كان إسكندر جرجس يعقوب الخوري البيتجالي شخصية متعددة الجوانب في المجتمع العربي- فهو كاهن، قاضٍ، محامٍ، كاتب، وشاعر. وُلد في بلدة بيت جالا قرب بيت لحم، وكان ابنًا لكاهن أورثوذكسي يدرس اللغة العربية والعلوم الدينية في مدرسة روسية. تلقى تعليمه الأولي في العديد من المؤسسات البارزة، بما في ذلك المدرسة الروسية في الناصرة، حيث درس إلى جانب شخصيات أدبية مستقبلية مثل ميخائيل نعيمة ونسيب عريضة.
كانت الصداقات التي كونها هناك، إلى جانب المعرفة التي اكتسبها، ستشكل مستقبله بطرق لم يكن يتخيلها.شغفه بالعلم دفعه لمواصلة تعليمه في مدرسة البطريركية في بيروت، حيث حصل على شهادة في الحقوق وأتقن ست لغات: العربية، التركية، الإنجليزية، الفرنسية، اليونانية، والروسية.
تم تعيينه قاضيًا، وهو المنصب الذي شغله بنزاهة وتفانٍ. لكن إسكندر لم يكن فقط رجل قانون، بل كان أيضًا شاعرًا وكاتبًا، يصب أفكاره ومشاعره في مقالات وقصائد نُشرت في أبرز المجلات والصحف الفلسطينية في ذلك الوقت.
شعر الخوري
شعر إسكندر الخوري هو انعكاس للواقع الاجتماعي والسياسي في زمنه. كان الخوري من رواد الشعر الفلسطيني، خاصة في الموضوعات الاجتماعيون تميز شعره بأسلوب سردي جعل أبياته تشبه المقالات الصحفية. هذا الأسلوب المباشر والموضوعي في الشعر مكنه من معالجة القضايا الاجتماعية الملحة بوضوح وبدون تردد.
أسلوب إسكندر المباشر، رغم أنه يُنظر إليه أحيانًا على أنه بسيط، يسلط الضوء على حقيقة عميقة: أن الوصولية غالبًا ما تفضي إلى التواصل. بينما قد تكون الاستعارات المعقدة مؤثرة، فإن قوة البساطة تكمن في قدرتها على نقل العاطفة الخام دون تصفيتها. فربما لا يكون قياس الشعر في تعقيده، بل في قدرته على جذب القراء وتحريكهم من خلال انعكاس المشاعر الحقيقية للشاعر. بينما قد يُفضل بعض القراء الأبيات المعقدة والغنية بالاستعارات، قد يجد آخرون قيمة في صراحة تعبيره. وهذا يثير سؤالاً مهماً: هل من الأهم أن تكون القصيدة معقدة ومتحدية، أم أن تنقل بفعالية رسالتها وتترجم العواطف التي ألهمتها؟
أكد إسكندر الخوري في شعره على الأهمية البالغة لوحدة العرب المسلمين والمسيحيين، مذكرًا دائمًا بأن هويتهم العربية المشتركة تسبق أي اختلاف ديني. كان يعتقد أن من الحماقة أن يتورط المسلمون والمسيحيون في صراعات داخلية، خاصة في ظل التهديدات الخارجية التي كانت تلوح في الأفق. رأى الخوري أن هذه الانقسامات لا تؤدي إلا إلى إضعافهم وإسعاد أعدائهم الذين يرغبون في رؤيتهم منقسمين.
على سبيل المثال، خلال نزاع في حيفا حول مقبرة ادعى كل من المسلمين والمسيحيين ملكيتها وأدى الى مقتل الكاتب القدير جميل البحري، كتب الخوري قصيدة توحيدية. شددت أبياته على الهوية المشتركة للفلسطينيين، بغض النظر عن الاختلافات الدينية، ودعا إلى الوحدة في مواجهة الانقسامات.
لا لن تنال من اتحاد الأمتين يد الفتن
كنا وما زلنا كما كنا فدا هذا الوطـــن
كما عَبّرّ في قصيدته “بلد السلام” عن ارتباطه العميق ببلاده و أبدى شهادة على وطنيته ورغبته في التعايش بين مختلف الطوائف الدينية. تعكس القصيدة إيمانه بوحدة الشعب الفلسطيني والروابط المستمرة بين المسيحيين والمسلمين المتجذرة في هويتهم العربية المشتركة.
بلدَ السلامِ وليس فيكَ سلامُ مني إليكَ تحيةٌ وسلامُ
أنا إن نأيتُ وإن أقمتُ فإنني لكَ مخلصٌ ما لي سواك مُقام
تفديكَ نصرانيّتي ويقيكَ من غدرِ الزمانِ وكيده الإسلام