تراتيل وصلوات السبت وألحانها المتنوّعة

ماذا تعرفون عن المتعة الفنية في تراتيل السبت وعن العادات العريقة التي تُمارس داخل البيوت اليهوديّة المحافظة ودور العبادة؟ تعرفوا في هذه المقالة على بعض العادات المرتبطة بالسبت اليهودي.

مخطوطة ترتيب صلاة السبت، 1905، مجموعات مخطوطات المكتبة الوطنية

مخطوطة ترتيب صلاة السبت، 1905، مجموعات مخطوطات المكتبة الوطنية

يوم السبت هو اليوم المقدّس للديانة اليهوديّة عبر التّاريخ، وتعتبر إقامة شعائره من فرائض الديانة، وذلك لأنها مدرجة ضمن الوصايا العشر. وأصلها مستمدّ من القصّة التوراتيّة حول خلق العالم، اذ تقول القصة ان الخالق خلق الكون كله في ستة ايام واستراح فيه في اليوم السّابع. “وبارك الله اليوم السابع وقدّسه لأنه فيه استراح من جميع الّذي عمر” (التكوين،2،3). أصبحت هذه الكلمات مادّة للتراتيل المنغّمة والمتنوّعة، والّتي تتوزّع على عدد من التراتيل المرتبطة بتقاليد السبت، منها صلاة استقبال ليلة السبت، وصلاة الصّباح ومباركة الطّعام.

حافظ اليهود في مختلف أماكن تواجدهم عبر العصور على هذه الشعائر، وطوّروا تقاليد إضافيّة مرتبطة بها، ممّا يجعل النّظر في أرشيفها أمر غاية في الفضول، وذلك لتنوّعها الواسع والمتعدد الثقافات.

في التسجيلات الصّوتية وحدها، يمكن إيجاد عشرات التّراتيل المؤّداة بحسب أصول فنون موسيقيّة متعددة الأصول والثّقافات.

تجدون هنا تسجيل للمؤدّي الشّهير يتسحاك افوهاف، وبه يتلو صلاة تقديس ليلة السّبت.

كلمات الصلاة من الاصحاح الثاني في سفر التكوين:

اليوم السادس. أُكملت السماوات والأرض وكل جندها.

 وفرع الله في اليوم السابع من خلقه الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من كل عمله الذي عمل.

وبارك الرب اليوم السابع وقدسه. لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمله الله خالقًا.

بدون موسيقى، يستطيع المؤدي بصوته فقط أن يحكي العبارات التوراتية كما لو كانت قصّة، يبدأ بنغمة منخفضة ومحايدة، كما لو أنه يهيئ المستمع لبداية قصّة ما، ثمّ يرتفع، ويستطيع المستمع العربي هنا تمييز المقامات الشّرقيّة في الاداء وينتقل المؤدّي بين الانغام المرتفعة والمنخفضة ببراعة، ممّا يضيف بعد درامي إلى الصّلاة.

يتميّز الأداء السفاردي المذكور بالبطء والرّوحانيّة والارتباط بمعاني الكلمات، فهو يرتفع ويؤدي عُرَب مميزة عند الحديث عن القداسة أو السّماء، ويعتمد على الاحساس والارتجال اللحظي، أي أنه غير مرتبط بنغمة محفوظة ومتكرّرة، ولكن يتحرك بين مقامي النهاوند والكرد ويؤدي نغمات مبتكرة.

بالمقابل، يعتمد الأداء الفرنسي لميشيل هايمن لصلاة السبت الصباحيّة على مجموعة من النغمات المتنوّعة والمتكرّرة مرّة بعد أخرى، ويتميّز أداؤه بالسّرعة وكأنه يحفظه، كما يبدو الّلحن معدّ للأداء الجماعي. استمعوا إليه هنا.

وبمناسبة الحديث عن الأداء الجماعي، إليكم فيديو من إحياء عائلة هنجارية لتراتيل السبت معًا في عام 2010، وبها أيضًا يظهر الأداء السريع (مقارنة بالأداء السفاردي)، والمحفوظ مسبقًا. يمكنكم مشاهدة الفيديو هنا.

ومع ذلك، يجب الحذر من عدم التعميم، فليس كل التراتيل المشرقيّة مرتجلة، انظروا على سبيل المثال إلى صلاة تقديس ليلة السبت بنسخة يهود بابل من أداء الحاخام دافيد حلبي، وبها يظهر الجزئين، الفردي والمرتجل والجماعي المحفوظ مسبقًا. للاستماع.

يبدأ يوم السّبت عند اقتراب ساعة الغروب من يوم الجمعة، ويستمرّ إلى ان تظهر النجوم في ليلة اليوم التالي (السبت). ولذلك تتغيّر مواعيد السبت خلال السّنة بحسب مواقيت غروب الشّمس. وخلال السبت، يتم تكريمه وإحياؤه من خلال وصايا وفرائض وعادات ثقافيّة متنوّعة، منها: إنارة الشّموع وأكل ثلاثة وجبات مخصّصة ليوم السّبت، ولجميعها صلوات تتلى على الخبز وعلى النبيذ، بالإضافة إلى ترتيل أغاني السّبت والصلوات الخاصّة بيوم السّبت.

للاطلاع على جميع التسجيلات الصّوتيّة المتعلّقة بفرائض يوم السّبت، يمكنكم تصفّح هذا الرابط على رحاب “فهرس موقع المكتبة”

من كان/كانت/كنّ شيكسبير؟ الكشف عن الهوية السرية لعلامة الإبداع المسرحي

لسنوات طويلة كانت هويّة ويليام شكسبير محل غموض كبير. ماذا لو كان كاتب المسرحيات اللامع في الحقيقة امرأة او أكثر من امرأة؟ دعونا ننظر إلى الأدلة المطروحة في هذا المقال.

تُرجِم عن: ميا امران

إذا سؤلتم عن اشهر كاتب للمسرحيات في التاريخ فانكم في الغالب ستقولون شكسبير. حتى وإن لم تحبوه أو تستمتعوا بقرائته، وحتى لو أكرهتم على قراءة جزء من أعماله في درس الإنجليزيّة حين كنتم طلاب يافعين في المدرسة، فإنكم على الأقل تعرفون هذا الاسم. وغالبا تستطيعون أن تسمّوا بعضًا من أعماله الشهيرة.

إلا أن عالم شيكسبير الخاص ليس بالبساطة التي يبدو عليها، فهو بالتأكيد ليس رجلًا إنجليزيًا عاديًا في إنجلترا القرن السادس عشر. فالعديد من الكتّاب المعاصرين طرحوا نظريّة تقول بأن شيكسبير لم يكن رجلًا واحدًا، بل عدّة أشخاص كتبوا تحت اسم فني مشترك “شيكسبير”.

ظهرت الكثير من الأدلة حول هذه النظرية في العقود الخمسة الاخيرة، ومن السهل ان نلاحظ لماذا تكتسب هذه النظرية كل هل هذا الاهتمام عاما بعد عام. فبداية، إن الطريقة التي يصف بها شيكسبير الحياة الملكية والحياة العبودية معًا بتفاصيل مذهلة تشير إلى أن كاتبها كان بإمكانه دخول كلا العالمين ومعايشتهما، وهو أمر غير مألوف على الإطلاق في إنجلترا في مطلع القرن السادس عشر. ربما نرى اليوم أنه من السهل أن يتمكن المرء من الكتابة عن بحّار مرة وعن خادم مرة ثانية، أو عن أمير وعن فقير في الوقت نفسه، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بالفترة التاريخية التي عاش بها شيكسبير كانت حقبة لا يخرج بها معظم الناس من قراهم وبلداتهم الصغيرة ناهيك عن أوطانهم، سنفهم الغرابة التي عكستها قدرة شيكسبير لهذا الفهم الحميمي للعديد من أنماط الحياة حينها. فالحديث هنا عن شخص لم يمتلك مركبة، أوهاتف أو شبكة إنترنت كما نعيش نحن، بل اعتمد على البريد البطيء جدًا من أجل التحدث مع شخص من خارج قريته.

إذًا يمكننا أن نسأل، كيف تمكن شيكسبير في مسرحياته من وصف كل هذه الحياوات التي بلا شكّ لم يراها بنفسه؟ إنّه يصوّر العديد من البلاد بتفاصيل كثيرة، على الرغم من أنه بالتأكيد لم يمتلك الوقت الكافي أو الموارد الكافية ليجوب كل هذه الأماكن. بالإضافة الى ذلك، شيكسبير يصف مذاق البرتقال في مسرحية “جعجعة بلا طحن”، وهي فاكهة لم تدخل وطنه إنجلترا إلا بعد عقود من وفاته. من الصعب أن نصدق أن شخصًا واحدًا تمكن من خوض هذا الكم من التجارب ليستلهم منها ويكتب عنها قبل أكثر من 500 عام، بدون إنترنت أو حتى مكتبة من النمط الحديث.

كيف لنا أن نصدق أن رجلًا من الطبقة الوسطى مولود في بلدة ستاتفورد في ذلك الوقت كتب مسرحيات بالعمق والتنوع الذي نراه في إرث شيكسبير؟ نرى في هذه الأعمال معرفة قريبة وحميمة من حاشية الملكة إليزابيث، وقدرة على الكتابة بلغات متعددة، ومعرفة في مجالات القانون والفلك والموسقى والجيش والقارّات الأخرى وبلدات عديدة على امتداد أوروبا. إنّ هذا الأمر محيّر جدًا، خاصة لأنه إلى اليوم لم يظهر أي دليل على خروج شيكسبير من وطنه إنجلترا قط! عدا عن أن اللغة والمصطلحات والقدرة التعبيرية التي بثها في مسرحياته لا يمكن أن تلائم شخصًا أنهى تعليمه الرسمي في سنّ الثالثة عشر!

 

أفيمرا- هاملت، 1948-2006، أرشيف روني تورين، مشروع إتاحة بالتعاون بين وزارة القدس والتراث وجامعة حيفا والمكتبة الوطنية الإسرائيليّة
أفيمرا- هاملت، 1948-2006، أرشيف روني تورين، مشروع إتاحة بالتعاون بين وزارة القدس والتراث وجامعة حيفا والمكتبة الوطنية الإسرائيليّة

 

أفميرا – هاملت، 1948-2006، أرشيف روني تورين، مشروع إتاحة بالتعاون بين وزارة القدس والتراث وجامعة حيفا والمكتبة الوطنية الإسرائيليّة
أفميرا – هاملت، 1948-2006، أرشيف روني تورين، مشروع إتاحة بالتعاون بين وزارة القدس والتراث وجامعة حيفا والمكتبة الوطنية الإسرائيليّة

 

إذا لم تنجح الأدلة السابقة بإثارة فضولكم فربما تفعل هذه المعلومة: بعد وفاة شيكسبير لم توجد أي كتابة خطية أو مسودة أصلية لأي من أعماله في بيته، ولا أي دليل على أنه كتب يومًا ما بالقلم على ورقة، ولا أي كتاب او آلة موسيقية مع أنه من المفترض أنه أتقن العزف على أكثر من عشرين آلة، كما لم يترك في وصيته أي شيء لابنته، بالرغم من الشخصية النسوية التي يظهرها في العديد من أعماله (نقطة سنعود للحديث عنها لاحقًا).

أن ما يرجّح كون شكسبير عدة أشخاص وليس إنسان واحد هو أن توقيع شيكسبير يظهر في المخطوطات المتنوعة بسبعة تهجئات مختلفة. وهي مخطوطات جميعها وجدت في أماكن غير متوقعة بعد سنوات من وفاته، ولم تكن هناك من طريقة لتتبع رحلة خروجها من بلدته التي عاش فيها. رأى العديد من العلماء المختصين بعد الاطلاع على الكثير من هذه المخطوطات التي تحمل توقيع شيكسبير أنّه من الممكن جدًا أن لا تكون هذه التوقيعات مكتوبة بيد شخص واحد.

 

توقيع شيكسبير على غلاف أول نسخة من كتاب هاينريش كورنيليوس، 1640، المكتبة الوطنية الإسرائيلية
توقيع شيكسبير على غلاف أول نسخة من كتاب هاينريش كورنيليوس، 1640، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

تمكنت النساء في القرن السادش عشر من التعبير عن حقيقتها في فرص نادرة وشبه معدومة، ناهيك عن الكتابة للملأ! ولذلك فإذا افترضنا وجود مجموعة من الكاتبات يسعين إلى تمكين بعضهن، فإن اسم فني جماعي سيكون رمزًا أدبيًا رائعًا لهنّ، ليرمز لمن هم على معرفة بالسّر، بأن هذا العمل أيضًا كتبته امرأة. شيكسبير!

إن كنتم ما زلتم في حالة شك من هذه الأمر، دعونا نتحدّث عن الجانب الأنثوي والنسوي المميز في أعمال شيكسبير. ربما اليوم هنالك رجال قادرين على الكتابة بشكل لائق من منظور امرأة، فهم بالتأكيد محاطون بنساء يشاركنهم بتفاصيل حياتهن الحميمية كنساء، وهي تفاصيل ليس لرجل أن يعرفها بمفرده.

 

هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن
هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن

 

هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن
هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن

 

هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن
هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن

 

هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن
هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن

السيدة مكبث وأختها في مسرحية مكبث تصفان أنوثتهما بدقة، وهي مسرحية من المفترض أن من كتبها رجل. وبياتريس في مسرحية جعجعة بلا طحن شخصية تصطدم بأسلوب فريد مع محدودية أن يكون الإنسان امرأة. وروزاليند في كما تشاء تتصنّع سلوكًا غير طبيعي لتبدو أكثر “ذكوريةً” وبالتالي تتقدم أكثر في حياتها، وهو تصرّف من النادر أن يتفهمه او يلاحظه إنسان ليس بنفسه امرأة مضطهدة. ايزابيلا في مسرحية الصاع بالصاع تفهم، كما تفهم النساء بأسف دائمًا، إن كلمتها لا تُسمع أو تؤخذ على محمل الجد كما هل كلمة الرجل، ولذلك تخاف من أن لا يسمع أحد شكواها. وإيميليا في مسرحية عطيل تجادل بشغف للمطالبة بالمساواة للنساء. هذه الأمثلة كلها تدل على معرفة كبيرة للصراعات الداخلية للنساء في ذلك الوقت، ومن الصعب أن نصدق أن رجلًا تمكن من الإحساس والتعبير عن كل هذه النماذج الحقيقية في فترة مبكرة كهذه.

تسأل تينا بيكر في كتابها “نساء ذوات إرادة” : “لماذا تمكّن شيكسبير من رؤية موقع النساء كما لو كان امرأة بنفسه، وبطريقة لم يتمكّن من اظهارها أي من أقرانه من كتّاب المسرحيات في زمانه؟”. هناك سبب واضح ووحيد ليدفع شخص او مجموعة من الاشخاص للكتابة باسم مستعار في زمان الملكة اليزابيث في انكلترا، ان يكون هذا الشخص او هؤلاء الاشخاص إناث. تقول الفيلسوفة وكاتبة المسرحية وليدة القرن السابع عشر في انكلترا ليدي مارجريت كافينديش “قد يظن الشخص ان شيكسبير قد تحوّل من رجل إلى امرأة”!.

قد يبدو ضرب من الطيش ان نفترض ان شيكسبير ما كان الا اسم سرّي استخدمته مجموعة سريّة من النساء المتخفيّات الجامحات ليقلن كلمتهنّ في القرن السادس عشر. لكن هذه النظرية في الحقيقة تكتسب المزيد والمزيد من القبول كل عام. في الواقع لقد تمّت مناقشتها بالتفصيل في مؤتمر شيكسبير الدولي في العام الماضي من قبل أشهر العلماء المختصين في اعمال شيكسبير حول العالم.

يلفت النظر بذكاء الكاتب جون روسكين إلى نقطة مهمّة”لم يكن لشكسبير ابطال رجال قط في اعماله بل بطلات نساء فقط”. والكثير من بطلات شكسبير كنّ نسويات للغاية: على الاقل عشرة من بطلات شيكسبير تحدّين آبائهن، ثمانية منهنّ تنكّرن بهيئة رجال، ستّة قدن جيوش – هذا كله كان بعيد كل البعد عما هو مألوف في المسرحيات التي كتبها رجال قبل منتصف القرن العشرين!

واذا احتجنا للمزيد من الأدلة، فإن قصة صغيرة مثيرة للاهتمام موجودة في أعمال غابرييل هارفي وهو ناقد أدبي هام في الأدب الإليزابيثي. في العام 1593 يذكر بغموض امرأة نبيلة ممتازة كتبت ثلاثة سونيتات (أغاني قصيرة) ومسرحية كوميديّة. يقول: “لا أجرؤ على وصفها”. في العام 1593، كان لشيكسبير بالفعل ثلاثة سونيتات ومسرحية كوميديّة.

كاندوس بورتريه (1564-1616)، أشهر بورتريه اعتمد عليه الفنانون لرسم شيكسبير لاحقًا، من ويكيميديا.
كاندوس بورتريه (1564-1616)، أشهر بورتريه اعتمد عليه الفنانون لرسم شيكسبير لاحقًا، من ويكيميديا.

 

على الأقل واحدة من النساء اللتي يفترض انها كانت جزء من هذه الجماعة النسائية، ايميليا باسانو، كانت يهودية. وهو سبب اضافي نظرًا لمعاداة السامية في القرن السادس عشر لاخفاء هويتها الحقيقية. رالف والدو امرسون الفيلسوف والشاعر الامريكي، والت ويتمان (شاعر امريكي)، مارك توين الروائي الامريكي، هنري جيمس المؤلف البريطاني ومؤسس المدرسة الواقعية في الادب الخيالي، سيغموند فرويد اب التحليل النفسي، هيلين كيلر الاديبة والناشطة الامريكية وتشارلي تشابلن الممثل الكوميدي الانجليزي الشهير، كل هؤلاء يقترحون أسماء لنساء عديدات يعتقدون بأنهن كتبن تحت اسم شيكسبير الجماعي. جزء كبير من نظريتهم يعتمد على ان شيكسبير، بالرغم من التوثيق المعروف عن حياته كممثل ومالك مسرح، لم يترك اي وثيقة عن دفع مبلغ من المال للاعمال المسرحية، ولا دفتر مذكرات واحد يدل على انه امسك القلم. مثال على ذلك، فإن زوجته التي كتبت الكثير من المذكرات، لم تذكر مرة واحدة ان زوجها كان كاتب للمسرحيات.

فهل كان شيكسبير مجموعة من النساء من حول العالم؟ تكتبن تحت اسم مستعار واحد وبالتالي تستعرضن عبقريّتهنّ الأدبية قبل سماح المجتمع لهنّ بذلك بقرون؟ قد لا نعرف الإجابة على هذا السؤال ابدًا. ولكن يمكننا ان نختار تصديق ما نشاء.

تعد المكتبة الوطنية واحدة من المؤسسات القليلة حول العالم التي تمتلك نسخة أصلية عن “المطوية الأولى” وهو الاسم الذي اطلقه الباحثين على مجموعة من أعمال شيكسبير المسرحية التي نُشرت عام 1623. هذه المادة الفريدة، بالإضافة إلى مخطوطات متعلقة بشيكسبير تمّ إيداعها في المكتبة الوطنية دون الافصاح عن هوية المتبرّع في خريف عام 2022.

ماذا ألَمَّ بيهود ليبيا أثناء المحرقة النازية؟

أهوال المحرقة النازية كانت من نصيب يهود شمال أفريقيا أيضًا، ولكنّ قصّتهم ما زالت ملفوفة بالضبابية. إنّها قصّة هؤلاء الذين أسماهُم النازيون "شفارتسا يودن"، وأُدرِجوا في أدنى سلّم الجنس البشري، حيث يحلّق ملاك الموت.

زوجان يهوديان من ليبيا، ناجيان من معسكر بيرغن بيلسن، يضعان الشارة الصفراء، من كتاب "صور من الذاكرة"، "أور شالوم".

تُرجِم عن  يوسي سوكاري

 

تعي أعداد متزايدة من الناس أنّ أهوال المحرقة النازية لم تكن فقط من نصيب يهود أوروبا، ولكن الغالبية العظمى من الناس لا يعرفون ما ألمَّ بيهود شمال أفريقيا أثناء المحرقة. يهود شمال أفريقيا ليسوا كيانًا واحدًا. فيهود الجزائر مختلفون عن يهود المغرب، ويهود المغرب مختلفون عن يهود ليبيا، ويهود ليبيا مختلفون عن يهود تونس. ينطبق ذلك أيضًا على تجربة كل من هذه الجاليات تحت أهوال المحرقة النازية. لا شك في أنّ الجالية اليهودية في شمال أفريقيا والتي عانت من أقسى أهوال المحرقة النازية كانت جالية يهود ليبيا. نجح النازيون- بمساعدة الإيطاليين الذين فرضوا سيطرتهم على ليبيا من 1911 حتى 1943- في احتلال ليبيا من أيدي الإنجليز وأقاموا فيها ثلاثة معسكرات اعتقال. أكبرها وأشهرها كان معسكر جادو والمعسكران الأخريان هما غريان وسيدي عزاز. أرسل النازيون إلى هذه المعسكرات جميع اليهود المعتقلين، ومن بينهم نساءً وأطفالًا.

معسكر جادو حيث اعتقل أكثر من 2600 يهودي وتوفي فيه نحو 600 معتقل بسبب الجوع والأوبئة. بلطف من مركز أور شالوم للحفاظ على تراث يهود ليبيا
معسكر جادو حيث اعتقل أكثر من 2600 يهودي وتوفي فيه نحو 600 معتقل بسبب الجوع والأوبئة. بلطف من مركز أور شالوم للحفاظ على تراث يهود ليبيا

 

الجزء الأكبر من يهود ليبيا المعتقلين في معسكرات الاعتقال كانوا من إمارة برقة، وعاصمتها بنغازي الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. ولكن العديد من يهود طرابلس أيضًا، عاصمة إقليم طرابلس وليبيا نفسها، اعتقلوا في معسكرات الاعتقال التي أقيمت وسط الصحراء الكبرى.

إلاّ أنّ النازيين لم يكتفوا بذلك. اعتقل النازيون مجموعة كبيرة من يهود ليبيا أبناء الطبقة العليا وأرسلتهم إلى معسكرات الاعتقال في أوروبا، لتتم إبادتهم في نهاية المطاف مع أشقائهم الأشكناز. في نهاية رحلة طويلة وشاقة من أفريقيا الحارة، وجد بعض يهود ليبيا أنفسهم معتقلين في البرد الأوروبي القارس في مختلف معسكرات الاعتقال مثل بيرغن بيلسن وماوتهاوزن.

 

إخلاء الجثث ف يبيرغن بيلسن بجوار الجناح 210، حيث أقام معتقلو ليبيا. بلطف من مركز التراث اليهودي في ليبيا
إخلاء الجثث ف يبيرغن بيلسن بجوار الجناح 210، حيث أقام معتقلو ليبيا. بلطف من مركز التراث اليهودي في ليبيا

 

للأسف، كان أبناء أسرتي من اليهود الذين اعتقلوا في هذه المعسكرات، وفي نهاية المطاف، قتلوا أثناء المحرقة النازية. عندما ألفت كتاب “بنغازي- بيرغن بيلسن”، تتبعت سيرة عائلتي وجاليتها أثناء المحرقة، وخلال سنوات تأليف الكتاب الثلاث، أقمت فعليًا في الأماكن المروعة التي مرّوا بها في أفريقيا وأوروبا. تشبّثت بقصة سيلفانا حجيجي، والتي تمكّنت، على الرغم من صغر سنها، قيادة عائلتي والجالية اليهودية-الليبية كلها، وسط بحر من الآلام التي تفوق الوصف.

يمكنني القول إنّ سيلفانا هي جدتي التي نجت من بيرغن بيلسين. أدلت سيلفانا والعديدون من أبناء جالية يهود ليبيا الذين نجوا من معسكرات الموت في أوروبا، بشهادتهم المباشرة على الطريق التي مروا بها. من خلال هؤلاء الأشخاص، تعرفت إلى الآلية الوحشية التي نقلت يهود شمال أفريقيا من قلب الصحراء إلى أوروبا، ولم تكتف بإبادتهم في ليبيا. لقد فعلوا ذلك لأنّ هؤلاء اليهود كانوا يحملون الجواز البريطاني، وقد نقلوهم إلى أوروبا باعتبارهم أسرى حرب. ولكن النازيين لم يعاملوهم معاملة أسرى الحرب. نُقلوا في سفن الشحن إلى إيطاليا، وقطعوا طريقًا شاقة ومرهقة دامت سنتين، إلى أن وصلوا إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا.

عندما قمت بتأليف كتابي “بن غازي- بيرغن بيلسن”، لم أفعل ذلك من أجل عائلتي أو جاليتي فحسب، إنّما من أجل الإنسان عامةً. أردت أن اعيد إلى الحيز العام ما قام التاريخ الإسرائيلي بطمسه، ربما عن دون وعي. لقد أسعدتني مساهمة هذه الرواية التي كتبتها عن عائلتي وعن سيرة حياتها في معسكرات الاعتقال، في مساعدة يهود ليبيا على الدخول إلى الوعي الجماعي الإسرائيلي.

 

على يسار الصورة- راحيل مسيكا، قتلت في معسكر الاعتقال جادو Gado وهي في الخمسين من عمرها. من أرشيف الصور في ياد فاشيم
على يسار الصورة- راحيل مسيكا، قتلت في معسكر الاعتقال جادو Gado وهي في الخمسين من عمرها. من أرشيف الصور في ياد فاشيم

 

ولكنني أعي الآن أنّ هدفًا آخر كان يكمن وراء الهدف الرئيسي لتأليف هذا الكتاب، ألا وهو رغبتي الشخصية في الوصول إلى وضع يكون فيها النسيان أسهل. أردت أن أنسى لفترة ما المحرقة التي مرّت بها عائلتي وأبناء شعبي. لم أرغب في أن تتداخل المحرقة بعد الآن في حياتي اليومية، التأثير على وجهة نظري للحياة، وعلى إيماني بالبشرية.

أردت هدنة مع المحرقة. ظننت أنّني إذا كتبت عن المحرقة، فإنّني سأستوفي الشرط الذي سيمكنني من الحصول على هذه الهدنة. ولكن اتضح لي أنّ هذا الشرط كان حتميًا، ولكنه غير كاف. للاستراحة قليلًا من المحرقة، عليّ أن أتجنّب المجتمع الإسرائيلي المشبع بذكريات المحرقة. فهي حاضرة في جميع أركانه وجوانبه وزواياه، حتى النائية منها. تشكّل المحرقة جزءًا من الخطاب السائد في إسرائيل: لدى القادة، السياسيين، الإعلاميين، والمواطنين العاديين الذين يستخدمونها بدون هدف، يسخّرونها لتلبية احتياجاتهم إلى حد انحنائها، حتى تفقد شكلها السابق.

يهود ليبيون الناجون من بيرغن بيبسن يعودون إلى ليبيا. نرى على عربة القطار جملة Going Home, to Tripoli ورسمًا لعلم بريطانيا
يهود ليبيون الناجون من بيرغن بيبسن يعودون إلى ليبيا. نرى على عربة القطار جملة Going Home, to Tripoli ورسمًا لعلم بريطانيا

 

ولكن حضور المحرقة في مجتمعنا لا يقتصر على المظاهر الجلية. فهي تعمل أيضًا خلف الكواليس، توجّه سلوكيات المجموعات، المجتمعات المحلية والأفراد بشكل خفيّ، بطريقة تصعّب علينا تقفي آثارها. لا يمكننا الاستراحة من المحرقة النازية. ولكن ما الذي سيلم بنا نحن، الأشخاص الذين لا يريدون العيش في مكان آخر، وإسرائيل هي مكانهم الوحيد في العالم، والكيان الإسرائيلي، بجميع عيوبه، هو عاصمتهم الروحانية؟ هل حُكم علينا العيش للأبد تحت سماء المحرقة النازية، هل سنضطر للعيش حتى يومنا الأخير تحت زخات أحد أفظع الأحداث في تاريخ الحضارات؟ ليس حتمًا.

الأمر ليس قَدَريًا. علينا التحدث عن المحرقة النازية بعقلانية، بهمس، معاملتها بلطف ورهبة، وتجاهل كل من يسخّرها لتحقيق أهدافه. عندما يتحقق ذلك، فإنّ طريقة التعامل مع موضوع المحرقة النازية ستتغير أيضًا. سأتمكن أنا أيضًا من أخذ قسط من الراحة، الخروج في إجازة بعيدًا عن نَسَبي النازف.  ولكن إلى أن يتحقق ذلك، فقد حكم علينا العيش طوال الوقت تحت قذائف المتحدثين باسم المحرقة النازية، وأن أنزف أنا أيضًا.

صعود وأفول جريدة “الشرق – همزراح” الصهيونية في دمشق

تعرفوا على الجريدة التي أسسها يوسف ريفلين والد رئيس دولة اسرائيل والذي راهن على أن يكون جسراً بين العرب واليهود في الجمهورية السورية.

حين وصلوا لاجئو البلاد اليهود دمشق خلال فترة الحرب العالمية الأولى، زرعوا بذور الفكرة الصهيونية في أوساط يهود المدينة. حين غادرها اللاجئون أنفسهم، وعلى رأسهم دافيد يلين، طلبوا منهم الحفاظ على إنجازات التربية العبرية الصهيونية في أوساط المجموعة اليهودية الأكثر قرباً من فلسطين، كما عملوا على التأثير على اللجنة التربوية المحلية من أجل التعامل مع الجالية اليهودية في دمشق تماماً كأنها محلية على جميع المستويات. في هذا الاطار أرسل للمدينة “يهودا بورلي” لكي يدير مدرسة للصبيان، ويوسف يوئيل ريفلين (والد رئيس الدولة رئوفين ريفلين) من أجل ادارة مدرسة البنات. رافقهم مجموعة مربيات، معلمين ومعلمات من البلاد والذين استعالنو بشباب وفتيات يهود من مواليد دمشق.