تعتمد سمعة عائلة سرسق على الزاوية التي تختار أن تنظر منها. فالبعض يراها عائلة أرستقراطية طموحة ساهمت في تشكيل ملامح شرق البحر المتوسط الحديث من خلال التجارة والبنية التحتية ورعاية الفنون، والبعض يراهم كمُلّاك غائبين، ساهمت قراراتهم في تغيير مصير أراضٍ وجماعات بأكملها، دون أن تطأ أقدامهم تلك الأراضي. فلماذا تلاشى ذكر هذه العائلة التي كان اسمها يتردد في بيروت وحيفا والإسكندرية ومرسين، رغم ما تركوه خلفهم من قصور وسكك حديدية ومتاحف وصفقات أراضٍ لا تزال موضع جدل؟
نشأت العائلة في بيروت في القرن الثامن عشر، وجمعت ثروتها من الزراعة والمصارف ثم الصناعة والعقارات. كما أقامت علاقات وثيقة مع الدولة العثمانية ومع حكومات أوروبية وملوك في مصر وروسيا والنمسا. كانت تمتلك قصورًا في حي الأشرفية، وتدير شبكة واسعة من المشاريع بين بيروت والقاهرة وحيفا. وبفضل تلك العلاقات، حصلت على امتيازات سمحت لها بشراء أراضٍ شاسعة في عدد من مناطق البلاد.
لكن المفصل الأهم في حكايتها هو ما جرى في مرج ابن عامر. في سبعينيات القرن التاسع عشر، اشترت العائلة هذه الأراضي الخصبة من الدولة العثمانية، وبحلول القرن العشرين كانت تملك أكثر من 90,000 فدان، تتوزع على قرى يسكنها فلاحون عرب كانوا يزرعون الأرض ويدفعون ضريبة المحصول. لم تكن العائلة تقيم هناك، بل كانت تدير الملكيات عن بُعد، كما جرت العادة في ذلك الزمن.
مع تزايد الهجرة اليهودية إلى البلاد، بدأت المؤسسات الصهيونية تبحث عن أراضٍ للاستيطان. وكان الوصول إلى مرج ابن عامر خطوة حاسمة. بدأت المفاوضات مع آل سرسق، وفي 1921 مثلاً، نُفذت أحد أكبر صفقات البيع عندما اشترى أحد أغنياء اليهود 51,000 دونم من أراضيهم. لم تكن هذه مجرد صفقات تجارية، بل نقلت الملكية بشكل كامل، وأدت تدريجياً إلى إخلاء القرى القائمة عليها.
وجد الفلاحون الذين سكنوا تلك الأرض لعقود أنفسهم أمام واقع جديد. البعض تلقى تعويضات بسيطة لا توازي قيمة الأرض أو الجهد، والبعض الآخر رحل بصمت. في مذكرات بعض المسؤولين البريطانيين، يُذكر كيف أن السكان كانوا متمسكين بأرضهم لكن القوانين لم تكن في صفهم
ما يُثير الفضول أن آل سرسق ظلوا حتى بعد البيع يحتفظون بنفوذهم في المشرق، ويُعاملون كرموز للطبقة الأرستقراطية. في بيروت، ظل المتحف قائماً، والاسم معروفاً، لكن القصة التي حدثت في البلاد، بين الحقول والقرى، بقيت في الهامش. ربما لأنها لا تُروى بسهولة، أو لأن لا أحد سأل عنها كثيراً.


