هل تشتاقون لإيطاليا…..تعرفوا على ماركة الأحذية الأشهر فيها: باتا

في هذا المقال نتحدّث عن شركة باتا الإيطالية العريقة وإعلاناتها في جريدة الكرمل.

في هذه الأيام، تعيش إيطاليا أيامًا عصيبة بسبب انتشار وباء الكورونا فيها؛ والتبعات التي ألقت بظلالها على كامل المدن الإيطالية. لكننا، نقول على الدوام ليس بعد الظلمة إلا فجر ينير البلاد الإيطالية وباقي أنحاء العالم. ولعل من الأمور التي نتذكرها هي الشركة الأوروبية للأحذية- باتا، والتي لطالما عانت وبعد كل معاناه كانت تقف مرة أخرى وعدم فنائها. ولذلك، قررنا أن نسلط الضوء على هذه الشركة الأوروبية العريقة وتواجدها في البلاد؛ وبالتحديد إعلاناتها في جريدة الكرمل.

تُعتبر أحذية “باتا” أحد فخر الصناعات الأوروبية التي فتحت متاجرها في البلاد، فهي اسم عريق تناولته الأجيال من زمن لآخرـ إذ إن هذه الماركة العريقة قد أذهلت العديد من الأشخاص في قوتها ورخص ثمنها وطبقت شعار“ليس معناه أن يكون الحذاء القوي غالي الثمن”، وكما في االعديد من المناطق المختلفة حول العالم كان هنالك العديد من الفروع لمتاجر “باتا” في مدن فلسطين الانتدابية الرئيسية كالقدس ويافا وباقي أنحائها.

ولكي تنتشر منتجات ماركة معينة لا بد أن يكون لديها حُسنٌ في الإدارة واستخدام وسائل للتسويق، ومن ضمن هذه الوسائل كانت نشر الإعلانات في الصحافة المكتوبة، وهذا تمامًا ما قامت به ماركة “باتا” للأحذية بنشرها الإعلانات في صحيفة الكرمل؛ فكيف قامت صحيفة الكرمل بتسويق منتجات الأحذية لماركة “باتا” من خلال الإعلانات التي نشرتها في أعدادها؟

(شعار ماركة “باتا”، صحيفة الكرمل، 8 نيسان 1928)

اعتمدت صحيفة الكرمل في تسويقها لماركة “باتا” جملة من الأنماط تجمع فيما بينها قوة جذب الكلمات واختيار الأوقات المناسبة لنشر الإعلان خاصة المناسبات والأعياد، عدا عن محاولة أن يكون الإعلان قريبًا من الوضع الاقتصادي للفئة المستهدفة. ومن هذه الإعلانات نشر الإعلان الذي كان خلال فترة رأس السنة الميلادية وذلك من أجل استغلال مناسبة الأعياد الميلادية لزيادة شراء منتوجات “باتا”، خاصة أنه خلال فترة الأعياد تكون قوة الشراء أكبر وهذا الذي كانت تعيه صحيفة الكرمل من خلال شعار الأعلان “الأحذية الحسنة كالمعاشر الحسنة: ابتدئ العام الجديد بلبس أحذية باتا”.

(صحيفة الكرمل، 5 كانون الثاني 1929)

أما النمط الآخر التي استخدمته صحيفة الكرمل فكان التركيز على الأسعار المنخفضة بالنسبة إلى السوق مع الحفاظ على مستوى الجودة للجلود المستخدمة في صناعة الأحذية، إذ حمل الإعلان شعار “أحذية “باتا” الشهيرة: بالرغم من الصعود الدائم في أسعار الجلود فإن شركة :”باتا” تبيع بضائها الجديدة بالأسعار المعتادة” وذلك في مختلف فروع وكالاتها في البلاد.

(صحيفة الكرمل، 8 نيسان 1938)

في بعض الأحيان قامت صحيفة الكرمل بالاهتمام بالجوانب الجمالية كنمط نمط مغاير إلى جانب النمط المألوف (صفات المنتج وعرض السعر)لأجل تسويق ماركة “باتا”، فربطت ما بين الأحذية الظريفة والشخصية الأنيقة من خلال الصورة بعنوان “ملكة الأحذية الظريفة باتا: أحذية باتا من الطراز الحديث ومن أحسن المواد وهي قوية ورخيصة”.

(صحيفة الكرمل، 10 نيسان 1929)

في نشرها للإعلانات اعتادت صحيفة الكرمل بالاهتمام والمحافظة على معايير جمالية من خلالها جذبت ولفتت انتباه القارئ ليعود ذلك عليه بالنفع كما يعود أيضًا على ناشر الإعلان، ذلك من خلال مراعاة متطلبات كل من المنتج والمستهلك. ومن بين تلك الإعلانات كانت إعلانات ماركة “باتا” للأحذية التي هي ماركة عالمية افتتحت لها فروع في كافة أنحاء فلسطين الانتدابية.

للمزيد حول إعلانات باتا، يمكن تصفح كافة الإعلانات والأخبار حولها من خلال موقع جرايد.

اجتياح الفيضانات للبلاد، ظاهرة جديدة أم قديمة؟

تقصي ظاهرة الفيضانات في البلاد، لمحاولة فهم هذه الظاهرة؛ إذا كانت قد حدثت من قبل في البلاد أم أنها أمر جديد قد اجتاح البلاد مؤخرًا.

موجة الفيضانات تجتاح مدينة القدس في 23 تشرين الثاني 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية

لطالما كانت الفيضانات مرافقة للمنخفضات الجوية وخاصة القوية منها، لكونها تؤدي إلى هطول كميات كبيرة من الأمطار خلال فترة قصيرة  من الزمن، ومن ثم يتبعها تشكل السيول التي تُغرق المناطق المنخفضة من وديان وسهول وبعد ذلك تغمر المياه المنطقة ككل. هذا ما حدث في معظم مناطق البلاد خلال الأسبوع الأخير. أما المفاجئة الأكبر للكثيرين منا، هي غرق مدينة تل أبيب ويافا بفعل تلك الأمطار، حتى أن البعض ألقى بالمسؤولية على البلدية (البلدية المشتركة ليافا وتل أبيب) وبفعل الأشغال ببناء القطار الخفيف بالمدينتين، ما أدى إلى تردي البنية التحية فيهما.

فيما كان مبرر البلدية على لسان رئيس بلديتها أن هذه الكمية من الأمطار لم تسقط بهذا الوقت القصير آخر مرة إلا قبل 70 عامًا. فيا ترى عن ماذا كان يقصد بكلماته هذه؟

بالعودة إلى أرشيف الصور بالمكتبة الوطنية، نرى بأن مدينة تل أبيب قد عانت من اجتياح الفيضانات لها عام 1951، ولربما بنفس قوة هذه السنة أو أكثر. وأدى ذلك إلى أضرار كبيرة، من قطع الطرقات وشلل المدينة آن ذاك. ومن خلال مجموعة هتسلمونيا أُتيح لنا رؤية آثار السيول والفيضانات على المدينة كما هو مبين في الصورة أدناه:

غرق مدينة تل أبيب بفعل الفيضانات عام 1951، مجموعة هتسلمونيا، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
غرق مدينة تل أبيب بفعل الفيضانات عام 1951، مجموعة هتسلمونيا، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
غرق مدينة تل أبيب بفعل الفيضانات عام 1951، مجموعة هتسلمونيا، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
غرق مدينة تل أبيب بفعل الفيضانات عام 1951، مجموعة هتسلمونيا، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية

ليس مدن الساحل وحدها تغرق

من الصحيح قوله أن التجمعات السكانية الموجودة في المناطق الساحلية والسهلية هي أكثر المناطق عرضة للتعرض للسيول والفيضانات لكن، أيضًا من الممكن أن تتعرض لها المدن الجبلية، وهذا بالفعل ما تعرضت له مدينة القدس، التي تعرضت لفيضان أدى إلى توقف حركة المواصلات بشكل تام وغرق البيوت.

كان ذلك بتاريخ 23 من تشرين الثاني عام 1955. والتي لم يكن حتى بمقدور طواقم البلدية لوحدها أن تعالج آثاره مما حدا بسكان المدينة أن يساهموا أيضُا في عمليات الإنقاذ كما تبين لنا مجموعة بيتموناه من أرشيف المكتبة الوطنية للصور:

موجة الفيضانات تجتاح مدينة القدس في 23 تشرين الثاني 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
موجة الفيضانات تجتاح مدينة القدس في 23 تشرين الثاني 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية
غرق البيوت في القدس بفعل فيضان عام 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
غرق البيوت في القدس بفعل فيضان عام 1955، مجموعة بيتموناه، أرشيف الصور في المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

 

الفيضانات تحت ضوء الصحافة الفلسطينية التاريخية

خبر غرق تل أبيب ويافا بفعل الفيضانات. صحيفة اللواء بتاريخ 25 تشرين الثاني 1936. أرشيف جرايد

عند زيارة أرشيف الصحافة الفلسطينية التاريخية خلال الفترة العثمانية والتاريخية- جرايد، نجد أن الصحافة الفلسطينية اهتمت وبشكل كبير في تناقل أخبار الطقس وخاصة في فصل الشتاء والحديث عن آثاره على المدن والقرى الفلسطينية. فغالبًا كان الحديث حول انقطاع الطرق والمواصلات بين المدن أو حول آثاره على موقع معين. كما في الخبر الذي جاء في جريدة اللواء بعنوان “سيول وصواعق، أمكنة تغرق وتل أبيب تنعزل”. لقد كان الخبر مخصصًا حول السيول التي أغرقت مدينة يافا وتل أبيب في شهر تشرين الثاني من عام 1936، والتي أدت إلى انقطاع خطوط الهاتف، غرق البيوت والمخازن. أما اللافت بالأمر فهو، تأثر مدينة تل أبيب بشكل أكبر من مدينة يافا ويعود سبب ذلك (تبعًا للصحيفة) إلى عدم وجود قنوات لتصريف المياه في المدن اليهودية.
لقراءة المزيد من أخبار الصحافة الفلسطينية التاريخية حول السيول والأمطار اضغطوا هنا

 

الفيضانات ليست بالأمر الجديد

في النهاية، على ما يبدو بأن الفيضانات والسيول هي ليست وليدة اليوم أو الأمس، إنما تشكل جزءًا لا يتجزأ من طقسنا هذا (الذي يتميز بمنخفضاته الجوية) وبلادنا هذه (التي تتميز بطبوغرافية متنوعة)، ولكن الأمر الجديد، هو كيفية تعاملنا مع هذه الفيضانات والسيول. يجب أن نبتعد عنها كي لا تجرفنا وتأخذنا بعيدًا ممن نحب.

كرة القدم برعاية جلالته

حصلت مباريات كرة القدم الفلسطينية على دفعة كبيرة في ظلّ الانتداب وشاركت فيها العرب واليهود.

كتيبة الملك أ ضد هفوعيل تل أبيب، 21.11.31

أضيف إلى سكان فلسطين الانتدابية (1917- 1948) العرب واليهود آلاف السكان الجدد من البريطانيّين: موظّفو النظام الانتدابي، الشرطة والجيش، وخلال الحرب العالمية الثانية أضيف إليهم كذلك جنودًا من بلدان أخرى. بالرغم من أن لعبة كرة القدم كانت رائجة في البلاد قبل أن يصل إليها البريطانيون، إلا أنها حصلت على دفعة كبيرة في ظلّ سلطة أمة تعتبر موطن كرة القدم، وشاركت فيها جميع الفئات السكانية في البلاد. وقد ظهرت في هذه الفئات السكانية الثلاث (العرب، اليهود والبريطانيون) فرق رياضية لممارسة لعبة كرة القدم، ونذكر على سبيل المثال فريق Paymasters، وشباب العرب، ومكابي تل أبيب، وهي فرق تنافست فيما بينها على الكأس. تأسّس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (بتوصية مصرية) في سنة 1928، وقد اشترط الاتحاد الدولي لكرة القدم للانضمام إلى الاتحاد الدولي (1929) مشاركة جميع الفئات السكانية في البلاد في هذا الاتحاد الجديد. لذلك فقد أجريت مباريات بين فرق عربية ويهودية وبريطانية، وقد تمّ الاعتراف بمشاركة لاعبين من هذه الفئات السكانية الثلاث بالمبدأ في المنتخب الوطني في مبارياتها مع فرق من خارج البلاد ولكن لم يكن يتم ذلك فعليًا على الدوام.

 

ملعب مشترك

غالبًا ما نعتقد أن علاقة تصادمية كانت سائدة بين الفئات السكانية في البلاد العربية واليهودية في البلاد. وهذا التصوّر ذاته يهيمن على العلاقة بين اليهود والبريطانيّين في البلاد كذلك، وخاصة حين نعاين ذلك من منظور صراع “المنظمة العسكرية القومية” (آتسل) وتنظيم “المقاتلون من أجل حرية إسرائيل” (ليحي) ضد البريطانيّين ونظرتهم للهجرة اليهودية غير الشرعية. إلاّ أن العلاقات الرياضية بين اليهود والعرب والبريطانيّين، كما تجلّت في ألعاب كرة القدم، من شأنها أن تشهد على أنه خلافًا لهذا التصوّر، بما يتعلّق بمنظمات المجتمع المدني، فإن المجتمع لم يكن منفصلاً إلى ثلاث فئات سكانية وإنما كان الواقع أكثر تركيبًا إذ تعاونت هذه الفئات فيما بينها. وعليه، فإنه بالرغم من هيمنة الانتماء القومي على الرياضة في البلاد، فإن النشاطات الرياضية – وكرة القدم تحديدًا في حالتنا – كانت حلبة للقاء هذه الفئات السكانية بعضها ببعض.

لا يعني ذلك بأن التوتّر لم يؤثّر على العلاقات الرياضية. فعلى سبيل المثال، في ظل موجه احتجاج السكان اليهود على الكتاب الأبيض لسنة 1930، توقّفت الألعاب الرياضية بين الفرق البريطانية والفرق اليهودية؛ وفي ظل الاحتجاج على نوع التعامل مع الفرق العربية فقد استقالت في سنة 1934 من الاتحاد الفلسطيني وأنشأت اتحادًا بديلاً إلاّ أنه لم يستمر لفترة طويلة. ومن جانب آخر، فقد استقبل الجمهور بصورة جميلة فرق تنتمي إلى فئات سكانية أخرى. على سبيل المثال، في أعقاب لعبة بين نادي إسلامي يافا وبين مكابي رحوبوت التي جرت على ملعب في رحوبوت في سنة 1941، كتب الصحف العبرية ما يلي: “لقد استُقبلت الفرقة العربية بمشاعر مشجعة من قبل جمهور المشجعين في رحوبوت”؛ وقد اتّسم حكم الاتحاد في الألعاب بروح رياضية من دون تحيّز كبير لصالح الفرق اليهودية على مدار أغلب سنوات الانتداب.

 

​شرق أوسط جديد

لم تجر ألعاب كرة القدم في فلسطين فحسب، وإنما جرت على ملاعب دولية كذلك. نشأت العلاقات الرياضية للفرق اليهودية منذ سنة 1927 مع فرق من بلدان عربية وبصورة مركزية مع مصر ولبنان وسورية، ولم تشهد الصحافة في حينه على تصادمات حتى الأربعينيات.

 

يقذفون الكرة في وقت الحرب

وعليه، استنادًا إلى علاقات كرة القدم بين الفئات السكانية المختلفة في فترة الانتداب، يبدو أنه يتعيّن علينا التخلّي عن منظور الصراع الذي اعتدنا على النظر من خلاله على تاريخ هذا المكان. لم يهمن الصراع دومًا، وإنما تطوّر هذا الصراع على مدار السنين، كما يمكننا أن نلمس ذلك جيدًا في ملاعب كرة القدم. ومع مرور الوقت، نشهد في حلبة كرة القدم على عملية انفصال بين المؤسّسات والفرق الرياضية اليهودية وتلك العربية والبريطانية. ووصل ذلك ذروته خلال الحرب العالمية الثانية، إذ نشهد في تلك الفترة تصادمات عنيفة مع الفرق العربية والفرق البريطانية (ومع الفرق الرياضية العسكرية الأخرى).

بينما كان توقّفت الألعاب مع الفرق القادمة من خارج البلاد بصورة طبيعية، بسبب انتقال القوات والموظفين البريطانيّين من البلاد في نهاية الحرب، فإن توقّف الألعاب بين الفرق اليهودية والعربية جاءت نتيجة حكم الاتحاد المفتقر للروح الرياضية.

 

 ​بطاقة حمراء

خلال ألعاب الكأس لسنة 1942 كان من المفترض أن يتنافس فريق مكابي حيفا مع الفريق اليوناني Royal Hellenic Army Team في دور ربع النهائي، إلا أن اللاعبين اليونانيّين تركوا البلاد، وصعد فريق مكابي حيفا في أعقاب ذلك وبصورة فورية إلى الدور نصف النهائي. جرت إحدى الألعاب الثلاث النهاية في دور الربع النهائي بين مكابي تل أبيب وبين الشباب العرب وانتهى بفوز مكابي تل أبيب اليهودية، إلاّ أن هذا الفريق قد شارك لاعبيْن كانا مطلوبيْن للتجنيد، وهو أمر لم يكن مقبولاً وفق القوانين الداخلية للاتحاد. وفي أعقاب ذلك، أُبعد فريق مكابي تل أبيب من الألعاب القادمة. ولكن، لم يتمتّع الفريق العربي من ذلك بل تمتّع من ذلك فريق مكابي حيفا الذي صعد فوريًا إلى دور النهائي. تقدّم فريق الشباب العرب باستئناف ضد هذا القرار إلاّ أن الاتحاد رفض هذا الاستئناف. في أعقاب ذلك، اندلع صراع بين الفرق العربية وبين الاتحاد وانتهى باستقالتها من الاتحاد في سنة 1943 وإنشاء اتحاد عربي في أيار 1944.

إن قصة كرة القدم في فلسطين الانتدابية تجسّد جيدًا أنه لم تكن هناك علاقات عدائية دومًا على الصعيد الشخصي بين السكان العرب وبين اليهود وبين كليهما وبين الحكّام البريطانيّين. ويتجلّى ذلك في اللقاءات الرياضية. وقد استمر اللقاء بين اليهود والعرب والبريطانيّين وغيرهم خلال الثلاثينيات والأربعينيات على أرض ملاعب كرة القدم واستمر ذلك حتى نهاية حقبة الانتداب تقريبًا. بالرغم من ذلك، فإننا نشهد أنه تمّ استخدام كرة القدم بصورة تدريجية وتصاعدية كأداة في الصراعات السياسية بين الفئات المختلفة في فلسطين.

 

لمن نسلم مدينة القدس؟

توضّح المقالة كيف تمت ظروف تسليم مدينة القدس في يوم 9 كانون الأول من العام 1917 للجنرال ألنبي.

 

الجنرال ألِنبي بالقرب من باب الخليل. سيدخل إلى المدينة الجنرال بيرغل.

تصوير: أريك ماطسون، مكتب الصحافة الحكوميّ

مع انسحاب القوّات العثمانية من القدس، خرج وفد رئيس البلديّة بنيّة تسليم المدينة للقوّات البريطانيّة. حاول رئيس البلديّة المرّة تلو الأخرى تسليم المدينة لكلّ جنديّ التقى به، إلّا أنّ الاستسلام هذا كان يُرفض دائمًا. هذه قصّة أطول يوم في حياة رئيس البلديّة، اليوم الذي تسبّب، على ما يبدو، بموته.

إحدى لحظات الذروة في المعركة البريطانيّة لاحتلال فلسطين كانت رمزيّة أكثر من كونها عسكريّة: احتلال القدس. التقدّم السريع للإمبراطوريّة البريطانيّة عن طريق سيناء، مرورًا بغزّة ووصولًا إلى مشارف القدس أثبت لقوّات الإمبراطوريّة العثمانيّة في المدينة أنّ الوضع العسكريّ لا أمل منه. تلقّت قوّات الإمبراطوريّة العثمانيّة الأمر: انسحاب تامّ من القدس سيتمّ في 9 كانون الأوّل 1917.

عند انسحاب القوّات العثمانية بسرعة من المدينة، نظّم رئيس البلديّة حسين سالم الحسينيّ وفد استسلام رسميًّا. مرّ رئيس البلديّة من المستعمرة الأمريكيّة في المدينة باحثًا عن مصوّر كي يوثّق الحدث. عندما عثر رئيس البلديّة على مصوّر المستعمرات هولس لارس لارسون، ناداه، “سوف أسلّم المدينة للإنجليز، أحضر الكاميرا”. أثناء السير في الطريق توقّفوا في المستشفى الإيطاليّ، قاموا بإزالة غطاء سرير أبيض من أحد الأسرّة ووصلوه بعصا مكنسة: جُهّزت راية الاستسلام!

 

أصبح كلّ شيء جاهزًا الآن ومعدًّا لمراسم الاستسلام، السؤال الوحيد الذي بقي هو: أمام مَن يتمّ الاستسلام؟

لمح الوفد في حوالي الساعة الخامسة قبل الصباح اثنين من الطهاة الإنجليز اللذين أُرسلا في المساء السابق لشراء البيض من القرية المجاورة فضلّا في طريق عودتهما إلى المعسكر. سارع الوفد الموقّر للاستسلام أمام الرمزيْن وقدّم لهما- كممثّلين للجيش البريطانيّ العظيم- كتاب التسليم وراية الاستسلام البيضاء: تحوّل هذا الوضع غير الطبيعيّ إلى أكثر غرابة عندما استدرك الرمزان ورفضا أن يقبلا كتاب الاستسلام. وطلبا من الوجهاء تأجيل ذلك عدّة ساعات وخرجا للبحث عن قائدهما للتشاور السريع- حتّى ذلك الوقت، لن تستسلم المدينة أمام الإمبراطوريّة الجديدة في المنطقة.

في حين كان الطبّاخان في طريق العودة إلى المعسكر، ظهرت فجأة ظهر أفراد من الدوريّة البريطانيّة مع بنادقهم المشهرة وطلبوا من أعضاء الوفد أن يعرّفوا بأنفسهم. تمالك رئيس البلديّة نفسه وحاول، للمرّة الثانية في ذلك الصباح الطويل، الاستسلام أمام ممثّليّ الجيش البريطانيّ العظيم- ولكنّهما رفضا، وطلبا من الوفد الانتظار حتّى وصول الجنرال ولكنّهما استجابا لإلحاح المصوّر ووافقا على التقاط الصور مع الوفد.  

وفد رئيس البلديّة مع اثنين من رجال الدوريّة اللذَين رفضا قبول الاستسلام، عن أرشيف مكتبة الكونغرس

بعد مضيّ عدّة ساعات على ذلك وصل الكولونيل ووطسون وتمّ التعريف به أمام رئيس البلديّة ورفاقه. اعتبر ووطسون نفسه جديرًا بهذا المقام ووافق على قبول كتاب الاستسلام. في ختام المراسم المستعجلة توجّه الكولونيل الذي كان يعاني من الزكام إلى المصوّر وسأله “أين بإمكاني الحصول على كوب من الشاي؟” ومن هناك توجّهت المجموعة إلى مستشفى “شعاري تسيدك”، لتناول الشاي والكعك احتفالاً باستسلام المدينة.

في اليوم التالي، أخذ المصوّر لارسون صور الاحتفال الخاصة بووطسون إلى مقرّ قيادة الجنرال مايور جون شاين في المدينة. من منطلق اعترافه بالأهمّيّة التاريخيّة للحدث الذي حضره، سأل لارسون الجنرال فيما يتعلّق بالطريقة اللائقة لنقل الصور إلى لندن. “أيّ صور؟” ردّ الجنرال مستغربًا، “هل تقصد الصور من الاحتفال الذي قرأت فيه البيان على مدرّجات برج داود(قلعة القدس)؟”. عندما سمع الجنرال شاين عن مجريات الأحداث من يوم أمس من المصوّر الذي قام بتوثيقها، غضب على الكولونيل ووطسون الذي قبل استسلام المدينة نيابة عن الجنرال ألِنبي وأمر المصوّر بالتخلّص من صور الاحتفال الذي شارك فيه ووطسون.  وأصرّ على أنّ مراسم الاستسلام الحقيقيّة كانت تلك التي جرت على درج قلعة داود.

بعد يومين من يوم الاستسلام الطويل، وصل قائد المعركة البريطانيّة في سيناء وفلسطين إلى القدس. عند مدخل باب الخليل نزل الجنرال إدموند ألِنبي عن جواده ودخل المدينة راجلًا، حتّى لا يُنظر إليه على أنّه مُحتلٌّ وصيّ وقاسٍ ينظر إلى سكّانها من على صهوة جواده.

ألغى ألِنبي على الفور جميع مراسم الاستسلام السابقة وطلب تنظيم مراسم استسلام ثالثة (أو رابعة، الأمر يتعلّق بكيفيّة العدّ) في حضوره. رفض رئيس البلديّة الحسينيّ المراسم النهائيّة بذريعة أنّه يعاني من التهاب رئويّ الذي ألمّ به خلال مراسم الاستسلام الطويلة قبل يومين من هذا الموعد.

الجنرال ألِنبي بصحبة ضبّاط من ثلاثة جيوش- الأمريكيّة، الفرنسيّة والإيطاليّة، يدخل راجلًا إلى القدس عبر باب الخليل. الصورة مأخوذة من مجموعة الصور الخاصّة بالمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

 

وهكذا، وفي ظلّ غياب رئيس البلديّة جرت مراسم استسلام مدينة القدس– شارك في المراسم الجنرال ألِنبي، ممثّلو الطوائف المختلفة في المدينة وبضعة آلاف من السكّان الذين وصلوا لرؤية الحكّام الجدد.

بعد عدّة أسابيع على ذلك، توفّي رئيس البلديّة حسين سالم الحسينيّ من جرّاء الالتهاب الرئويّ.

 

مراسم استسلام القدس للجنرال ألِنبي. الصورة مأخوذة من مجموعة الصور الخاصّة بالمكتبة الوطنيّة.