كانت هناك حاجة لطائرة مروحية أيضًا: هكذا بُنيت المكتبة الوطنية في الحرم الجامعي جفعات رام

مخططون مُدهشون، عِمارة استثنائية وبناء معقّد- كلّ ذلك كان جزءًا من سيرورة تشييد مبنى المكتبة الوطنية في الحرم الجامعي جفعات رام في الجامعة العبرية في القدس

المكتبة الوطنية الإسرائيلية
10.03.2022
1

ينتصب وسط المجمّع الجامعي مبنى يبدو من الناحية الشمالية طوبة رخامية كبيرة الحجم، برّاقة وخطوطها مستقيمة، وترتكز على أعمدة. ولكن من النواحي الأخرى، عند سفح الجبل، يظهر المبنى بكامل رونقه، بأدواره الستة. هنا يقع قلب الجامعة”…  

هكذا وُصفَ مبنى المكتبة الوطنية الواقع في وسط الحرم الجامعي جعفات رام في الجامعة العبرية في القدس، في كتيّب “دار الكتب الوطنية والجامعية” ليهودا هائيزراحي، والذي صدر سنة 1966. يصف الكتيّب تاريخ المؤسسة المسمّاة اليوم “المكتبة الوطنية الإسرائيلية”، ويخصص عددًا كبيرًا من الصفحات لمبنى المكتبة حتى لحظة كتابة هذه السطور (منتصف سنة 2020). صدر هذا الكتيب بعد انقضاء ست سنوات فقط على انتقال المكتبة إلى هذا المبنى، وهو أحد المباني الرائعة والفريدة من نوعها.

التاريخ-العام والمعماري- لمباني المكتبة الوطنية كان موضوعًا رئيسيًا في العديد من المقالات. لن نستعرض جميعها هنا، بل سنتطرق إليها بإيجاز.  تتمحور هذه المقالة أساسًا حول المبنى الحالي للمكتبة، ومخططيه المُدهشين.

 

1
مبنى ليدي ديفيس، المكتبة الوطنية في الحرم الجامعي جفعات رام. تصوير: أساف بينتشوك

المبنى التاريخي لِما كان يسمّى سابقًا “دار الكتب الوطنية والجامعية” كان يقع في أول حرم للجامعة العبرية، على جبل المشارف في القدس. بعد حرب الاستقلال، فُصل الجبل عن القدس الغربية، وتم توزيع مباني الجامعة في مختلف أرجاء المدينة. اضطرت المكتبة الوطنية أيضًا لاستخدام مبان مختلفة، ومن بينها مبنى تراسنطا.

1
دار الكتب الوطنية في حرم الجامعة العبرية على جبل المشارف. تصوير:  حنان بهير، من مجموعة بيتمونا، المكتبة الوطنية.

ولكن في إطار إقامة المجمّع الجامعي الجديد في جعفات رام غربي المدينة، تقررت إقامة مبنى لدار الكتب الوطنية والجامعية في وسط المجمّع. تجدر الإشارة إلى أنّه حتى سنة 2008، كانت المكتبة الوطنية منشأة تابعة للجامعة العبرية، واستخدمت أساسًا كمكتبة بحثية. ننوه أيضًا بأنّه خلافًا للوضع الحالي، فإنّ مقر كليتيْ العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية كان في جفعات رام، وقد شغّلت هاتان الكليتان الباحثين الذين شكّلوا جمهور الهدف الرئيسي للمكتبة.

مع تخطيط الحرم الجامعي الجديد، تقرر في سنة 1955 إطلاق مسابقة لتخطيط مبنى دار الكتب الوطنية والجامعية. قدّم بعض المهندسين المعماريين مقترحاتهم، وكان عليهم التعامل مع الظروف غير البسيطة للمنطقة (سفح تلة) وتلبية الاحتياجات الخاصة للمكتبة (تخزين كتب ومخطوطات قديمة والحفاظ عليها، بالإضافة إلى استقبال الجمهور وأنشطة عديدة أخرى). ضمت مجموعة المشاركين أكبر المهندسين المعماريين، أمثال زيئيف ريختر (وابنه يعقوف الذي كان قد انضم منذ فترة وجيزة إلى مكتب الهندسة المعمارية، ليصبح لاحقًا أحد أشهر المهندسين المعماريين في إسرائيل بجهوده الذاتية)؛ دافيد بيست (الذي كان يعمل في وزارة الإسكان في حينه)، باروخ وغيلو ميشولام وآخرين.

1
مقترح لمخطط دار الكتب الوطنية، من أرشيف  دافيد بيست
1
مقترح لمخطط دار الكتب الوطنية، من أرشيف ريختر للهندسة المعمارية

ولكن عند الإعلان عن الفائزين في شباط 1965، أصيب كبار المهندسين المعماريين بخيبة أمل: فقد فاز في مسابقة التخطيط مقترح قدّمه مهندسان معماريان شابان، من قسم التخطيط في الكيبوتس الموّحد، وهما زيفا أرموني وحنان هبارون. كان الاثنان مجهوليْن في تلك الفترة، وكانا قد أنهيا دراستهما قبل فترة وجيزة. مع ذلك، تم قبول مقترحهما. المخططات الأولية ومسودات المقترح الذي قدّماه موجودة في أرشيف كل منهما، وقد مُسحت ضوئيًا في إطار المجموعة الرقمية الوطنية  للمكتبة الوطنية في مجال الهندسة المعمارية.

1
مخطط أولي من أرشيف زيفا أرموني لدار الكتب القومي
1
من أرشيف زيفا أرموني

بدأت مهمّة التخطيط في وقت لاحق من نفس السنة، وبدأ البناء في سنة 1957. بسبب التخطيط المعقد، أوكلت المهمّة لطاقم دمجَ بين ثلاثة مكاتب للتخطيط: الفائزان زيفا أرموني وحنان هبارون، المهندسان المعماريان أمنون ألكسندروني وأبراهام ييسكي والمهندسون المعماريون ميخائيل نيدلر، شولميت نيدلر وشمعون فوبنزر. أوكلت مهمّة التصميم الداخلي للمهندسة المعمارية والمصمّمة الداخلية دورا غاد (تم أيضًا تصوير أرشيفها بالمسح الضوئي في إطار المجموعة الرقمية الوطنية للمكتبة الوطنية في مجال الهندسة المعمارية). وبسبب الطبيعة المركبة لمخطط البناء، انضم للمخططين فريق مساعد ضمّ المهندس المعماري للجامعة دوف كارمي، ومدير المكتبة في تلك الفترة د. كورت فورتمان.  التنفيذ نفسه لم يكن سهلًا على الإطلاق. فلتركيب أنظمة التكييف على سطح المبنى مثلًا، كانت هناك حاجة لطائرة مروحية طلبتها الجامعة من القوات الجوية الإسرائيلية.

1
مروحية تساعد في تركيب نظام التكييف في مبنى ليدي ديفيس في المكتبة الوطنية، من أرشيف المكتبة الوطنية

أخيرًا، في نهاية سنة 1960، افتتح المبنى الجديد لدار الكتب الوطنية والجامعية، في وسط المجمّع الجامعي الجديد- رمز منظومة التعليم والثقافة العبرية في دولة إسرائيل المتجددة.

1
صورة داخلية في مبنى ليدي ديفيس في المكتبة الوطنية. تصوير: مريم شمير، من أرشيف دورا غاد

يبرز في المبنى نفسه، الذي يحمل اسم فاعلة الخير الشهيرة ليدي ديفيس، استخدام الأعمدة وأسس التخطيط التي تتبع طراز العِمارة الدولي. في دَور صالات القراءة، خطط المهندسون المعماريون فتحة كبيرة جدًا تُدخل الضوء (لا توجد في الصالات أية نوافذ، والضوء الطبيعي يدخل من السقف). في نهاية المطاف، وضعت على هذه الفتحة في الثمانينات النوافذ المزججة الشهيرة للفنان مردخاي أردون، التي أصبحت أيقونة تصميمية في المكتبة.

1
نوافذ أردون في المكتبة الوطنية. تصوير: أودي أدري

في صيف سنة 2020، على بعد مئات الأمتار من مبنى ليدي ديفيس، هناك مبنى جديد قيد التشييد. المبنى الذي يشيّد بين الكنيست والوزارات ومتحف إسرائيل، سيصبح خلال بضع سنوات المقر الجديد للمكتبة الوطنية. ننتظر افتتاحه بفارغ الصبر.

الأرشيفات الشخصية لزيفا أرموني، حنان هبارون ومهندسين معماريين آخرين شاركوا في المسابقة وفي أعمال التخطيط (دافيد بيست، مكتب ريختر للهندسة المعمارية، باروخ وغيلو ميشولام، دورا غاد) مُسحت ضوئيًا في إطار تعاون بين وزارة شؤون القدس والتراث الإسرائيلي، المكتبة الوطنية الإسرائيلية، أكاديمية بيتسالئيل للفنون والتصميم، وقسم اليودايكا في مكتبة جامعة هارفاد. هل تريدون الاطلاع على مواد إضافية؟ ابحثوا في المجموعة الوطنية الرقمية لأرشيفات الهندسة المعمارية في المكتبة الوطنية.

نتقدّم بجزيل الشكر لكلّ من إيهود بيست، أرشيف ياد طبنكين، ريختر للهندسة المعمارية م.ض. وأرشيف الهندسة المعمارية الإسرائيلي، على تعاونهم في المسح الضوئي لهذه الأرشيفات

 

...تحميل المزيد من المقالات loading_anomation