ينتظر الكثير من الناس فصل الصيف بفارغ الصبر لقضاء عطلة طويلة من الدراسة والأجواء الأكاديمية، ومنهم من ينتظره للاستمتاع على الشواطئ، فيما ينتظر آخرون الوقت الطويل لنهار الصيف، مع ذلك هناك جمعٌ آخر ينتظر الصيف فقط لأنه موسم البطيخ. وفي مدونتنا، لن نتحدّث عن مذاق البطيخ، أو عن الفائدة الغذائية والفيتامينات الموجودة في هذه الفاكهة المميزة، وكذلك لن نستطرد في مشاعر البهجة التي يضفيها على محبيه في أول الموسم حتى مشاعر الحزن التي تملأ وجوهم في منتصف آب لانتهاء الموسم، بل سنتطرّق إلى كيف استطاع الناس جعل فاكهة البطيخ مادة لُغوية غنية ومتنوّعة في الأمثال العربية الشعبية.
اختلفت الأمثال الشعبية في ذكر البطيخ، وبطبيعة الحال تحمل الأمثال معانٍ متعددة من التورية في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وقد تستخدم أيضًا لكي تعكس وضعًا سياسيًّا ما. ومن الأمثال التي تعكس الحالات الاجتماعية قول الناس: “ما بشبع بطنه بطيخة صيفي“، معبّرين عن الشره وكثرة تناول الطعام حتى لو بطيخة من بطيخ الصيف كبير الحجم.
ولقد وصف آخرون الأفعال الغير محسوبة الجالبة للحسرة بقولهم: “السّلام بجر كلام والكلام بجر بطيخ“: ويقال لتجنب أي فعل سيجر على صاحبه الخسارة؛ ولهذا المثل حكاية شعبية توضح معناه وهي أن أحدهم كان يطرح السلام على تاجر بطيخ، ثم يبدأ بالحديث معه لينتهي بأكل البطيخ مجانًا، فامتنع التاجر عن رد السلام حتى لا يخسر بطيخًا، فأصبح قولًا مأثورًا ينبّه من التفاعل الاجتماعي الغير مرغوب فيه. فيما أسرف العرب قديمًا بالحديث عن الزواج بقولهم: “المرة مثل البطيخة” أو “الزلمة متل البطيخة” والقصد بأنهم مجهولو الطباع لأنهم كانوا يتزوجون من غير سابق معرفة، كما لا يمكن معرفة طعم ولون البطيخ قبل التوّرط في اختيارها.
أمّا للتعبير عن الأحوال الاقتصادية، قال الناس: “أيام البطيخ، ارفع الطبيخ”، أو “طلّ البطيخ، بطَّلوا الطبيخ“؛ إذ حينما يتوفر البطيخ بسعر الكيلو الزهيد في فصل الصيف، يُكثر الناس من الاعتماد عليه كوجبة أساسية خلال يومهم. بالإضافة إلى هذه الأمثال، المثل القائل: “مال جنين يا بطيخ” وذلك للتعبير عن جودة البطيخ المُباع؛ حيث تعتمد جنين في اقتصادها الصيفي على تصدير البطيخ للمدن المجاورة، ويعتبر بطيخ جنين من أفضل أنواع البطيخ بعد أن كانت مدينة يافا، قبل عام الـ 1948، تتسابق مع مصر في تصديره، كما ورد في صحيفة الصراط.
اقرأ/ي أيضًا: جنين: معرض رقمي لصور وخرائط وجرايد
وسياسيًّا، استخدم العديد من الصحافيين الأمثال الشعبية عن البطيخ لوصف وقياس الأوضاع السياسية في أحداث خاصة، مثلًا، كتب الصحافي محمود أبو شنب في صحيفة الاتحاد حول المفاوضات العربية الإسرائيلية في العام 1993؛ إذ استخدم المثل “الكلام بيجر بطيخ” الذي سبق ذكره ولكن بطريقة معكوسة؛ إذ عنوَن المقال بـ الكلام “لن يجر بطيخ”؛ مبيّنًا بأنّ جولات المفاوضات والنقاشات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والسوريين ستفضي فقط إلى المماطلة دون التوّصل إلى اتفاقيات سلام، ولن يجلب هذا الكلام أي خسارة للإسرائليين على عكس الفلسطينيين والسوريين. وعلى ما يبدو أنّ أبو شنب من محبي فاكهة البطيخ؛ إذ عنون مقالًا آخر، سابق للمقال الأول، في العام 1973 بالمثل “على السكّين .. يا بطيخ”، وهو قول مأثور يشير إلى باعة البطيخ الذين يسمحون للزبائن بشقّ البطيخة للتأكد من لونها قبل شرائها حتّى لا يندموا على قرارهم، ويستخدم هذا القول مجازًا لدعوة الناس لفحص أمورهم ومشترياتهم وقراراتهم قبل البدء بأي خطوة. إلا أنّ أبو شنب قد استخدمه ساخرًا من تفاؤل البعض بقرار الحكومة الإسرائيليّة الصادر في العام 1973 بتحرير الأوقاف والممتلكات الإسلامية وتسليمها إلى لجان أمناء معيّنة من قبل وزارة الأديان، مبيّنًا في مقاله أنّ هذه الخطوة ما هي إلا حبرًا على ورق، والهدف منها هو دعوة للحركات الإسلامية وأتباعها للمشاركة في انتخابات الكنيست في ذات العام مع بقاء الممتلكات الإسلامية بقبضة الحكومة الإسرائيلية.
اقرأ/ي أيضًا: تاريخ الصحافة المقدسية في فلسطين العثمانية والانتدابية في أرشيف جرايد
إلى جانب أبو شنب، نقل لنا الكاتب والصحافي هشام نفّاع في مقال كتبه في العام 1994 انتقاد أحد رؤساء المجالس المحلية الدرزية لعضو الكنيست الدرزي أسعد أسعد – ممثل المعسكر القومي عن الليكود – بعدم المطالبة بحقوق الطائفة الدرزية في الكنيست؛ إذ قال رئيس المجلس خلال مظاهرة “بلا حلف دم بلا بطيخ“؛ ويكأنّه يلمح لعدم كفاءة اتفاقية الحلف. ولقد استخدم العديد من الصحافيين الأمثال الشعبية عن البطيخ لوصف أحوال وأمور لا تُقارن بضخامة الأوضاع في يومنا هذا؛ إذ يبدوا أنهم كما المثل المصريّ القائل: “علشان حتة بطيخ عمل مشكلة وصريخ“.
اقرأ/ي أيضًا: دالية الكرمل – من تمرّد جبل لبنان حتّى حلف الدّم مع إسرائيل
عن البطيخ، لن ينتهي الكلام ولا الأمثال وربما يكون قول الكاتب مارك توين في روايته ويلسون المغفّل: “البطيخ طعام الملائكة” هو أرّق وألّذ ما قيل في البطيخ حتى يومنا هذا، ولن يسعفنا الإطالة والاستطراد في هذا المقال بالحديث عن البطيخ في غير الأمثال الشعبية لأنه كما المثل: “بطيختين بالإيد ما بينحملوا”.