قرافة المماليك: بوابة سماء القاهرة الشرقية

تشهد صحراء المماليك على عراقة تاريخ المماليك بكثرة المباني المعمارية ذات الطابع الفني. في هذا المقال، سنتعرّف عليها وكيف تحوّلت إلى قرافة.

مشهد عام على جبل المقطّم في مدينة القاهرة، 1898-1907، أرشيف بن تسفي.

انغمست الدول على مر الزمن وحتى يومنا هذا ببناء العديد من المساجد، الكنائس، القلاع، القصور، والأبراج وغيرها من المنشآت المعمارية وذلك لإظهار مدى قوة ونفوذ الدولة من جهة، ولكسب شرعية البقاء من جهة أخرى. ولقد انشغلت السلطات الحاكمة في مصر على مر التاريخ بتقاليد البناء المعماري للمدافن من أيام الفراعنة حتى أواخر الأمبراطوريّة العثمانية، وكان لكل عصر التقليد المعماري الخاص به والذي يعكس وجه الدولة الحاكمة. وعلى الرغم من رفض الإسلام لتقديس الموتى، كانت العديد من الدول الإسلامية تجعل لمتصوفيها الأضرحة في مدافن للزيارة والتبرك بها. (حمزة، 2021) وقد بنى المماليك في صحراء شرق مدينة القاهرة وشمال باب النصر في منطقة الحسينيّة المساجد، المدارس، الخانقات، الأضرحة والمدافن فيما عُرف باسم “صحراء المماليك” أو “القرافة” أو “المقبرة الشمالية”. وكلمة “قرافة”، وفقًا لمعجم المعاني، هو اسم قبيلة يمنية سكنت بجوار المقابر في مصر، فلاحقًا، أصبح لفظ “قرافة” يُطلق على كل مقبرة. ولكن ما العلاقة بين القرافة والمماليك ولماذا وُصِفَت ببوابة السماء الشرقيّة؟

من ميدان صحرواي لاستعراض الجنود والممارسات الحربية إلى قرافة

بدأت الحكاية مع الظاهر بيبرس (1223 – 1277)، المؤسس الفعلي للدولة المملوكية، الذي قرّر تعزيز الجيش بالمعدّات والوسائل والتدريبات وذلك للتصدّي لهجمات المغول والصليبيين الدائمة. وكانت قدرات الجيش تُستعرض في ميدان صحراوي عُرف باسم ميدان الأسود أو الميدان الأخضر، بالإضافة إلى بناء مدّرج للمشاهدين. في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون (1285 – 1341)، ظهرت بعض المباني مثل المساجد والأضرحة والبيمارستانات (المشافي) والمدارس كذلك. مع ذلك، برز بتفرّد تطوّر العمران المملوكي في الفترة الثانية للدولة المملوكية وهي فترة المماليك البُرجية (سكان برج قلعة صلاح الدين) والذين يُعرفون أيضًا باسم المماليك الجراكسة (الشركسيين)؛ إذ بدأت هذه الفترة بحكم سيف الدين بن بُرقوق (1340 – 1399) وتلاه ابنه الناصر فرج بن بُرقوق (1386 – 1411) الذي حكم لفترتين؛ مرة في صباه حتى عُزِل ومرة ثانية بعدما انتزع حكمه من معتزليه. وقد كانت المنشأة المملوكية البُرجية الأولى في صحراء المماليك هي خانقاه يونس الداودار التي بناها للمتصوفين هناك، وقد كان الداودار أحد الأمراء المخلصين والمواليين لبُرقوق، ثم توالت الأبنية من خانقات ومساجد ومدارس لجميع الأئمة والمدارس الفقهية. وعلى الرغم من الصراعات الداخلية المطوّلة والاقتصاد المدمَّر الذي عاشته فترتي توليّ الظاهر فرج بن بُرقوق، إلا أنّه تمكّن من تشييد مجمع ضخم يتكوّن من خانقاه لأربعين صوفيًّا، جامع، ضريحيْن، وسبيليْن ومئذنتيْن ومدخلين وقاعات كبيرة لطلبة العلم. (حمزة، 2021)

مسجد السلطان فرج بن برقوق، 1857، مجموعة عائلة لينكن
مسجد السلطان فرج بن برقوق، 1857، مجموعة عائلة لينكن

 

المدخل الغربي لجامع وضريح فرج بن برقوق، 1894، مجموعة عائلة لينكن
المدخل الغربي لجامع وضريح فرج بن برقوق، 1894، مجموعة عائلة لينكن

للمزيد من صور المساجد والمنشآت المملوكية في القاهرة ضمن مجموعات صور المكتبة الوطنية الرقمية

وكما أسلفنا في أول المقال، كانت الصحراء عبارة عن ميدان للجنود والاستعراض الحربي، إلّا أنّ بناء الخانقات (زوايا عبادات المتصوّفيين) والأضرحة والمساجد قد ساهم في تطوّر نشاط حركات التصوّف في مصر ولا سيما في عهد المماليك البرجية حتى لقبت ببوابة السماء الشرقية؛ إذ كانت بقعة الصوفيين للتوجه لله في التضرّع، طلب العلم، حفظ القرآن وكذلك الإحسان لكل الفقراء والمشرّدين آنذاك. وأصبحت تُعرف باسم “القرافة” لكثرة مدافن الصوفيين والسلاطين المماليك فيها. ومن الأمثلة على هذه المنشآت: قبة ومدرسة الأشرف قايتباي ذات القبة المشابهة تمامًا لقبة سبيل قايتباي في المسجد الأقصى، قبة الأشرف برسباي وقبة والدته خديجة أم الأشرف، مجمع الأشرف إينال، مجمع قرقماس، معبد الرفاعي والكثير من القباب والأسبلة الشاهدة على التطوّر العمراني المملوكي القائم حتى يومنا هذا.

منشأة وقبر السلطان الأشرف قايتباي في القاهرة، مجموعة عائلة لينكن، المكتبة الوطنية
منشأة وقبر السلطان الأشرف قايتباي في القاهرة، مجموعة عائلة لينكن، المكتبة الوطنية

 

بطاقة بريدية مرسومة لسبيل قايتباي في المسجد الأقصى، أرشيف يتسحاك بن تسفي، المكتبة الوطنية.
بطاقة بريدية مرسومة لسبيل قايتباي في المسجد الأقصى، أرشيف يتسحاك بن تسفي، المكتبة الوطنية.


أكثر الأنماط المعمارية انتشارًا

في الفترة المملوكية الجركسية الوسطى والمتأخرة، أمست صحراء المماليك موضع الدفن المفضّل لأعيان الدولة وذلك لكثرة الرعاية السلطانية بها وبالمنشآت ولكثرة مزارات العامة. لذلك، كانت الأضرحة هي أكثر الأنماط المعمارية انتشارًا في الصحراء إمّا منفردة في البنيان أو جزءًا من مسجد أو مجمّع؛ إذ يوجد 88 ضريحًا من أصل 107 منشأة مملوكية، وجميعها مربّعة الشكل ويعلوها قبة مزخرفة تعكس النمط المعماري المملوكي المتمثّل في رسومات الزخارف الإسلامية الهندسية والنباتية.

ضريح السبع بنات: تعدّدت الأساطير والبركة واحدة

يعتبر ضريح السبع بنات من الأضرحة الهامة والمميزة في تاريخ المنطقة حتى اللحظة، ومن الملفت أنّ هذا الضريح يعود للدولة الفاطمية أي ما قبل الدول المملوكية، مع ذلك هو من الأضرحة الهامة والقيّمة في صحراء المماليك. على الرغم من أنّ المكان معروف باسم السبع بنات، إلّا أنّه في الحقيقة لا يوجد رفات لأي امرأة أو حتى فتيات صغيرات. فيما تقول إحدى الأساطير أن السبع بنات كانوا فعلًا سبعًا يعملن على خدمة أهالي المنطقة، يطبّبنَ المرضى ويوهبنَ الفقراء من مالهنّ الخاص، فأصبح لهنّ مكانة عالية في قلوب الناس، وبات ضريحهنّ مزارًا لكل سيدة تريد الإنجاب وذلك، وفقًا للأسطورة، برميها من تلة مرتفعة بعض الشيء كي تحدث لها الصدمة فينشط الرحم.

تشهد صحراء المماليك أو قرافة المماليك على عز الدولة المملوكية بكثرة القباب والأضرحة والمنشآت المعمارية والتي تحاكي حكايات النُصُب التذكارية التخليدية لشخصيات مروا في تاريخ الدول وساهموا في بنائها. ربما لم تعد صحراء المماليك بوابة للسماء كما كانت، إلا أنّها ما زالت رمزًا هامًّا لعراقة الحضارة الإسلامية التي لمعت وازدهرت آنذاك في مدينة القاهرة.

شاعر الفقراء الّذي علّم نفسه بنفسه: تعرّفوا على نايف سليم سويد ابن البقيعة

وُلد الشّاعر نايف سليم سويد عام 1935 في البقيعة لعائلة متواضعة الحال، وكان لولادته في هذا الزّمان والمكان على وجه التّحديد الأثر الأكبر على مسيرته الّتي انعكست في مجموعة الملصقات الّتي تركها لنا.

البقيعة عام 1910، بيتمونا

“ينقط شعره عسلًا أحلى من تين البقيعة” قال إميل حبيبي عن الشّاعر نايف سليم. عضو الحزب الشّيوعي وأحد مؤسّسي لجنة المبادرة الدرزيّة العربيّة، صحافيّ مخضرم، كاتب وفلّاح وحلّاق وسوّاق والمزيد. تبرّع الشّاعر نايف سليم للمكتبة الوطنيّة بمجموعة من الملصقات والمنشورات الهامّة الّتي تعود إلى سنوات السّبعينيّات والثّمانينيّات وحّتى عام 2000. وهي ملصقات هامّة تشهد على الحركة الثّقافيّة والسّياسيّة العربيّة في شمال البلاد وتُظهر مشاركة الشّاعر سويد فيها. في هذه المقالة نتعرّف أكثر إلى قصّة حياة الشّاعر ونشأته وأشعاره، وفي قصّته نموذج نفهم من خلاله حياة جيل كامل. ذكريات نستعيدها من مقالاته وأشعاره ومقابلاته المصوّرة.

                    للاطلاع على مجموعة الملصقات العربية في الأروقة الرقمية للمكتبة الوطنية

وُلد الشّاعر لعائلة درزيّة فقيرة كما يصفها، عام 1935. كان أبو فلّاح وكان من واجبه وأخوته مساعدته دائمًا، إلّا أن والده كان من مقدّسي الكتاب، فإذا رأى أحد أبناءه مأخوذًا بالقراءة تركه ولم يطلب منه المساعدة. التحق نايف الطّفل بالمدرسة الابتدائيّة في قرية الرّامة حيث درس عامين وتوقّفت المدرسة عن العمل في عام 1948. فأكمل تنوّره وقراءته بالاعتماد على مهارة القراءة الّتي تمكّن من اكتسابها بسرعة في الرّامة، وطوّرها حين كان يطيع أبيه في كلّ مرّة يطلب منه أن يقرأ له ولرفاقه السّاهرين “طرفة” أو قصّة من قصص عنترة أو كليلة ودمنة.

للمزيد حول الطائفة الدرزية في المكتبة الوطنية، اضغطوا هنا

في هذه السّنوات توفّيت أمّه عن عمرٍ يناهز 36 عامًا فقط، وكان هو يبلغ من العمر 12 عامًا فقط، وقد كتب في وفاتها قصيدة، قرأها على والده وأصدقائه وأصرّوا على أبيه أن يحثّه على الاستمرار في كتابة الشّعر. لم تكن هذه أوّل قصيدة يكتبها نايف الطّفل، ففي مقابلة في بيته يتحدّث الشّاعر عن قصيدة كتبها أثناء دراسته في الرّامة وقبل وفاة والدته. وقد كتب العديد من القصائد الحزينة في طفولته، تركّز معظمها على الظّروف المعيشيّة القاهرة الّتي عاشها الشّاعر وفقر عائلته الشّديد، وغالبًا ما يذكر ثيابه الممزّقة وخجله منها أمام زملائه أو معلّميه.

“لبست يوم العيد بدلة

لا تسألو من أين

لبستها ورحت باختيال

أسابق الفراشة والظلال

على طريق العين

وعندما تحلق الأولاد

حول بدلتي يقهقهون

أطرقت في سكون

وسرت في الطريق

بكيت يوم العيد

لأن أمي فصّلتها

آه ..من قمباز والدي العتيق

واكتشف الأولاد سرّنا

مشيت في الطريق

أنشج يوم العيد

ويضحك الأولاد”

بقي التعبير عن الفقر وحقّ المظلومين ومواجهة الإستغلالييّن هدف يظهر في أشعار نايف سليم دومًا، حتّى لقّبه البعض بشاعر الفقراء. ولا عجب أنّ الشّاعر الشّاب وجد انتماءًا في نفسه للفكر الشّيوعي الاشتراكي، فانضم للحزب الشيوعي عام 1965 وتبعه بضعة شبّان من البلد. تأثّر الشّاعر الشّاب بشخصيّات عديدة في سنوات طفولته ومراهقته ممن سكنوا البقيعة، وتحدّث عنها في مقالاته وفي طرفه الّتي يحكيها لأهالي البلدة وزوّارها، شخصيّات تركت أثر التّعلّق بالعروبة والتمرّد.

فيحكي مثلًا عن الأب جبران ساكن قرية البقيعة، إذ تورّط الأب في عراك مع أشخاص من القرية، فأتي أحدهم إليه قائلًا “يا أبونا لا يجوز لك أن تصيح بأحدهم، ألم يقل المسيح أعط خدّك الأيسر لمن يضربك على خدّك الأيمن” فأجابه الأب بأن المسيح لا يمكن أن يرضى بهذا، وأنّ هذا كلام الرّومان نسبوه إليه لكي يتحكّموا في النّاس، أمّا أنا فمن يضربني على خدّي الأيمن سأكسر يديه! كان أمثال الأب جبران كُثر ممّن تأثر بهم نايف سليم وزرع حضورهم في حياته رغبة بأن يكون ثوريًا ومختلفًا.

تنقّل نايف سليم بين العديد من المهن بينما استمرّ بتثقيف نفسه وبالاهتمام بالشأن العام. وفي العام 1972 كان من المشاركين بتأسيس لجنة المبادرة الدّرزيّة العربيّة، والّتي أشرف سويد على كتابة وتحرير مئات المناشير لها، وعشرات المجلّات والنّشرات. كما ترأس المجلس المحلّي للقرية كذلك.

في مجموعة الملصقات الّتي أهداها الشّاعر للمكتبة الوطنيّة نجد خطاه في هذه المسيرة بكلّ وضوح، فمن الأمسيات الشّعريّة والأدبيّة مرورًا بنشاطات الشّبيبة الشّيوعيّة ونشاطات الحزب الجماهيريّة عمومًا، إلى دعوات رسميّة من لجنة المبادرة ومؤتمرات عديدة نرى من خلالها عن قرب تطوّر الحركة الثّقافيّة والسياسيّة الّتي عايشها بتفاصيلها. وما زال الشّاعر في بيته إلى اليوم مزارًا ومعلمًا يرحّب بضيوفه ممّن يريدون التّعرف إلى تاريخ القرية، أو طرفها المضحكة، أو عمل الحزب الشّيوعي أو لجنة المبادرة.

للمزيد عن الشاعر نايف سليم سويد في المكتبة الوطنية، تصفحوا بوابتنا الرقمية المعرفية

عاش الأول من أيار؛ عيد العمال الأحرار

تسلط هذه المقالة الضوء على أوضاع وحال يوم العمال في القرن الماضي بالاستعانة بمواد من أرشيف جرايد ومجموعة ملصقات المكتبة.

تحتفل معظم دول العالم في الأول من أيّار بيوم العمال العالمي، وقد شاءت الأقدار أن تكون الأعياد أو بعض الأيام السنوية لأكثر الأفراد أو الجماعات حاجةً للتقدير والاهتمام الدائم، كالأم، المرأة، وذوي الاحتياجات الخاصة، الطفل، الأب (في بعض الدول)، والعمّال، بل وحتى الأرض. ولأن العامل قد يكون جزءًا من كل ما ذُكر سابقًا، لا بد من تسليط الضوء على قضاياه وأهميته في بناء منظومات الدول الاقتصادية على المستويات المحلية والعالمية. ولا بد من التأكيد على أنّ يوم العمّال ليس فقط للتقدير، بل هو كذلك دعوة لكافة العمال للمطالبة بحقوقهم، دعمهم المادي والمعنوي، والتأكيد على نضالهم في النهوض لتحسين الأوضاع والأحوال الاقتصادية بل والاجتماعية والأكاديمية في أحوال أخرى.

في البلاد، كان وربما لا تزال هنالك نكهة خاصة ليوم العمال، ففيه تنطلق الدعوات لمحاربة الرأسمالية المتجذرة في القطاعات الخاصة والعامة والتي تستهدف طاقات وذوات العمال. في ظل الانتداب البريطاني والفترة اللاحقة، رصدت الصحف الفلسطينية دعوات العمال العرب لمناهضة كل القوى التي وقفت أمامهم: ولقد وددنا في هذا المقال تسليط الضوء على بعض الأخبار والأحداث والدعوات الجماهيرية في يوم العمّال.

صحيفة فلسطين: 05 أيّار 1931
صحيفة فلسطين: 05 أيّار 1931

في خبر بسيط في الصفحة السادسة لصحيفة فلسطين بعد أربعة أيّام من عيد العمّال، وكان الخبر أنّ عيد العمّال مرّ على المدن الفلسطينية دون احتجاجات أو صراعات مع السلطات الانتدابية، كذلك أكّد الخبر أن العمّال اليهود لم يفتعلوا المشاكل في هذا اليوم. في ذات الصفحة وتحت هذا الخبر، رصدت الصحيفة عيد العمّال في دول أخرى مثل: بولونيا، إسبانيا، الهند، أستراليا … إلخ.

في المقابل لهذا الخبر، صدر في فلسطين الانتدابية منشورًا عن الهئية المركزية لحزب عمال فلسطين (بوعلي تسيون)، دعوة لكافة العمال بعنوان “يا عمال جميع العالم، اتحدوا” وكانت دعوة واضحة وصارمة للعمال العرب واليهود للاتحاد ضد الرأسماليين العرب واليهود، والمطالبة بإحياء عيد العمّال بالوحدة والعمل والمطالبة بحقوق العمّال، بل أسرف المنشور إلى دعوة العمال إلى محاربة عائلتي الحسيني والنشاشيبي لأنهم إقطاعيّ البلاد، على حد وصفهم.

يا عمّال جميع العالم، اتحدوا
يا عمّال جميع العالم، اتحدوا

في العام 1931، توجهت النقابة العربية لعمال سكة الحديد في مدينة حيفا بدعوة العمّال العرب للتصدّي لدعوات نقابة العمال اليهودية بدعوة العمال العرب للانضمام لها والتمرد على النقابة العربية بحجة أنّ النقابة العربية غير فعّالة ولا تعمل لصالح العامل العربي. وهنا تظهر أحد الحيل والمؤامرات التي تستخدم العامل البسيط لأهداف اقتصادية وسياسية على المدى البعيد.

إلى جميع عمال فلسطين
إلى جميع عمال فلسطين

قامت كذلك صحيفة الاتحاد برصد بعض الأحداث والأخبار في يوم العمّال، فمثلاً في ثمانينيّات القرن الماضي رُصدت بعض الأخبار والأحداث المختلفة في يوم العمّال والتي كان لها أثرًا على المستوى الاجتماعي، الاقتصادي والسياسي، مثل إسقاط الحكومة، توزيع ورود، فصل عمال… إلخ.

 تصفحوا أخبار يوم العمال في أرشيف جرايد

الإتحاد: 30 نيسان 1982
الاتحاد: 30 نيسان 1982

 

الاتحاد: 2 أيّار 1985
الاتحاد: 2 أيّار 1985

 

الاتحاد: 3 أيّار 1983
الاتحاد: 3 أيّار 1983

 

الاتحاد: 5 أيّار 1985
الاتحاد: 5 أيّار 1985

وفي الختام، نستذكر أنّ يوم العمّال هو يوم للتذكير بأهمية كافة العمّال في كافة القطاعات الحكومية والخاصة وفي كافة المجالات بدون استثناء، ولا بد من وقفة فخر لأن ما يُصنع ويُقدّم باسم أي دولة هو الجهد اليومي خلال ثماني ساعات على الأقل لعامل أو عاملة لهم حياة أخرى غير العمل.

وعاش الأول من الأيار، عيد العمال الأحرار

البيزا الألبانيّة ومساعدة المسلمين لليهود أثناء المحرقة

الدولة الأوروبيّة ذات الاغلبيّة المسلمة والوحيدة الّتي أضحى عدد اليهود فيها بعد انتهاء الحرب العالميّة الثّانيّة أكثر ممّا كان عليه قبل اندلاعها. تعرّفوا على القصّة الكاملة هنا.

تحمل كارثة اليهود في القرن الماضي رغم فظاعتها الشّديدة قصصًا إنسانيّة عظيمة في طيّاتها. فرغم وحشيّة الجريمة ولامعقوليّتها، نجد أنّ بعض النّاس تحلّوا بالإنسانيّة والنُّبل الكافي لمساعدة أشخاص غرباء عنهم وتعريض أنفسهم للخطر دون أي مقابل أو رجاء، لمجرّد الوفاء والمسؤوليّة تجاه قيمة رفيعة بداخلهم، أو كما يسمّيها الألبانيّون “بيزا”.

تعني كلمة “بيزا” المتوارثة لدى الألبانيين عبر العقود “الوفاء بالوعد”، ويمكننا القول أنّها توازي مفهوم المروءة لدى العرب. فإن الإنسان الألبانيّ عليه أن يتحلّى بال”بيزا” إن كان يدعو نفسه ألبانيًّا بغضّ النّظر عن معتقده الدّينيّ. يجب أن يكون وفيًّا طيّبًا وأن يُكرم من يطرق بابه أيّا كان. وهذا ما فعله الألبانيّون لمئات اليهود الّذين فرّوا بأرواحم من ألمانيا والنّمسا وصربيا واليونان ويوغسلافيا نحو أراضي ألبانيا الجبليّة وأهلها الطيّبين.

كانت ألمانيا النّازيّة بزعامة هتلر قد أطلقت ما رأته حلّا للمشكلة اليهوديّة آنذاك، وهو إبادة اليهود تمامًا من جميع مناطق نفوذ ألمانيا بل ونفوذ حلفائها قدر الإمكان. ورغم وقوع ألبانيا تحت الاحتلال الإيطاليّ ومن ثمّ الألماني خلال الحرب العالميّة الثّانيّة إلّا أن الألبانيون استمرّوا بحماية اليهود الوافدين إليها ورفضوا تسليم قائمة بأسماء اليهود القاطنين فيها كما كان الحال في المناطق الّتي احتلّتها ألمانيا. علاوة على ذلك، قامت جهات رسميّة عديدة في ألبانيا بتزويد اليهود الألبانيّي الأصل والمقدّر عددهم ب200 في ذلك الوقت ببطاقات هويّة مزيّفة لحمايتهم من كشف هويّتهم اليهوديّة.

مقاتلون ألبانيّون في مواجهة الغزاة الألمان عام 1943
مقاتلون ألبانيّون في مواجهة الغزاة الألمان عام 1943

 

قام الألبانيّون باستضافة اليهود اللاجئين في بيوتهم القرويّة، وللحفاظ على سرّية الأمر قاموا بإلباسهم كما الفلّاحين في تلك المناطق حتّى يتمكّنوا من دمجهم في الحياة اليوميّة دون خوف، وقاموا بإيوائهم لسنوات حتّى انتقل معظم اليهود الّذين لجؤوا إلى ألبانيا، والمقدّر عددهم ب 1800، إلى البلاد بعد إعلان قيام دولة إسرائيل. فقد شكّلت ال”بيزا” قيمة وطنيّة وقوميّة لدى الألبانيّين، فكانت ضيافتهم وحمايتهم لليهود محلّا للمنافسة فيما بينهم، فمن ينقذ عدًدا أكبر من اليهود كان ألبانيّا أفضل، تزوّده مساعدته هذه بالفخر لا بالمشقّة. ولذلك، نرى أنّ الغالبيّة السّاحقة من اليهود الّذين اختاروا الحماية في ألبانيا تمّ إنقاذهم بالفعل، وأنّ عدد اليهود في ألبانيا وصل إلى 1800 نفرًا عقب نهاية الحرب العالميّة الثّانية. أي أنه تضاعف بتسع مرّات.

شاهد/ي أيضًا: الحرب العالمية الثانية: معارض رقمية لصور وأخبار من الصحف

ما زالت العائلات اليهوديّة والألبانيّة تتذكّر تلك السّنوات الّتي طبعها الخوف والمآزرة معًا، والّتي تغلّب فيها الحسّ الإنسانيّ والأخلاقيّ على الرّعب والجريمة الّذي هيمن على معظم الأراضي الأوروبيّة حينها.

شهادة فخر تمّ منحها لبعض العائلات الألبانيّة الّتي قامت بإنقاذ يهود أثناء المحرقة. المصدر من كتاب Besa Code of Honor
شهادة فخر تمّ منحها لبعض العائلات الألبانيّة الّتي قامت بإنقاذ يهود أثناء المحرقة. المصدر من كتاب Besa Code of Honor

 

ليما بيلا، امرأة ألبانيّة مسلمة كانت تبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا حين حضر إلى قريتها سبعة عشر شخصًا يطلبون المساعدة. لم يتعرّفوا إلى ديانتهم وكانوا يتحدّثون بلغات لم يفهمها أهل قريتها حينها. إلّا أنّ أهالي القرية قاموا باقتسام اللاجئين فيما بينهم وآووهم في بيوتهم الفقيرة، حيث اقتسموا الحطب والمياه والخضروات الّتي زرعوها حول بيوتهم فيما بينهم دون طلب الأجر من الوافدين اليهود. تقول ليما أنّ حتّى الشّرطة المحلّية في ذلك الوقت كانت تعلم أنّ القرية تقوم بحماية بعض اليهود إلّا أنّهم لم يسائلوهم في الأمر. قامت ليما بحماية ثلاثة إخوة يهود من عائلة عازار لثمانية عشر شهرًا ومن ثمّ ساعدهم قريبها المحارب بالفرار نحو محطّتهم القادمة، ولم تسمع أخبار الأخوة الثّلاثة إلّا في عام 1990.

ليما بالا Besa code of honor
ليما بالا Besa code of honor

 

عائلة فيسلي المسلمة مع العائلتين اليهوديّتين جوزيف ومانديل في بيتهم في قرية كروج عام 1944. Besa code of Honor
عائلة فيسلي المسلمة مع العائلتين اليهوديّتين جوزيف ومانديل في بيتهم في قرية كروج عام 1944.
Besa code of Honor

 

من القصص المؤثّرة كذلك قصّة عائلتيّ موشيه مانديل ورفيق فيسلي، كان موشيه مصوّرًا فوتوغرافيّا بمهنته، بعد طرده من كوسوفو ووصوله إلى قرية كافاجي، فرّ من القرية مجددًا نحو مدينة تيرانا بعد غزو ألمانيا لألبانيا، ظنًا منه أن الاختباء في المدينة الكبيرة سوف يحميه من ملاحقة الألمان. هناك تعرّف على رفيق الّذي أصبح رفيقه وتلميذه في التّصوير الفوتوغرافيّ. وحين ازدادت الأمور سوءًا وأصبحت حياة موشيه وعائلته في خطر. استضاف رفيق موشيه وعائلته في بيت أهله. حيث عاشت العائلتين بمودّة وأمان. وأعادوا التّواصل فيما بينهم بعد سنوات طوال، حين أصرّ موشيه على متحف المحرقة “ياد فاشيم” أن يمنح رفيق فيسلي لقب “الأشرف من بين الأمم”.

وصفت زوجة رفيق بيتها حين سألوها عن استضافة العائلة اليهوديّة بأن بيتها هو بيت الله أوّلا، ثمّ بيت الضّيف ثانيًا، ثمّ بيت العائلة أخيرًا. وأن الإسلام يعلّمهم بأن المسلمين واليهود والمسيحيّين تحت الله الواحد.

تبقى هذه القصص جزءًا من العديد مثلها، الّتي مهما ساءت الظّروف واشتدّ الظّلم، تظلّ تبعث الأمل بإنسانيّة ممكنة.