ولد الملك عبدالله في مكّة ابنًا للشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى ضد الحكم العثماني. ترعرع في كنف أبيه وتولّى بنفسه قيادة بعض الهجمات خلال التمرد العربي الذي خرج من الحجاز أملًا ببناء دولة عربيّة شرق أوسطية كبرى تحكمها السلالة الهاشمية.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ووقوع كل من الانتداب البريطاني والفرنسي على الاقاليم العربيّة، جرى الاتفاق على تولية أبناء الشريف حسين على شرقي الاردن والعراق، وتولى بذلك الامير عبدالله إمارة شرقي الأردن إلى أن نال الأردن استقلاله في أيار 1946 وتنصيبه ملكًا عليها.
ضمن معارض بوابات المكتبة الوطنية الرقمية: الملك فيصل الأول بن حسين الشريف

عند مشاركة الجيش الأردني في معارك حرب 1948، تمكّن من إحكام قبضته على القدس القديمة والمناطق التي أصبحت تُعرف لاحقًا بالضّفة الغربيّة وضمّها إلى مناطق حكم الملك. إلّا أنّ هذه النتيجة لم تكن من قبيل الصّدفة الغير مرجوّة، فإذا كانت فلسطين ستنقسم لدولة يهوديّة ودولة عربيّة، فمن الأولى بحكم الدولة العربيّة من أبناء الشريف حسين، الذين بقوا أوفياء لبريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثّانية ولم يحصلوا على ما وعدوا به بالكامل؟
علينا تخيّل هذا المنطق؛ حين نسترجع تلك الفترة المشحونة، فالملك عبدالله كان حليفًا موثوقًا لدى الحكومة البريطانيّة، ومع ذلك فهو لم يُمنح أي تأكيد أو وعد على أن تُضمّ الدولة العربيّة الوليدة في فلسطين إلى أراضي حكمه، مع أنه دعم قرار التقسيم وحيدًا في ظلّ رفض عربي قاطع.
في مجموعة صور المكتبة الوطنية، وُجدت صورة مميّزة تعود لعام 1947 في القدس جمعت الملك عبدالله الأول وغلوب باشا القائد البريطاني للجيش العربي الأردني حينها مع الجنرال باركر، المبعد لتوه عن منصب القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن. يظهر في الصّورة الملك عبدالله في الوسط ممسكًا بيد الجنرال باركر ومبتسمًا وكأن الصورة تحتفل بشيء ما.

كان الجنرال باركر رجلًا عسكريًا فذًا خدم في الحرب العالميّة الأولى وتولّى قيادة معركة فرنسا في الحرب العالميّة الثّانية، ولكنه تولى منصب قيادة القوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن لعام واحدٍ فقط (1946-1947).
إذ قدمت شكاوى عديده ضده من قبل الوكالة اليهوديّة بخصوص سياسته بالتعامل مع المعتقلين اليهود وطالبت بنقله، ووفقًا لخبر جاء في صحيفة فلسطين فإنّ نقله كان نتيجة لمساومة غير معلنة بين حكومة الانتداب والحركة الصّهيونيّة إلا أن هذا لم يتأكد. ومن المثير للاهتمام أن على ظهر الصّورة سُجّلت ملاحظة بخط اليد بالإنجليزيّة تقول: “جنرال باركر يقول إلى جنرال غلوب: أتساءل ماذا سيقول اليهود حين يرون هذه الصّورة”، مع التّاريخ 10.2.1947.
المثير للاهتمام أن هذه الصّورة، إذا كان التاريخ المسجل عليها هو تاريخ التقاطها، كانت قبل أيام معدودة من مغادرة الجينيرال باركر فلسطين بلا عودة. ووفقًا لمقالة نشرتها جريدة فلسطين بعد قرابة عشرة أيام من رحيله، فإنه في كلمته الأخيرة للجنود البريطانيين، أعرب عن قلقه من اضطرابات مستقبلية ستحدث في البلاد قائلًا “لا يبدو لي أن السلام سيخيّم على هذه البلاد التعسة في المستقبل القريب، وسيجد الجيش مهامه تزداد وتتضاعف”.

بعد هذه الحادثة بتسعة أشهر صدر قرار تقسيم فلسطين الذي أبدى الملك عبدالله موافقة عليه أملًا بأن تكون أراضي الدولة العربية جزء من الدولة الأردنية حديثة العهد، حتّى أن بعض المصادر تفيد بإجراء لقاءات سرية بين الملك عبدالله وزعامات صهيونيّة للتباحث في هذا الأمر، ومع إبداء الارتياح الضمني للتجاور ما بين الدولة اليهوديّة والمملكة الهاشمية إلا أن للحرب كانت الكلمة الأخيرة، وهذا ما فهمه جميع الأطراف بالتأكيد.
فما الذي دار بين الملك عبدالله والجنرالين غلوب وباركر، وما سرّ هذه الابتسامة والملاحظة المكتوبة على ظهر الصّورة؟ ومن الذي سمع هذا الكلام وسجّل هذه الملاحظة على ظهر الصورة؟
يظهر تحت الملاحظة الختم الخاص بالمصوّر اليهودي تسفي أورون الذي التقط الصورة، عمل تسفي أورون كمصورًا للصحافة وكان المصوّر الرسمي للمندوب السامي البريطاني وللقوات البريطانيّة. وبالتأكيد فإن طبيعة عمل أورون كمصوّر رسمي للقوات البريطانيّة منحته مادة مميزة لعمله مع الصّحافة، وهذه الصّورة بالملاحظة المكتوبة على ظهرها كانت على ما يبدو خبر أراد ان ينقله المصوّر بهذه الطريقة إلى الصّحافة.