يوم القدس والرّقص بالأعلام

احتفالات يوم توحيد القدس والرقص بالأعلام الإسرائيلية، نظرة تاريخية عامة على هذا اليوم.

“أتعرفين؟ طوال عشرين سنة كنت أتصور أن بوابة مندلبوم ستفتح ذات يوم …ولكن أبداً، أبداً لم أتصور أنها ستفتح من الناحية الأخرى. لم يكن ذلك يخطر لي على بال، ولذلك فحين فتحوها هم، بدا لي الأمر مرعباً وسخيفاً وإلى حدٍّ كبيرٍ مُهيناّ تماماً … قد أكون مجنوناً لو قلتُ لكِ إن كل الأبواب يجب ألاّ تفتح إلا من جهةٍ واحدةٍ، وإنها إذا فُتحت من الجهة الأخرى، فيجب اعتبارها مغلقةً لا تزال، ولكن تلك هي الحقيقة”.

لم تكن كلمات الروائي غسان كنفاني إلا انعكاسًا لنتائج حرب حزيران عام 1967، والتي أسفرت بشكل أساسي عن ضم الجزء المتبقي من مدينة القدس وتوحيدها تحت السيادة الإسرائيلية وهدم ما تبقى من بوابة مندلبوم التي كانت تفصل بين الشطر الغربي والشرقي من القدس. بعد 55 عامًا، لا يزال معظم الإسرائيليين يحتفلون بما يُعرف بيوم التوحيد لشطري مدينة القدس.

في الثّامن والعشرين من الشّهر الثّامن في التّقويم العبريّ يحتفل الإسرائيليّون بيوم القدس، ومن أشهر تقاليد هذا العيد مسيرة ترقيص الأعلام الّتي يجوب بها الآلاف بلدة القدس القديمة. فما قصّة هذا الاحتفال وما هي مراسمه؟

يوم القدس هو عيد وطني يحتفل فيه الإسرائيليّون بذكرى توحيد مدينة القدس بشقّيها الغربي مع الشّرقي خلال حرب عام 1967 ويُسمّى أيضًا بيوم توحيد القدس ويوم تحرير القدس. من التّقاليد الشّهيرة في هذا اليوم كلّ عام مسيرة ترقيص الأعلام الّتي تنطلق من غرب المدينة وتدخل البلدة القديمة من أبوابها لتلتقي عشرات الآلاف من الشّبيبة في ساحة الحائط الغربيّ. فكيف تشكّلت هذه التّقاليد؟

في العام التّالي للسّيطرة الإسرائيليّة على شرقيّ مدينة القدس قام نشطاء من حركات ومدارس دينيّة-قوميّة بالمطالبة بإقامة وقفة احتفاليّة عند الحائط الغربيّ احتفالًا بذكرى الانتصار إلّا أنّهم لم يحصلوا على موافقة الحكومة فقاموا بإحياء الاحتفال خارج أسوار البلدة القديمة بقيادة رجال دين بارزين استمرّوا بالعمل على ترسيخ الثّامن والعشرين من الشّهر الثّامن للسّنة العبريّة ذكرى وطنيّة لحيازة القدس كاملة. إلّا أنه في ذلك الوقت، انطلق بعض تلاميذ المدرسة الدّينيّة مركاز هراف ليلًا بقيادة أستاذهم راف تسفي يهودا كوك ليسيروا رقصًا من مركز المدينة في شارع يافا وحتّى الحائط الغربيّ في البلدة القديمة. تحوّلت هذه المسيرة فيما بعد إلى حدث جماهيري كبير يتكرّر كلّ عام، ففي عام 1974 تمّ إشراك عدد كبير من المدارس الدّينيّة ومنذ ذلك الحين ما زالت المسيرة مستمرّة، وتشكّل إحدى الأحداث الأكثر بروزًا على رزنامة التّيار الصّهيونيّة الدّينيّة في إسرائيل.

مسيرة يوم القدس، 1992، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية
مسيرة يوم القدس، 1992، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية

يمثّل هذا اليوم بالنّسبة للمحتفلين فيه مناسبة للفخر وللتأكيد على السّيادة اليهوديّة والإسرائيليّة على كامل القدس، ويتغيّر مسار المسيرة أحيانًا بحسب الظّروف ورغبة القائمين عليها، لكنّها دومًا ما تبدأ من غرب المدينة وتتجّه نحو البلدة القديمة لتدخلها من أبوابها وتصل إلى ساحة الحائط الغربيّ. تستمرّ مراسم مسيرة الرّقص بالأعلام حتّى ساعات المساء، ويشارك بها عشرات الآلاف من شبيبة التّيار الدّيني-القومي.

في العادة، يتمّ دخول البلدة القديمة من عدّة أبواب من ضمنها باب العامود وباب الخليل، في الماضي تمّ منع المسيرة من دخول البلدة القديمة من باب الأسباط لعدّة سنوات إلّا أن المنع تم إبطاله في عام 2017. أما باب العامود فهو جزء من المسار التّقليدي لمسيرة الأعلام، وقد تمّ منع المسيرة من المرور فيه فقط في العام الماضي 2021.

بالرّغم من كون هذه المسيرة تقليد قائم منذ أواخر السّتينيّات، أي تمامًا بعد إتمام السّيطرة العسكريّة لإسرائيل على شرق القدس، إلّا أن “يوم القدس” لم يغدُ عيدًا وطنيًا رسميًا في دولة إسرائيل سوى بعد اتّفاقيّات أوسلو وبدء الحديث حول مبادرة السّلام العربيّة بسنوات قليلة، ففي العام 1998 وافق الكنيست أخيرًا على اعتبار التّاريخ المحدّد مناسبة وطنيّة للدّولة تحت عنوان “يوم يروشلايم” أي يوم القدس.

بهذه المناسبة، بالإضافة إلى مسيرة الرّقص بالأعلام، يُقام احتفالٌ رسميّ للدولة في موقع إحدى أهمّ المعارك على القدس عام 1967 في تلة الذخيرة، بالإضافة إلى الجولات الميدانيّة والاحتفالات المتفرّقة للمواطنين، وكذلك مراسم دينيّة معيّنة. ومن الجدير بالذّكر أن مسيرة الأعلام لم تكن الأولى من نوعها في شرق المدينة، فقد أقامت الدّولة مسيرة عسكريّة هناك هناك في يوم الاستقلال لعام 1968.

من المسيرة العسكريّة في يوم الاستقلال عام 1968 شارع السلطان سليمان في القدس.
من المسيرة العسكريّة في يوم الاستقلال عام 1968 شارع السلطان سليمان في القدس.

 

الشيخ أمين طريف: رجل حمل همّ توحيد الطائفة الدرزية

قاد الشيخ أمين طريف منذ خمسينيّات القرن الماضي مهمة توحيد الطائفة الدرزية، ونسلّط الضوء في تدوينتنا على هذه الحكاية ومراحلها.

الشيخ أمين طريف، 1961، أرشيف يتسحاك بن تسفي، المكتبة الوطنية

كان الهمّ الدرزي الأول منذ العهد العثماني في فلسطين هو الاستقلال عن باقي الطوائف العربية والدينية وذلك لاختلاف النهج الديني، الثقافي وكذلك الاجتماعي. في ذلك الوقت، بدأ استقلال الطوائف والأقليات الدينية في الأحكام القضائية والتشريعية الدينية، وقوانين الأحوال الشخصية. وقد استقلّ كذلك الدروز في سوريّة ولبنان وأصبح لهم محاكمهم ومجالسهم الدينية الخاصة بهم، باستثناء دروز البلاد الذين عانوا وجاهدوا في سبيل تحقيق توحيدهم واستقلاليتهم. لأجل ذلك، قاد الشيخ أمين طريف (1898 – 1993)، ابن قرية جولِس، هذه المهمة ومهمات أخرى لاحقة كانت تهدف إلى استقلالية المجالس القضائية، الدينية وحتى التربوية. كيف بدأت الحكاية إذن؟

في شتاء العام 1954، توجه الشيخ أمين طريف إلى مكتب رئيس الحكومة، موشيه شاريت حينها، مطالبًا إيّاه بالتدخل في شؤون الطائفة الدرزية في جبل الدروز في سورية وذلك كي يحميهم من هجمات أديب الشيشكلي. كان ذلك اللقاء في مدينة القدس، إلّا أنّه قوبل بالرفض من قبل الحكومة الإسرائيلية؛ إذ اعتبر حينها تدخلًا في الشأن السوري العام قبل الدرزي.

لقد تطّلع الشيخ أمين طريف إلى حماية الطائفة الدرزية في كل البلدان، فاعتنى بدروز لبنان وسورية كاعتنائه بدروز البلاد، كيف لا وهو الأب الروحي للطائفة عامة بعيدًا عن كل التقسيمات السياسية التي على ما يبدو اختار الشيخ – في بعض الأحيان – عدم الالتفات لها. في العام 1956، أصبحت الخدمة في الجيش الإسرائيلي خدمة إجبارية على دروز البلاد، وهذا القرار السياسي والعسكري مكّن الشيخ أمين طريف من استخدامه كورقة للضغط على الحكومة لحفظ حقوق الدروز، طقوسهم، أعيادهم، وحقّهم بتأسيس مؤسسات رسمية برئاسة درزية مستقلة، في ظل الحكومة الإسرائيلية كأقلية داخل البلاد. وقد واجه الشيخ العديد من العقبات كان من أبرزها أنّ الاعتراف باستقلالية الطوائف كان أمرًا متوارثًا من فترة فلسطين العثمانية، وقد أخذه الانتداب البريطاني كيفما كان سائدًا ولاحقاً استخدمته الحكومة الإسرائيلية.

لماذا لم يستقلّ الدروز في فلسطين في ذلك الوقت؟

بدأت القصة مع الوالي العثماني رشيد بك في بيروت وتحديدًا في العام 1909 إذ أوعز إلى القضاة المسلمين في مدينتيْ عكا وحيفا بعدم التدخّل في شؤون الدروز القضائية والأحوال الاجتماعية وإعطائهم كامل الاستقلالية كما هو الحال مع دروز لبنان، إلّا أن هذا الإيعاز قوبِل بالمماطلة لأنه لم يكن “فرمانًا” أي أمرًا قضائيًا من السّلطان أو حتى الباب العالي. لأجل ذلك، ربما قد عانى الدروز في القضايا التي تتعلق بالميراث، الزواج والطلاق وأمور أخرى داخل المحاكم القضائية الإسلامية أو المدنية أو غيرها من الجهات القضائية والتشريعية.

للمزيد حول الطائفة الدرزية، تصفحوا البوابة المعرفية لأرشيف مصوّر خاص بالدروز في زوايا المكتبة الرقمية

في العام 1957، نال الدروز الاعتراف، وذلك بفضل الشيخ أمين طريف، إذ تم الاعتراف بهم كطائفة مستقلة لها كامل الحق بإقامة مؤسساتها الدينية والقضائية، كباقي الطوائف في البلاد. ويخبرنا في هذا السياق الصحفي ومفتش المعارف السابق سلمان حمود فلاح في كتابه “أربعون عامًا من التعاون والعمل المشترك مع طيب الذكر المرحوم الشيخ أمين طريف“، أنّ الاعتراف بالدروز كان على مراحل، إذ تمّ أولًا الاعتراف بالطائفة بصورة قضائية. ثانيًا، وفي العام 1961، تم الاعتراف بها بصورة دينية روحية؛ حيث أصدر رئيس الحكومة ووزير الأديان أيضًا دافيد بن غوريون – في ذلك الوقت – أمرًا يسمح للدروز بتأسيس مجلس ديني برئاسة الشيخ أمين طريف وبعضوية كل من أحمد خير وكمال معدي.

 الشيخ أمين طريف برفقة مجموعة من المشايخ الدروز في ديوان رئيس الدولة يتسحاك بن تسفي، 13 تشرين الثاني، 1961، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية
الشيخ أمين طريف برفقة مجموعة من المشايخ الدروز في ديوان رئيس الدولة يتسحاك بن تسفي، 13 تشرين الثاني، 1961، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

 

الاحتفال بتعيين المجلس الديني الدرزي في الديوان الرئاسي الإسرائيلي، 13 تشرين الثاني 1961، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية
الاحتفال بتعيين المجلس الديني الدرزي في الديوان الرئاسي الإسرائيلي، 13 تشرين الثاني 1961، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية

لم ينتهي المطاف مع الشيخ أمين طريف إلى هذا الحد، بل سعى أيضًا إلى توحيد شؤون الطائفة الدرزية في بلاد الشام كافة، في سنوات الثمانينيّات، استقبل الشيخ العديد من الوفود الدرزية على خط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان للتشاور في الشؤون السياسية والقضائية الخاصة بالطائفة بعيدًا عن أيّ تدخل خارجي. وقد كانت الزيارات على شكل جولات دورية، تأخذ طابع المناسبات والزيارات الرسمية بالنسبة لأبناء المنطقة التي كان يزورها.

 لقاء درزي في هضبة الجولان، 1981، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية.
لقاء درزي في هضبة الجولان، 1981، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية.

 

اجتماع أبناء الطائفة في هضبة الجولان، 1981، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية
اجتماع أبناء الطائفة في هضبة الجولان، 1981، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية


فيديو لاجتماع  أبناء ومشايخ الطائفة الدرزية من البلاد، سورية ولبنان بقيادة الشيخ أمين طريف، 1998، أرشيف دان هداني، المكتبة الوطنية

 

ختامًا، قد يختلف البعض مع منهجية الشيخ أمين طريف باستقلال الطائفة الدرزية في البلاد، وقد يوافق جمع آخر مع منهجيته، إلا أنّ هذا لا ينافي مدى نجاح الشيخ بتوحيد الطائفة الدرزية والاستقلال بها في أكثر بقاع الأرض صراعًا على مفهوم الاستقلال. ويبقى السؤال الأول والأخير: كيف تسعى الأقليات بالاستقلال وحماية ذاتها؟ بالاندماج مع السلطات الحاكمة أو بالتمرّد عليها؟

للمزيد من المواد الرقمية حول الشيخ أمين طريف في أروقة المكتبة الوطنية

كانت هناك حاجة لطائرة مروحية أيضًا: هكذا بُنيت المكتبة الوطنية في الحرم الجامعي جفعات رام

مخططون مُدهشون، عِمارة استثنائية وبناء معقّد- كلّ ذلك كان جزءًا من سيرورة تشييد مبنى المكتبة الوطنية في الحرم الجامعي جفعات رام في الجامعة العبرية في القدس

1

ينتصب وسط المجمّع الجامعي مبنى يبدو من الناحية الشمالية طوبة رخامية كبيرة الحجم، برّاقة وخطوطها مستقيمة، وترتكز على أعمدة. ولكن من النواحي الأخرى، عند سفح الجبل، يظهر المبنى بكامل رونقه، بأدواره الستة. هنا يقع قلب الجامعة”…  

هكذا وُصفَ مبنى المكتبة الوطنية الواقع في وسط الحرم الجامعي جعفات رام في الجامعة العبرية في القدس، في كتيّب “دار الكتب الوطنية والجامعية” ليهودا هائيزراحي، والذي صدر سنة 1966. يصف الكتيّب تاريخ المؤسسة المسمّاة اليوم “المكتبة الوطنية الإسرائيلية”، ويخصص عددًا كبيرًا من الصفحات لمبنى المكتبة حتى لحظة كتابة هذه السطور (منتصف سنة 2020). صدر هذا الكتيب بعد انقضاء ست سنوات فقط على انتقال المكتبة إلى هذا المبنى، وهو أحد المباني الرائعة والفريدة من نوعها.

التاريخ-العام والمعماري- لمباني المكتبة الوطنية كان موضوعًا رئيسيًا في العديد من المقالات. لن نستعرض جميعها هنا، بل سنتطرق إليها بإيجاز.  تتمحور هذه المقالة أساسًا حول المبنى الحالي للمكتبة، ومخططيه المُدهشين.

 

1
مبنى ليدي ديفيس، المكتبة الوطنية في الحرم الجامعي جفعات رام. تصوير: أساف بينتشوك

المبنى التاريخي لِما كان يسمّى سابقًا “دار الكتب الوطنية والجامعية” كان يقع في أول حرم للجامعة العبرية، على جبل المشارف في القدس. بعد حرب الاستقلال، فُصل الجبل عن القدس الغربية، وتم توزيع مباني الجامعة في مختلف أرجاء المدينة. اضطرت المكتبة الوطنية أيضًا لاستخدام مبان مختلفة، ومن بينها مبنى تراسنطا.

1
دار الكتب الوطنية في حرم الجامعة العبرية على جبل المشارف. تصوير:  حنان بهير، من مجموعة بيتمونا، المكتبة الوطنية.

ولكن في إطار إقامة المجمّع الجامعي الجديد في جعفات رام غربي المدينة، تقررت إقامة مبنى لدار الكتب الوطنية والجامعية في وسط المجمّع. تجدر الإشارة إلى أنّه حتى سنة 2008، كانت المكتبة الوطنية منشأة تابعة للجامعة العبرية، واستخدمت أساسًا كمكتبة بحثية. ننوه أيضًا بأنّه خلافًا للوضع الحالي، فإنّ مقر كليتيْ العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية كان في جفعات رام، وقد شغّلت هاتان الكليتان الباحثين الذين شكّلوا جمهور الهدف الرئيسي للمكتبة.

مع تخطيط الحرم الجامعي الجديد، تقرر في سنة 1955 إطلاق مسابقة لتخطيط مبنى دار الكتب الوطنية والجامعية. قدّم بعض المهندسين المعماريين مقترحاتهم، وكان عليهم التعامل مع الظروف غير البسيطة للمنطقة (سفح تلة) وتلبية الاحتياجات الخاصة للمكتبة (تخزين كتب ومخطوطات قديمة والحفاظ عليها، بالإضافة إلى استقبال الجمهور وأنشطة عديدة أخرى). ضمت مجموعة المشاركين أكبر المهندسين المعماريين، أمثال زيئيف ريختر (وابنه يعقوف الذي كان قد انضم منذ فترة وجيزة إلى مكتب الهندسة المعمارية، ليصبح لاحقًا أحد أشهر المهندسين المعماريين في إسرائيل بجهوده الذاتية)؛ دافيد بيست (الذي كان يعمل في وزارة الإسكان في حينه)، باروخ وغيلو ميشولام وآخرين.

1
مقترح لمخطط دار الكتب الوطنية، من أرشيف  دافيد بيست
1
مقترح لمخطط دار الكتب الوطنية، من أرشيف ريختر للهندسة المعمارية

ولكن عند الإعلان عن الفائزين في شباط 1965، أصيب كبار المهندسين المعماريين بخيبة أمل: فقد فاز في مسابقة التخطيط مقترح قدّمه مهندسان معماريان شابان، من قسم التخطيط في الكيبوتس الموّحد، وهما زيفا أرموني وحنان هبارون. كان الاثنان مجهوليْن في تلك الفترة، وكانا قد أنهيا دراستهما قبل فترة وجيزة. مع ذلك، تم قبول مقترحهما. المخططات الأولية ومسودات المقترح الذي قدّماه موجودة في أرشيف كل منهما، وقد مُسحت ضوئيًا في إطار المجموعة الرقمية الوطنية  للمكتبة الوطنية في مجال الهندسة المعمارية.

1
مخطط أولي من أرشيف زيفا أرموني لدار الكتب القومي
1
من أرشيف زيفا أرموني

بدأت مهمّة التخطيط في وقت لاحق من نفس السنة، وبدأ البناء في سنة 1957. بسبب التخطيط المعقد، أوكلت المهمّة لطاقم دمجَ بين ثلاثة مكاتب للتخطيط: الفائزان زيفا أرموني وحنان هبارون، المهندسان المعماريان أمنون ألكسندروني وأبراهام ييسكي والمهندسون المعماريون ميخائيل نيدلر، شولميت نيدلر وشمعون فوبنزر. أوكلت مهمّة التصميم الداخلي للمهندسة المعمارية والمصمّمة الداخلية دورا غاد (تم أيضًا تصوير أرشيفها بالمسح الضوئي في إطار المجموعة الرقمية الوطنية للمكتبة الوطنية في مجال الهندسة المعمارية). وبسبب الطبيعة المركبة لمخطط البناء، انضم للمخططين فريق مساعد ضمّ المهندس المعماري للجامعة دوف كارمي، ومدير المكتبة في تلك الفترة د. كورت فورتمان.  التنفيذ نفسه لم يكن سهلًا على الإطلاق. فلتركيب أنظمة التكييف على سطح المبنى مثلًا، كانت هناك حاجة لطائرة مروحية طلبتها الجامعة من القوات الجوية الإسرائيلية.

1
مروحية تساعد في تركيب نظام التكييف في مبنى ليدي ديفيس في المكتبة الوطنية، من أرشيف المكتبة الوطنية

أخيرًا، في نهاية سنة 1960، افتتح المبنى الجديد لدار الكتب الوطنية والجامعية، في وسط المجمّع الجامعي الجديد- رمز منظومة التعليم والثقافة العبرية في دولة إسرائيل المتجددة.

1
صورة داخلية في مبنى ليدي ديفيس في المكتبة الوطنية. تصوير: مريم شمير، من أرشيف دورا غاد

يبرز في المبنى نفسه، الذي يحمل اسم فاعلة الخير الشهيرة ليدي ديفيس، استخدام الأعمدة وأسس التخطيط التي تتبع طراز العِمارة الدولي. في دَور صالات القراءة، خطط المهندسون المعماريون فتحة كبيرة جدًا تُدخل الضوء (لا توجد في الصالات أية نوافذ، والضوء الطبيعي يدخل من السقف). في نهاية المطاف، وضعت على هذه الفتحة في الثمانينات النوافذ المزججة الشهيرة للفنان مردخاي أردون، التي أصبحت أيقونة تصميمية في المكتبة.

1
نوافذ أردون في المكتبة الوطنية. تصوير: أودي أدري

في صيف سنة 2020، على بعد مئات الأمتار من مبنى ليدي ديفيس، هناك مبنى جديد قيد التشييد. المبنى الذي يشيّد بين الكنيست والوزارات ومتحف إسرائيل، سيصبح خلال بضع سنوات المقر الجديد للمكتبة الوطنية. ننتظر افتتاحه بفارغ الصبر.

الأرشيفات الشخصية لزيفا أرموني، حنان هبارون ومهندسين معماريين آخرين شاركوا في المسابقة وفي أعمال التخطيط (دافيد بيست، مكتب ريختر للهندسة المعمارية، باروخ وغيلو ميشولام، دورا غاد) مُسحت ضوئيًا في إطار تعاون بين وزارة شؤون القدس والتراث الإسرائيلي، المكتبة الوطنية الإسرائيلية، أكاديمية بيتسالئيل للفنون والتصميم، وقسم اليودايكا في مكتبة جامعة هارفاد. هل تريدون الاطلاع على مواد إضافية؟ ابحثوا في المجموعة الوطنية الرقمية لأرشيفات الهندسة المعمارية في المكتبة الوطنية.

نتقدّم بجزيل الشكر لكلّ من إيهود بيست، أرشيف ياد طبنكين، ريختر للهندسة المعمارية م.ض. وأرشيف الهندسة المعمارية الإسرائيلي، على تعاونهم في المسح الضوئي لهذه الأرشيفات

 

وجه الدولة: هكذا كان شكل اليوم الأول بعد تأسيس إسرائيل

كيف احتفلوا بالاستقلال قبل الاستقلال؟ ما هو "الموكب الذي لم يُكمل مساره؟ هذا ما ستكشفه لنا صور التقطت بعدسة بينو روتنبيرغ

تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

كيف نشأ عيدٌ من العدم؟ ينص  قانون يوم الاستقلال لعام 1949 على حلول يوم الاستقلال في الخامس من شهر أيار حسب التقويم العبري، وينظّم مسألة تبكيره أو تأجيله إذا حلّ يوم السبت. وفقًا للقانون، كُلّف رئيس الحكومة بالاهتمام بمسألة رموز العيد وطبيعة الاحتفالات، والسماح برفع الأعلام. يُطرح هنا سؤال مركّب مفاده كيف أخذ يوم الاستقلال شكله الحالي. نرغب أولًا في العودة إلى لحظة عينيّة، إلى الخامس من شهر أيار 5709 حسب التقويم العبري- بعد إعلان قيام الدولة بعام واحدٍ، وبعد ثلاثة أسابيع على سنّ القانون سابق الذكر.

سادت في ذلك اليوم، الخامس من أيار، حالة من الضبابية وعدم الوضوح. فالخامس من أيار للعام 5709 لم يكن “يوم الاستقلال الأول”، بل سبقه “يوم الدولة” الذي أقيم في 27 تموز 1948، بعد مرور بضعة أيام على إعلان الاستقلال. اختير هذا التاريخ لأنّه ذكرى وفاة بنيامين زيئيف هرتسل، وأرادت سلطات الدولة تسليط الضوء على الرابط بين رؤية هرتسل ودولة إسرائيل الفتية. ولأول مرة، اقتصر الاحتفال الرئيسي في “يوم الدولة” على موكب عسكري للجيش الإسرائيلي حديث الإنشاء.

تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

 

استعدادًا لموكب الجيش الإسرائيلي في يوم الاستقلال الأول في تل أبيب، حامل راية يرفع علم إسرائيل:  تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

ولكن لنعود إلى الخامس من أيار لعام 5709 حسب التقويم العبري، أي الرابع عشر من أيار-مايو لعام 1949 حسب التقويم الميلادي. كيف احتفلوا بالاستقلال؟ لا أحد يعرف بالضبط، مع ذلك، كانت هناك أمور بديهية، مثل الرقص في الشوارع، وإحياء ذكرى الـ 29 من نوفمبر 1947. في يوم الاستقلال الأول، خططت البلديات في جميع أنحاء البلاد لبرامج احتفالية تشمل إضاءة المشاعل، رفع أعلام، نصب منصّات لعروض ترفيهية (حيث عزفت الأوركسترا البلدية- وليس أشهر المغنين والمغنيات، كما اعتدنا نحن) والعديد من المسيرات والمواكب. في الجليل، أضاؤوا المشاعل، وأقيمت مسيرات مشاعل في مدن مختلفة مثل رمات غان، حولون وبيتاح تيكفا. في رياض الأطفال والمدارس، أقيمت استعراضات احتفالية ورفعوا الأعلام، وقد حضرها بعض السياسيين لإلقاء خطابات.

من مجموعة البوسترات، المكتبة الوطنية
برنامج ليوم الاستقلال لعام 1949،  من مجموعة البوسترات، المكتبة الوطنية

عشية عيد الاستقلال، ألقى رئيس الحكومة دافيد بن غوريون خطابًا خاصًا بيوم الاستقلال، والذي نشر في الصحيفة في اليوم التالي. في حينه، لم يكن قد تحدد بعد يوم ذكرى شهداء معارك إسرائيل، مع أنّه كانت تُتلى أحيانًا الصلاة التذكارية “يزكور” خلال برامج العيد. بالإضافة إلى ذلك، استضاف بن غوريون في المركز الحكومي في تل أبيب وجهاء من خارج البلاد الذين حضروا حفل استقبال رسمي خاص لمناسبة استقلال دول إسرائيل المتجددة.

استضاف رئيس الحكومة دافيد بن غوريون  وزوجته بولا عدة وجهاء في حفل استقبال رسمي عشية  يوم  الاستقلال الأول. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
استضاف رئيس الحكومة دافيد بن غوريون  وزوجته بولا عدة وجهاء في حفل استقبال رسمي عشية  يوم  الاستقلال الأول. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

كانت ذروة الاحتفالات عبارة عن موكب عسكري للجيش إلإسرائيلي، “جيش الانتصار والتحرير”. لم يُخطط لموكبٍ واحد فقط، بل اثنين، في القدس وفي تل أبيب. انطلق موكب القدس بدون أحداث استثنائية، ولكن القصة الرئيسية ليوم الاستقلال الأول كانت الاستعراض العسكري في تل أبيب.

في اليوم التالي، تصدّر العنوان “الموكب الذي لم يكمل مساره” الصفحة الرئيسية لصحيفة “معاريف”. انغرس هذا العنوان في الذاكرة، ولم ينسَ منذ ذلك الحين. كتب محرر معاريف في حينه، د. عزريئيل كريلباخ، عن الواقعة، قائلًا: “وقف الناس وبكوا. كالأطفال تمامًا. كنا جميعًا كالأطفال يوم أمس. بكوا كطفل انكسرت بين يديه لعبته المفضّلة. استيقظوا فجرًا وانطلقوا نحو المدينة، تجولوا فيها، ولم تكن لديهم أية خطة، لم يكن لديهم أي شيء يفعلونه- سوى انتظار حدث اليوم، الموكب.

وعندما قيل لهم أنّ هذا “المسيح المنتظر” لن يأتي- ضحكوا. هذا مستحيل. فقد شعروا بقدومه بكلّ حواسهم. وعندما قيل لهم مجددًا إنّ الموكب لن يأتي- لم يستوعبوا ذلك… وعندما قيل لهم ذلك للمرة الثالثة، لأن الموكب لم يتمكن من إخلاء الطريق من ميدان مُغربي حتى شارع إيدلسون، أي مسافة 200 متر تقريبًا- لم يصدّقوا، لا يمكن لذلك أن يكون صحيحًا. جيشنا؟ الذي وصل إلى إيلات، وأمكنه دخول دمشق بسهولة- لا يستطيع دخول شارع إليعيزر بن يهودا؟ هذا عبث”.

 

طائرة تحلق فوق الجمهور الذي ملأ شوارع تل أبيب. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
طائرة تحلق فوق الجمهور الذي ملأ شوارع تل أبيب. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

 

في البداية، تمكّن الموكب من الانطلاق، وقد شارك فيه مندوبون عن مختلف الفيالق: سلاح البحرية، الهيئة الطبية العسكرية ومقاتلو “الهاغاناه” الذين استعرضوا سلاحهم. ملأت الشوارع سيارات الجيب، وعُرضت المدافع، بينما حلّق الطيارون من حين لآخر بالطائرات القليلة التي كانت متوفرة للجيش الإسرائيلي في حينه. برز بين مشاركي الموكب مندوبون عن الأقليات، أي جنود دروز خدموا هم أيضًا في الجيش الإسرائيلي. شاركت في الموكب أيضًا أوركسترا، كما يليق بموكب عسكري مهيب.

مقاتلو "الهاغاناه" القدماء يسيرون في الموكب. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
مقاتلو “الهاغاناه” القدماء يسيرون في الموكب. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

 

رفع الأعلام في ميدان تسينا ديزنغوف. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
رفع الأعلام في ميدان تسينا ديزنغوف. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

 

جنود دروز يسيرون في الموكب. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
جنود دروز يسيرون في الموكب. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

 

ولكن قرابة الساعة الرابعة، حينما ترقب الجميع وصول الموكب إلى المنصة الشرفية لتأدية مراسم التحية العسكرية أمام قادة الدولة، كبار المسؤولين وضيوف من خارج البلاد، شاع نبأ إلغاء الموكب، وأنّه لن يتمكن من الوصول إلى المنصة الشرفية في شارع ديزنغوف بسبب الاكتظاظ الشديد عند التقاء شارع ألنبي بشارع بن يهودا. الجماهير الغفيرة التي أتت لمشاهدة الموكب ملأت الشوارع وسدّت الطرقات، وجميع المحاولات التي بذلتها الشرطة المتواجدة في المكان لفتح هذه الشوارع باءت بالفشل. في نهاية المطاف، وكما ذكر آنفًا، أعلنوا عن إلغاء الموكب، واضطر الجمهور للمغادرة، خائب الأمل. “جيش الدفاع الإسرائيلي تمكّن من احتلال كل مكان، سوى شوارع تل أبيب”، هذا ما جاء على لسان أحد كبار ضباط الجيش الذي تواجد في المكان، واقتُبس في صحيفة “حيروت”.

مدفع في موكب الجيش الإسرائيلي  في يوم الاستقلال الأول في تل أبيب، تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
مدفع في موكب الجيش الإسرائيلي  في يوم الاستقلال الأول في تل أبيب، تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

بنظرة للوراء، يبدو أنّ هذا الوضع نتج عن إخفاقات تنظيمية. يبدو أنّ منظّمي الموكب لم يتوقعوا حضور هذا الكم الهائل من الناس لمشاهدة الموكب العسكري. يُقال أنّ مئات الآلاف حضروا من جميع أنحاء البلاد- في دولة لا يزيد عدد سكانها عن 800 ألف نسمة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطرقات لم تغلق أمام حركة المرور إلا قبل موعد انطلاق الموكب بوقت قصير.  في اليوم التالي، بشّرت الصحف بتشكيل لجنة تحقيق لاستيضاح أسباب الإخفاق.

 

رجال الشرطة  يحاولون إخلاء الجمهور.  تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
رجال الشرطة  يحاولون إخلاء الجمهور.  تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
محاولة لشق الطريق بين المشاهدين . تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
محاولة لشق الطريق بين المشاهدين . تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

 

عناصر الشرطة يحاولون منع الجمهور من النزول إلى الشارع. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية
عناصر الشرطة يحاولون منع الجمهور من النزول إلى الشارع. تصوير: بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية

 

على ضوء هذا الموقف المحرج الذي حصل في تل أبيب، تقرر الاحتفال بـ “يوم الدولة” مجددًا في 17 تموز 1949. أجريت في حينه مسيرة احتفالية، على نطاق أضيق، لاستكمال الموكب الذي لم يكمل مساره، وزّعت أيضًا نياشين بطولة على 12 مقاتلًا من مقاتلي حرب الاستقلال. كانت تلك المرة الأخيرة التي يُحتفل فيها باستقلال إسرائيل في ذكرى وفاة هرتسل، وأصبح الخامس من أيار، حسب التقويم العبري، يوم الاستقلال الرسمي لدولة إسرائيل.

في عام 1951، تقرر تخصيص يوم لإحياء ذكرى شهداء معارك إسرائيل، وفي نفس السنة، تمت لأول مرة إضاءة المشاعل على جبل هرتسل، في عام 1953، وزّعت لأول مرة جوائز إسرائيل، وفي عام 1958، بعد مرور عقد على قيام الدولة، أطلقت مسابقة الكتاب المقدّس (التناخ) الأولى. هكذا تبلور يوم الاستقلال الإسرائيلي كما نعرفه اليوم.

جميع الصور في هذه المقالة- إلّا إذا أشير إلى خلاف ذلك- مأخوذة من أرشيف المصوّر بينو روتينبيرغ، من مجموعة ميتار، المكتبة الوطنية. وثّق روتينبيرغ بعدسته مواضيع كثيرة في العقود الأولى لدولة إسرائيل. يمكنم رؤية نماذج إضافية لصور التقطت بعدسته هنا، هنا و هنا.