن يقبل طوطح بهذا المنصب لكن طوطح نفسه سيضطر للاستقالة بعدها بثلاث سنوات فقط بسبب ضغط الطلبة، ففي آذار من عام 1925 زار اللورد بلفور القدس مما حذا بطلبة دار المعلمين إلى الاضراب رافضين الدوام، كما أرسلوا إلى أساتذتهم يحثونهم على الاضراب، الأمر الذي حذا بالسلطات إلى فصل المعلمين والأساتذة الذين شاركوا في الاضراب، فجلّ الطلاب والمعلمين المفصولين جام غضبهم على مدير المدرسة خليل طوطح الذي لم ينصارهم مما حول الأمر إلى قضية رأي عام اضطر على إثرها إلى الاستقالة.
أحمد سامح الخالدي: إدارة جديدة، اسم جديد ومبنى جديد
كان أحد سامح الخالدي (1896-1951) أحد أشهر المربين الفلسطينيين في عشرينيات القرن الماضي، وكان حينها مفتشاً عاماً للمعارف وكان يحمل ماجستيرًا تربية. مع وصوله لمنصب مدير دار المعلمين كان أول ما فعله هو تغيير الاسم من دار المعلمين إلى “الكلية العربية” وذلك عام 1926 وهكذا توقفت مجلة “دار المعلمين” عن الصدور تحت هذا العنوان لتصدر بعدها تحت اسم “الكلية العربية”.
ستقفز الكلية في عهد الخالدي قفزات نوعية، ستستقطب مزيداً من النخب الفلسطينية، كما سيقوم الخالدي بالاستفادة من خبرات من سبقوه كالسكاكيني وكوع عبر المؤتمرات والنقاشات التربوية المميزة التي دعا إليها والتي وثقتها المجلة، كما ستفتح المجلة أبوابها لنقاش فكري تربوي عميق ولافت حول أساليب التربية والأنظمة التعليمية والفوارق بين الواقع التعليمي في فلسطين الانتدابية وفي دول وعواصم أخرى حول العالم.
من بين أساتذة الكلية سيكون اسحاق موسى الحسيني، سليم كاتول، مصطفى مراد الدباغ، معروف الرصافي، نقولا زيادة، وصفي عنبتاوي وغيرهم. كما سيكون من التلاميذ المميزين: الروائي جبرا إبراهيم جبرا، المؤرخ عبد اللطيف الطيباوي، المؤرخ عرفان قعوار- شهيد، المؤرخ ناصر الدين الأسد وغيرهم.
عام 1936 سينتقل مبنى الكلية من شارع السلطان سليمان حيث سيصير المبنى القديم مبنىً لمدرسة الرشيدية، في حين ستنتقل الكلية إلى جبل المكبر، لتكمل من هناك رسالتها. تمدنا مجلة هنا القدس بمعلومات وصور جميلة ومميزة حول هذه تاريخ الكلية وصور لنخبة أستاذتها مثل: سليم كاتول واسحق موسى الحسيني وغيرهم.
مع نهاية الأربعينيات كان في الكلية العديد من المختبرات العلمية، الورشات البحثية، مكتبة يزيد عدد كتبها عن 5000 كتاب من أمهات كتب العلوم في مختلف اللغات، حدائق عامة، بساتين وملاعب، والعديد من المرافق التعليمية الحيوية لتكون في هذه المرحلة في ذروة عطائها، ولا يزال حتى اليوم أثر ذلك في الكثير من النخب الفلسطينية والعربية سواء تعلموا بشكل مباشر في الكلية أو تعلموا على يد خريجيها وهو ما يشير إلى أثرها حتى اليوم في المجتمع والثقافة الفلسطينيين.
صورة المقال الرئيسية تعود للأستاذ محمد عبد السلام البرغوثي أثناء درس الهندسة.مجلة هنا القدس، 6 كانون الأول 1942، لقراءة كامل العدد.