ملصقات المسارح الفلسطينية: تأريخ لأعمال يوسف وهبي

لم يكن يوسف وهبي مجرد اسم ممثل مسرحي عربي مشهور بل كان أيضًا من أحد مساهمي الوحدة بين الشعوب العربية من خلال عرض أعماله الفنية في المنطقة العربية.

14 من تموز سنة 1900 هو يوم ذكرى عيد الحرية في فرنسا و يوم الحربية في مصر لكن  أيضًا هو ذكرى يوم ميلاد الفنان المسرحي يوسف وهبي في محافظة المنيا بالقرب من أحد روافد نهر النيل الذي يُسمى كنايًة ببحر يوسف ومن هنا جاءت تسمية الفنان بيوسف. [1]

لم يكن يوسف وهبي مجرد اسم ممثل مسرحي عربي مشهور بل كان أيضًا من أحد مساهمي الوحدة بين الشعوب العربية وذلك من خلال عرض أعماله فنية في المناطق والأماكن العربية ومن ضمنها فلسطين التي حظيت بجزء كبير من عرض أعماله خاصة خلال إدارته لفرقة رمسيس، كيف لا وقد كانت إحدى أكبر الفرق المسرحية في الشرق. ومن حسن الحظ أن بعض الملصقات التي وثقت عرض أعماله في مناطق فلسطين المختلفة لا تزال متوفرة التي من خلالها يمكن الاطلاع على عروض أعماله التي تنوعت وتعددت ما بين تمثيله الشخصي للمسرحيات ضمن فرق عديدة مثل فرقة فاطمة رشدي وفرقة رمسيس أو ما بين تجسيد أعماله من خلال فرق محلية على المسارح الفلسطينية المختلفة خاصة في حيفا ويافا مثل فرقة الكرمل بل وانتقلت أعماله إلى السينما الفلسطينية في فيلم جوهرة الذي كانت إحدى عروضه في مدينة عكا.

من أوائل الحفلات التي قام بها يوسف وهبي إلى فلسطين كما في العديد من الأقطار العربية كانت ضمن فرقة فاطمة رشدي التي كانت تضم حلة من الفنانات والفنانين أمثال فاطمة رشدي وعزيز عيد، وكما يُقال “أن الأفضل يبقى للنهاية”، فبعد الجولة في كلٍ من بيروت وبغداد ودمش وحلب اختتمت الفرقة أعمالها في فلسطين لا لشيء سوى لتوكيد نسيج العلاقة المتين الذي كان آن ذاك بين الأقطار العربية ومن ضمنهم فلسطين.  فالهدف الأساسي في تلك الجولة التي كانت برعاية الحكومة المصرية كان من أجل نشر الثقافة والفن المصري بين الأقطار العربية وذلك من مبدأ “شاهد واشعر عن قرب”

من العروض التي قام بها يوسف وهبي ضمن فرقة رمسيس كانت على مسرح بستان الإنشراح في حيفا، فكانت حفلات العروض لثلاث أيام تم خلالها عرض ثلاث روايات وقد كان يوسف وهبي يدير الفرقة بنفسه، أما طاقم الفرقة فكان تضم فنانات وفنانين آخرين مثل الفنانة زينب صدقي، الآنسة أمينة رزق والفنان حسن أفندي البارودي وغيرهم.

(يعود تاريخ هذا الملصق إلى 2 أيار من سنة 1929 والذي من خلاله تم توثيق استضافة مسرح بستان الإنشراح لفرقة رمسيس)

 

كما يبدو أن عروض فرقة رمسيس لم تكفي جمهور حيفا آن ذاك مما شجع الفرقة على العودة إلى المدينة في ذات الشهر مرة أخرى ليوم واحد من أجل عرض روايتين اثنتين في ذات المسرح أي مسرح بستان الإنشراح وقد تم عرضها في يوم 29 أيار سنة 1929.

(حفلة فرقة رمسيس على مسرح يستان الإنشراح، تاريخ الملصق 29 أيار 1929)

 

من الواجب ذكره أن العرض الثاني على مسرح الإنشراح كان أكثر خصوصية من ناحية طاقم الفرقة الرئيسي الذي اقتصر على الأستاذ يوسف وهبي وأربعة من أعضاء الفرقة فقط هم الممثلة أمينة رزق وزينب صدقي، دولت أبيض وجورج أبيض وقد جسدوا كل من رواية راسبوتين وانتقام المهراجا، أما بخصوص الجمهور فقد كانت المسرحية مفتوحة للجميع.

أخذ تمثيل وتجسيد مؤلفات يوسف وهبي ينتقل إلى فرق محلية فلسطينية ينتشر على خشبات المسارح الفلسطينية خاصة في حيفا ويافا، ومن أهم الروايات التي تم تجسيدها كانت رواية الصحراء التي قامت فرقة الكرمل التمثيلية بتأديتها في مسرح عين دور بحيفا ومن ضمن طاقم الممثلين كان صاحب الدور الرئيسي الفنان إسكندر أيوب.

 

(تمثيل فرقة الكرمل لرواية الصحراء من تأليف يوسف وهبي على خشبة مسرح عين دور- حيفا بتاريخ 2 أيار1945)

انتقلت أعمال يوسف وهبي إلى الشاشة الذهبية من خلال عرض فيلم الجوهرة عام 1943 الذي كانت من تأليفه وإخراجه عدا عن كونه جسّد دور البطولة بشخصية سمير إلى جانب الممثلة نور الهدى التي أخذت دور رئيسي بشخصية فلفلة. تم عرض الفيلم في صالات سينما الأهلي في عكا.

(ملصق يروج لعرض فيلم الجوهرة في سينما الأهلي بمدينة عكا،المطبعة العصرية- يافا.  30 نيسان 1945)

 

لا يمكن تجاهل الأهمية الوظيفية لطبيعة الملصق كونها وسيلة يتم من خلالها توثيق مجريات الحياة اليومية حيث أنه (تبعًا لأنواعها) يقودنا إلى التفاصيل حول الحدث أو المكان، لذلك تكمن أهمية الملصقات التي تم استخدامها من قبل المسارح الفلسطينية في توثيق أعمال يوسف وهبي خلال عرض أعماله في فلسطين خلال القرن الماضي، وبالإطلاع عليها تكمن محاولة تصور الظروف والسياقات التي كانتوكيفية تشكلها تبعًا لهوى الجماهير المحبة للفن الجميل.

[1] محمد رفعت، مذكرات عميد المسرح العربي يوسف وهبي كما رواها بنفسه، (مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر: بيروت، 1991)، صفحة 12.

هل تشتاقون لإيطاليا…..تعرفوا على ماركة الأحذية الأشهر فيها: باتا

في هذا المقال نتحدّث عن شركة باتا الإيطالية العريقة وإعلاناتها في جريدة الكرمل.

في هذه الأيام، تعيش إيطاليا أيامًا عصيبة بسبب انتشار وباء الكورونا فيها؛ والتبعات التي ألقت بظلالها على كامل المدن الإيطالية. لكننا، نقول على الدوام ليس بعد الظلمة إلا فجر ينير البلاد الإيطالية وباقي أنحاء العالم. ولعل من الأمور التي نتذكرها هي الشركة الأوروبية للأحذية- باتا، والتي لطالما عانت وبعد كل معاناه كانت تقف مرة أخرى وعدم فنائها. ولذلك، قررنا أن نسلط الضوء على هذه الشركة الأوروبية العريقة وتواجدها في البلاد؛ وبالتحديد إعلاناتها في جريدة الكرمل.

تُعتبر أحذية “باتا” أحد فخر الصناعات الأوروبية التي فتحت متاجرها في البلاد، فهي اسم عريق تناولته الأجيال من زمن لآخرـ إذ إن هذه الماركة العريقة قد أذهلت العديد من الأشخاص في قوتها ورخص ثمنها وطبقت شعار“ليس معناه أن يكون الحذاء القوي غالي الثمن”، وكما في االعديد من المناطق المختلفة حول العالم كان هنالك العديد من الفروع لمتاجر “باتا” في مدن فلسطين الانتدابية الرئيسية كالقدس ويافا وباقي أنحائها.

ولكي تنتشر منتجات ماركة معينة لا بد أن يكون لديها حُسنٌ في الإدارة واستخدام وسائل للتسويق، ومن ضمن هذه الوسائل كانت نشر الإعلانات في الصحافة المكتوبة، وهذا تمامًا ما قامت به ماركة “باتا” للأحذية بنشرها الإعلانات في صحيفة الكرمل؛ فكيف قامت صحيفة الكرمل بتسويق منتجات الأحذية لماركة “باتا” من خلال الإعلانات التي نشرتها في أعدادها؟

(شعار ماركة “باتا”، صحيفة الكرمل، 8 نيسان 1928)

اعتمدت صحيفة الكرمل في تسويقها لماركة “باتا” جملة من الأنماط تجمع فيما بينها قوة جذب الكلمات واختيار الأوقات المناسبة لنشر الإعلان خاصة المناسبات والأعياد، عدا عن محاولة أن يكون الإعلان قريبًا من الوضع الاقتصادي للفئة المستهدفة. ومن هذه الإعلانات نشر الإعلان الذي كان خلال فترة رأس السنة الميلادية وذلك من أجل استغلال مناسبة الأعياد الميلادية لزيادة شراء منتوجات “باتا”، خاصة أنه خلال فترة الأعياد تكون قوة الشراء أكبر وهذا الذي كانت تعيه صحيفة الكرمل من خلال شعار الأعلان “الأحذية الحسنة كالمعاشر الحسنة: ابتدئ العام الجديد بلبس أحذية باتا”.

(صحيفة الكرمل، 5 كانون الثاني 1929)

أما النمط الآخر التي استخدمته صحيفة الكرمل فكان التركيز على الأسعار المنخفضة بالنسبة إلى السوق مع الحفاظ على مستوى الجودة للجلود المستخدمة في صناعة الأحذية، إذ حمل الإعلان شعار “أحذية “باتا” الشهيرة: بالرغم من الصعود الدائم في أسعار الجلود فإن شركة :”باتا” تبيع بضائها الجديدة بالأسعار المعتادة” وذلك في مختلف فروع وكالاتها في البلاد.

(صحيفة الكرمل، 8 نيسان 1938)

في بعض الأحيان قامت صحيفة الكرمل بالاهتمام بالجوانب الجمالية كنمط نمط مغاير إلى جانب النمط المألوف (صفات المنتج وعرض السعر)لأجل تسويق ماركة “باتا”، فربطت ما بين الأحذية الظريفة والشخصية الأنيقة من خلال الصورة بعنوان “ملكة الأحذية الظريفة باتا: أحذية باتا من الطراز الحديث ومن أحسن المواد وهي قوية ورخيصة”.

(صحيفة الكرمل، 10 نيسان 1929)

في نشرها للإعلانات اعتادت صحيفة الكرمل بالاهتمام والمحافظة على معايير جمالية من خلالها جذبت ولفتت انتباه القارئ ليعود ذلك عليه بالنفع كما يعود أيضًا على ناشر الإعلان، ذلك من خلال مراعاة متطلبات كل من المنتج والمستهلك. ومن بين تلك الإعلانات كانت إعلانات ماركة “باتا” للأحذية التي هي ماركة عالمية افتتحت لها فروع في كافة أنحاء فلسطين الانتدابية.

للمزيد حول إعلانات باتا، يمكن تصفح كافة الإعلانات والأخبار حولها من خلال موقع جرايد.

ألبوم نادر: حين وثق مقاتل في الوحدة المدفعية البريطانية انتزاع فلسطين من العثمانيين

يُنشر لأول مرة: نسخة أصلية من ملفات الوحدة المدفعية البريطانية التي احتلت البلاد في نهايات الحرب العالمية الأولى

خلال مرحلة تأسيس الوحدة المدفعية رقم 20 (Machine Gun Squadron)  في الرابع من تموز 1917، أضطرت القيادة البريطانية للتعامل مع معيقات غير متوقعة: من بين 121 مقاتلاً في الوحدة، فقط 30 كانوا مُدربين على استخدام الأسلحة المتطورة أما الباقين فلم يشاركوا من قبل في وحدة مشابهة. لكن، لم تترك المعركة القريبة من أجل احتلال البلاد مجالاً للتأخر كثيراً، إذ بعد عدة أيام صدر أمر  أعطى لمقاتلي الوحدة الجديدة نظرة عن كبر حجم التحدي الذي ينتظرهم. في 12 آب، وبعد شهر واحد من تأسيسها، انطلقت الوحدة للجبهة العسكرية الجديدة: فلسطين.

في كتاب “عبر فلسطين مع الوحدة المدفعية 20”، تم توثيق قصة الوحدة العسكرية والذي تم توزيعه بعد الحرب. أما طبيعة الكتاب فهواتخاذ أحد الجنود المشاركين قرار إلصاق بعض الصور داخل الكتاب؛ صور أعدها بنفسه خلال مسيرة الوحدة العسكرية نحو فلسطين.

يبدو أنه صاحب الكتاب، المقاتل الذي صور المجموعة، هويته غير معروفة.

للمصادفة التاريخية قد تم حفظه في المكتبة الوطنية بالقدس، فهذا الكتاب عبارة عن توثيق مدهش عن مآثر الوحدة كما انعكست في عيون أحد المقاتلين.

شاهدوا الكتاب كاملاً مع الصور النادرة

قصة الوحدة تم توثيقها في كتاب عبر فلسطين مع الوحدة المدفعية 20

الكتاب الذي وثق احتلال الوحدة 20 البريطانية لفلسطين

تحت شمس حارقة، وبكتفين متعبين، ومع الخوف من توقف تزويد المياه اليومية، عبر مقاتلو الوحدة إلى فلسطين العثمانية من سيناء خلال 18 يوم، استغلوا اقامتهم في المعسكر البريطاني لكي يكملوا التدريب، تدربو في منتصف اليوم على تشغيل الأسلحة الجديدة، والتي كانت جديدة لمعظمهم، وفي النصف الثاني من اليوم تدربوا على امتطاء الجياد.

صور التقطها أفراد الوحدة خلال بدء عملياتهم العسكرية في فلسطين

على بعد 11 كيلومترًا جنوبي مدينة  بئر السبع، اشترك المقاتلون في المعركة الأولى كوحدة عسكرية، حين كانت قوات الاسناد على يسارهم والقوات الأسترالية على يمينهم، هاجم مقاتلو الوحدة المدفعية التحصينات التي نصبها العثمانيون في الطريق للمدينة؛ طيلة الصباح وما بعد الظهر ظل القتال دائراً بين القوات المهاجمة والقوات التي تحمي التحصينات. الغبار الذي ملأ الجهات كلها، حجب الرؤية ولم يستطع أحد من كلا الطرفين أن يرى عدة أمتار أمامه، بعد بضعة ساعات من القتال، اكتشف الجنود ولدهشتهم أن الاتراك قد انسحبوا من المدينة. في الرابعة ظهراً جاء الأمر: مهاجمة بئر السبع، والتي تبين أنها هي ايضاً خالية من الجنود العثمانيين.

كتب المقاتلون في كتاب الوحدة “بئر السبع كانت محبطة جداً، من الصعب القول أنها مدينة، كما يفهم الأوروبيون هذا المصطلح، كمكانٍ يمكن أن تشتري منه السجائر وشيئاً لتأكله، لم نستطع ايجاد شيء، والمباني الوحيدة فيها، تلك التي لم تكن ألواحاً من الخشب، كانت خالية من أي انسان” عندما تجول المقاتلون في المنطقة، استصعبوا استحسان الصحراء القاحلة التي تحيطهم، واستصعبوا عدم وجود طرق صالحة.

لغزة وصل المقاتلون أيضاً بعد انسحاب الأتراك من المدينة، لم يُسجل الأمر في أي مكان من الكتاب، ولكن على ما يبدو، فقد ساهم المقاتلون في جزء من المعارك الشرسة لاحتلال غزة. على الرغم من المسافة القصيرة من بئر السبع، فقد صادفوا يابسة مختلفة، قرى على جوانب الطرق، فيها فلاحين يزرعون أراضيهم. وكلما اقتربوا اكتشفوا أن المشهد يخدع أحياناً: أوساخ وتلوث، رجال مستلقين للراحة في حين تقوم النساء بالأعمال الصعبة، على المدينة هذه أيضاً كان للمقاتلين أشياء سيئة ليقولوها.

الطريق لأريحا
رسم لأحد أعضاء الوحدة

الطريق إلى القدس

من غزة أكمل الجنود إلى رام الله، ومن رام الله إلى طريق يافا- القدس ومن هناك (وعلى أثر سكة الحديد) توجهوا إلى مدينة القدس. الجنود العثمانيين توقعوا هذا المسار وتحصنوا على طول الطريق، فأدى ذلك إلى معارك قاسية أوقعت ضحايا كثر.  ضباط الوحدة قرروا الانسحاب واعادة تنظيم صفوفهم في منطقة يافا، في طريقهم إلى يافا رأى الجنود ولأول مرة “رحوفوت”.

وصول الجنود إلى “رحوفوت” ذكرهم بشيء من الحياة التي تركوها في بريطانيا، التقى الجنود بالسكان الصهاينة، اشتروا منهم أكياس مليئة  بالبرتقال، ومن لم يكن بحوزته مالاً كافياً، قايض بما يحمله من شرائح اللحم المعلبة والتي حصل عليها من الوحدة. اللقاء مع السكان اليهود كان مريحًا بالنسبة للجنود الذين رأوا بهم بداية بناء المشروع الصهيوني.

خارطة مرفق معها مسار تقدم الوحدة

بعد الاستراحة القصيرة، أكمل الجنود مسيرتهم نحو القدس، أهمية المدينة المقدسة كانت شاخصة في عيون حماته العثمانيون: معظم القوة التي كانت في البلاد تم ارسالها لحماية الطريق المؤدي للقدس. مع كل خطوة جديدة كان قد استطاع جنود الوحدة المدفعية انتزاعه من العثمانيين، كان الجهد ينصب أكثر بنصب سيارات المدفعية في الأماكن الأكثر علواً في مواقع القتال. استغلوا كل ما تحصلوا عليه من أجل ذلك سواء الإسناد من وحدات أخرى، استخدام القناصة، التقدم المسائي الهاديء أو – في حالة لم يتبق خيار آخر – إطلاق نار كثيف على الأتراك لكي يتم ازاحتهم عن المكان الذي تحصنوا به.

احتلال القدس

يظهر في الصورة باب الخليل – بوابة يافا ويعلوه برج الساعة

هكذا، في الثامن من كانون الأول 1917، بالرغم من الطرق التالفة، النقص في الماء، والمقاومة التركية والألمانية على طول الطريق، نجح مقاتلو الوحدة المدفعية مع باقي قوات ألنبي باقتحام طريق القدس ومن ثم الوصول إليها. في اليوم التالي، 9 كانون الأول 1917، انتهت  أربعة مائة عام من الحكم العثماني على البلاد المقدسة مع سقوط مدينة القدس، كان ذلك نصرًا رمزيًا، لأن معظم مناطق شمال البلاد كانت لا تزال تحت الحكم العثماني، سيطرة ستتلاشى خلال الأشهر المقبلة.

بوابة دمشق

كان هذا النصر الرمزي أمرًا مدهشًا، قال الجنود المتأثرين والذين حظيوا أخيراً بالقدس، احتلال الأرض المقدسة. كما إنه خلال مسيرة الوحدة العسكرية من سيناء حتى احتلال القدس فقدت ثلاث ضباط و67 مقاتلاً من عناصرها وهذا ما كان يُعتبر الثمن الأكبر الذي دفعته المجموعة.

 

اجتياح الفيضانات للبلاد، ظاهرة جديدة أم قديمة؟

تقصي ظاهرة الفيضانات في البلاد، لمحاولة فهم هذه الظاهرة؛ إذا كانت قد حدثت من قبل في البلاد أم أنها أمر جديد قد اجتاح البلاد مؤخرًا.

موجة الفيضانات تجتاح مدينة القدس في 23 تشرين الثاني 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية

لطالما كانت الفيضانات مرافقة للمنخفضات الجوية وخاصة القوية منها، لكونها تؤدي إلى هطول كميات كبيرة من الأمطار خلال فترة قصيرة  من الزمن، ومن ثم يتبعها تشكل السيول التي تُغرق المناطق المنخفضة من وديان وسهول وبعد ذلك تغمر المياه المنطقة ككل. هذا ما حدث في معظم مناطق البلاد خلال الأسبوع الأخير. أما المفاجئة الأكبر للكثيرين منا، هي غرق مدينة تل أبيب ويافا بفعل تلك الأمطار، حتى أن البعض ألقى بالمسؤولية على البلدية (البلدية المشتركة ليافا وتل أبيب) وبفعل الأشغال ببناء القطار الخفيف بالمدينتين، ما أدى إلى تردي البنية التحية فيهما.

فيما كان مبرر البلدية على لسان رئيس بلديتها أن هذه الكمية من الأمطار لم تسقط بهذا الوقت القصير آخر مرة إلا قبل 70 عامًا. فيا ترى عن ماذا كان يقصد بكلماته هذه؟

بالعودة إلى أرشيف الصور بالمكتبة الوطنية، نرى بأن مدينة تل أبيب قد عانت من اجتياح الفيضانات لها عام 1951، ولربما بنفس قوة هذه السنة أو أكثر. وأدى ذلك إلى أضرار كبيرة، من قطع الطرقات وشلل المدينة آن ذاك. ومن خلال مجموعة هتسلمونيا أُتيح لنا رؤية آثار السيول والفيضانات على المدينة كما هو مبين في الصورة أدناه:

غرق مدينة تل أبيب بفعل الفيضانات عام 1951، مجموعة هتسلمونيا، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
غرق مدينة تل أبيب بفعل الفيضانات عام 1951، مجموعة هتسلمونيا، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
غرق مدينة تل أبيب بفعل الفيضانات عام 1951، مجموعة هتسلمونيا، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
غرق مدينة تل أبيب بفعل الفيضانات عام 1951، مجموعة هتسلمونيا، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية

ليس مدن الساحل وحدها تغرق

من الصحيح قوله أن التجمعات السكانية الموجودة في المناطق الساحلية والسهلية هي أكثر المناطق عرضة للتعرض للسيول والفيضانات لكن، أيضًا من الممكن أن تتعرض لها المدن الجبلية، وهذا بالفعل ما تعرضت له مدينة القدس، التي تعرضت لفيضان أدى إلى توقف حركة المواصلات بشكل تام وغرق البيوت.

كان ذلك بتاريخ 23 من تشرين الثاني عام 1955. والتي لم يكن حتى بمقدور طواقم البلدية لوحدها أن تعالج آثاره مما حدا بسكان المدينة أن يساهموا أيضُا في عمليات الإنقاذ كما تبين لنا مجموعة بيتموناه من أرشيف المكتبة الوطنية للصور:

موجة الفيضانات تجتاح مدينة القدس في 23 تشرين الثاني 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
موجة الفيضانات تجتاح مدينة القدس في 23 تشرين الثاني 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
غرق البيوت في القدس بفعل فيضان عام 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
غرق البيوت في القدس بفعل فيضان عام 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

 

الفيضانات تحت ضوء الصحافة الفلسطينية التاريخية

خبر غرق تل أبيب ويافا بفعل الفيضانات. صحيفة اللواء بتاريخ 25 تشرين الثاني 1936. أرشيف جرايد

عند زيارة أرشيف الصحافة الفلسطينية التاريخية خلال الفترة العثمانية والتاريخية- جرايد، نجد أن الصحافة الفلسطينية اهتمت وبشكل كبير في تناقل أخبار الطقس وخاصة في فصل الشتاء والحديث عن آثاره على المدن والقرى الفلسطينية. فغالبًا كان الحديث حول انقطاع الطرق والمواصلات بين المدن أو حول آثاره على موقع معين. كما في الخبر الذي جاء في جريدة اللواء بعنوان “سيول وصواعق، أمكنة تغرق وتل أبيب تنعزل”. لقد كان الخبر مخصصًا حول السيول التي أغرقت مدينة يافا وتل أبيب في شهر تشرين الثاني من عام 1936، والتي أدت إلى انقطاع خطوط الهاتف، غرق البيوت والمخازن. أما اللافت بالأمر فهو، تأثر مدينة تل أبيب بشكل أكبر من مدينة يافا ويعود سبب ذلك (تبعًا للصحيفة) إلى عدم وجود قنوات لتصريف المياه في المدن اليهودية.
لقراءة المزيد من أخبار الصحافة الفلسطينية التاريخية حول السيول والأمطار اضغطوا هنا

 

الفيضانات ليست بالأمر الجديد

في النهاية، على ما يبدو بأن الفيضانات والسيول هي ليست وليدة اليوم أو الأمس، إنما تشكل جزءًا لا يتجزأ من طقسنا هذا (الذي يتميز بمنخفضاته الجوية) وبلادنا هذه (التي تتميز بطبوغرافية متنوعة)، ولكن الأمر الجديد، هو كيفية تعاملنا مع هذه الفيضانات والسيول. يجب أن نبتعد عنها كي لا تجرفنا وتأخذنا بعيدًا ممن نحب.