لعل العبارة “حارة اليهود” تتردد كثيرًا في المدن والعواصم العربية الكبرى للشرق الأوسط، منها بلا شك القاهرة والقدس ودمشق. في هذه المدن العريقة بيوت يهودية جميلة وتراثية، حافظت على هويتها اليهودية من جهة وعلى ارتباطها بالثقافة المادية العربية والإسلاميّة. فبدت تلك البيوت مثل أي بيت آخر قد تجده في المدينة، الا انك حين تمعن النظر في الزخرفات الجميلة، تجد كلمة عبرية هنا، ونجمة سداسية هناك. فتعرف ان هذا البيت بني لعائلة يهودية عاشت فيه بأمان وازدهار.
طالعوا على موقع المكتبة: مدن تاريخية مصوّرة
من هذه البيوت بيت كبير وجميل في دمشق يُعرف ببيت لنيادو أو نيادو الأسطنبولي. نحن محظوظون لرؤية هذا البيت، فلحسن الحظ قام عدد من المصورين الأوروبيين الذين جابوا المنطقة خلال أواخر القرن التاسع عشر بتصوير البيت وتوثيقه. مما يتيح لنا الفرصة اليوم لرؤية جمال هذا البيت وفرادته، مع أنه ليس الوحيد من نوعه في حارة اليهود الدمشقية.
على موقع المكتبة الوطنية، يوجد بطاقة بريديّة تعود لمطلع القرن العشرين عليها صورة لبيت لنيادو في دمشق، وعلى ظهرها مسجل المكان “بيت عتيق – دمشق حارة الإسرائيليين” (بمعنى حارة اليهود).جاءت العائلة المالكة لهذا البيت بالاصل “ليفي” من القسطنطينية، وبنت هذا البيت في أواخر القرن الثامن عشر على الطراز الدمشقي الفاخر، وبقي اسم البيت منسوب إلى يومنا هذا للاسم الاسطنبولي كإشارة لعائلة ليفي، رغم أن ملاكه تغيّروا في أواخر القرن التاسع عشر.
يتكوّن البيت من طابقين وتظهر به جميع مميزّات البيت الدمشقي التقليدي والساحر، الصحن المركزي الداخلي المبلّط والذي تتوسطه نافورة للمياه وأشجار مظلّلة، الجدران، واستخدام فنّ الأبلق (تقاطع الرخام الأبيض مع الأسود) بتزيين الجدران السفليّة، كما وللواجهة الداخلية إيوان كبير ومزيّنة واجهته بأشكال النباتات الملوّنة والفسيفساء، واذا اقتربتم من الصورة جيدًا، تجدون النجمة السداسية على يمين ويسار الإيوان.
طالعوا أيضاً: مصادر رقمية متنوّعة ومتاحة حول مدينة دمشق ضمن مجموعات المكتبة
في وسط الصحن تواجدت نافورة مياه كما هو متبّع في البيوت المبنية بهذا النمط والتي ميّزت مدينة دمشق الغنية معماريًا. إلا أن النافورة لا تظهر في هذه الصّورة لأنها مغطاة بشجرة تحجب عنها العدسة التي التقطتها. (اسم المصوّر غير وارد على البطاقة البريديّة)، إلّا أن هذه المعلومة، أي وجود النافورة، ليست أكيدة لأن هذه هي طبيعة البيوت الدمشقية مثل هذه وحسب، ولكن لأن بيت الأستانبولي كما قلنا سابقًا موثّقًا بشكل جيد بعدسة عدد من المصّورين. من هؤلاء المصوّر بونفيس الذي التقط صورًا عديدة وأكثر قربًا للبيت تجدون بعضها في هذه المقالة على مدونة التراث الدمشقي بالإضافة الى شرح اكثر توسّعًا عن الفنون والأساليب المتبعة ببناء هذا البيت وتزيينه ليظهر بهذا الشكل الساحر.
في مجموعة بن تسفي المتاحة على موقع المكتبة الوطنية كذلك نجد صورة أخرى، ليس عليها ما يدل على انها التقطت في بيت الأستانبولي بالضرورة، إلا أن من التقطها هو بونفيلس نفسه خلال زيارته لدمشق، وقد عنونت كالتالي “غرفة من داخل بيت يهودي ثريّ في دمشق”.
في الصورة نجد غرفة مبهرة، ومن شدّة العناية بتفاصيلها وبجمالها، يخيّل لنا أنها بُنيت وصُممت لا للاستخدام إنما فقط للمتعة البصريّة وكأنها متحف، إلا أننا سريعاً ما نلاحظ أن المساحات الخشبيّة المزخرفة بحرفيّة عالية على الجدران إنما هي خزائن! وإن هناك مقاعد فاخرة على أطراف الغرفة تشير إلى استخدامها للقاءات جماعيّة.
إن النجم الكبير للصورة هي النافورة الرخامية الفاخرة في وسط الغرفة، والتي تذكّرنا فورًا بـ “بهو الأسود” الشهير في قصر الحمراء في غرناطة، فالنافورة تجلس على رؤوس ستّة أسود منحوتة من الرخام أو الصخر بعناية مبهرة، دلالة ربّما على ثراء ونفوذ صاحب البيت أمام ضيوفه وزوّاره المهمّين من أقرانه الأثرياء.
لسنا متأكدين بالطبع إن كانت الصورة من داخل بيت الأستانبولي بالفعل، فجودة الصورة للأسف متدنية عما هو الحال ببقية الصور المعروفة التي التقطتها عدسة بونفيس في ذلك البيت خلال زيارته، إلا أنه من الوارد أن تكون يد بونفليس قد ارتجفت خلال التقاطها، فما رأيكم؟ هل تعرفون عن صور أخرى لهذا البيت؟