مترجم بتصرّف عن مقالة رأي لـ: يويل رافيل
تقام ذكرى خراب الهيكل المقدس في اليهوديّة والمعروفة بذكرى التاسع من آب من خلال صيام يوم كامل واقامة مراسم الحداد على تدمير هيكل سليمان وهيكل هيرودس. يستغرق الصيام 25 ساعة كاملة يحظر فيها الاكل والشرب وأي عمل من المتعة، وخلال هذا اليوم يدأب الجميع على الالتزام بمظاهر الحزن والتواضع في الملبس، ويتلى في صباح اليوم التالي مرثيّة ترتل بلحن حزين تدعى “كينوت” أي حداد.
في عام 1984 وافق خمسة من كبار رجال الدين اليهود في الولايات المتحدة على أن يتم الحداد على أرواح أشخاص فقدوا في أحداث اوروبية، وأصدروا بيانا لإعلان ذلك “رأينا أنه من المناسب قبول ما نصح به كثر طيّبون، وهو أن نتذكر وننتحب في يوم التاسع من آب، ذلك اليوم الذي كتب فيه البكاء علينا لأجيال، أن ننتحب فيه أيضًا على قديسي أوروبا، أن نندب علنًا ونسكب الدموع على خسارة ستمائة ألف إسرائيلي سقطوا على أيدي الأشرار الملعونين”.
سمح هذا المقتطف من خطاب موافقة الحاخامات منذ تسعة وثلاثين عامًا بإضافة تقليد إلى مراسم الحداد، وهي ترانيم النعي والرثاء المعتادة في صوم التاسع من آب. وقد عبّر اتفاقهم هذا عن منعطف في تشكيل ذاكرة المحرقة في المجتمع الديني بكافة أشكاله. وكان من الممكن أن يفضي ذلك المنعطف لإضافة مراثي مكتوبة خصيًصا لإحياء ذكرى ستة ملايين يهودي تمت إبادتهم في المحرقة خلال مراثي التاسع من آب بشكل ثابت يبقى عبر الأجيال، إلا أنه من المؤسف أنه حتى اليوم وبعد قبول، لم يتم قبول هذا الاتفاق الشرعي باعتباره اتفاقا جماهيريًا.
في كل عام يتساءل الإسرائيليون في ذكرى المحرقة والبطولة، كيف ستتذكر الأجيال القادمة المحرقة؟ ومع تناقص عدد الناجين من بيننا كل عام فإن السؤال يشتد أكثر وأكثر، فسيأتي وقت لن يكون فيه شهود على المحرقة.
صدرت عام 2007 عن مطبعة جامعة بار إيلان بالتعاون مع كلية أورشليم مجموعة اولى ومرتبة من “مراثي المحرقة”. جمعت جميع المرثيات بعد المحرقة من حاخامات ومؤلفين ومبدعين دينيين كثر، وكذلك غير متدينين، مع أن معظمهم بالتأكيد ينتمون للتيار الديني القومي. قصائد شخصيّة وملهمة كتبها اشخاص معروفين إما لرثاء أشخاص عرفوهم وإما بصدق كلماتهم الخاصّة والنادرة وعلى فترات زمانية مختلفة، مبدعون يشار إليهم بالبنان من حاخام ووفيلسوف وشاعر. بينما في ترتيب صلاة يوم المحرقة المعتمد للحركة التقليديّة فقد تم تضمين رثاء بعنوان “انظر من السماء” لكاتب هويته غير معروفة.
بالرغم من هذا، تم استبعاد المرثيات التي كتبت بأسلوب العصور الوسطى من ترتيب الصلاوات في معظم المجتمعات. ولذلك فإن السؤال يطرح نفسه، من الذي عارض دمج مرثيات الحداد على أرواح المفقدوين في المحرقة من ترتيب ذكرى خراب الهيكل أو التاسع من آب، وهو يوم الحداد الأكبر في اليهوديّة؟ لماذا كانت هناك ولا تزال مقاومة شرسة من قبل المجتمع المتشدد لإضفاء معنى حديث مضاف لذكرى التاسع من آب؟ وحتى يمكننا أن نسأل، لماذا لم يتبنّ الجمهور الديني القومي، وحتّى المتشددون منهم، عادة حداد ورثاء لضحايا المحرقة حتّى في اليوم المعتمد حاليًا لإحياء ذكراهم؟
يشير الحاخام ياوز كيست إلى عدّة أسباب لذلك. في رأيه، والكاتب يتفق معه، لا توجد اليوم هيئة دينيّة تملك السلطة التي تخوّلها للتعامل مع المسائل الروحيّة المحيطة بالمحرقة. فمن يحقّ له أن يؤلّف صلاة رثاء حول موضوع المحرقة ليتم تضمينه في ترتيب الصلاة المعتمد؟ بالإضافة الى ذلك، هل يمكن أن تثير المحرقة أسئلة حول مسألة الإيمان بحد ذاتها؟
يحوم النقاش هنا حول سؤال يزعج في الحقيقة كل يهودي مؤمن، وحتى هؤلاء الذين لا يتبعون الفرائض لكنهم يهود، أين كان إله إسرائيل في المحرقة؟ وهو السؤال الذي يجب أن يتجلى كاملًا في الحداد على ضحايا المحرقة. ولكن نتساءل يضًا، ألا يحضر هذا السؤال أيضًا فيما يتعلّق بخراب الهيكل وحدادنا عليه؟ يؤمن كثر ان أحداث خراب الهيكل كانت أقل كارثيّة للشعب اليهودي من المحرقة. وها هو خراب الهيكل يتصدّر مراسم الحداد والصلاة، وتبقى المحرقة مستبعدة عن مراسيم دور العبادة.