“ينقط شعره عسلًا أحلى من تين البقيعة” قال إميل حبيبي عن الشّاعر نايف سليم. عضو الحزب الشّيوعي وأحد مؤسّسي لجنة المبادرة الدرزيّة العربيّة، صحافيّ مخضرم، كاتب وفلّاح وحلّاق وسوّاق والمزيد. تبرّع الشّاعر نايف سليم للمكتبة الوطنيّة بمجموعة من الملصقات والمنشورات الهامّة الّتي تعود إلى سنوات السّبعينيّات والثّمانينيّات وحّتى عام 2000. وهي ملصقات هامّة تشهد على الحركة الثّقافيّة والسّياسيّة العربيّة في شمال البلاد وتُظهر مشاركة الشّاعر سويد فيها. في هذه المقالة نتعرّف أكثر إلى قصّة حياة الشّاعر ونشأته وأشعاره، وفي قصّته نموذج نفهم من خلاله حياة جيل كامل. ذكريات نستعيدها من مقالاته وأشعاره ومقابلاته المصوّرة.
للاطلاع على مجموعة الملصقات العربية في الأروقة الرقمية للمكتبة الوطنية
وُلد الشّاعر لعائلة درزيّة فقيرة كما يصفها، عام 1935. كان أبو فلّاح وكان من واجبه وأخوته مساعدته دائمًا، إلّا أن والده كان من مقدّسي الكتاب، فإذا رأى أحد أبناءه مأخوذًا بالقراءة تركه ولم يطلب منه المساعدة. التحق نايف الطّفل بالمدرسة الابتدائيّة في قرية الرّامة حيث درس عامين وتوقّفت المدرسة عن العمل في عام 1948. فأكمل تنوّره وقراءته بالاعتماد على مهارة القراءة الّتي تمكّن من اكتسابها بسرعة في الرّامة، وطوّرها حين كان يطيع أبيه في كلّ مرّة يطلب منه أن يقرأ له ولرفاقه السّاهرين “طرفة” أو قصّة من قصص عنترة أو كليلة ودمنة.
للمزيد حول الطائفة الدرزية في المكتبة الوطنية، اضغطوا هنا
في هذه السّنوات توفّيت أمّه عن عمرٍ يناهز 36 عامًا فقط، وكان هو يبلغ من العمر 12 عامًا فقط، وقد كتب في وفاتها قصيدة، قرأها على والده وأصدقائه وأصرّوا على أبيه أن يحثّه على الاستمرار في كتابة الشّعر. لم تكن هذه أوّل قصيدة يكتبها نايف الطّفل، ففي مقابلة في بيته يتحدّث الشّاعر عن قصيدة كتبها أثناء دراسته في الرّامة وقبل وفاة والدته. وقد كتب العديد من القصائد الحزينة في طفولته، تركّز معظمها على الظّروف المعيشيّة القاهرة الّتي عاشها الشّاعر وفقر عائلته الشّديد، وغالبًا ما يذكر ثيابه الممزّقة وخجله منها أمام زملائه أو معلّميه.
“لبست يوم العيد بدلة
لا تسألو من أين
لبستها ورحت باختيال
أسابق الفراشة والظلال
على طريق العين
وعندما تحلق الأولاد
حول بدلتي يقهقهون
أطرقت في سكون
وسرت في الطريق
بكيت يوم العيد
لأن أمي فصّلتها
آه ..من قمباز والدي العتيق
واكتشف الأولاد سرّنا
مشيت في الطريق
أنشج يوم العيد
ويضحك الأولاد”
بقي التعبير عن الفقر وحقّ المظلومين ومواجهة الإستغلالييّن هدف يظهر في أشعار نايف سليم دومًا، حتّى لقّبه البعض بشاعر الفقراء. ولا عجب أنّ الشّاعر الشّاب وجد انتماءًا في نفسه للفكر الشّيوعي الاشتراكي، فانضم للحزب الشيوعي عام 1965 وتبعه بضعة شبّان من البلد. تأثّر الشّاعر الشّاب بشخصيّات عديدة في سنوات طفولته ومراهقته ممن سكنوا البقيعة، وتحدّث عنها في مقالاته وفي طرفه الّتي يحكيها لأهالي البلدة وزوّارها، شخصيّات تركت أثر التّعلّق بالعروبة والتمرّد.
فيحكي مثلًا عن الأب جبران ساكن قرية البقيعة، إذ تورّط الأب في عراك مع أشخاص من القرية، فأتي أحدهم إليه قائلًا “يا أبونا لا يجوز لك أن تصيح بأحدهم، ألم يقل المسيح أعط خدّك الأيسر لمن يضربك على خدّك الأيمن” فأجابه الأب بأن المسيح لا يمكن أن يرضى بهذا، وأنّ هذا كلام الرّومان نسبوه إليه لكي يتحكّموا في النّاس، أمّا أنا فمن يضربني على خدّي الأيمن سأكسر يديه! كان أمثال الأب جبران كُثر ممّن تأثر بهم نايف سليم وزرع حضورهم في حياته رغبة بأن يكون ثوريًا ومختلفًا.
تنقّل نايف سليم بين العديد من المهن بينما استمرّ بتثقيف نفسه وبالاهتمام بالشأن العام. وفي العام 1972 كان من المشاركين بتأسيس لجنة المبادرة الدّرزيّة العربيّة، والّتي أشرف سويد على كتابة وتحرير مئات المناشير لها، وعشرات المجلّات والنّشرات. كما ترأس المجلس المحلّي للقرية كذلك.
في مجموعة الملصقات الّتي أهداها الشّاعر للمكتبة الوطنيّة نجد خطاه في هذه المسيرة بكلّ وضوح، فمن الأمسيات الشّعريّة والأدبيّة مرورًا بنشاطات الشّبيبة الشّيوعيّة ونشاطات الحزب الجماهيريّة عمومًا، إلى دعوات رسميّة من لجنة المبادرة ومؤتمرات عديدة نرى من خلالها عن قرب تطوّر الحركة الثّقافيّة والسياسيّة الّتي عايشها بتفاصيلها. وما زال الشّاعر في بيته إلى اليوم مزارًا ومعلمًا يرحّب بضيوفه ممّن يريدون التّعرف إلى تاريخ القرية، أو طرفها المضحكة، أو عمل الحزب الشّيوعي أو لجنة المبادرة.
للمزيد عن الشاعر نايف سليم سويد في المكتبة الوطنية، تصفحوا بوابتنا الرقمية المعرفية