وجدنا في أرشيف المكتبة الوطنيّة مذكّرة زرقاء تحمل صفحتين، وقد كُتب فيهما مختصر لسيناريو فيلم على يد الشاعر والمؤلّف الاسرائيلي حاييم حيفير كتبها عام 1970، أي بعد ثلاثة أعوام على انقضاء الحرب. الفنّان المعروف والحائز على جائزة إسرائيل للأغنية العبريّة ويُعتبر أحد الأعمدة للذاكرة الفنّية لدى الإسرائيليين. بالإضافة إلى ذلك، فهو أحد مؤسّسي الكتيبة العسكريّة الخاصّة بالبلماح، وكاتب أشهر أغانيها، كما كانت له إسهامات في مجالات فنّية عديدة.
ولد حيفير لعائلة في بولندا وهاجر إلى البلاد عام 1936 في سنّ الحادية عشر، في الثّامنة عشر من عمره انضمّ للبلماح وكانت مهمّته المساعدة في إسناد الهجرة غير الشرعيّة لليهود من الحدود الشّماليّة. وخلال عام 1948 قام بتأسيس فرقة الغناء والترفيه الخاصّة بالبلماح والّتي سمّيت “تشزباترون” مستوحية من جهة كلمة تأترون (مسرح بالعبريّة) ومن جهة كلمة “تشذبات” الفلسطينيّة (كذبات) الّتي تصف القصص الخياليّة، فكان المقصد فرقة فنّية تؤدّي حكايات غير واقعيّة. ورغم نجاحه الكبير في مجال الموسيقى والغناء حيث كان يلحّن ويكتب الأغاني، امتلك حيفير كذلك شغفًا في مجالي السينما والمسرح فكتب المسرحيات وسيناريوهات الأفلام.
إليكم ترجمة لمختصر سيناريو الفيلم الّذي كُتب عام 1970 كما وجدناه في أرشيف حيفير الشّخصي المحفوظ في المكتبة الوطنيّة، والّذي تحوّل إلى فيلم لاحقًا باسم “جسر ضيّق جدًا” عام 1985:
“مدينة رام الله ذات البيوت الحجريّة المسقوفة بالأحمر على تلال يهوذا، كانت منتجعًا جبليًا فاخرًا لأمراء السّعوديّة وشيوخ الكويت وكبار رجال الأعمال في عمّان قبل حرب الأيام السّتة. حين اندلعت الحرب هُجرت المطاعم وتعاملت المتاجر بالمساومات، أمّا الطّبقة العليا وبقيّة سكّان المدينة، ممّن لم يعتادو بالطبع على الديمقراطيّة الإسرائيليّة، فقد اتّبعوا قوانين وأنظمة الحكّام العسكرييّن في الضّفة الغربيّة.
بينيامين يتعرّف على ليلى. وبسرعة يبدأ بزيارتها في منزلها، يشرب القهوة في شرفتها المغلقة بالزّجاج. وحيدان في جبال يهوذا، وربّما الوحيدان من حاملي الشهادات من بين مجموعات العرب واليهود الّذين تعاملوا مع بعضهم البعض، ينسجمان فكريًا ويقعان في الحبّ. جميع أصدقائهم، العرب واليهود، لديهم نفس ردة الفعل. أصدقاء ليلى يبدأون بتجاهلها. تقول لهم أنّها تجادل بنيامين في السياسة الإسرائيليّة وتشرح القضيّة العربيّة له. ولا تشعر بأية طريقة أنها تخون شعبها. لكنّ السياسة لا يمكن كذلك أن تؤثّر في مشاعرها نحوه.
أصدقاء بنيامين يعاملونه بحدّة أكبر، مرّة بعد مرّة تُعقد اللقاءات والمؤتمرات بدونه، خوفًا من التّسبب بثغرة أمنيّة. وكي يخفّفوا عن أنفسهم، يسخرون من العلاقة ويصفونها بالنّزوة العابرة.
إلّا أنّ التّعامل الجدّي والمحترم بين المحبّين في تناقض دائم.
لليلى أخ، سليمان، طالب في الجامعة الأردنيّة في عمّان. تصله الأخبار من رام الله بسرعة. ولضعفه يتجاهل مضايقات أصدقائه، ولكن بعد مناوشات مهينة، يعزم على الذّهاب إلى رام الله للدّفاع عن شرف أخته.
الحالة العسكريّة تمنعه من دخول إسرائيل بصورة غير شرعيّة، فينضمّ إلى وحدة إرهابيّة لفتح. يعبرون نهر الأردن ليلًا، لكنّهم يُكتشفون الفجر على يد سلاح المظلّات الإسرائيلي. تنتهي المعركة الجبليّة بجانب البحر الميّت بهزيمة وحدة فتح بينما يحاول سليمان الّذي جُرح في بداية المعركة الهروب ليختبئ في كهف، ينتظر أن يستسلم.
تصل الأخبار لليلى. تحاول زيارة سليمان في المشفى لكنّ السلطات لا تمنحها التّصريح اللازم، خوفًا من أن تنقل رسالة عنه للمجموعات الإرهابيّة في الضّفة الغربيّة. بنيامين كمدّعي عام عسكري هو الشّخص الوحيد المسموح له رؤية سليمان. كلّ منهما يسبّب التّوتر للآخر، والعداء يزداد بقوة أكبر وأكبر. وحين يعلم سليمان أن بنيامين هو عشيق أخته، أي الرجل الّذي لوّث شرف العائلة، تصير كراهيّته فتّاكة.
تمرّ أيام قليلة، وعلى بنيامين الآن أن يقدّم قضيّته. في ذلك الحين كان قد رتّب التّصريح اللازم لليلى كي تزور سليمان. وحين يجلس الأخ والأخت ويتحدّثان، يظهر جليًا أن سليمان اتّخذ مسارًا للعمل. يتفاخر بأعماله البطوليّة في فتح، وينجح في اقناع ليلى بأنه المقاتل المثالي من أجل القضيّة العربيّة، ويريها جروحه بفخر كدليل.
في جلسة المحكمة، بنيامين، المدعي العام، بمهارة يحاول مساعدة سليمان عبر الإيضاح بأن العربيّ الذي عبر الحدود كإرهابي كان يفعل هذا فقط كغطاء كي يتمكّن من الدخول وينتقم لشرف أخته. يحثّ سليمان على الاعتراف “قل الحقيقةّ ألم تأت هنا كي تقتلني؟” سليمان بحيلة ورغبة مكبوتة بالانتقام يرفض الاعتراف بأسبابه الشّخصيّة ويرغب بمجد الشّهادة.
ينجح سليمان. حين تنتهي المحاكمة، يُقاد سليمان مقيّد اليدين بعيدًا لقضاء عشرين عام من عقوبة السّجن. ويتمّ استقبال بنيامين على درجات المحكمة بلافتات تقول “تسقط إسرائيل” و “الاحتلال الإسرائيلي هو احتلال نازي”، “يعيش عبدالناصر” إلخ. يلمح بنيامين ليلى بين الحشود تبكي وتحمل لافتة كُتب عليها “بنيامين فيلدمان يساوي أدولف أيخمان”.
جرت تعديلات كثيرة على هذه المسودة حيث تمّ كتابة السّيناريو النهائي بالتّشارك بين حاييم حيفير ونيسيم ديان، الممثّل الرئيسي في الفيلم. أمّا دور ليلى فقامت بأدائه الممثّلة سلوى نقارة وحصلت على جائزة “ممثّلة العام” لمسرح اسرائيل عام 1985.