الباحثة “غيرترود بيل” الّتي أشارت على بريطانيا بمنح الاستقلال للعراق

إن كان أبراهام شالوم يهودا وغيرترود بيل قد التقيا مرّة واحدة ولم يُعجبا ببعضهم البعض، فكيف وصلت مخطوطتها إلى أيدي يهودا؟

المكتبة الوطنية الإسرائيلية
09.07.2023
غيرترود بيل
غيرترود بيل

تُرجِم عن: راحيل غولبيرغ

كانت غيرترود بيل (1868-1926) امرأة رائدة، وُلدت لعائلة صناعيين أثرياء، ونشأت في حياة سهلة ورغدة، وكان من المتوقع أن ينتهي بها المطاف بالزواج وإقامة عائلة، وهذه حياة لم ترغب بها. برزت كفتاة ذكيّة منذ الصّغر، وخلال عامين أتمت دراسة البكالوريوس في التاريخ الحديث من جامعة أكسفورد. حين بلغت 24 عامًا، خرجت لزيارة عمّها الذي كان سفيرًا لبريطانيا في طهران، وقد غرست بها هذه الزيارة حبا كبيرًا للشرق الأوسط، وعادت إليه مرة عديدة ومكثت فيه لفترات طويلة.

نشرت غيرترود بيل عددًا من الكتب؛ الأول نُشِر عام 1894 عن مغامراتها وتجاربها في زيارتها الأولى لطهران وأسمته “سفرنامه” أي كتاب سفر، مستلهمة الاسم من عناوين فارسيّة كلاسيكيّة مثل “شاهنامه” (كتاب الملوك). في عام 1897، نشرت ترجمة إنجليزيّة لديوان حافظ، وهو ديوان شعر فارسي كلاسيكي، وكتب أخرى كتبت بها عن تجاربها وأبحاثها في الشرق الأوسط.

من المثير للاهتمام، أن بيل لم تكتب قطّ عن رحلتها الطويلة والخطرة في منطقة “حائل” في شبه الجزيرة العربيّة، منطقة حائل الصحراويّة المعروفة بصعوبة الترحال فيها، كانت بيل ثاني امرأة على الاطلاق تعبرها. ساعد بيل في رحلتها تمكنها من ركوب الخيل، وبالرغم من ابتعادها عن حياة الرغد التي ولدت بها، فقد عُرِف عن بيل في رحلاتها تزودها دومًا بطقم الخزف الصيني من صناعة “ويدجوود” وصابون من عطر الخزامى.

بعكس المتبع في زمانها، سافرت غيرترود وحيدة، وتتساءل الباحثة جوزافين كام التي كتبت سيرة قصيرة لبيل، لو كانت بيل قد تزوجت من حبيبها الأول هينري كدوغن الذي توفي من التهاب الرئتين، هل كانت ستستمر في حياة الترحال الخطر في بلاد غريبة؟

بفضل معرفتها الواسعة في التاريخ والجغرافيا والسياسة، تحولت غيرترود بيل إلى شخصية مركزيّة في صراع بريطانيا خلال الحرب العالميّة الأولى وما بعدها من أحداث دارت في الشرق الأوسط. كانت كذلك من الشخصيات الهامة التي حضرت مؤتمر القاهرة، الذي دعى إليه وزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرتشل عام 1921.

 

مؤتمر القاهرة، تظهر على يسار الصورة غيرترود بيل، وإلى جانبها ساسون حزقيل أول وزير مالية للعراق. مصدر الصورة ويكيبيديا.
مؤتمر القاهرة، تظهر على يسار الصورة غيرترود بيل، وإلى جانبها ساسون حزقيل أول وزير مالية للعراق. مصدر الصورة ويكيبيديا.

 

يبرز حضور بيل في الصورة كامرأة وحيدة بين عشرات الرجال المشاركين في المؤتمر، لم تُدعى بيل إلى المؤتمر كـ “زينة” ولكن لمنصبها كمستشارة للمندوب السامي البريطاني حينها في العراق. كان الهدف من مؤتمر القاهرة هو معالجة الوعود المتناقضة التي بثتها كل من بريطانيا وفرنسا فيما يخص الأقاليم العربيّة خلال الحرب العالميّة الأولى. قدّم السير بيرسي كوكس المندوب السامي مع غيرترود بيل أمام المؤتمر مخططهم للعراق، والتي اعتمدت على معرفة بيل بالقبائل المختلفة ورؤيتها للعراق. وكجزء من استنتاجات المؤتمر، عملت على مساعدة الملك فيصل الأول من السلالة الهاشمية ليعتلي عرش العراق ويصبح ملكها.

بعد إقامة دولة العراق الحديثة، عادت بيل إلى حبها الأول نحو الآثار؛ إذ أقامت المتحف القومي في العراق وساعدت في تأسيس القانون الذي ينص على أن الآثار التي وجدت في مكان معيّن يجب أن تبقى في الأرض التي استخرجت منها.

توفيت غرترود بيل في العراق في تموز 1926 جراء تناول جرعة زائدة من الحبوب المنوّمة. لم يتضّح إن كان هذا انتحارًا أو خطأ بتقدير مفعول الدواء. فمن جهة، لا تشير رسائل بيل إلى زوجة أبيها إلى أي نيّة انتحاريّة، ومن جهة أخرى فقد طلبت بيل من أصدقائها الاعتناء بحيواناتها الأليفة إذا ما أصابها ضرر.

في مجموعات المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة، وجد مجموعة شعر فارسي أهديَت إلى غيرترود بيل، المرأة الغنية عن التعريف في تاريخ الشرق الأوسط في ذلك الوقت،في عام 1921. وصل الكتاب إلى المكتبة الوطنية الإسرائيليّة عن طريق أبراهام شالوم يهودا، وهو مقتني مخطوطات معروف، أهدى مجموعته وأرشيفه الشّخصي إلى المكتبة الوطنيّة في العام 1951. تحتوي مجموعة يهودا على آلاف المخطوطات الإسلاميّة في مواضيع تغطّي كافة مجالات المعرفة الإساسيّة في الثّقافة الإسلاميّة: القرآن، الحديث، الفقه والشريعة الإسلاميّة والعلوم. تحتوي المجموعة أيضًا على كتب السعاوي المسيحيّة وكتابات اسحاق نيوتن اللاهوتيّة.

للمزيد حول مواد علوم الدين الإسلامي

 

كيف وصل الكتاب المهدى إلى غيرترود بيل إلى شالوم يهودا ومن ثمّ إلى المكتبة الوطنيّة؟
رسائل بيل ومذكراتها موجودة في أرشيف غيرترود بيل في جامعة نيوكاسل والذي تبرعت به زوجة أبيها. عند البحث في الأرشيف، يظهر أن سبل غيرترود بيل وأبراهام يهودا تقاطعت في عام 1902 على متن باخرة “كليوباترا” التي أبحرت من إزمير إلى مدينة حيفا. كان يهودا بصحبة أمريكيّين تعرّفت إليهم بيل أيضًا. وفي رسالة لزوجة أبيها وصفت بيل يهودا بأوصاف غير محبّبة. ولذلك، فإن السؤال يصبح أكثر غموضًا وإثارة للاهتمام: إن كان أبراهام شالوم يهودا وغيرترود بيل قد التقيا مرّة واحدة ولم يُعجبا ببعضهم البعض، فكيف وصلت مخطوطتها إلى أيدي يهودا؟

...تحميل المزيد من المقالات loading_anomation