المحرقة المنسيّة في مراسم الحداد الدينيّة

ما العلاقة القائمة حاليًا بين تذكّر المحرقة النازيّة في المجتمع اليهودي وبين المراسم الدينيّة التقليديّة المتبعة؟

مراسم الحداد في ذكرى خراب الهيكل التاسع من آب، أرشيف دان هداني

مترجم بتصرّف عن مقالة رأي لـ: يويل رافيل

تقام ذكرى خراب الهيكل المقدس في اليهوديّة والمعروفة بذكرى التاسع من آب من خلال صيام يوم كامل واقامة مراسم الحداد على تدمير هيكل سليمان وهيكل هيرودس. يستغرق الصيام 25 ساعة كاملة يحظر فيها الاكل والشرب وأي عمل من المتعة، وخلال هذا اليوم يدأب الجميع على الالتزام بمظاهر الحزن والتواضع في الملبس، ويتلى في صباح اليوم التالي مرثيّة ترتل بلحن حزين تدعى “كينوت” أي حداد.

في عام 1984 وافق خمسة من كبار رجال الدين اليهود في الولايات المتحدة على أن يتم الحداد على أرواح أشخاص  فقدوا في أحداث اوروبية، وأصدروا بيانا لإعلان ذلك “رأينا أنه من المناسب قبول ما نصح به كثر طيّبون، وهو أن نتذكر وننتحب في يوم التاسع من آب، ذلك اليوم الذي كتب فيه البكاء علينا لأجيال، أن ننتحب فيه أيضًا على قديسي أوروبا، أن نندب علنًا ونسكب الدموع على خسارة ستمائة ألف إسرائيلي سقطوا على أيدي الأشرار الملعونين”.

سمح هذا المقتطف من خطاب موافقة الحاخامات منذ تسعة وثلاثين عامًا بإضافة تقليد إلى مراسم الحداد، وهي ترانيم النعي والرثاء المعتادة في صوم التاسع من آب. وقد عبّر اتفاقهم هذا عن منعطف في تشكيل ذاكرة المحرقة في المجتمع الديني بكافة أشكاله. وكان من الممكن أن يفضي ذلك المنعطف لإضافة مراثي مكتوبة خصيًصا لإحياء ذكرى ستة ملايين يهودي تمت إبادتهم في المحرقة خلال مراثي التاسع من آب بشكل ثابت يبقى عبر الأجيال، إلا أنه من المؤسف أنه حتى اليوم وبعد قبول، لم يتم قبول هذا الاتفاق الشرعي باعتباره اتفاقا جماهيريًا.

في كل عام يتساءل الإسرائيليون في ذكرى المحرقة والبطولة، كيف ستتذكر الأجيال القادمة المحرقة؟ ومع تناقص عدد الناجين من بيننا كل عام فإن السؤال يشتد أكثر وأكثر، فسيأتي وقت لن يكون فيه شهود على المحرقة.

صدرت عام 2007 عن مطبعة جامعة بار إيلان بالتعاون مع كلية أورشليم مجموعة اولى ومرتبة من “مراثي المحرقة”. جمعت جميع المرثيات بعد المحرقة من حاخامات ومؤلفين ومبدعين دينيين كثر، وكذلك غير متدينين، مع أن معظمهم بالتأكيد ينتمون للتيار الديني القومي. قصائد شخصيّة وملهمة كتبها اشخاص معروفين إما لرثاء أشخاص عرفوهم وإما بصدق كلماتهم الخاصّة والنادرة وعلى فترات زمانية مختلفة، مبدعون يشار إليهم بالبنان من حاخام ووفيلسوف وشاعر. بينما في ترتيب صلاة يوم المحرقة المعتمد للحركة التقليديّة فقد تم تضمين رثاء بعنوان “انظر من السماء” لكاتب هويته غير معروفة.

 

غلاف مرثيات المحرقة
غلاف مرثيات المحرقة

بالرغم من هذا، تم استبعاد المرثيات التي كتبت بأسلوب العصور الوسطى من ترتيب الصلاوات في معظم المجتمعات. ولذلك فإن السؤال يطرح نفسه، من الذي عارض دمج مرثيات الحداد على أرواح المفقدوين في المحرقة من ترتيب ذكرى خراب الهيكل أو التاسع من آب، وهو يوم الحداد الأكبر في اليهوديّة؟ لماذا كانت هناك ولا تزال مقاومة شرسة من قبل المجتمع المتشدد لإضفاء معنى حديث مضاف لذكرى التاسع من آب؟ وحتى يمكننا أن نسأل، لماذا لم يتبنّ الجمهور الديني القومي، وحتّى المتشددون منهم، عادة حداد ورثاء لضحايا المحرقة حتّى في اليوم المعتمد حاليًا لإحياء ذكراهم؟

يشير الحاخام ياوز كيست إلى عدّة أسباب لذلك. في رأيه، والكاتب يتفق معه، لا توجد اليوم هيئة دينيّة تملك السلطة التي تخوّلها للتعامل مع المسائل الروحيّة المحيطة بالمحرقة. فمن يحقّ له أن يؤلّف صلاة رثاء حول موضوع المحرقة ليتم تضمينه في ترتيب الصلاة المعتمد؟ بالإضافة الى ذلك، هل يمكن أن تثير المحرقة أسئلة حول مسألة الإيمان بحد ذاتها؟

يحوم النقاش هنا حول سؤال يزعج في الحقيقة كل يهودي مؤمن، وحتى هؤلاء الذين لا يتبعون الفرائض لكنهم يهود، أين كان إله إسرائيل في المحرقة؟ وهو السؤال الذي يجب أن يتجلى كاملًا في الحداد على ضحايا المحرقة. ولكن نتساءل يضًا، ألا يحضر هذا السؤال أيضًا فيما يتعلّق بخراب الهيكل وحدادنا عليه؟ يؤمن كثر ان أحداث خراب الهيكل كانت أقل كارثيّة للشعب اليهودي من المحرقة. وها هو خراب الهيكل يتصدّر مراسم الحداد والصلاة، وتبقى المحرقة مستبعدة عن مراسيم دور العبادة.

الباحثة “غيرترود بيل” الّتي أشارت على بريطانيا بمنح الاستقلال للعراق

إن كان أبراهام شالوم يهودا وغيرترود بيل قد التقيا مرّة واحدة ولم يُعجبا ببعضهم البعض، فكيف وصلت مخطوطتها إلى أيدي يهودا؟

غيرترود بيل

غيرترود بيل

تُرجِم عن: راحيل غولبيرغ

كانت غيرترود بيل (1868-1926) امرأة رائدة، وُلدت لعائلة صناعيين أثرياء، ونشأت في حياة سهلة ورغدة، وكان من المتوقع أن ينتهي بها المطاف بالزواج وإقامة عائلة، وهذه حياة لم ترغب بها. برزت كفتاة ذكيّة منذ الصّغر، وخلال عامين أتمت دراسة البكالوريوس في التاريخ الحديث من جامعة أكسفورد. حين بلغت 24 عامًا، خرجت لزيارة عمّها الذي كان سفيرًا لبريطانيا في طهران، وقد غرست بها هذه الزيارة حبا كبيرًا للشرق الأوسط، وعادت إليه مرة عديدة ومكثت فيه لفترات طويلة.

نشرت غيرترود بيل عددًا من الكتب؛ الأول نُشِر عام 1894 عن مغامراتها وتجاربها في زيارتها الأولى لطهران وأسمته “سفرنامه” أي كتاب سفر، مستلهمة الاسم من عناوين فارسيّة كلاسيكيّة مثل “شاهنامه” (كتاب الملوك). في عام 1897، نشرت ترجمة إنجليزيّة لديوان حافظ، وهو ديوان شعر فارسي كلاسيكي، وكتب أخرى كتبت بها عن تجاربها وأبحاثها في الشرق الأوسط.

من المثير للاهتمام، أن بيل لم تكتب قطّ عن رحلتها الطويلة والخطرة في منطقة “حائل” في شبه الجزيرة العربيّة، منطقة حائل الصحراويّة المعروفة بصعوبة الترحال فيها، كانت بيل ثاني امرأة على الاطلاق تعبرها. ساعد بيل في رحلتها تمكنها من ركوب الخيل، وبالرغم من ابتعادها عن حياة الرغد التي ولدت بها، فقد عُرِف عن بيل في رحلاتها تزودها دومًا بطقم الخزف الصيني من صناعة “ويدجوود” وصابون من عطر الخزامى.

بعكس المتبع في زمانها، سافرت غيرترود وحيدة، وتتساءل الباحثة جوزافين كام التي كتبت سيرة قصيرة لبيل، لو كانت بيل قد تزوجت من حبيبها الأول هينري كدوغن الذي توفي من التهاب الرئتين، هل كانت ستستمر في حياة الترحال الخطر في بلاد غريبة؟

بفضل معرفتها الواسعة في التاريخ والجغرافيا والسياسة، تحولت غيرترود بيل إلى شخصية مركزيّة في صراع بريطانيا خلال الحرب العالميّة الأولى وما بعدها من أحداث دارت في الشرق الأوسط. كانت كذلك من الشخصيات الهامة التي حضرت مؤتمر القاهرة، الذي دعى إليه وزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرتشل عام 1921.

 

مؤتمر القاهرة، تظهر على يسار الصورة غيرترود بيل، وإلى جانبها ساسون حزقيل أول وزير مالية للعراق. مصدر الصورة ويكيبيديا.
مؤتمر القاهرة، تظهر على يسار الصورة غيرترود بيل، وإلى جانبها ساسون حزقيل أول وزير مالية للعراق. مصدر الصورة ويكيبيديا.

 

يبرز حضور بيل في الصورة كامرأة وحيدة بين عشرات الرجال المشاركين في المؤتمر، لم تُدعى بيل إلى المؤتمر كـ “زينة” ولكن لمنصبها كمستشارة للمندوب السامي البريطاني حينها في العراق. كان الهدف من مؤتمر القاهرة هو معالجة الوعود المتناقضة التي بثتها كل من بريطانيا وفرنسا فيما يخص الأقاليم العربيّة خلال الحرب العالميّة الأولى. قدّم السير بيرسي كوكس المندوب السامي مع غيرترود بيل أمام المؤتمر مخططهم للعراق، والتي اعتمدت على معرفة بيل بالقبائل المختلفة ورؤيتها للعراق. وكجزء من استنتاجات المؤتمر، عملت على مساعدة الملك فيصل الأول من السلالة الهاشمية ليعتلي عرش العراق ويصبح ملكها.

بعد إقامة دولة العراق الحديثة، عادت بيل إلى حبها الأول نحو الآثار؛ إذ أقامت المتحف القومي في العراق وساعدت في تأسيس القانون الذي ينص على أن الآثار التي وجدت في مكان معيّن يجب أن تبقى في الأرض التي استخرجت منها.

توفيت غرترود بيل في العراق في تموز 1926 جراء تناول جرعة زائدة من الحبوب المنوّمة. لم يتضّح إن كان هذا انتحارًا أو خطأ بتقدير مفعول الدواء. فمن جهة، لا تشير رسائل بيل إلى زوجة أبيها إلى أي نيّة انتحاريّة، ومن جهة أخرى فقد طلبت بيل من أصدقائها الاعتناء بحيواناتها الأليفة إذا ما أصابها ضرر.

في مجموعات المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة، وجد مجموعة شعر فارسي أهديَت إلى غيرترود بيل، المرأة الغنية عن التعريف في تاريخ الشرق الأوسط في ذلك الوقت،في عام 1921. وصل الكتاب إلى المكتبة الوطنية الإسرائيليّة عن طريق أبراهام شالوم يهودا، وهو مقتني مخطوطات معروف، أهدى مجموعته وأرشيفه الشّخصي إلى المكتبة الوطنيّة في العام 1951. تحتوي مجموعة يهودا على آلاف المخطوطات الإسلاميّة في مواضيع تغطّي كافة مجالات المعرفة الإساسيّة في الثّقافة الإسلاميّة: القرآن، الحديث، الفقه والشريعة الإسلاميّة والعلوم. تحتوي المجموعة أيضًا على كتب السعاوي المسيحيّة وكتابات اسحاق نيوتن اللاهوتيّة.

للمزيد حول مواد علوم الدين الإسلامي

 

كيف وصل الكتاب المهدى إلى غيرترود بيل إلى شالوم يهودا ومن ثمّ إلى المكتبة الوطنيّة؟
رسائل بيل ومذكراتها موجودة في أرشيف غيرترود بيل في جامعة نيوكاسل والذي تبرعت به زوجة أبيها. عند البحث في الأرشيف، يظهر أن سبل غيرترود بيل وأبراهام يهودا تقاطعت في عام 1902 على متن باخرة “كليوباترا” التي أبحرت من إزمير إلى مدينة حيفا. كان يهودا بصحبة أمريكيّين تعرّفت إليهم بيل أيضًا. وفي رسالة لزوجة أبيها وصفت بيل يهودا بأوصاف غير محبّبة. ولذلك، فإن السؤال يصبح أكثر غموضًا وإثارة للاهتمام: إن كان أبراهام شالوم يهودا وغيرترود بيل قد التقيا مرّة واحدة ولم يُعجبا ببعضهم البعض، فكيف وصلت مخطوطتها إلى أيدي يهودا؟

تراتيل وصلوات السبت وألحانها المتنوّعة

ماذا تعرفون عن المتعة الفنية في تراتيل السبت وعن العادات العريقة التي تُمارس داخل البيوت اليهوديّة المحافظة ودور العبادة؟ تعرفوا في هذه المقالة على بعض العادات المرتبطة بالسبت اليهودي.

مخطوطة ترتيب صلاة السبت، 1905، مجموعات مخطوطات المكتبة الوطنية

مخطوطة ترتيب صلاة السبت، 1905، مجموعات مخطوطات المكتبة الوطنية

يوم السبت هو اليوم المقدّس للديانة اليهوديّة عبر التّاريخ، وتعتبر إقامة شعائره من فرائض الديانة، وذلك لأنها مدرجة ضمن الوصايا العشر. وأصلها مستمدّ من القصّة التوراتيّة حول خلق العالم، اذ تقول القصة ان الخالق خلق الكون كله في ستة ايام واستراح فيه في اليوم السّابع. “وبارك الله اليوم السابع وقدّسه لأنه فيه استراح من جميع الّذي عمر” (التكوين،2،3). أصبحت هذه الكلمات مادّة للتراتيل المنغّمة والمتنوّعة، والّتي تتوزّع على عدد من التراتيل المرتبطة بتقاليد السبت، منها صلاة استقبال ليلة السبت، وصلاة الصّباح ومباركة الطّعام.

حافظ اليهود في مختلف أماكن تواجدهم عبر العصور على هذه الشعائر، وطوّروا تقاليد إضافيّة مرتبطة بها، ممّا يجعل النّظر في أرشيفها أمر غاية في الفضول، وذلك لتنوّعها الواسع والمتعدد الثقافات.

في التسجيلات الصّوتية وحدها، يمكن إيجاد عشرات التّراتيل المؤّداة بحسب أصول فنون موسيقيّة متعددة الأصول والثّقافات.

تجدون هنا تسجيل للمؤدّي الشّهير يتسحاك افوهاف، وبه يتلو صلاة تقديس ليلة السّبت.

كلمات الصلاة من الاصحاح الثاني في سفر التكوين:

اليوم السادس. أُكملت السماوات والأرض وكل جندها.

 وفرع الله في اليوم السابع من خلقه الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من كل عمله الذي عمل.

وبارك الرب اليوم السابع وقدسه. لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمله الله خالقًا.

بدون موسيقى، يستطيع المؤدي بصوته فقط أن يحكي العبارات التوراتية كما لو كانت قصّة، يبدأ بنغمة منخفضة ومحايدة، كما لو أنه يهيئ المستمع لبداية قصّة ما، ثمّ يرتفع، ويستطيع المستمع العربي هنا تمييز المقامات الشّرقيّة في الاداء وينتقل المؤدّي بين الانغام المرتفعة والمنخفضة ببراعة، ممّا يضيف بعد درامي إلى الصّلاة.

يتميّز الأداء السفاردي المذكور بالبطء والرّوحانيّة والارتباط بمعاني الكلمات، فهو يرتفع ويؤدي عُرَب مميزة عند الحديث عن القداسة أو السّماء، ويعتمد على الاحساس والارتجال اللحظي، أي أنه غير مرتبط بنغمة محفوظة ومتكرّرة، ولكن يتحرك بين مقامي النهاوند والكرد ويؤدي نغمات مبتكرة.

بالمقابل، يعتمد الأداء الفرنسي لميشيل هايمن لصلاة السبت الصباحيّة على مجموعة من النغمات المتنوّعة والمتكرّرة مرّة بعد أخرى، ويتميّز أداؤه بالسّرعة وكأنه يحفظه، كما يبدو الّلحن معدّ للأداء الجماعي. استمعوا إليه هنا.

وبمناسبة الحديث عن الأداء الجماعي، إليكم فيديو من إحياء عائلة هنجارية لتراتيل السبت معًا في عام 2010، وبها أيضًا يظهر الأداء السريع (مقارنة بالأداء السفاردي)، والمحفوظ مسبقًا. يمكنكم مشاهدة الفيديو هنا.

ومع ذلك، يجب الحذر من عدم التعميم، فليس كل التراتيل المشرقيّة مرتجلة، انظروا على سبيل المثال إلى صلاة تقديس ليلة السبت بنسخة يهود بابل من أداء الحاخام دافيد حلبي، وبها يظهر الجزئين، الفردي والمرتجل والجماعي المحفوظ مسبقًا. للاستماع.

يبدأ يوم السّبت عند اقتراب ساعة الغروب من يوم الجمعة، ويستمرّ إلى ان تظهر النجوم في ليلة اليوم التالي (السبت). ولذلك تتغيّر مواعيد السبت خلال السّنة بحسب مواقيت غروب الشّمس. وخلال السبت، يتم تكريمه وإحياؤه من خلال وصايا وفرائض وعادات ثقافيّة متنوّعة، منها: إنارة الشّموع وأكل ثلاثة وجبات مخصّصة ليوم السّبت، ولجميعها صلوات تتلى على الخبز وعلى النبيذ، بالإضافة إلى ترتيل أغاني السّبت والصلوات الخاصّة بيوم السّبت.

للاطلاع على جميع التسجيلات الصّوتيّة المتعلّقة بفرائض يوم السّبت، يمكنكم تصفّح هذا الرابط على رحاب “فهرس موقع المكتبة”

جولة في بيت “يهودي ثريّ” في دمشق القرن التاسع عشر

على موقع المكتبة الوطنية الاسرائيليّ بطاقة بريديّة تعود لمطلع القرن العشرين عليها صورة لبيت لنيادو في دمشق، وعلى ظهرها مسجل المكان "بيت عتيق – دمشق حارة الإسرائيليين" (بمعنى حارة اليهود).

بيت لنيادو، 1900-1930، مجموعة على اسم يوسف ومارغريث هوفمان، الجامعة العبرية في القدس، مركز دراسات الفلوكلور، المكتبة الوطنية

بيت لنيادو، 1900-1930، مجموعة على اسم يوسف ومارغريث هوفمان، الجامعة العبرية في القدس، مركز دراسات الفلوكلور، المكتبة الوطنية الاسرائيليّة.

لعل العبارة “حارة اليهود” تتردد كثيرًا في المدن والعواصم العربية الكبرى للشرق الأوسط، منها بلا شك القاهرة والقدس ودمشق. في هذه المدن العريقة بيوت يهودية جميلة وتراثية، حافظت على هويتها اليهودية من جهة وعلى ارتباطها بالثقافة المادية العربية والإسلاميّة. فبدت تلك البيوت مثل أي بيت آخر قد تجده في المدينة، الا انك حين تمعن النظر في الزخرفات الجميلة، تجد كلمة عبرية هنا، ونجمة سداسية هناك. فتعرف ان هذا البيت بني لعائلة يهودية عاشت فيه بأمان وازدهار.


طالعوا على موقع المكتبة: مدن تاريخية مصوّرة

من هذه البيوت بيت كبير وجميل في دمشق يُعرف ببيت لنيادو أو نيادو الأسطنبولي. نحن محظوظون لرؤية هذا البيت، فلحسن الحظ قام عدد من المصورين الأوروبيين الذين جابوا المنطقة خلال أواخر القرن التاسع عشر بتصوير البيت وتوثيقه. مما يتيح لنا الفرصة اليوم لرؤية جمال هذا البيت وفرادته، مع أنه ليس الوحيد من نوعه في حارة اليهود الدمشقية.

على موقع المكتبة الوطنية، يوجد بطاقة بريديّة تعود لمطلع القرن العشرين عليها صورة لبيت لنيادو في دمشق، وعلى ظهرها مسجل المكان “بيت عتيق – دمشق حارة الإسرائيليين” (بمعنى حارة اليهود).جاءت العائلة المالكة لهذا البيت بالاصل “ليفي” من القسطنطينية، وبنت هذا البيت في أواخر القرن الثامن عشر على الطراز الدمشقي الفاخر، وبقي اسم البيت منسوب إلى يومنا هذا للاسم الاسطنبولي كإشارة لعائلة ليفي، رغم أن ملاكه تغيّروا في أواخر القرن التاسع عشر.

 

بيت لنيادو، 1900-1930، مجموعة على اسم يوسف ومارغريث هوفمان، الجامعة العبرية في القدس، مركز دراسات الفلوكلور، المكتبة الوطنية.
بيت لنيادو، 1900-1930، مجموعة على اسم يوسف ومارغريث هوفمان، الجامعة العبرية في القدس، مركز دراسات الفلوكلور، المكتبة الوطنية.

 

يتكوّن البيت من طابقين وتظهر به جميع مميزّات البيت الدمشقي التقليدي والساحر، الصحن المركزي الداخلي المبلّط والذي تتوسطه نافورة للمياه وأشجار مظلّلة، الجدران، واستخدام فنّ الأبلق (تقاطع الرخام الأبيض مع الأسود) بتزيين الجدران السفليّة، كما وللواجهة الداخلية إيوان كبير ومزيّنة واجهته بأشكال النباتات الملوّنة والفسيفساء، واذا اقتربتم من الصورة جيدًا، تجدون النجمة السداسية على يمين ويسار الإيوان.


طالعوا أيضاً:
مصادر رقمية متنوّعة ومتاحة حول مدينة دمشق ضمن مجموعات المكتبة

في وسط الصحن تواجدت نافورة مياه كما هو متبّع في البيوت المبنية بهذا النمط والتي ميّزت مدينة دمشق الغنية معماريًا. إلا أن النافورة لا تظهر في هذه الصّورة لأنها مغطاة بشجرة تحجب عنها العدسة التي التقطتها. (اسم المصوّر غير وارد على البطاقة البريديّة)، إلّا أن هذه المعلومة، أي وجود النافورة، ليست أكيدة لأن هذه هي طبيعة البيوت الدمشقية مثل هذه وحسب، ولكن لأن بيت الأستانبولي كما قلنا سابقًا موثّقًا بشكل جيد بعدسة عدد من المصّورين. من هؤلاء المصوّر بونفيس الذي التقط صورًا عديدة وأكثر قربًا للبيت تجدون بعضها في هذه المقالة على مدونة التراث الدمشقي بالإضافة الى شرح اكثر توسّعًا عن الفنون والأساليب المتبعة ببناء هذا البيت وتزيينه ليظهر بهذا الشكل الساحر.

في مجموعة بن تسفي المتاحة على موقع المكتبة الوطنية كذلك نجد صورة أخرى، ليس عليها ما يدل على انها التقطت في بيت الأستانبولي بالضرورة، إلا أن من التقطها هو بونفيلس نفسه خلال زيارته لدمشق، وقد عنونت كالتالي “غرفة من داخل بيت يهودي ثريّ في دمشق”.

 

 

في الصورة نجد غرفة مبهرة، ومن شدّة العناية بتفاصيلها وبجمالها، يخيّل لنا أنها بُنيت وصُممت لا للاستخدام إنما فقط للمتعة البصريّة وكأنها متحف، إلا أننا سريعاً ما نلاحظ أن المساحات الخشبيّة المزخرفة بحرفيّة عالية على الجدران إنما هي خزائن! وإن هناك مقاعد فاخرة على أطراف الغرفة تشير إلى استخدامها للقاءات جماعيّة.

إن النجم الكبير للصورة هي النافورة الرخامية الفاخرة في وسط الغرفة، والتي تذكّرنا فورًا بـ “بهو الأسود” الشهير في قصر الحمراء في غرناطة، فالنافورة تجلس على رؤوس ستّة أسود منحوتة من الرخام أو الصخر بعناية مبهرة، دلالة ربّما على ثراء ونفوذ صاحب البيت أمام ضيوفه وزوّاره المهمّين من أقرانه الأثرياء.

لسنا متأكدين بالطبع إن كانت الصورة من داخل بيت الأستانبولي بالفعل، فجودة الصورة للأسف متدنية عما هو الحال ببقية الصور المعروفة التي التقطتها عدسة بونفيس في ذلك البيت خلال زيارته، إلا أنه من الوارد أن تكون يد بونفليس قد ارتجفت خلال التقاطها، فما رأيكم؟ هل تعرفون عن صور أخرى لهذا البيت؟