اليوم الذي قرر فيه أحمد جمال باشا الانتقام من سكان القدس

صُدم سكان القدس بمشهد إعدام السلطات العثمانية خمسة أشخاص شنقًا، وقد وثّق هذا المشهد مصوّر مقدسي، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصورة أسطورة مقدسية تجمع بين سكان المدينة.

التقطت الصورة )على ما يبدو (بعدسة خليل رعد، الذي حضر إلى ميدان الإعدام قبل إنزال الجثث. تتطرق مصادر مختلفة إلى كيفية انتشار الصورة: يقول البعض إنّه قام ببيعها في دكانه في البلدة القديمة، ويقول آخرون إنها وصلت ليد أقرباء أحد القتلى عن طريق مسؤول سابق في الإدارة العثمانية.

بقلم: شير برام

التقطت الصورة (على ما يبدو ) بعدسة خليل رعد، الذي حضر إلى ميدان الإعدام قبل إنزال الجثث. تتطرق مصادر مختلفة إلى كيفية انتشار الصورة: يقول البعض إنّه قام ببيعها في دكانه في البلدة القديمة، ويقول آخرون إنها وصلت ليد أقرباء أحد القتلى عن طريق مسؤول سابق في الإدارة العثمانية.

تصوير: ياد يتسحاك بن تسفي

 

في شهر حزيران 1916، وجد أحمد جمال باشا، قائد الوحدة العسكرية الرابعة في الجيش العثماني وحاكم لواء دمشق، نفسه أمام معضلة صعبة: فرّ جنود كثر من صفوف الجيش العثماني، الذي كان يعاني من نقص شديد في القوى البشرية. الهجمات العثمانية على قناة السويس باءت بالفشل، وعاد الجنود إلى البلاد مهزومين، مرهقين وجوعى. على غرار مدن كثيرة أخرى في الإمبراطورية العثمانية، امتلأت القدس بعدد كبير من الجنود الذين فروا من الجيش واختفت آثارهم.

أحمد جمال باشا، الحاكم العسكري العثماني في بلاد الشام. تصوير: ياد يتسحاك بن تفسي
أحمد جمال باشا، الحاكم العسكري العثماني في بلاد الشام. أرشيف: ياد يتسحاك بن تسفي.

سميّ الجنود الفارون بـ “الفُرّار” وجاب الشوارع عدد كبير من عناصر الشرطة العسكرية بحثًا عنهم. أما جمال باشا، والذي كان بأمس الحاجة للجنود، فقد أصدر حكمًا بالإعدام على كلّ جندي فار لا يسلّم نفسه، ولكن دون جدوى. لشدة غيظه ووحشيته، قرر تلقين السكان درسًا. أمر رجاله بالقبض على خمسة جنود فارين وإعدامهم في موقع مركزي في المدينة. وبالفعل، تم القبض على خمسة منهم- يهوديْين، مسيحيْين ومسلم واحد- وأعدموا شنقًا في إجراء مسرّع. إليكم قصتهم.

مريض البوسفور

أدى انضمام الامبراطورية العثمانية للحرب العالمية الأولى إلى أزمة اقتصادية صعبة جدًا في جميع أرجاء الإمبراطورية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا في القدس. فقد انهارَ الاقتصاد السياحي المحلي وجُفّف عدد كبير من مصادر التمويل؛ ألحقت سنة القحط ضررًا جسيمًا بمحاصيل المزارعين، وازدادت الأمور سوءًا مع موجة الجراد التي اجتاحت الشرق الأوسط في 1914-1915، ووصلت المدينة المقدسة. التجنيد الإلزامي الذي فرضته السلطات العثمانية تركَ عددًا كبيرًا من العائلات بدون معيل، مما أدى إلى استفحال الفقر والجوع. العديد من السكان المحليين لم يُرسلوا إلى الوحدات القتالية، بل إلى “الكتائب العمالية”- وهي كتائب الأعمال الشاقة في الخدمة العسكرية العثمانية.

 

عرض عسكري للجيش العثماني في باحة القشلة، أسفل برج القلعة (قلعة القدس)، القدس. تصوير: ياد يتسحاك بن تسفي.

المزيج بين الحرب العالمية والأزمة الاقتصادية أدى إلى انخفاض الروح المعنوية وإلى معدلات فرار عالية في صفوف الجيش العثماني في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، بدأت حركات قومية محلية بالتمرد ضد الحكم العثماني ودعم قوات الحلفاء. إنشاء مثل هذه الحركات، مثل فرقة البغالة الصهيونية التي شاركت في حملة غاليبولي، أو حملة الدردنيل، وثورة الحسين بن علي شريف مكة، دفعا بجمال باشا لممارسة العنف الشديد تجاه كلّ ما بدا له تمردًا وعصيانًا. على امتداد العامين 1915-1916، ارتكب أحمد جمال باشا سلسلة من جرائم الحرب، أهمها اضطهاد ممنهج للأرمن، والتي رسّخت صورته كإحدى الشخصيات الأكثر تطرفًا خلال فترة الحرب العالمية الأولى.

الإعدام شنقًا عند باب الخليل

في منتصف عام 1916، بعد أن أُعدم ونُفى الفارين من صفوف الجيش و “الخونة” في جميع أرجاء الشرق الأوسط، حضر أحمد جمال باشا إلى القدس لـمعالجة ظاهرة الفرار من الجيش. صرّح بأنّه سيصدر حكمًا بالإعدام ضد كلّ جندي فار لا يسلّم نفسه حتى نهاية حزيران 1916، وتعهّد بأنّه سيعفو عن جميع الجنود الفارين إذا عادوا إلى قواعدهم، ولكن دون جدوى.  عندما احتدم غيظه، أمر جمال باشا بشنق خمسة فارين سيتم القبض عليهم بشكل عشوائي، لتلقين الآخرين درسًا. اُختير الفارون حسب ديانتهم- يهوديْين، عربيْين مسيحيْين وعربي مسلم واحد.

جمال باشا يخرج إلى المعركة لاحتلال قناة السويس، باب الخليل القدس، 1915. تصوير: ياد يتسحاك بن تسفي.

خلال يوم واحد، تم القبض على خمسة فارين يستوفون المواصفات المطلوبة، وأعدموا شنقًا في الميدان المركزي لمدينة القدس في حينه- في باحة باب الخليل. كان هؤلاء الخمسة إبراهيم قندلفت وموسى سوس المسيحيين، أحمد إلوتسو المسلم، وموشيه ميلل ويوسف أموزيغ اليهوديين (ينبغي الانتباه إلى كون الأسماء مترجمة من اللغة العبرية ويمكن أن تكون مختلفة بالعربية).  سمح للمدانين الخمسة بمحادثة أخيرة مع رجال دين، كل حسب طائفته، ومن ثم شنقوا حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة. علقت على أعناقهم لافتات تصف جرائمهم، وبقيت جثثهم معلقة حتى المساء، ليرسخ في أذهان الناس الدرس القاسي الذي أراد جمال باشا تلقينهم إياه.

انتشر في المدينة خبر إعدام العثمانيين لشخصين يهوديين، وفي اليوم التالي، كُتب الخبر في صحيفة “الحرية”،  حيث اقتبست الطلبات الأخيرة للمتهمين. تفيد المصادر بأنّ أموزيغ اكتفى بشرب القليل من الماء قبل تنفيذ حكم الإعدام؛ بينما طلب ميلل أن تُجبى أموال مستحقة له من مدينيه وإعطاءها لوالدته، وطلب أيضًا إزالة الغطاء عن عينيه ليلقى حتفه بأعين مفتوحة. أضاف المراسل أيضًا إلى أنّ طلبه بإزالة الغطاء عن عينيه رُفضَ للأسف، لأنّه كان مخالفًا للقانون العثماني.

 

صحيفة “الحرية” تنشر نبأ الإعدام شنقًا، 30 حزيران، 1916.

 

إعدام يوسف أموزيغ كان مأساويًا للغاية، فهو لم يكن أصلًا من الفارين من صفوف الجيش. ولد أموزيغ في المغرب، وهاجر مع شقيقته ووالدته حنينة إلى مدينة القدس. سار يوسف على خطى والده، بحيث أصبح خياطًا وأقام ورشة خياطة مشتركة مع أحد السكان المسلمين المحليين في البلدة القديمة في القدس. قصدَ ورشته أثرياء المدينة وعائلات مرموقة مثل النشاشيبي، ويقال أيضًا إنّه كان يحيك الملابس لجمال باشا ورعيته. مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، أغلقت ورشته وجُنّد للجيش. عمل كخياط في قاعدة عسكرية في بئر السبع، وهي المدينة الوحيدة التي أقامها العثمانيون في فلسطين.

ذات يوم، أمره قائده بالعودة إلى القدس ليحيك له بعض البِدل. فتح ورشته وباشر بعمله، إلى أن رآه مخبرو الجيش العثماني وظنّوا أنّه فر من الجيش. تم القبض عليه من قبل عناصر الشرطة العسكرية، واعتقلَ. عندما حاول شرح المهمة التي كلّف بها، واجه صعوبات عديدة، لم يتمكن من التواصل مع قائده، وتأشيرة نقله العسكرية إلى القدس اختفت.  حاولت والدة يوسف إيجاد التأشيرة، ولكن دون جدوى. بعد اعتقاله، سجن يوسف أموزيغ في القشلة (السجن المحلي المجاور لبرج القلعة)، لم يتم إيجاد التأشيرة، وأعدمَ أموزيغ مع الآخرين.

الموروث

في فترة لاحقة، تزوجت ابنة أخ أموزيغ، إستر حروش، من عكيفا أزولاي، والذي شغل منصب نائب رئيس بلدية القدس. كانت إستر من بين القلائل الذين تذكروا القصة، والتي سردت بعدة صيغ متشابهة نسبيًا، مع بعض التفاصيل المختلفة. على مدار سنوات طويلة، اعتاد اليهود السفراديون سرد قصة إعدام أموزيغ وميلل، إلى أن أصبحت حدثًا معروفًا في المدينة. بعد الحادثة بسنوات طويلة، اكتُشف أنّ منفّذ حكم الإعدام كان يهوديًا يُدعى مردخاي ساسون، والذي نفذ أوامر العثمانيين بحزن شديد، ورافق القتلى اليهود إلى مثواهم الأخير.

قرار جمال باشا بإعدام هؤلاء الخمسة حسب انتمائهم الديني كان قرارًا استثنائيًا، نسبةً لسائر أفعاله الوحشية خلال الحرب. عشوائية الاختيار، التنفيذ السريع للحكم وأثره على الجاليات المختلفة في المدينة- جميعها حولت هذا الحدث إلى مَعلم مهم في تاريخ مدينة القدس. بالإضافة إلى نشطاء منظمة نيلي، نعمان بليكند ويوسف ليشنسكي، اللذين أعدما في نفس الفترة بتهمة التجسس.

ترمز هذه القصة إلى حد ما إلى قدسية مدينة القدس للديانات السماوية الثلاث، وكيف تشكّل هذه المدينة ملتقى لأبناء الديانات الثلاث.

 

بسم الله ويا ليت؛ من أغاني حرب أكتوبر

في هذه المقال، نعرض بعضًا من الأغاني المرتبطة بحرب أكتوبر (تشرين)، والّتي خلّدت كل من مشاعر الحماسة، الحزن، الخوف والرّجاء.

لعل حرب أكتوبر عام 1973  كانت من أكثر الحروب الّتي خلّفت ذكرى رمزية ووطنيّة هامّة لكلّ من الإسرائيليين والمصريين والسوريين. فقد عنت هذه الحرب الكثير للمصريّين الّذين رأوا بها ردًا على هزيمة 1967، وفي ذات السياق شكّلت هذه الحرب  ذكرى أليمة للإسرائيليين الّذين وجدوا أنفسهم في خضمّ حرب ضارية مباغتة. ولحدث كهذا أن يخلّف مشاعر ورمزيّة تناقلت إلى الأبناء وما زال الحديث عنها اليوم يثير مشاعر متنوّعة لدي الكثيرين.

نفهم هذه الرّمزيّة مما أنتجته ثقافة هذه الشّعوب من أغانٍ وأفلام وأشعار وكتب. وهي الوسائل الّتي عبّر بها النّاس عمّا يشعرون به ويرغبون بقوله. ولذلك فهي نافذة هامّة على ما عنته هذه الحرب في الحقيقة. وهذا ما تعرضه هذه المقالة بالتحديد؛ بعضًا من الأغاني المرتبطة بحرب أكتوبر (تشرين)، والّتي خلّدت كل من مشاعر الحماسة، الحزن، الخوف والرّجاء.

حرب أكتوبر

بعد أن قامت حرب الاستنزاف الممتدة بين عام 1967 وعام 1970 بإهدار قوى وموارد كثيرة لجميع الأطراف، أعقبت هجومًا غير متوقّع من كلّ من الدّولة المصريّة والسّورية ضد اسرائيل، وذلك لاسترجاع الأراضي التي خسرتها في حرب عام 1967 ولم تتمكّن من استرجاعها عن طريق الحلول الدبلوماسيّة، وهي شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. بدأ الهجوم على الجبهتين وانطلقت المدرعات والأسلحة الاسرائيليّة إلى تلك المناطق للمواجهة. كانت من أهم المحطات في هذه الحرب نجاح القوات المصريّة بعبور قناة السّويس وخط “بارليف” الدّفاعي كما نجحت القوات السّورية باجتياح الجولان، وحدث هذا في ظلّ عدم جهوزيّة من قبل الدولة الإسرائيليّة الّتي كانت تحتفل ب”يوم الغفران”. كان عبور قناة السويس وخط بارليف الحصين بالتحديد عنصرًا مفاجئًا في هذه الحرب. إلا أن القوات الاسرائيليّة تمكنت من استعادة توازنها وصدّ الهجوم في الأيام التّالية. انتهت الحرب بعد اندلاعها بأسبوعين بقرار من مجلس الأمن الدّولي، عقبه اتفاقيّة نزع السلاح عن مناطق معينة ما زالت سارية بين إسرائيل وسوريا إلى اليوم. أما على الطّرف المصريّ فأدت هذه الحرب إلى عقد اتفاقية السلام بين الدّولتين والمعروفة بكامب ديفد عام 1978.

بليغ حمدي – عاش اللي قال وبسم الله

تشير بعض المصادر إلى أن أغنية “بسم الله” الّتي ألّف كلماتها الشاعر عبد الرحيم منصور ولحّنها بليغ حمدي هي أول ما أذاعته الإذاعة المصريّة من أغانٍ مساء أوّل أيام الحرب، في السّادس من أكتوبر بعد أن نجحت القوات المصرية بعبور قناة السّويس. وقد استلهمت كلماتها من كلمات المصريين والجنود الّذين كانوا يكبروا ويقولون “بسم الله الله أكبر”، وتقال هذه العبارة المصريّة للاحتفال بشيء مبهر خوفًا من الحسد، أو للتعبير عن الفرح. ويبدو أن حماسة فريق الإذاعة وسرعة بليغ حمدي دفعت الفريق لاتمامها وبثّها بعد الانتهاء منها فورًا. ولذلك فإن التسجيل الأصلي خالٍ من الغناء الفردي (سولو) وتقوم المجموعة بأكملها بأداء الأغنية الّتي منحتها ألحان بليغ حمدي صخبًا يعبّر عن الاندفاع والفرح الشديد، فيبدو غناء المجموعة كمن يصرخ “الله أكبر” في الشّارع.

للاستماع للأغنية الرجاء الضغط هنا

أما الأغنيّة الثّانية الّتي وضع بها بليغ حمدي بصمة أخرى في الذكرى الوطنية المصرية لهذه الحرب فهي أغنية “عاش اللي قال” الّتي كتب كلماتها الشاعر محمد حمزة وقام بغنائها المطرب عبد الحليم حافظ. تمجّد الأغنية الرئيس السادات بشكل مباشر لاتخاذه قرار الحرب في السادس من أكتوبر فتقول الاغنية “عاش اللي قال الكلمة بحكمة وفي الوقت المناسب، عاش اللي قال لازم نرجع أرضنا من كل غاصب…. عاش اللي للرجال عدوا القنال..عاش اللي حوّل صبرنا حرب ونضال”، ويركّز توزيع الاغنية وتلحينها على كلمة “عاش” الّتي تتكرّر باستمرار، تأكيدًا على هدف الأغنية وهو تمجيد الرئيس السادات.

للاستماع للأغنية الرجاء الضغط هنا

نعومي شيمر – يا ليت

نعومي شيمر، الشّاعرة والملحّنة والمطربة الإسرائيليّة الحائزة على جائزة إسرائيل في الغناء العبري تركت بصمات عديدة في الغناء الإسرائيلي كأغنية “قدس الذهب” و”لو يهي” (يا ليت أو “لو أن ما نتمنّاه يكون”) الّتي شرعت بكتابتها قبل اندلاع الحرب بالهام من اغنية Let it be  لفرقة ذا بيتلز البريطانيّة. إلا أنها في أيام الحرب الأولى أنهت كتابة كلماتها الّتي تُظهر مشاعر القلق وتمنّي عودة الجنود سالمين بالوقت نفسه. قامت شمير بإعطاء الأغنية لحنًا خاص بها وليس منقولًا عن أغنية ذا بيتلز كي تكون أغنية عبرية بالكامل، وقامت بإدائها على تلفزيون اسرائيل بمشاركة فنّانين آخرين. لاحقًا قام العديد من المغنيّين الإسرائيليّين بتسجيل أغنية “لو يهي” الّتي باتت رمزًا من رموز هذه الحرب لدى الاسرائيلييّن.

من كلمات الأغنية :

“ما زال هناك شراعٌ أبيض يلوح في الأفق

وأمامه سحاب أسود ثقيل

لو أن ما نتمنّاه يكون

ولو اهزّت أضواء شموع العيد على نافذة المساء،

لو أنّ ما نتمنّاه يكون”

لسماع الاغنية الرجاء الضغط هنا 

أفلام رام الله: “السّيدة من رام الله”، جولة في خيال حاييم حيفير

هو محامٍ عسكريّ في الجيش الإسرائيلي، هي أرملة من رام الله، يلتقيان في سنوات الحرب في العام 1967، ويقعان بالحبّ. تعرّفوا معنا على قصّة الفيلم.

 

 ملصق الفيلم، المصدر ويكيبيديا
ملصق الفيلم، المصدر ويكيبيديا

 

وجدنا في أرشيف المكتبة الوطنيّة مذكّرة زرقاء تحمل صفحتين، وقد كُتب فيهما مختصر لسيناريو فيلم على يد الشاعر والمؤلّف الاسرائيلي حاييم حيفير كتبها عام 1970، أي بعد ثلاثة أعوام على انقضاء الحرب. الفنّان المعروف والحائز على جائزة إسرائيل للأغنية العبريّة ويُعتبر أحد الأعمدة للذاكرة الفنّية لدى الإسرائيليين. بالإضافة إلى ذلك، فهو أحد مؤسّسي الكتيبة العسكريّة الخاصّة بالبلماح، وكاتب أشهر أغانيها، كما كانت له إسهامات في مجالات فنّية عديدة.

فرقة "تشزباترون" العسكرية الخاصّة بالبلماح في وادي عربة عام 1949، أرشيف المكتبة الوطنيّة
فرقة “تشزباترون” العسكرية الخاصّة بالبلماح في وادي عربة عام 1949، أرشيف المكتبة الوطنيّة

 

ولد حيفير لعائلة في بولندا وهاجر إلى البلاد عام 1936 في سنّ الحادية عشر، في الثّامنة عشر من عمره انضمّ للبلماح وكانت مهمّته المساعدة في إسناد الهجرة غير الشرعيّة لليهود من الحدود الشّماليّة. وخلال عام 1948 قام بتأسيس فرقة الغناء والترفيه الخاصّة بالبلماح والّتي سمّيت “تشزباترون” مستوحية من جهة كلمة تأترون (مسرح بالعبريّة) ومن جهة كلمة “تشذبات” الفلسطينيّة (كذبات) الّتي تصف القصص الخياليّة، فكان المقصد فرقة فنّية تؤدّي حكايات غير واقعيّة. ورغم نجاحه الكبير في مجال الموسيقى والغناء حيث كان يلحّن ويكتب الأغاني، امتلك حيفير كذلك شغفًا في مجالي السينما والمسرح فكتب المسرحيات وسيناريوهات الأفلام.

حيفير مع الرئيس يتسحاك نافون عام 1981، أرشيف المكتبة الوطنيّة
حيفير مع الرئيس يتسحاك نافون عام 1981، أرشيف المكتبة الوطنيّة

 

إليكم ترجمة لمختصر سيناريو الفيلم الّذي كُتب عام 1970 كما وجدناه في أرشيف حيفير الشّخصي المحفوظ في المكتبة الوطنيّة، والّذي تحوّل إلى فيلم لاحقًا باسم “جسر ضيّق جدًا” عام 1985:

“مدينة رام الله ذات البيوت الحجريّة المسقوفة بالأحمر على تلال يهوذا، كانت منتجعًا جبليًا فاخرًا لأمراء السّعوديّة وشيوخ الكويت وكبار رجال الأعمال في عمّان قبل حرب الأيام السّتة. حين اندلعت الحرب هُجرت المطاعم وتعاملت المتاجر بالمساومات، أمّا الطّبقة العليا وبقيّة سكّان المدينة، ممّن لم يعتادو بالطبع على الديمقراطيّة الإسرائيليّة، فقد اتّبعوا قوانين وأنظمة الحكّام العسكرييّن في الضّفة الغربيّة.

الصّفحة الأولى من الكرّاسة، أرشيف حاييم حيفير، المكتبة الوطنيّة.
الصّفحة الأولى من الكرّاسة، أرشيف حاييم حيفير، المكتبة الوطنيّة.

 

بينيامين يتعرّف على ليلى. وبسرعة يبدأ بزيارتها في منزلها، يشرب القهوة في شرفتها المغلقة بالزّجاج. وحيدان في جبال يهوذا، وربّما الوحيدان من حاملي الشهادات من بين مجموعات العرب واليهود الّذين تعاملوا مع بعضهم البعض، ينسجمان فكريًا ويقعان في الحبّ. جميع أصدقائهم، العرب واليهود، لديهم نفس ردة الفعل. أصدقاء ليلى يبدأون بتجاهلها. تقول لهم أنّها تجادل بنيامين في السياسة الإسرائيليّة وتشرح القضيّة العربيّة له. ولا تشعر بأية طريقة أنها تخون شعبها. لكنّ السياسة لا يمكن كذلك أن تؤثّر في مشاعرها نحوه.

أصدقاء بنيامين يعاملونه بحدّة أكبر، مرّة بعد مرّة تُعقد اللقاءات والمؤتمرات بدونه، خوفًا من التّسبب بثغرة أمنيّة. وكي يخفّفوا عن أنفسهم، يسخرون من العلاقة ويصفونها بالنّزوة العابرة.

إلّا أنّ التّعامل الجدّي والمحترم بين المحبّين في تناقض دائم.

لليلى أخ، سليمان، طالب في الجامعة الأردنيّة في عمّان. تصله الأخبار من رام الله بسرعة. ولضعفه يتجاهل مضايقات أصدقائه، ولكن بعد مناوشات مهينة، يعزم على الذّهاب إلى رام الله للدّفاع عن شرف أخته.

الحالة العسكريّة تمنعه من دخول إسرائيل بصورة غير شرعيّة، فينضمّ إلى وحدة إرهابيّة لفتح. يعبرون نهر الأردن ليلًا، لكنّهم يُكتشفون الفجر على يد سلاح المظلّات الإسرائيلي. تنتهي المعركة الجبليّة بجانب البحر الميّت بهزيمة وحدة فتح بينما يحاول سليمان الّذي جُرح في بداية المعركة الهروب ليختبئ في كهف، ينتظر أن يستسلم.

تصل الأخبار لليلى. تحاول زيارة سليمان في المشفى لكنّ السلطات لا تمنحها التّصريح اللازم، خوفًا من أن تنقل رسالة عنه للمجموعات الإرهابيّة في الضّفة الغربيّة. بنيامين كمدّعي عام عسكري هو الشّخص الوحيد المسموح له رؤية سليمان. كلّ منهما يسبّب التّوتر للآخر، والعداء يزداد بقوة أكبر وأكبر. وحين يعلم سليمان أن بنيامين هو عشيق أخته، أي الرجل الّذي لوّث شرف العائلة، تصير كراهيّته فتّاكة.

تمرّ أيام قليلة، وعلى بنيامين الآن أن يقدّم قضيّته. في ذلك الحين كان قد رتّب التّصريح اللازم لليلى كي تزور سليمان. وحين يجلس الأخ والأخت ويتحدّثان، يظهر جليًا أن سليمان اتّخذ مسارًا للعمل. يتفاخر بأعماله البطوليّة في فتح، وينجح في اقناع ليلى بأنه المقاتل المثالي من أجل القضيّة العربيّة، ويريها جروحه بفخر كدليل.

في جلسة المحكمة، بنيامين، المدعي العام، بمهارة يحاول مساعدة سليمان عبر الإيضاح بأن العربيّ الذي عبر الحدود كإرهابي كان يفعل هذا فقط كغطاء كي يتمكّن من الدخول وينتقم لشرف أخته. يحثّ سليمان على الاعتراف “قل الحقيقةّ ألم تأت هنا كي تقتلني؟” سليمان بحيلة ورغبة مكبوتة بالانتقام يرفض الاعتراف بأسبابه الشّخصيّة ويرغب بمجد الشّهادة.

ينجح سليمان. حين تنتهي المحاكمة، يُقاد سليمان مقيّد اليدين بعيدًا لقضاء عشرين عام من عقوبة السّجن. ويتمّ استقبال بنيامين على درجات المحكمة بلافتات تقول “تسقط إسرائيل” و “الاحتلال الإسرائيلي هو احتلال نازي”، “يعيش عبدالناصر” إلخ. يلمح بنيامين ليلى بين الحشود تبكي وتحمل لافتة كُتب عليها “بنيامين فيلدمان يساوي أدولف أيخمان”.

جرت تعديلات كثيرة على هذه المسودة حيث تمّ كتابة السّيناريو النهائي بالتّشارك بين حاييم حيفير ونيسيم ديان، الممثّل الرئيسي في الفيلم. أمّا دور ليلى فقامت بأدائه الممثّلة سلوى نقارة وحصلت على جائزة “ممثّلة العام” لمسرح اسرائيل عام 1985.

جولة في القدس: أبنية وطرق عبر خرائط الانتداب البريطاني

أعدت السلطات الانتدابية في النصف الأول من القرن الـ 20 مجموعة من الخرائط للقدس، اليوم، صارت هذه الخرائط مرجعاً لدراسة الفارق بين الماضي والحاضر.

أعدت السلطات الانتدابية في النصف الأول من القرن العشرين مجموعة من الخرائط المميزة للقدس وكانت، في حينه، لأهداف عملية واضحة، مثل خرائط المواصلات والطرقات وغيرها، اليوم وبعد أكثر من سبعين عاماً على انتهاء الانتداب صارت هذه الخرائط مرجعاً مهماً يمدنا بمعلومات مهمة بحيث توفر لنا هذه الخرائط فرصة مميزة وجميلة للتعرف على القدس في حقبة مميزة ومرحلة مهمة من مراحل تشكلها، إذ تمنحنا القدرة على التجول في الشوارع، التعرف على الحارات والأحياء، الوقوف أمام المباني والبيوت التاريخية ومقاربة الواقع كما كان، ما يمدنا بمعرفة ثمينة حول تطور المدينة، وتجربة شعورية جميلة حول الفارق بين الماضي والحاضر.

 

في أرشيف المكتبة الوطنية الاسرائيلية هناك أكثر من مائتي خارطة تاريخية مميزة للقدس بجودة عالية ومتاحة للاستخدام، والتي أنتجت بين السنوات 1486-1947، بلغات وأشكال مختلفة وتوثق مدينة القدس كما رسمها الجغرافيون، المؤسسات والدول، والتي تكشف جمال المدينة وتفاصيلها المدهشة، وتوثق المراحل المختلفة. هناك من رسم مسلطاً الضوء على التفاصيل المسيحية، هناك من ركز على التفاصيل اليهودية وهناك من اهتم بالتفاصيل والوجود الإسلامي فيها، مئات الخرائط بمختلف اللغات والثقافات لتعكس القدس ببساطة هوية صاحبها لا هوية المدينة ذاتها والتي تعتبر مزيجاً جميلاً ومميزاً من الهويات والثقافات توفر لكل زائر مقصده.

 

جولة في القدس:

عام 1924 قامت مصلحة المساحة العمومية في مصر بإنتاج خارطة للقدس، لأن الانتداب لم يكن قد شكل هيئة للمساحة في القدس بعد، وبالتالي قامت المصلحة المصرية بفعل ذلك وكان هدف الخارطة التعريف بشوارع القدس والمباني الهامة في المدينة.

 

خارطة شوارع القدس، مصلحة المساحة العمومية في مصر. مجموعة عيران لَئور للخرائط، المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
خارطة شوارع القدس، مصلحة المساحة العمومية في مصر. مجموعة عيران لَئور للخرائط، المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

 

يوضح لنا هذا الجانب من الخريطة الكثير من المواقع الرئيسية في القدس من أبواب المدخل القديمة، الكنائس والمساجد، والمؤسسات الرسمية كالبلدية ودائرة البريد. كما يظهر أسماء العديد من الشوارع؛ بعضها لا يزال يحمل نفس الاسم كشارع السلطان سليمان وبعضها تغيرت كطريق بردويل الأول.

يظهر في الصورة أقصى اليمين مباني الجامعة العبرية والتي كانت قد بنيت وتنتظر اطلاقها حيث ستفتتح سنة واحدة بعد هذه الخريطة عام 1925، كما يظهر أن مستشفى هداسا ليس بجانبها، بل بجوار المسكوبية (السجن المركزي) وإلى يسار دار المهاجرة، في حين يظهر اسم المكتبة العبرية، وهو الاسم السابق للمكتبة الوطنية الاسرائيلية حيث يظهر مبناها حين كان المقر بجانب مسجد النبي عكاشة.

إن جولة في الخريطة توفر إطلالة مدهشة على القدس في بداية الانتداب البريطاني كما لا يمكن أن يوفر أي مصدر تاريخي آخر من تلك الفترة.

جولة في المسجد الأقصى:

عند التجول في البلدة القديمة، حتماً، لا بد من المرور بالمسجد الأقصى والتعرّف على معالمه من مصليات، بوائك، قباب وأبواب. في الخريطة المرفقة أدناه، الجاري مسحها في العام 1942، بينما صدرت في العام 1944 من دائرة مسح فلسطين، تبين معالم وساحات المسجد الأقصى بدقة وتفصيل وباللغة العربية أيضاً. تم الحصول على مسح بعض المباني من مسح سابق من العام 1865. وتم تأطير الخريطة بإطار زخرفي يحاكي إطار حائط الجزء الجنوبي للمسجد الأقصى.

 الحرم الشريف، خرائط مسح فلسطين، 1944، مجموعة عيران لئور، المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

الحرم الشريف، خرائط مسح فلسطين، 1944، مجموعة عيران لئور، المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

 

 

جولة خارج القدس:

وفي حال أردتم التجول خارج القدس، فإن خارطة فلسطين للسيارات توفر فرصة فريدة من نوعها، فالخريطة التي أعدت عام 1934 بإشراف مدير المساحة في فلسطين تحوي معلومات هامة عن الشوارع الهامة في المدن الرئيسية كيافا وحيفا والقدس، كما تحوي جدول المسافات بين كل مدينة ومدينة، وبين مدن البلاد ومدن الأردن ومصر وسوريا ولبنان.

خارطة شوارع القدس عام 1934، مجموعة عيران لئور، المكتبة الوطنية الإسرائيلية
خارطة شوارع القدس عام 1934، مجموعة عيران لئور، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

إن التمعن في الخارطة أعلاه، يوضح الكثير من التفاصيل حول المواصلات في الحقبة الانتدابية، حيث تشير الخطوط الحمراء لشوارع سيارات جيدة، في حين أنّ الخطوط السوداء المتقطعة تشير إلى شوارع بحالة سيئة، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن المواصلات كانت سهلة ومتاحة بين المدن الرئيسية في حين أن غالبية شوارع القرى لا تصلح للسفر.

كما توضح الخارطة شوارع السيارات وطرق القطارات (الحمراء المتقطعة) وهو ما يعد مدخلاً جيداً ليس فقط لدراسات المواصلات، بل لدراسة تنقلات الفلسطينيين في فترة الانتداب والتي لا بد أن تتلائم بحسب خطوط المواصلات، فالقرى التي كانت يمر من جانبها خطوط مواصلات جيدة، كان يمكن لأبنائها أن يسافروا نحو المدينة للعمل وهو موضوع يستحق البحث على ضوء خرائط مميزة مثل هذه.

إن الخارطة أعلاه بموازاة خارطة الشوارع في القدس وخرائط أخرى، تمكننا من السفر عبر الزمن وتعلم المساحات والأماكن مجدداً وهو مساحة تستحق البحث والتأمل.

الخرائط السابقة برزت في فترة الانتداب البريطاني على البلاد فيما يعرف بـ خرائط مسح فلسطين Survey of Palestine، منها ما أعيد إنتاجه عن الفترة العثمانية، ومنها ما تم إنتاجه وابتكاره لدراسات استعمارية في مجال الثقافة والعمران والبنى التحتية.