كانت هناك حاجة لطائرة مروحية أيضًا: هكذا بُنيت المكتبة الوطنية في الحرم الجامعي جفعات رام

مخططون مُدهشون، عِمارة استثنائية وبناء معقّد- كلّ ذلك كان جزءًا من سيرورة تشييد مبنى المكتبة الوطنية في الحرم الجامعي جفعات رام في الجامعة العبرية في القدس

1

ينتصب وسط المجمّع الجامعي مبنى يبدو من الناحية الشمالية طوبة رخامية كبيرة الحجم، برّاقة وخطوطها مستقيمة، وترتكز على أعمدة. ولكن من النواحي الأخرى، عند سفح الجبل، يظهر المبنى بكامل رونقه، بأدواره الستة. هنا يقع قلب الجامعة”…  

هكذا وُصفَ مبنى المكتبة الوطنية الواقع في وسط الحرم الجامعي جعفات رام في الجامعة العبرية في القدس، في كتيّب “دار الكتب الوطنية والجامعية” ليهودا هائيزراحي، والذي صدر سنة 1966. يصف الكتيّب تاريخ المؤسسة المسمّاة اليوم “المكتبة الوطنية الإسرائيلية”، ويخصص عددًا كبيرًا من الصفحات لمبنى المكتبة حتى لحظة كتابة هذه السطور (منتصف سنة 2020). صدر هذا الكتيب بعد انقضاء ست سنوات فقط على انتقال المكتبة إلى هذا المبنى، وهو أحد المباني الرائعة والفريدة من نوعها.

التاريخ-العام والمعماري- لمباني المكتبة الوطنية كان موضوعًا رئيسيًا في العديد من المقالات. لن نستعرض جميعها هنا، بل سنتطرق إليها بإيجاز.  تتمحور هذه المقالة أساسًا حول المبنى الحالي للمكتبة، ومخططيه المُدهشين.

 

1
مبنى ليدي ديفيس، المكتبة الوطنية في الحرم الجامعي جفعات رام. تصوير: أساف بينتشوك

المبنى التاريخي لِما كان يسمّى سابقًا “دار الكتب الوطنية والجامعية” كان يقع في أول حرم للجامعة العبرية، على جبل المشارف في القدس. بعد حرب الاستقلال، فُصل الجبل عن القدس الغربية، وتم توزيع مباني الجامعة في مختلف أرجاء المدينة. اضطرت المكتبة الوطنية أيضًا لاستخدام مبان مختلفة، ومن بينها مبنى تراسنطا.

1
دار الكتب الوطنية في حرم الجامعة العبرية على جبل المشارف. تصوير:  حنان بهير، من مجموعة بيتمونا، المكتبة الوطنية.

ولكن في إطار إقامة المجمّع الجامعي الجديد في جعفات رام غربي المدينة، تقررت إقامة مبنى لدار الكتب الوطنية والجامعية في وسط المجمّع. تجدر الإشارة إلى أنّه حتى سنة 2008، كانت المكتبة الوطنية منشأة تابعة للجامعة العبرية، واستخدمت أساسًا كمكتبة بحثية. ننوه أيضًا بأنّه خلافًا للوضع الحالي، فإنّ مقر كليتيْ العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية كان في جفعات رام، وقد شغّلت هاتان الكليتان الباحثين الذين شكّلوا جمهور الهدف الرئيسي للمكتبة.

مع تخطيط الحرم الجامعي الجديد، تقرر في سنة 1955 إطلاق مسابقة لتخطيط مبنى دار الكتب الوطنية والجامعية. قدّم بعض المهندسين المعماريين مقترحاتهم، وكان عليهم التعامل مع الظروف غير البسيطة للمنطقة (سفح تلة) وتلبية الاحتياجات الخاصة للمكتبة (تخزين كتب ومخطوطات قديمة والحفاظ عليها، بالإضافة إلى استقبال الجمهور وأنشطة عديدة أخرى). ضمت مجموعة المشاركين أكبر المهندسين المعماريين، أمثال زيئيف ريختر (وابنه يعقوف الذي كان قد انضم منذ فترة وجيزة إلى مكتب الهندسة المعمارية، ليصبح لاحقًا أحد أشهر المهندسين المعماريين في إسرائيل بجهوده الذاتية)؛ دافيد بيست (الذي كان يعمل في وزارة الإسكان في حينه)، باروخ وغيلو ميشولام وآخرين.

1
مقترح لمخطط دار الكتب الوطنية، من أرشيف  دافيد بيست
1
مقترح لمخطط دار الكتب الوطنية، من أرشيف ريختر للهندسة المعمارية

ولكن عند الإعلان عن الفائزين في شباط 1965، أصيب كبار المهندسين المعماريين بخيبة أمل: فقد فاز في مسابقة التخطيط مقترح قدّمه مهندسان معماريان شابان، من قسم التخطيط في الكيبوتس الموّحد، وهما زيفا أرموني وحنان هبارون. كان الاثنان مجهوليْن في تلك الفترة، وكانا قد أنهيا دراستهما قبل فترة وجيزة. مع ذلك، تم قبول مقترحهما. المخططات الأولية ومسودات المقترح الذي قدّماه موجودة في أرشيف كل منهما، وقد مُسحت ضوئيًا في إطار المجموعة الرقمية الوطنية  للمكتبة الوطنية في مجال الهندسة المعمارية.

1
مخطط أولي من أرشيف زيفا أرموني لدار الكتب القومي
1
من أرشيف زيفا أرموني

بدأت مهمّة التخطيط في وقت لاحق من نفس السنة، وبدأ البناء في سنة 1957. بسبب التخطيط المعقد، أوكلت المهمّة لطاقم دمجَ بين ثلاثة مكاتب للتخطيط: الفائزان زيفا أرموني وحنان هبارون، المهندسان المعماريان أمنون ألكسندروني وأبراهام ييسكي والمهندسون المعماريون ميخائيل نيدلر، شولميت نيدلر وشمعون فوبنزر. أوكلت مهمّة التصميم الداخلي للمهندسة المعمارية والمصمّمة الداخلية دورا غاد (تم أيضًا تصوير أرشيفها بالمسح الضوئي في إطار المجموعة الرقمية الوطنية للمكتبة الوطنية في مجال الهندسة المعمارية). وبسبب الطبيعة المركبة لمخطط البناء، انضم للمخططين فريق مساعد ضمّ المهندس المعماري للجامعة دوف كارمي، ومدير المكتبة في تلك الفترة د. كورت فورتمان.  التنفيذ نفسه لم يكن سهلًا على الإطلاق. فلتركيب أنظمة التكييف على سطح المبنى مثلًا، كانت هناك حاجة لطائرة مروحية طلبتها الجامعة من القوات الجوية الإسرائيلية.

1
مروحية تساعد في تركيب نظام التكييف في مبنى ليدي ديفيس في المكتبة الوطنية، من أرشيف المكتبة الوطنية

أخيرًا، في نهاية سنة 1960، افتتح المبنى الجديد لدار الكتب الوطنية والجامعية، في وسط المجمّع الجامعي الجديد- رمز منظومة التعليم والثقافة العبرية في دولة إسرائيل المتجددة.

1
صورة داخلية في مبنى ليدي ديفيس في المكتبة الوطنية. تصوير: مريم شمير، من أرشيف دورا غاد

يبرز في المبنى نفسه، الذي يحمل اسم فاعلة الخير الشهيرة ليدي ديفيس، استخدام الأعمدة وأسس التخطيط التي تتبع طراز العِمارة الدولي. في دَور صالات القراءة، خطط المهندسون المعماريون فتحة كبيرة جدًا تُدخل الضوء (لا توجد في الصالات أية نوافذ، والضوء الطبيعي يدخل من السقف). في نهاية المطاف، وضعت على هذه الفتحة في الثمانينات النوافذ المزججة الشهيرة للفنان مردخاي أردون، التي أصبحت أيقونة تصميمية في المكتبة.

1
نوافذ أردون في المكتبة الوطنية. تصوير: أودي أدري

في صيف سنة 2020، على بعد مئات الأمتار من مبنى ليدي ديفيس، هناك مبنى جديد قيد التشييد. المبنى الذي يشيّد بين الكنيست والوزارات ومتحف إسرائيل، سيصبح خلال بضع سنوات المقر الجديد للمكتبة الوطنية. ننتظر افتتاحه بفارغ الصبر.

الأرشيفات الشخصية لزيفا أرموني، حنان هبارون ومهندسين معماريين آخرين شاركوا في المسابقة وفي أعمال التخطيط (دافيد بيست، مكتب ريختر للهندسة المعمارية، باروخ وغيلو ميشولام، دورا غاد) مُسحت ضوئيًا في إطار تعاون بين وزارة شؤون القدس والتراث الإسرائيلي، المكتبة الوطنية الإسرائيلية، أكاديمية بيتسالئيل للفنون والتصميم، وقسم اليودايكا في مكتبة جامعة هارفاد. هل تريدون الاطلاع على مواد إضافية؟ ابحثوا في المجموعة الوطنية الرقمية لأرشيفات الهندسة المعمارية في المكتبة الوطنية.

نتقدّم بجزيل الشكر لكلّ من إيهود بيست، أرشيف ياد طبنكين، ريختر للهندسة المعمارية م.ض. وأرشيف الهندسة المعمارية الإسرائيلي، على تعاونهم في المسح الضوئي لهذه الأرشيفات

 

نزاع بين عائلتيّ قدورة والنحوي في صفد!

تعرّفوا على قصّة الشّيخ أسعد أفندي وعلي بك رضا النّحوي من خلال أخبار الصحف الفلسطينية في أرشيف جرايد.

تعرّفوا على قصّة الشّيخ أسعد أفندي وعلي بك رضا النّحوي
الجزء الأوّل

 

تحظى القصص العائليّة والبنى الاجتماعيّة للفلسطينيّين في عهد الانتداب البريطانيّ باهتمامٍ واسعٍ في السّنوات الأخيرة، ما زال يكشف لنا شيئًا فشيئًا تفاصيل تعمّق من فهمنا لما حدث في هذه المرحلة الانتقاليّة من حياة الفلسطينييّن. ومن المصادر الّتي توفّر لنا معرفة من هذا النّوع، إلى جانب التأريخ العائليّ والوثائق المؤرشفة، هي أرشيفات الصّحف الفلسطينيّة المختلفة، إذ تناولت الصّحافة الفلسطينيّة أخبار الحياة اليوميّة لسكّان المدن والقرى الفلسطينيّة كافّة، من حفلات الزّفاف والتّبريكات والوفيّات والمسابقات الرّياضيّة وحتّى المظاهرات أو الاشتباكات ضد حكومة الانتداب والاستيطان اليهوديّ.

في هذه المقالة، نستعرض لكم خلفيّة قصة نزاع بين عائلتين من العائلات الفلسطينيّة الكبرى في مدينة صفد خلال فترة الانتداب البريطاني، عائلتيّ قدّورة والنّحوي. إذ بدأنا بتتبّع هذه القصّة المبعثرة من خبرٍ مبهم ورد في صحيفة اللّواء في تاريخ 31 من كانون الثّاني عام 1936، مفاده بأن الخلاف الّذي بدأ بين هاتين العائلتين حول انتخابات البلديّة لم ينته بعد، بل تحوّل إلى نزاع ما زال يكبر، حتّى أن أهالي صفد وعكّا يطالبون مفتي البلاد (الحاج أمين الحسيني) بالتّدخّل من أجل إنهاء الأزمة!

رغم أنّ السبب الّذي يقترحه علينا النّص يبدو بديهيًا ومفهومًا، ألا أنّ القليل من البحث حول الأسماء الّتي وردت في الخبر يكشف لنا عن خلاف أوسع من مجرّد نزاع حول تسلّم سلطة محليّة. بل هو لربّما، مرآة صغيرة لصراعات ظهرت في صفوف الحركة الفلسطينيّة الوطنيّة في عصر الإنتداب، صراعات اتّخذت طابعًا عائليّا إلا أنها حملت في طيّاتها اختلافًا في الرؤى والممارسة الوطنيّة من جهة والصراع على النّفوذ والطّموح الفردي من جهة أخرى.

صحيفة اللّواء: 31  كانون الثّاني  1936
صحيفة اللّواء: 31  كانون الثّاني  1936

في نصّ الخبر، ورد اسمان: الشّيخ أسعد أفندي قدّورة؛ مفتي المدينة سابقًا وقاضيها في فترة الانتداب، وعلي رضا بك النّحوي؛ مأمور أوقاف شمال عكّا. وإنّ تتبّع الأخبار حول هذين الاسمين في الصّحف المتنوّعة كفيل بأن يظهر لنا شيء من طبيعة الاختلاف في توجّهات كلّ منهما كشخصيّتين من وجاهات المدينة منذ أواخر العهد العثمانيّ. إلّا أن مقالتين على وجه التّحديد ضمن سلسلة “في المرآة” في صحيفة مرآة الشّرق عام 1927 تعرضان سيرة كلّ من الرّجلين بشيء من النّقد والمديح، وقد نشرت المقالتين خلال شهرين متتاليين، مما يثير فضولنا أكثر حول هذا النّزاع العائليّ وتاريخه الممتدّ لأكثر من عشر سنوات. فمن هو الشّيخ أسعد أفندي؟ ومن هو علي رضا بك؟

قدّمت صحيفة مرآة الشّرق العشرات من المقالات الّتي عرّفت بالوجاهات الدّينيّة والشّخصيّات البارزة في الحلبة السّياسيّة الفلسطينيّة، فكانت سلسلة “في المرآة” مرجع اتأكت عليه العديد من الأبحاث في التّاريخ الفلسطيني والّتي وجدت في هذه المقالات معلومات أساسيّة حول أسماء وردت في سجلات وأوراق هامّة لكّننا لا نعرف عنها الكثير.

 

مرﺁة الشرق: 24 تشرين الثاني 1927
مرﺁة الشرق: 24 تشرين الثاني 1927

فهكذا مثلًا، اعتمد مصطفى العبّاسي في جزء كبير من تعريفه بفترة نفوذ الشّيخ أسعد أفندي في صفد على مقالة “في المرآة” حول الشّيخ أسعد أفندي عام 1927. إذ يتناول المقال سيرة الشّيخ ودراسته في الأزهر ومن ثمّ استلامه منصب مفتي صفد. ثم لا يتوانى كاتب المقال عن إبداء نقده بين السّطور في عدّة مواضعٍ، فيمدح به ويوقّره من جهة ومن ثمّ يعود لينتقده من جهة أخرى. فمثلًا، يصف حنكته الاجتماعيّة وتصرّفاته بين النّاس، “يدخّن كثيرًا ويشرب القهوة السّادة ويقول “القهوة السّادة للسّادة”، يستضيف أصدقائه ويتفقّد القربى ويستعرض الجماعات وقد يكثر الزّيارات ليلاحظ النّعرات الحزبيّة ويدرس القوم، ومن ثمّ يتحدّث عن انخراطه في الحركة الوطنيّة ويثني على قوميّته ودفعه وبذله أمواله في سبيلها، إلا أنه يعود ويذكّر بأنّه لم يقطع علاقته بالحكومة الانتدابيّة، ثم يلتمس له الأعذار. وهكذا طيلة المقال، يصفه بالشّجاعة والكرم تارة، وضعف العزيمة والإصرار على التربع في منصبه تارة أخرى. ويذكر المقال حنكة الشّيخ في التّعامل مع خصومه، إلا أنه لا يتطرّق لتلك الخصومات أو يتّخذ منها موقفًا.

في الشّهر التّالي، تقوم مرآة الشّرق بنشر مقالة من ذات السّلسلة “في المرآة” عن علي رضا بك النّحوي، سليل العائلة العلميّة منذ القدم في صفد، والّذي كان يعمل متصرّفًا في إربد، إلا أنه سئم الوظائف وقرّر أن يكون مدرّسًا للتعاليم الدّينيّة، كتبت هذه المقالة بأسلوب يختلف تمامًا عن تلك الأولى، إذ يعرض كاتبها جميع التفاصيل حول شخصيّة على بك رضا من خلال سرد تفاصيل لقائه بشخص غريب في مقهى فندق في القدس كأنه يحكي قصّة بأسلوب أدبيّ ماهر، إلا أنه من خلال هذه القصّة يلمّح لقضايا معيّنة ويحاول إيصال شكوى النّحوي حول عدم حصوله على وظيفة في حكومة الانتداب، وأن مثله لا يستطيع أن يحصل على الوساطة المناسبة، وأن هذه المناصب لا يحصل عليها إلا من كان متصلًّا بجمعيّة الشّبان المسيحيّين، وهي جهة منتقدة من قبل الوجاهات الدّينيّة والوطنيّة الفلسطينيّة.

 

مرﺁة الشرق: 8 كانون الأوّل 1927
مرﺁة الشرق: 8 كانون الأوّل 1927

نفهم من هاتين المقالتين أن في عام 1927 تمتّع الشّيخ أسعد قدورة بنفوذٍ أكبر في صفد كما بعلاقة أفضل مع حكومة الانتداب، خاصّة وأن المقالة ذكرت أن الشّيخ لا يغادر بلده إلا للضرورة القصوى، خوفًا على مكانته ومنصبه من المنافسين. في حين أن على بك رضا كان يعمل في شرق الأردن لسنوات، وكان قد عاد مجددًا إلى صفد كمعلّم دين بغير منصب ذو نفوذ. فما الّذي تغيّر حتّى عام 1936؟ وهل تنافس الرّجلان على انتخابات البلديّة؟ ولماذا استنجد أهالي صفد بمفتي البلاد لحلّ النّزاع بين العائلتين؟

ترقّبوا الجزء الثّاني!

 

هدية صغيرة تعبيرًا عن الشكر والامتنان: ألبوم الصور الجويّة المدنيّة الأول للبلاد

مجموعة من الصور الجوية للبلاد والفريدة من نوعها في أراشيف المكتبة.

داخل صندوق كرتونيّ مغلّف بقماش الكتّان الفاخر، حُفظت 40 صورة جويّة عالية الجودة للبلاد. لم يُكتب شيء على الصندوق، ولكن الورقة المائلة للصفرة داخل الصندوق، الموضوعة فوق الصور وقد كُتب عليها إهداء بالعبرية والألمانية، تسرد القصّة بأكملها.

 

هذه ثمرة تعاون فريد من نوعه بين رجل أعمال، فاعل خير وناشر وبين أحد أهم المصورين الذين نشطوا في البلاد. أسفرت العلاقة بينهما عن إنتاج سلسلة الصور الجويّة المدنيّة الأولى للبلاد، لأغراض غير عسكرية.

للألبوم الكامل

في الفترة العصيبة ما بين الأحداث الدامية في البلاد وحكم هتلر في ألمانيا، أقيمت في القدس حفلة عيد الميلاد الستّين لشلومو زيلمان شوكن. في الطابق الثاني لمبنى المكتبة التي صمّمها له المهندس المعماري الشهير آريخ مندلسون، جمع شوكن في 23 تشرين الأول 1937 مجموعة صغيرة ومختارة من الزملاء والمقرّبين. لم يكن لرجل الأعمال الصارم وصاحب الأملاك والنفوذ أصدقاء حقيقيون. مع ذلك، سعى الكثيرون لتمجيد راعي الكتاب العبري الذي جمع حوله نخبةً من الطاقات الإبداعية في “اليشوف” العبري الصغير في تلك الفترة.

القدس. نرى في الجهة اليسرى "بيت أغيون"، والذي سيصبح لاحقًا المقر الرسميّ لرئيس الوزراء. نرى في الجهة اليمنى بيت زيلمان شوكن، "فيلا شوكن"، وفي أعلى الصورة: كلية تراسنطا.
القدس. نرى في الجهة اليسرى “بيت أغيون”، والذي سيصبح لاحقًا المقر الرسميّ لرئيس الوزراء. نرى في الجهة اليمنى بيت زيلمان شوكن، “فيلا شوكن”، وفي أعلى الصورة: كلية تراسنطا.

اتخذ هذا الشخص، الذي تمكّن من إقامة شبكة متاجر ناجحة في ألمانيا، واعتبرَ أحد ملوك المال في موطنه، خطوة حكيمة عندما قرر بناء منزل خاص به في القدس، حيث نقل الجزء الأكبر من مكتبته، والتي اعتبرت موردًا ثقافيًا من الدرجة الأولى. ببلوغه سن الستين، كان شوكن قد احتل مكانة مرموقة كشخصية عامة في البلاد. شغل مناصب عليا مثل رئيس الهيئة الإدارية للجامعة العبرية وعضو هيئة إدارية في الوكالة اليهودية، وقبل ذلك بعام، اقتنى لابنه صحيفة هآرتس، إحدى أهم الصحف اليومية في “اليشوف” العبري في حينه. وإلى جانب محاولة استرجاع ممتلكاته التي نهبها النازيون، كرّس جلّ جهوده للمشاريع المبتكرة، أهمّها- إدارة دار شوكن للنشر.

البلدة القديمة في القدس
البلدة القديمة في القدس

ترأس الكاتب شموئيل يوسف عجنون مجموعة الأدباء التي تبنّاها ودعمها شوكن، وحرص بكل سخاء على تعزيز رفاههم وحسن حالهم. في تلك الفترة، حصل حاييم هزاز، شاؤول طشرينخوفسكي وآخرون على منح معيشية قدّمها شوكن، مقابل نيل الحقوق الحصرية لنشر أعمالهم. لا شك أنّ شوكن لعب في تلك الفترة دور راعي الأدب العبري، وقد شكّلت المعاهد البحثية التي أسّسها ورعاها (معهد دراسات الشعر العبري، أبحاث الكابالا وغير ذلك) ملجأ آمنًا لكبار المثقفين اليهود عندما كانت اليهودية في أوروبا على وشك الانهيار.

ولكن رغم الشهرة الواسعة التي حظي بها نشاط شوكن في المجال الأدبي والبحثي، إلّا أنّ هناك مراجع قليلة جدًا حول مبادرته المبتكرة لالتقاط صور جويّة للبلاد. من كان حلقة الوصل في عام 1937 بينه وبين نحمان شيفرين، مدير “الشركة الشرقية للصور الصحفيّة”؟ حتى لحظة كتابة هذه السطور، لا توجد لدينا إجابة واضحة، ولكن لا شكّ في أنّ العلاقة بين الاثنين أسفرت عن أحد المشاريع الطلائعية التي تركت أثرًا في تاريخ التصوير في البلاد.

فنانو التصوير يهاجرون إلى البلاد

 

قبل ذلك بأربع سنوات، قام شيفرين ببيع وكالة الصور الصحفية الكبيرة التي كان يملكها في برلين، وهاجر إلى البلاد مع احد أفضل المصورين الذي عملوا معه، زولتان كلوغر. القيود التي فرضها النازيون على نشاط المصورين الصحافيين اليهود، من الأشهر الأولى لاعتلاء هتلر سدة الحكم، دفعت شيفرين إلى اتخاذ القرار بالهجرة إلى البلاد.  أدركَ شيفرين أنّ المؤسّسات الوطنية في البلاد بحاجة لصور عالية الجودة، في إطار عمل أقسام الدعاية والإعلان، التي اكتسبت زخمًا متزايدًا.

تل أبيب
تل أبيب

 

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ شيفرين كان رجل أعمال موهوب، متمرّس وداهية، ولكنه لم يكون مصوّرًا، بل علّق آماله على مصوّر متواضع، واسع الاطلاع وعلى قدر عال من الموهبة، سطع نجمه في برلين في أواخر العشرينيّات: إنّه زولتان كلوغر، ابن مدينة كيكسكيميت في هنغاريا.

الجودة التقنية والفنية الرائعة للصور التي التقطها كلوغر للمؤسّسات الوطنية، فور قدومه إلى البلاد في تشرين الثاني 1933، إلى جانب الأداء الدقيق والسريع الذي حرص عليه وكيله، نحمان شيفرين، جعلا منه المصوّر المفضّل لدى مؤسسة “كيرن هيسود” والصندوق القومي اليهودي.

ولكن النجاح الفوري الذي حققه كلوغر وشيفرين لم يمنعهما من البحث عن قنوات عمل جديدة، التي ستزيد من عمق الفجوة بينهما وبين سائر المصوّرين الصحافيين في البلاد في تلك الفترة.

جلبت الهجرة الخامسة معها مجموعة كبيرة من المصوّرين المهنيين من أوروبا الوسطى ، حظي البعض منهم بشهرة عالمية، وساهموا في تنشيط المجال وتطوره المهني- وخلقوا منافسة حامية الوطيس.

محطّة توليد الطاقة الكهربائية في الباقورة
محطّة توليد الطاقة الكهربائية في الباقورة

 

تخوّف شيفرين من الشكاوى التي قدّمها بعض المصوّرين للمؤسّسات الوطنية، بحيث طرحوا إشكالية عدم الإنصاف في العمل شبه الحصري مع كلوغر. العلاقة المهنية الجريئة، التي جلبت لشيفرين وكلوغر عملًا كثيرًا، كانت مهمّة للغاية، وأخذ الاثنان يفكّران في مشروع جديد في مجال التصوير- مشروع جريء ومبتكر، يُبرز تفوّقهما على سائر المصوّرين في البلاد.

البلاد من نظرة جوية

هل خَدَم كلوغر كمصوّر في سلاح الجو النمساوي-المجري في الحرب العالمية الأولى، وهو من طرح فكرة التقاط صور جوية للبلاد؟ أم أنّها كانت أصلًا فكرة نحمان شيرفين، رجل الأعمال المفعم بالنشاط والحيوية؟ أم أنّ الحقوق على الصور الجويّة الأولى محفوظة لشلومو زيلمان شوكن، الذي اشتهر هو أيضًا بأفكاره المبتكرة، خاصة في مجال الدعاية والإعلان؟

على أيّ حال، كان لشوكِن دور مركزي في مبادرة استئجار طائرة مدنية وتوثيق البلاد، لأول مرة في تاريخها، بواسطة التصوير الجوي. حتى ذلك الحين، اقتصر التصوير الجوي على الكوادر العسكرية فقط، وذلك في إطار السلاح الجوي الألماني والبريطاني، خاصةً خلال الحرب العالمية الأولى. ولكن بفضل التمويل السخي الذي قدّمه شوكن لكلوغر وشيرفين، أصبح من الممكن استئجار خدمات شركة “أفيرون”، شركة الطيران الأولى في “اليشوف” العبري، وصعود كلوغر على متن إحدى طائراتها، مع كاميرته.

.

نهلال
نهلال

 

الصور الرائعة التي التقطها كلوغر لم تخيّب الآمال يومًا: مشاهد جويّة ساحرة لصحراء يهودا، غور الأردن، تل-حاي، عين حارود، بيت-يوسف وطيرات تسفي، بالإضافة إلى البلدات الساحلية، وعلى رأسها تل أبيب، كل ذلك كان ابتكارًا وتجديدًا حقيقيًا في جاليري صور البلاد. ولكن الروائع الحقيقية في سلسلة الصور هذه كانت الصور الجوية لمدينة القدس.

تكريمًا لراعي المشروع، شلومو زيلمان شوكن، (وربّما بناء على طلب واضح؟)، صوّر كلوغر منزل شوكن ومكتبته على مشارف حي الطالبية، منازل فخمة صمّمت من قِبل المهندس المعماري العالمي آريخ مندلسون،  وفتحت أبوابها قبل فترة وجيزة من تصويرها. البركة والحديقة التي أحاطت بفيلا شوكن، وقد اعتنى بها بستانيّ استدعيَ خصيصًا من ألمانيا،  هي جزء من التفاصيل الدقيقة الرائعة  التي يمكن تمييزها في الصور. هذه الصور الجوية هي توثيقات مهمة جدًا للأبحاث حول مدينة القدس وعلاقتها باليهود في فترة الانتداب، وهي تنضم إلى سلسلة صور جوية جميلة لمنطقة جبل المشارف، ومن ضمنها مبنى المكتبة الوطنية.

 القدس: نظرة من الشرق إلى الغرب. يظهر في وسط الصورة جبل المشارف وفيه مبنى المكتبة الجامعية والقومية، وسائر مرافق الجامعة.
القدس: نظرة من الشرق إلى الغرب. يظهر في وسط الصورة جبل المشارف وفيه مبنى المكتبة الجامعية والقومية، وسائر مرافق الجامعة.

“كلّما تقدّم بنا العمر، نصبح أكثر امتنانًا”، كتب مارتن بوبر، وأضاف قائلًا: “من يوجّه إليك كلمة شكر، فإنه يقول لك: سأذكرك دائمًا”. شوكن، الذي كان معجبًا ببوبر وشاركه الرأي حول مواضيع عديدة، تبنّى وجهة النظر هذه أيضًا. في سيرورة دامت طويلًا، بسبب اهتمام شوكِن الشديد بكل تفصيلة، تحوّلت صور كلوغِر الجويّة إلى ألبومات، حيث ألصقت مطبوعات فضية عالية الجودة على ألواح كرتونية  وحُفظت في صندوق. أُرفق إليها شوكِن ورقة طُبعت عليها الجملة التالية بالألمانية والعبرية: “يسعدني أن أرسل لحضرتكم، ولو في وقت متأخر، مجموعة صور جوية للبلاد، كهدية صغيرة ردًا على تهنئتكم بمناسبة عيد ميلادي الستين”.

تحت هذا الإهداء، أضاف شوكن بضع كلمات بالألمانية، بخط يده الصغير، ووقع باسمه. يرجّح أنّ الإنتاج عالي الجودة للألبوم، الذي أدى إلى إصداره “المتأخّر”، كان مكلفًا جدًا. قرر شوكن، رجل الأعمال المتزن والحَذِر في الشؤون المالية، إنتاج كمية محدودة من الألبومات، تحتوي على 40 صورة جوية عالية الجودة اختارها بنفسه.

أضاف إليها ألبومين صغيرين، يحتويان على مجموعة أصغر من الصور: ست صور واثنتي عشرة صورة فقط. من فاز بالألبوم الكبير، ومن فاز بالألبومات الأصغر؟ تجدون إجابة جزئية في قسم الأرشيفات في المكتبة الوطنية، حيث توجد بضع نسخ من الألبومات، وترافقها الأرشيفات الشخصية لبعض المقرّبين من شوكن.

عتليت
عتليت

 

أدى اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى تقييد الطيران المدني في البلاد، ومن ضمنه حظر التصوير الجوي. وبهذا، بقي المشروع المشترك لكلوغر، شيفرين وشوكِن التوثيق غير العسكري الوحيد لهذه البلاد لسنوات طويلة. حتى في الوقت الحاضر، بعد نحو ثمانين عامًا، لا يزال هذا التوثيق موضع إعجاب ومصدر إلهام لجماله وجودته.

 

وادي الحوارث – أندلس القرن العشرين

يعتبر وادي الحوارث فاجعة الفلسطينيين الأولى؛ إذ تعكس الصحف الفلسطينية التاريخية ردة فعل الناس عقب أحداث طرد السكان العرب من هناك.

هديل عبد الحي عنبوسي

وادي الحوارث سهل منبسط فسيح، مترامي الأطراف، ويشكّل قسمًا كبيرًا من السّاحل الغربي في سورية الجنوبيّة في قضاء طولكرم سابقُا. جيّد التّربة والهواء، مساحته لا تقل عن خمسين ألف دونم، إذ يعتبر من السهول الكبيرة، ولا يعدّ وادي الحوارث واديًا بين جبلين كما يتبادر إلى الذّهن من كلمة “وادي”، بل هو السهل الساحلي الذي يقل عن نظيره من السهول ليس في البلاد فحسب، إنّما في خير الأرضين والبقاع في العالم.

وقد سُمّي بسهل وادي الحوارث نسبة إلى اسم أهل الوادي؛ عرب الحوارث، وهم قبائل ينتمون بمعظمهم إلى بني حارثة، وأصلهم من نجد، جاؤوا من سوريا ونزلوا حماة، ومن حماة نزحوا إلى فلسطين. يتكونّ وادي الحوارث من قسمين: شرقيّ وغربيّ، في القسم الشرقي يتكوّن من وادي القبّاني، ومنطقة لاستثمار الحكومة، بينما في القسم الغربي، يوجد وادي التيان، أرض السمارة، ورمال.

 

قضيّة وادي الحوارث

بدأت هجرة عرب الحوارث من واديهم قبل العام 1948، وتحديدًا في العام 1928 بحسب مقالات الصحف الفلسطينية في أرشيف جرايد. لذا، يمكن القول إن هجرة عرب الحوارث هي التهجير الفعلي الأول. وفقًا للمصادر، طُرد فلاحو الحوارث من أراضيهم بلا مأوى وبلا معيشة على يد مسؤولين بريطانيين ويهود، رغم مقاومتهم ومحاولات البقاء والصّمود في أراضيهم قدر المستطاع، بيد أنّ بساطتهم وقلّة الإمكانيّات جعلتهم مُشرّدين وبلا ملاذ.

وادي الحوارث وعائلة سرقس وانفجار بيروت

ما يُميّز حكاية وادي الحوارث أنّها من أولى الفاجعات الفلسطينية، نسبيًّا حدثت قديمًا، فكيف لها أن ترتبط مع حدثٍ معاصر كانفجار بيروت والذي وقع في آب من العام 2020؟!

السّر عند الليدي إيفون سرقس..

الليدي سرقس هي سيدة لبنانيّة مسيحيّة من عائلة أرستقراطيّة معروفة وفاحشة الثّراء والأملاك. والدها ألفرد موسى سرقس ابن عائلة مالكة الأراضي الكُبرى في الوطن العربي، وأمّها الدونا ماريا دي كاسنو وهي من عائلة إيطاليّة من سلالة عائلة الفيفيور. وقد ورثت الليدي عن عائلتها مئات آلاف الدونمات لأراضٍ في منطقة مرج ابن عامر، الجليل الغربي، وادي الحوارث، حيفا ويافا.

في انفجار بيروت، كانت الليدي سرقس إحدى الضحايا، فقصرها العائلي المُنيف، والذي قطنت فيه في آخر سنوات حياتها، يقع في حيّ الأشرفيّة في بيروت، وقد لحقت به أضرارًا جسيمة، وعانت الليدي في المستشفى لمدة 27 يوم بعد إصابتها في الانفجار حتى وافتها المنيّة في 31 آب 2020 عن عمر يُناهز 98 عام.

كانت معظم أراضي وادي الحوارث تحت سيطرة عائلة سرقس حيث كانت تمتلك 30 ألف دونم من أصل 50 ألف، وقد بيعت مساحة العائلة من الوادي للحركات الصهيونية بينما تبقّى بحيازة الفلسطينيين 20 ألف دونم، ولا نعلم كيف تمّ التصرف بها، والاحتمال الأكبر هو أن يكون عن طريق السماسرة الذين عاونوا الحركات الصهيونيّة وسهلّوا لهم بيع الأراضي، حيث لم يكن لفلاحي عرب الحوارث والسكان الأصليين للوادي أي سلطة في تسليم الأراضي أو بيعها.

بالإضافة إلى ما سبق، يجب تسليط الضوء على قانون أملاك الغائبين والذي سُنّ في العام 1950، وينصّ بموجبه “أنّ كل من هُجّر أو نزح خارج الحدود الفلسطينيّة حتى تاريخ تشرين الثاني من العام 1947 يعتبر إما غائبًا أو مفقودًا”، وبهذا التعريف، فإنّ الحكومة مخوّلة في السيطرة على أملاك هؤلاء الغائبين (كريتشمر 2012: 75). ومن شروط حالات الغائب والتي وقعت على الليدي سرقس هي حالة حيازة أملاك في فلسطين الانتدابية، ولكن مالكها مواطن في البلاد العربية أو بلاد العدوّ، أو يسكن في فلسطين (شرق القدس والضفة الغربية).

للصحف الفلسطينية كلمة…

عكست الصحف الفلسطينية القديمة وبيّنت ردة فعل عامة الناس حول ما يحدث في وادي الحوارث، كذلك قامت العديد من الصحف بكتابة أخبار ومقالات رأي حول هذه الفاجعة.

على سبيل المثال، ورد في صحيفة فلسطين في 20 تشرين الثاني 1929 وتحديدًا في الصفحة الثالثة التالي:

“ذهب اليوم مأمور الإجراء مع قوة من البوليس البريطاني والفلسطيني وستة من اليهود لإخلاء عرب وادي الحوارث البالغ عددهم ألفي نسمة من أراضيهم وتبلغ مساحتها 35 ألف دونم وتسليمها لليهود رغم القضايا العديدة التي أقاموها في تثبيت ملكيتهم لقسم كبير من هذه الأراضي. ولما كان رئيس المحكمة المركزية في نابلس أصدر أمرا بتأجيل المحاكمة عاد اليهود واستحصلوا على أمر بإخراجهم من أراضيهم بعد أن قدّموا كفالة ماليّة. إنّ عرب وادي الحوارث مصممون على عدم الخروج من أراضيهم التي عاشوا فيها منذ مئات السنين وليس لهم أي محل آخر يلجؤون إليه أو يعيشون منه ولذلك فالأفكار عندنا مضطربة لهذا الأمر. وقد علمنا أن مثل هذا الخبر قد أرسل للجمعية الإسلاميّة المسيحيّة لتقابل سعادة حاكم اللواء وتحتج لديه على هذا العمل!”

وقد خبّرت ذات الصحيفة بعد ثلاثة أيام، في يوم 23 تشرين الثاني 1929، أنّه قد “جاء 200 يهودي اليوم (الجمعة) للمرة الثانية من مستعمرة الخضيرة إلى وادي الحوارث ليحرثوا الأرض فيه فتجمهر عليهم العرب وأخرجوهم بضرب العصي ووقف نحو 1000 عربي على الحدود ليمنعوا دخول اليهود إلى أراضيهم بعد الآن”

بالإضافة إلى صحف أخرى مثل اليرموك، الحياة والجامعة العربية.

 

الجامعة العربية: 11 تشرين الأوّل 1928
الجامعة العربية: 11 تشرين الأوّل 1928

 

 

الحياة: 16 آذار 1931
الحياة: 16 آذار 1931

 

اليرموك: 14 أيلول 1928
اليرموك: 14 أيلول 1928

 

في الختام، تكرر مصطلح “الأندلس” في الصحف الفلسطينيّة، إذ شُبّهِت فلسطين بالأندلس، فمنهم من ذكر “وغدت فلسطين أندلسًا أُخرى“، “أندلس القرن العشرين“. ونرى أنّ عرب الحوارث كغيرهم، كانوا من “الغائبين الحاضرين” إن صحّ التعبير، فهم موجودون في أرضهم جسدًا وروحًا، لكنّه تم السيطرة على أراضيهم قمعًا وقسرًا.

 

نبذة حول هديل عبد الحي عنبوسي طالبة دراسات شرق أوسط وعلم آثار في جامعة بن غوريون في النقب. مهتمّة بدراسة القضايا الفلسطينية وتاريخ البلاد وآثاراتها من مختلف الفترات الزمنية توازيا مع تاريخ الإسلام في الشمال الافريقي وبلاد الأندلس.