في 17 آذار 1969، وقع في إسرائيل حدث غير مسبوق: تقلدت جولدا ميئير منصب رئيس حكومة، لتصبح بذلك أول امرأة في التاريخ الإسرائيلي والثالثة في العصر الحديث التي تتسلم مقاليد الحكم: بحيث سبقتها سيريمافو باندرانايكا (سريلانكا) وأندريا غاندي (الهند). تَقلُّد امرأة منصب رئيس حكومة لدولة إسرائيل، الدولة الفتية الغارقة في صراع عنيف، بعد سنتين فقط على حرب الأيام الستة، لم يكن بديهيًا؛ ولكن سلسلة الأحداث السياسية التي وقعت بعد وفاة ليفي إشكول أدت إلى تعيين ميئير في هذا المنصب، والتي فُضّلت على يغآل ألون، موشيه ديان وبنحاس سابير.
لم يلق تعيين جولدا ميئير رئيسة حكومة أي اعتراض رسمي سوى من قبل أعضاء الكنيست الحريديين عن حزب أغودات يسرائيل، بحيث أعرب رئيس الحزب، يتسحاك ميئير، عن قلقه من أنّ تسلّم امرأة مقاليد الحكم سيقلل من قوة الردع الإسرائيلية. باستثناء هذا النقد، لم يكن هناك تذمّر رسمي أو جماهيري من تعيين جولدا في هذا المنصب. أما ميئير نفسها، وعلى الرغم من صورتها ووظيفتها، إلّا أنها لم تكن من أنصار الحركة النسوية، بل خرجت أكثر من مرة بتصريحات ضد الحركة. على أيّ حال، لقيت ميئير اهتمامًا شديدًا على إثر تقلدها منصب رئيسة حكومة إسرائيل، وذلك في العديد من المواقف التي وجّه لها خلالها نقد خفيّ أو جليّ. وقد تفوّهت مئير نفسها مرارًا بعبارات لاذعة من منطلق كونها امرأة.
فصل الدين عن الدولة؟
كانت علاقة جولدا ميئير بالدين مركبة قبل أن تصبح رئيسة حكومة بسنوات طويلة. عند سفرها إلى موسكو في نهاية الأربعينات، كسفيرة لإسرائيل في الاتحاد السوفيتي، زارت كنيسًا كبيرًا في المدينة. صور البعثة التي التقطت في الكنيس مع يهود محليين انتشرت في البلاد والعالم، وعند عودة جولدا إلى البلاد، توجه إليها عضو الكنيست بنيامين مينتس بغية تحدّيها لتقوم بزيارة كنيس في إسرائيل. “أدعوكِ لزيارة الكنيس الكبير في صلاة الشكر. هل تزورين الكُنس في موسكو فقط”؟ لم تتردد ميئير في الردّ، ووضحت له أنّها زارت الكنيس في موسكو لأنّها أرادت زيارة اليهود المحليين، ولذلك وافقت على الجلوس في قسم النساء. أما هنا في البلاد، فقد أشارت إلى أنّها ستذهب إلى الكنس عندما تتحقق المساواة ويسمح لها بالجلوس في الصالة الرئيسية حيث يجلس الرجال.
منذ مطلع الخمسينات، طرحت إمكانية ترشيح جولدا ميئير لمنصب رئيس بلدية تل أبيب، الأمر الذي أثار نقاشًا حول قدرة امرأة على شغل منصب مرموق كهذا. احتدم الجدل الإعلامي حول هذا الموضوع، وسُمعت آراء مختلفة ومتعارضة. كتبت مريم شير في مقالتها الثابتة “ماذا تقول المرأة؟” في صحيفة “دَفار” أنّنا “جميعًا بحاجة إليك، جولدا ميئيرسون، كـ ‘ربة منزل رئيسية’ لمدينة تل-أبيب”.
بعد أن تقلدت جولدا منصب رئيس حكومة، أعرب كبار الحاخامات في البلاد عن مواقف مختلفة تجاه هذا التعيين. رفض الحاخام الرئيسي في حينه، إيسر يهودا أونترمان، الردّ على الأسئلة الموجهة له حول الموضوع، وقال إنّه طالما لم تقم جهات رسمية بطلب رأيه حول الموضوع، فلا داع لإبدائه. أعرب الفائز بجائزة إسرائيل ورئيس محكمة حباد، الحاخام شلومه يوسف زفين، عن موقف سلبي، مستندًا إلى حكم موسى بن ميمون في كتابه “دلالة الحائرين”. أشار الحاخام السفرادي الرئيسي، الحاخام يتسحاك نيسيم، إلى أنّه لا توجد أية مشكلة في التعيين؛ أما الحاخام السفرادي الرئيسي لمدينة تل-أبيب، عوفاديا يوسف، فلم يسارع لإبداء رأيه وأجاب بأنّه ينبغي التعمق في الموضوع قبل الرد.
ما قصة القبعات؟
في يوم الاستقلال في عام 1973، أقام الجيش الإسرائيلي استعراضه الأخيرة لذكرى مرور 25 عامًا على قيام دولة إسرائيل. أقيم هذا الاستعراض، والذي تقرر إلغاؤه نهائيًا بسبب تكاليفه الباهظة، للمرة الأخيرة بحضور رئيسة الحكومة جولدا ميئير، التي اعتلت المنصة الرئيسية. بعد مرور فترة وجيزة، نُشرت في صحيفة “معاريف” رسالة-شكوى” رسمية من قبل الاتحاد الإسرائيلي لصانعي القبعات” في إطار مقالة تمار أفيدار “خارج دوام المطبخ” بسبب المظهر المهمَل لرئيسة الحكومة، التي لم تعتمر قبعة أثناء الاستعراض. كتب أعضاء الاتحاد أنّ “مظهرها يشكل نموذجًا سلبيًا لجميع نساء إسرائيل” وطالبوها بأن تصبح قدوة فيما يخص الموضة والأزياء، لحث نساء إسرائيل على تبني موضة اعتمار القبعات. اقترُح في المقالة أيضًا صنع موديل خاص لقبعة تحمل اسم ميئير، بحيث يعوض بيعها عن الأضرار الاقتصادية التي تسببت بها جولدا بسبب مظهرها هذا.