شاعر الفقراء الّذي علّم نفسه بنفسه: تعرّفوا على نايف سليم سويد ابن البقيعة

وُلد الشّاعر نايف سليم سويد عام 1935 في البقيعة لعائلة متواضعة الحال، وكان لولادته في هذا الزّمان والمكان على وجه التّحديد الأثر الأكبر على مسيرته الّتي انعكست في مجموعة الملصقات الّتي تركها لنا.

البقيعة عام 1910، بيتمونا

“ينقط شعره عسلًا أحلى من تين البقيعة” قال إميل حبيبي عن الشّاعر نايف سليم. عضو الحزب الشّيوعي وأحد مؤسّسي لجنة المبادرة الدرزيّة العربيّة، صحافيّ مخضرم، كاتب وفلّاح وحلّاق وسوّاق والمزيد. تبرّع الشّاعر نايف سليم للمكتبة الوطنيّة بمجموعة من الملصقات والمنشورات الهامّة الّتي تعود إلى سنوات السّبعينيّات والثّمانينيّات وحّتى عام 2000. وهي ملصقات هامّة تشهد على الحركة الثّقافيّة والسّياسيّة العربيّة في شمال البلاد وتُظهر مشاركة الشّاعر سويد فيها. في هذه المقالة نتعرّف أكثر إلى قصّة حياة الشّاعر ونشأته وأشعاره، وفي قصّته نموذج نفهم من خلاله حياة جيل كامل. ذكريات نستعيدها من مقالاته وأشعاره ومقابلاته المصوّرة.

                    للاطلاع على مجموعة الملصقات العربية في الأروقة الرقمية للمكتبة الوطنية

وُلد الشّاعر لعائلة درزيّة فقيرة كما يصفها، عام 1935. كان أبو فلّاح وكان من واجبه وأخوته مساعدته دائمًا، إلّا أن والده كان من مقدّسي الكتاب، فإذا رأى أحد أبناءه مأخوذًا بالقراءة تركه ولم يطلب منه المساعدة. التحق نايف الطّفل بالمدرسة الابتدائيّة في قرية الرّامة حيث درس عامين وتوقّفت المدرسة عن العمل في عام 1948. فأكمل تنوّره وقراءته بالاعتماد على مهارة القراءة الّتي تمكّن من اكتسابها بسرعة في الرّامة، وطوّرها حين كان يطيع أبيه في كلّ مرّة يطلب منه أن يقرأ له ولرفاقه السّاهرين “طرفة” أو قصّة من قصص عنترة أو كليلة ودمنة.

للمزيد حول الطائفة الدرزية في المكتبة الوطنية، اضغطوا هنا

في هذه السّنوات توفّيت أمّه عن عمرٍ يناهز 36 عامًا فقط، وكان هو يبلغ من العمر 12 عامًا فقط، وقد كتب في وفاتها قصيدة، قرأها على والده وأصدقائه وأصرّوا على أبيه أن يحثّه على الاستمرار في كتابة الشّعر. لم تكن هذه أوّل قصيدة يكتبها نايف الطّفل، ففي مقابلة في بيته يتحدّث الشّاعر عن قصيدة كتبها أثناء دراسته في الرّامة وقبل وفاة والدته. وقد كتب العديد من القصائد الحزينة في طفولته، تركّز معظمها على الظّروف المعيشيّة القاهرة الّتي عاشها الشّاعر وفقر عائلته الشّديد، وغالبًا ما يذكر ثيابه الممزّقة وخجله منها أمام زملائه أو معلّميه.

“لبست يوم العيد بدلة

لا تسألو من أين

لبستها ورحت باختيال

أسابق الفراشة والظلال

على طريق العين

وعندما تحلق الأولاد

حول بدلتي يقهقهون

أطرقت في سكون

وسرت في الطريق

بكيت يوم العيد

لأن أمي فصّلتها

آه ..من قمباز والدي العتيق

واكتشف الأولاد سرّنا

مشيت في الطريق

أنشج يوم العيد

ويضحك الأولاد”

بقي التعبير عن الفقر وحقّ المظلومين ومواجهة الإستغلالييّن هدف يظهر في أشعار نايف سليم دومًا، حتّى لقّبه البعض بشاعر الفقراء. ولا عجب أنّ الشّاعر الشّاب وجد انتماءًا في نفسه للفكر الشّيوعي الاشتراكي، فانضم للحزب الشيوعي عام 1965 وتبعه بضعة شبّان من البلد. تأثّر الشّاعر الشّاب بشخصيّات عديدة في سنوات طفولته ومراهقته ممن سكنوا البقيعة، وتحدّث عنها في مقالاته وفي طرفه الّتي يحكيها لأهالي البلدة وزوّارها، شخصيّات تركت أثر التّعلّق بالعروبة والتمرّد.

فيحكي مثلًا عن الأب جبران ساكن قرية البقيعة، إذ تورّط الأب في عراك مع أشخاص من القرية، فأتي أحدهم إليه قائلًا “يا أبونا لا يجوز لك أن تصيح بأحدهم، ألم يقل المسيح أعط خدّك الأيسر لمن يضربك على خدّك الأيمن” فأجابه الأب بأن المسيح لا يمكن أن يرضى بهذا، وأنّ هذا كلام الرّومان نسبوه إليه لكي يتحكّموا في النّاس، أمّا أنا فمن يضربني على خدّي الأيمن سأكسر يديه! كان أمثال الأب جبران كُثر ممّن تأثر بهم نايف سليم وزرع حضورهم في حياته رغبة بأن يكون ثوريًا ومختلفًا.

تنقّل نايف سليم بين العديد من المهن بينما استمرّ بتثقيف نفسه وبالاهتمام بالشأن العام. وفي العام 1972 كان من المشاركين بتأسيس لجنة المبادرة الدّرزيّة العربيّة، والّتي أشرف سويد على كتابة وتحرير مئات المناشير لها، وعشرات المجلّات والنّشرات. كما ترأس المجلس المحلّي للقرية كذلك.

في مجموعة الملصقات الّتي أهداها الشّاعر للمكتبة الوطنيّة نجد خطاه في هذه المسيرة بكلّ وضوح، فمن الأمسيات الشّعريّة والأدبيّة مرورًا بنشاطات الشّبيبة الشّيوعيّة ونشاطات الحزب الجماهيريّة عمومًا، إلى دعوات رسميّة من لجنة المبادرة ومؤتمرات عديدة نرى من خلالها عن قرب تطوّر الحركة الثّقافيّة والسياسيّة الّتي عايشها بتفاصيلها. وما زال الشّاعر في بيته إلى اليوم مزارًا ومعلمًا يرحّب بضيوفه ممّن يريدون التّعرف إلى تاريخ القرية، أو طرفها المضحكة، أو عمل الحزب الشّيوعي أو لجنة المبادرة.

للمزيد عن الشاعر نايف سليم سويد في المكتبة الوطنية، تصفحوا بوابتنا الرقمية المعرفية

البيزا الألبانيّة ومساعدة المسلمين لليهود أثناء المحرقة

الدولة الأوروبيّة ذات الاغلبيّة المسلمة والوحيدة الّتي أضحى عدد اليهود فيها بعد انتهاء الحرب العالميّة الثّانيّة أكثر ممّا كان عليه قبل اندلاعها. تعرّفوا على القصّة الكاملة هنا.

تحمل كارثة اليهود في القرن الماضي رغم فظاعتها الشّديدة قصصًا إنسانيّة عظيمة في طيّاتها. فرغم وحشيّة الجريمة ولامعقوليّتها، نجد أنّ بعض النّاس تحلّوا بالإنسانيّة والنُّبل الكافي لمساعدة أشخاص غرباء عنهم وتعريض أنفسهم للخطر دون أي مقابل أو رجاء، لمجرّد الوفاء والمسؤوليّة تجاه قيمة رفيعة بداخلهم، أو كما يسمّيها الألبانيّون “بيزا”.

تعني كلمة “بيزا” المتوارثة لدى الألبانيين عبر العقود “الوفاء بالوعد”، ويمكننا القول أنّها توازي مفهوم المروءة لدى العرب. فإن الإنسان الألبانيّ عليه أن يتحلّى بال”بيزا” إن كان يدعو نفسه ألبانيًّا بغضّ النّظر عن معتقده الدّينيّ. يجب أن يكون وفيًّا طيّبًا وأن يُكرم من يطرق بابه أيّا كان. وهذا ما فعله الألبانيّون لمئات اليهود الّذين فرّوا بأرواحم من ألمانيا والنّمسا وصربيا واليونان ويوغسلافيا نحو أراضي ألبانيا الجبليّة وأهلها الطيّبين.

كانت ألمانيا النّازيّة بزعامة هتلر قد أطلقت ما رأته حلّا للمشكلة اليهوديّة آنذاك، وهو إبادة اليهود تمامًا من جميع مناطق نفوذ ألمانيا بل ونفوذ حلفائها قدر الإمكان. ورغم وقوع ألبانيا تحت الاحتلال الإيطاليّ ومن ثمّ الألماني خلال الحرب العالميّة الثّانيّة إلّا أن الألبانيون استمرّوا بحماية اليهود الوافدين إليها ورفضوا تسليم قائمة بأسماء اليهود القاطنين فيها كما كان الحال في المناطق الّتي احتلّتها ألمانيا. علاوة على ذلك، قامت جهات رسميّة عديدة في ألبانيا بتزويد اليهود الألبانيّي الأصل والمقدّر عددهم ب200 في ذلك الوقت ببطاقات هويّة مزيّفة لحمايتهم من كشف هويّتهم اليهوديّة.

مقاتلون ألبانيّون في مواجهة الغزاة الألمان عام 1943
مقاتلون ألبانيّون في مواجهة الغزاة الألمان عام 1943

 

قام الألبانيّون باستضافة اليهود اللاجئين في بيوتهم القرويّة، وللحفاظ على سرّية الأمر قاموا بإلباسهم كما الفلّاحين في تلك المناطق حتّى يتمكّنوا من دمجهم في الحياة اليوميّة دون خوف، وقاموا بإيوائهم لسنوات حتّى انتقل معظم اليهود الّذين لجؤوا إلى ألبانيا، والمقدّر عددهم ب 1800، إلى البلاد بعد إعلان قيام دولة إسرائيل. فقد شكّلت ال”بيزا” قيمة وطنيّة وقوميّة لدى الألبانيّين، فكانت ضيافتهم وحمايتهم لليهود محلّا للمنافسة فيما بينهم، فمن ينقذ عدًدا أكبر من اليهود كان ألبانيّا أفضل، تزوّده مساعدته هذه بالفخر لا بالمشقّة. ولذلك، نرى أنّ الغالبيّة السّاحقة من اليهود الّذين اختاروا الحماية في ألبانيا تمّ إنقاذهم بالفعل، وأنّ عدد اليهود في ألبانيا وصل إلى 1800 نفرًا عقب نهاية الحرب العالميّة الثّانية. أي أنه تضاعف بتسع مرّات.

شاهد/ي أيضًا: الحرب العالمية الثانية: معارض رقمية لصور وأخبار من الصحف

ما زالت العائلات اليهوديّة والألبانيّة تتذكّر تلك السّنوات الّتي طبعها الخوف والمآزرة معًا، والّتي تغلّب فيها الحسّ الإنسانيّ والأخلاقيّ على الرّعب والجريمة الّذي هيمن على معظم الأراضي الأوروبيّة حينها.

شهادة فخر تمّ منحها لبعض العائلات الألبانيّة الّتي قامت بإنقاذ يهود أثناء المحرقة. المصدر من كتاب Besa Code of Honor
شهادة فخر تمّ منحها لبعض العائلات الألبانيّة الّتي قامت بإنقاذ يهود أثناء المحرقة. المصدر من كتاب Besa Code of Honor

 

ليما بيلا، امرأة ألبانيّة مسلمة كانت تبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا حين حضر إلى قريتها سبعة عشر شخصًا يطلبون المساعدة. لم يتعرّفوا إلى ديانتهم وكانوا يتحدّثون بلغات لم يفهمها أهل قريتها حينها. إلّا أنّ أهالي القرية قاموا باقتسام اللاجئين فيما بينهم وآووهم في بيوتهم الفقيرة، حيث اقتسموا الحطب والمياه والخضروات الّتي زرعوها حول بيوتهم فيما بينهم دون طلب الأجر من الوافدين اليهود. تقول ليما أنّ حتّى الشّرطة المحلّية في ذلك الوقت كانت تعلم أنّ القرية تقوم بحماية بعض اليهود إلّا أنّهم لم يسائلوهم في الأمر. قامت ليما بحماية ثلاثة إخوة يهود من عائلة عازار لثمانية عشر شهرًا ومن ثمّ ساعدهم قريبها المحارب بالفرار نحو محطّتهم القادمة، ولم تسمع أخبار الأخوة الثّلاثة إلّا في عام 1990.

ليما بالا Besa code of honor
ليما بالا Besa code of honor

 

عائلة فيسلي المسلمة مع العائلتين اليهوديّتين جوزيف ومانديل في بيتهم في قرية كروج عام 1944. Besa code of Honor
عائلة فيسلي المسلمة مع العائلتين اليهوديّتين جوزيف ومانديل في بيتهم في قرية كروج عام 1944.
Besa code of Honor

 

من القصص المؤثّرة كذلك قصّة عائلتيّ موشيه مانديل ورفيق فيسلي، كان موشيه مصوّرًا فوتوغرافيّا بمهنته، بعد طرده من كوسوفو ووصوله إلى قرية كافاجي، فرّ من القرية مجددًا نحو مدينة تيرانا بعد غزو ألمانيا لألبانيا، ظنًا منه أن الاختباء في المدينة الكبيرة سوف يحميه من ملاحقة الألمان. هناك تعرّف على رفيق الّذي أصبح رفيقه وتلميذه في التّصوير الفوتوغرافيّ. وحين ازدادت الأمور سوءًا وأصبحت حياة موشيه وعائلته في خطر. استضاف رفيق موشيه وعائلته في بيت أهله. حيث عاشت العائلتين بمودّة وأمان. وأعادوا التّواصل فيما بينهم بعد سنوات طوال، حين أصرّ موشيه على متحف المحرقة “ياد فاشيم” أن يمنح رفيق فيسلي لقب “الأشرف من بين الأمم”.

وصفت زوجة رفيق بيتها حين سألوها عن استضافة العائلة اليهوديّة بأن بيتها هو بيت الله أوّلا، ثمّ بيت الضّيف ثانيًا، ثمّ بيت العائلة أخيرًا. وأن الإسلام يعلّمهم بأن المسلمين واليهود والمسيحيّين تحت الله الواحد.

تبقى هذه القصص جزءًا من العديد مثلها، الّتي مهما ساءت الظّروف واشتدّ الظّلم، تظلّ تبعث الأمل بإنسانيّة ممكنة.

عيد الفصح اليهودي و”شمّ النسيم” المصريّ – هل من قرابة؟

ماذا تعرفون عن أعياد الرّبيع القديمة؟ وهل الفصح واحدٌ منها؟ تعرّفوا على القصّة التّراثيّة لكلّ من العيدين، وهل من قرابة أو أصل مشترك بينهما؟

كان المصريّون القدماء يقدّمون قرابينهم من السّمك المملّح إلى “أوزوروس” إله البعث في بداية ربيع كلّ عام ليشكرونه على بعث الرّبيع والخضرة من جديد بعد الشّتاء، وفي ذكرى اليوم الّذي انتصر فيه ابنه الصّالح الإله “حورس” على الإله “ست” إله الشّر فاستوى اللّيل والنّهار وجاء الرّبيع بخيره على البشر. توازى هذا التّقليد القديم مع احتفال غالبيّة الحضارات القديمة بأعياد لطالما ارتبطت معانيها بفصول السّنة وتغيّر الطّبيعة وأثرها على المورد الأوّل للإنسان في ذلك الوقت، الزّراعة والخصوبة.

من المرجّح أنّ العيد “شمّو”، الّذي أصبح فيما بعد “شمّ النّسيم” مناسبة احتفل بها المصريّون القدامى منذ عام 2700 قبل الميلاد، ومن المثير للاهتمام أن هذه المناسبة ما زالت قائمة وملبّاة في مصر اليوم بعد آلاف السّنين وتبدّل الحضارات والأديان. فما زال المصريّون إلى اليوم يتّخذون اليوم التّالي لعيد الفصح المسيحيّ، بحسب التّقويم المسيحي الشّرقي لدى الأقباط، موعدًا ثابتًا للاحتفال بشمّ النّسيم كلّ عام. فتخرج العائلات على اختلاف طوائفها ومذاهبها وتأخذ المأكولات الخاصّة بهذا العيد للاحتفال بقدوم الرّبيع واستنشاق نسيمه، بتقليدٍ مستمرّ منذ ما يزيد عن أربعة آلاف عام. وهو ما يكون أحيانًا موضع انتقادٍ لمن يرى أن الاحتفال بـ “شمّ النّسيم” ممارسة وثنيّة قديمة لا ينبغي اتّباعها الآن.

في الخامس والعشرين من الشّهر الجاري سيحتفل المصريّون في عيد شمّ النّسيم لعام 2022، وسيحضّرون سمك “الرينجة” والبصل الأخضر والخس والطّبق الأشهر لهذا العيد وهو “الفسيخ” أي السّمك المملّح.

ومن المثير للاهتمام، أنّ اسم هذا الطّبق الشّهير الّذي ارتبط بهذا العيد لآلاف السّنين يشبه إلى حدّ بعيد كلمة “الفصح” كما تُلفظ وتُكتب بالعبريّة “بيساخ” وأوّلها حرب الـ “بي” الّذي يلفظ في بعض الأحيان “ف”. وهو العيد الّذي سينتهي موعده لهذا العام أيّام قليلة قبل حلول شم النّسيم المصريّ. فهل يرتبط اسم العيد بنسختيه اليهوديّة والمسيحيّة بعيد “شمّو” الفرعوني؟ وهل الـ “فسيخ” أو الـ “فيساخ”  كلمة فرعونيّة قديمة تدحرجت لتحمل معاني عديدة ارتبطت بمناسبة واحدة؟

جبل سيناء ورحلة خروج اليهود من مصر، رسم دافيد روبيرتز، القرن ال19، أرشيف ياد يتسحاك
جبل سيناء ورحلة خروج اليهود من مصر، رسم دافيد روبيرتز، القرن ال19، أرشيف ياد يتسحاك

 

خروج اليهود من مصر، رسم دافيد روبيرتز، 1829، موقع متحف برمنغهام للفنون
خروج اليهود من مصر، رسم دافيد روبيرتز، 1829، موقع متحف برمنغهام للفنون

تحكي لنا النّصوص التّراثيّة اليهوديّة عن عيد الفصح لليهود بأنّه احتفال الشّعب اليهودي بخروجه من مصر بعد استعباده وظلمه من قبل فرعونها. وأنّه بعد اشتداد ظلم المصرييّن لهم، أراد الرّب أن يعاقب المصريّين بأن يميت أبكارهم الصّبيان جميعًا، وكي لا يصيب أبكار اليهود أمرهم بترك علامات على أسطح بيوتهم كي “يفسخ” عنها ولا يأخذ حياة الصّبيان الّذين بداخلها. و”يفسخ” هنا كلمة عبريّة وردت في التّوراة في سفر الخروج بمعنى “يستثني” أو “يتجاوز”. وبحسب المعتقد اليهوديّ فإنّ تسمية العيد بعيد “الفصح” جاءت من هذه الحادثة ومن هذا اللّفظ بالتّوراة. فبعدها تمكّن اليهود من الخروج بالسّلامة من مصر.

إلّا أن البعض يشير إلى ارتباط خروج اليهود من مصر بعيد شمّ النّسيم، إذ يتزامن الموعدان، ولربّما احتفل اليهود مع المصريّين قبل خروجهم من مصر بعيد “شمّو” إلّا أنّهم بعد الخروج قاموا بتغيير بعض طقوسه لتذكّرهم بالنّجاة من مصر وبقيت الكلمة “فسخ” مرتبطة بالمناسبة بطريقة ما.

إلّا أنّ تشابه الكلمات لا يدلّ بالضّرورة على ارتباط العيدين ببعضهم البعض. فهناك من يفسّر تسمية طبق “الفسيخ” القديم بهذا الاسم بمعنى “الفاسد” أي بسبب ترك السّمك بالملح لمدّة طويلة يصيبه الفساد ويمنحه المذاق اللّذيذ.

أخبرونا أنتم! ماذا تعتقدون؟ هل من علاقة بين “الفصح” والـ “فسيخ” أم أنّ تشابه الكلمات مجرّد صدفة؟ 

مكتبة من حول العالم- تعرّفوا على مجموعة دافيد أيالون!

في هذه المقالة، تعرّفوا على المؤرّخ أيالون الذي جمّع المخطوطات خلال مسيرته العلميّة.

تذخر المواقع الالكترونيّة للمكتبات الكُبرى اليوم بكتب دراسيّة معمّقة في تاريخ الإسلام، ونسخ الكترونيّة لمخطوطات تجدونها متاحة عن بُعد، تحصلون عليها عبر شاشاتكم بمجرّد الضّغط على زر، فترون المخطوطات وتقرأون الدّراسات وتشاهدون المحاضرات المسجّلة. وعلى الرغم من صعوبة الأمر، إلّا أن باحثي التّاريخ الإسلامي في الماضي كان عليهم تحمّل مشقّة لا نكاد نعرف عنها شيء في الوفرة الرّقميّة الّتي نعيشها اليوم. فلكي يتمكّن الباحث من التّعمق في المواضيع الّتي تثير اهتمامه، كان عليه أن يبحث عن المخطوطات القديمة المتعلّقة بالأمر ليعرف في أي مكتبة تقع، ثمّ إن لم يجد نسخة محقّقة ومطبوعة منها، كان عليه أن يراسل المكتبة أو الجهة المالكة للمخطوطة طالبًا الحصول على صورة عن تلك المخطوطة المحدّدة، وإن لم يسمح الأمر فكان عليه شدّ الرّحال إلى تلك المكتبة ليتمكّن من رؤية المادّة اللازمة، وقد تنفعه هذه المادّة وقد يتّضح أنها لا تمتّ لموضوع بحثه بصلة. فلكم أن تتخيّلوا المجهود الّذي كان على الباحث أن يبذله فقط في المرحلة الأولى من جمع المواد والمصادر الأوّليّة.

صورة لكتاب في ترتيب مملكة الديار المصرية وامرائها وأركانها وأرباب الوظائف – من مكتبة برلين (بالإنجليزية)
صورة لكتاب في ترتيب مملكة الديار المصرية وامرائها وأركانها وأرباب الوظائف – من مكتبة برلين (بالإنجليزية)

 

هذه هي قصّة الباحث في التّاريخ الإسلامي بروفسور دافيد أيالون (1914-1998)، الّذي بدأ مسيرته بدراسة الأدب العربيّ في الجامعة العبريّة في سنوات الثّلاثينات، وخلّف بعد وفاته مجموعة غنيّة من صور المخطوطات الّتي حصل عليها من مكتبات شتّى حول العالم خلال مسيرته العلميّة؛ بين مكتباتٍ عريقة في مصر وسورية ومكتبات في الهند وإيران وحتّى مكتبات العواصم الأوروبيّة، جمع أيالون صورًا  لقرابة 240 مادّة لأمّهات الكتب في التّاريخ الإسلامي وبعض الأعمال في الأدب.


دافيد أيالون:
وُلد دافيد أيالون في مدينة حيفا عام 1914، التحق بالجامعة العبريّة عام 1933 لدراسة الأدب العربيّ وتاريخ الشّرق الأوسط وشعب إسرائيل، ثمّ في مرحلة الماجستير والدكتوراه قدّم أطروحاته حول التّاريخ المملوكي. بعد قيام دولة إسرائيل، عمل في مكتب الوزارة الخارجيّة كباحثٍ في شؤون الشّرق الأوسط لمدّة وجيزة ثمّ عاد إلى صفوف الدّراسة في الجامعة العبريّة كمحاضر في قسم دراسات آسيا وإفريقيا.

ساهم أيالون بإعداد قاموس العربيّة-العبريّة الأوّل في البلاد عام 1947 بالشّراكة مع الباحث بيساح شنعار (1914-2013)، وقدّم عشرات الأبحاث الأصيلة في التّاريخ الإسلاميّ، لا سيّما فيما يخصّ التّاريخ السّياسي والعسكري للمماليك في مصر.

المجموعة في المكتبة:
قامت زوجة الرّاحل أيالون السّيدة مريام روزن/أيالون بالتّبرّع بمجموعة المخطوطات المصوّرة إلى المكتبة الوطنيّة مشكورة، ولفهرسة هذه المجموعة الهامّة، قام فريق المكتبة بالتّعرف على الأعمال الّتي اشتملت عليها المجموعة وبرصد مصادرها حول العالم من أجل إدراج المعلومات الصّحيحة حول المكتبة الأمّ لكل مخطوطة.

من الجدير الملاحظة بأنّ عملية الفهرسة هذه لم تكن اللقاء الأوّل بين هذه المخطوطات وفريق عمل المكتبة الوطنيّة، ففي كلّ مرّة كان أيالون يحصل على صورة لمخطوطة وصلته من مكتبة ما على شريط “ميكروفيلم”، كان يقوم بطباعتها وتجليدها مستعينًا بخدمات المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة. ومن الجميل أنّ هذه المجموعة عادت إلى المكتبة من جديد حاملة آثار رحلة المؤرّخ ليستعين بها باحثون جدد.

بالرّغم من اشتمال المجموعة على مخطوطات مصوّرة فقط إلّا أنها ذات أهميّة لعدّة أسباب، بعض المخطوطات المصوّرة غير متاحة رقميًا من قبل المكتبة المالكة، ممّا سيتيح للباحثين المهتمّين بتلك المخطوطات الوصول إليها من خلال المكتبة الوطنيّة، ومن جهة أخرى، فالمجموعة تحتوي على ملاحظات العمل الخاصّة بأيالون، ممّا سيمكّن المهتمّين من التّعرف على آليّة عمل المؤرّخ والطّرق المتّبعة حينها. وبالّرغم من صدور نُسخ محقّقة لمعظم الأعمال الّتي اشتملت عليها المجموعة، ما زال تصفّح صور المخطوطات يشكّل تجربة فريدة ومثرية.

في الوقت الحالي، ما زالت المجموعة غير متاحة للتّصفح عن بُعد، إلّا أنّه بامكانكم الاطّلاع على المواد المدرجة في فهرس المكتبة والاطّلاع على المخطوطات الّتي تهمّكم من مبنى المكتبة بعد طلبها مسبقًا

لتصفّح المخطوطات المدرجة في الفهرس