صوتٌ نسويٌ في يوم الثامن من آذار

اليوم، لن نكتب عن حقوق المرأة، ولن نطالب بحقوقها ولا بإنصافها ولا حتى بدفعكم للخروج لأجلها. بل سنكتب حول كيف قامت المرأة نفسها بذلك

الصورة مقتبسة من كتاب كريمة عبود : رائدة التصوير النسوي في فلسطين

الثامن من آذار.  في مثل هذا اليوم من السنة، يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي وفيه تخرج العديد من المظاهرات المطالبة بإنصاف المرأة، كما يكتب الكثيرون حوله، وكل ذلك في سبيل دعم المرأة وتعزيز فرص تمثيلها بسائر القطاعات بالمجتمع وإيصالها لمركزه بعيدًا عن الهامش الذي هو مكان الملايين من النساء حتى يومنا هذا.

اليوم، لن نكتب عن ذلك، ولن نطالب بحقوق المرأة ولا بإنصافها ولا حتى بدفعكم للخروج لأجلها. بل سنكتب حول كيف قامت المرأة نفسها بذلك؛ لن نكون بهذه المقالة سوى أداة لها، أداة من خلالها ستقوم هي بإيصال الرسالة التي تريد من المجتمع أن يقرأها -وبتمعن- قبل أن يقمعها، يقصيها، يستهزئ بقواها الذاتية والكامنة أو حتى يتجه لمحو صوتها فيه بالتهميش والعنف.

أنا كريمة عبود؛ أول مصورة في المجتمع العربي

ولدتُ بمدينة بيت لحم خريف عام 1893 لعائلة تنحدر من أصول لبنانية نزحت للناصرة. وأنا التي تعلمت بمدارس الناصرة والقدس وبيت لحم. بدأ حلمي بامتهان مهنة التصوير بالتحقق عندما بدأت بتعلم هذه المهنة لدى أحد المصورين الأرمن القاطنين في القدس (يُعرف الأرمن بامتهان الكثير منهم لمهنة التصوير خاصة في بداية القرن العشرين). كانت أول كاميرا وهي الأقرب إلي هدية والدي، والتي لم ألبث إلا وقصدت الكثير من الأماكن لأقوم بتوثيقها بكاميرتي الجديدة.

النساء كن دومًا هدفًا لي لتصويرهن وهذا ما دفعني لافتتاح أول استيديو للنساء في مدينة بيت لحم، فكن يأتين إلي لتصويرهن وهن يشعرن ببالغ السعادة لأنني كسرت حكر الرجال لهذه المهنة وبالتالي أتحت لهن الفرصة التي لم تكن متاحة لهن من قبل، إذ لم تكن تسمح التقاليد السائدة آن ذاك بأن يصور الرجال النساء وخاصةً المحجبات منهن.

أعلان للمصورة كريمة عبود في صحيفة الكرمل، صحيفة الكرمل بتاريخ 26 آذار 1924

أنا مي زيادة؛ خطيبة في الشعر والأدب

حياتي لم تكن سهلة ولا معبدة بالورود، وددت البدء بذلك حتى أقول لكن أيتها النساء، حتى لا تستلمن لمن هم حولكن. أنا مي زيادة، فلسطينية- لبنانية، ولدتُ في مدينة الناصرة لأب لبناني وأم فلسطينية. اسمي الحقيقي ماري إلياس زيادة ولكن اتخذت لنفسي اسم مي.

في هذه الحياة، تعلمت الكثير، فأتقنت تسع لغات: العربية، والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية واللاتينية واليونانية والسريانية، كما تعمقت بالأدب خاصة الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة. نشرتُ الكثير من المقالات بمعظم المجلات الأدبية المصرية. أما كتبي، فقد كان الأول عام 1911 ديوان شعر نشرته باللغة الفرنسية وأول أعمالي بالفرنسية كان بعنوان “أزاهير حلم”. وفيما بعد صدر لي “باحثة البادية” عام 1920، و”كلمات وإشارات” عام 1922، و”المساواة” عام 1923، و”ظلمات وأشعة” عام 1923، و”بين الجزر والمد” عام 1924، و”الصحائف” عام 1924.

مي زيادة، الصورة مقتبسة من ويكيبيديا

اسمي ساذج؛ كاتبة ومحررة صحيفة الكرمل

أنا لست كما تظنون، فحتى صوتي التحرري لا يزال مسموعًا اليوم كما كان في الصحافة المكتوبة. ولدتُ في مدينة حيفا وأنا إيرانية الأصل عروبية الهوى. تزوجتُ من الأستاذ نجيب نصار وكنت قبل ذلك أكتب المقالات وبعد زواجي أيضًا، لم أعتني بالمنزل فقط،  بل كتبت وشاركت في تحرير صحيفة الكرمل وإدارتها إلى جانب نجيب.

قبل ذلك حرضت وها أنا أحرض الأمهات مرة أخرى، أحرضهن على تربية أولادهن على أساس المساواة بين الولد والبنت، أن تعليم المرأة الفلسطينية وتوفير فرص العمل أمامها هدفًا وليس خيارًا، ودخول معترك الحياة السياسية هو واجب وليس خيار.

صحيفة الكرمل التي عملت بها ساذج نصار

نازك الملائكة؛ متمردة الشعر العربي

لعلكن تتساءلن، ماذا فعلت للمرأة العربية وماذا قدمت. إذا كنت سأجيبكن فستكون إجابتي طويلة ولذلك سأقول فقط كلمتين: الشعر الحر. هاتان الكلمتان هما اللتان أوصلنني إلى ما وصلت عليه ولم أصل صوت فقط بل صوتكن أنتن أيضًا. لقد كسرت الجمود كما أن بنية التجديد بالشعر لم تعد مقتصرة على الرجال؛ فأنا نازك الملائكة قد كسرتها بالرغم من السخرية التي تعرضت لها بالبداية إلا أن تلك السخرية جعلتني رائدة شعر الحر باللغة العربية. لقد ساهمتُ في أن يكون للمرأة الدور في رسم الشعر والأدب العربي. فلا تقبلن بما هو أقل من ذلك.

نازك الملائكة، مقتبس من موقع صحيفة القدس العربي

فقط أنتن مسؤولات

لو عادت كل تلك الشخصيات النسوية إلى الحياة، ماذا برأيكن ستكون رسالتهن إليكن؟ هل سيقلن لكن احتفلن بالعيد وخذن عطلة في المنزل، أم سيقمن بحثكن على المقاومة وأخذ زمام المبادرة من أيدي المجتمع والعالم لتقررن أنتن مصيركن وتكن فقط أنتن مسؤولات؟

لتعرفن الإجابة، في المكتبة الوطنية، تجدن العديد من الكتب والمصادر حول الشخصيات النسائية والتي يمكنكن البحث والإبحار بها

الخطة التي عُرضت على نابليون تُكشف: دولة لليهود بتمويل يهودي

الكثير الكثير من الوقت قبل هرتسل، تعرفوا على مخطط اقامة دولة لليهود في فلسطين

خلال مسيرة نابليون في فلسطين، عُرض عليه خطة عمل مفصلة لاقامة دولة يهودية في فلسطين. أساسها: “الممولين” يقيمون الدولة وخلال ذلك “ينزلون الضربة القاضية للعدو البريطاني.

ثمة وثائق في مجموعات المكتبة الوطنية والتي تتعلق بنشاطات نابليون بونابرت. الكثير من هذه الوثائق تعود لفترة مكوث بونابرت وجيشه في مصر وفلسطين (1789-1801).

في معرض “نابليون.. كان هنا” والذي افتتح قبل أسبوع في المكتبة الوطنية (نيسان 2017) تم عرض ولأول مرة شهادات، رسومات، خرائط وميداليات التي توثق المسيرة لمصر وفلسطين. المجموعة والتي هي جزء من الإرث المميز للمستشرق الكبير إبراهيم شلومو يهودا، اشتراه بنفسه حين بيع في ميزاد علني في لندن عام 19363.

من بين 1013 الملفات التي اشتراها، كان ليهودا اهتمام خاص بمكتوب واحد مميز، كان ذلك مكتوب جندي إيرلندي متمرد ذا توجه بروتاستنتي محافظ، كان اسمه توماس كوربيت، والذي بالشراكه مع أخيه انضما للجيش الفرنسي، وفي عام 1798 قاتل جنباً إلى جنب مع الفرنسيين ضد إيرلندا. مضمون المكتوب: مقترح عمل يؤدي لاقامة دولة يهودية في فلسطين، تقريباً مائة عام قبل أن تطرح هذه الفكرة على يدر ثيودور هرتسل.

من رسالة توماس كوربيت
من رسالة توماس كوربيت

 

الرسالة من 17 شباط 1798، أيام معدودة قبل أن يحاصر نابليون غزة، الرسالة موجه إلى فول باراس والذين وقف على رأس مجلس ادارته في باريس وكان مخلصاً لنابليون. في بداية رسالته يشير كوربيت أنه كتب إلى باراس لكونه صديق بونبارت، والذي ميز ابداع وتميزه، وبالتالي يقدم له خطة ولدت لديه باستلهام الجنرال نفسه، ويبدو من قوله أنه معني أن يصل الأمر إلى بونبارت.

قناة السويس: استعادة الشرق هدية الغرب

يستعرض المقال بداية نشوء فكرة حفر قناة السويس التي في بدايتها بدأت كفكرة غربية والتي حُفرت بأيادي مصرية ومن ثم تم تدشينها بتاريخ 17 تشرين الثاني من العام 1869

ربما هنالك بعض الفظاظة في عنوان المقال، الذي لا يأتي إلا ليلقي ظلاله على أكثر المواضيع أهمية في المنطقة الواصلة بين آسيا وأفريقيا ألا وهي قناة السويس، فسبب اختيارنا له هو بسبب عكسه للمضمون المطروح للنقاش؛ كيف أن هذه القناة الأكثر أهمية على مستوى العالم، والتي حُفرت بأذرع وسواعد مصرية قد فتحت عيون الغرب، وبالتحديد بريطانيا وفرنسا من أجل وضع اليد عليها واستغلالها لتطوير حركة النقل البحرية لهم.

من أجل تبيان ذلك، اخترنا (في ذات أسبوع الذكرى 150 عام على افتتاح القناة)  وسيلة الخرائط كأداة تبين أهمية القناة السويس وحيوتها للدول الكبرى آن ذاك.

حفر القناة فكرة قديمة جديدة

“برزخ السويس”، هكذا كان الاسم الذي يُطلق  على قناة السويس. هذه القناة التي لم تكن قبل نشأتها إلا ممرًا بين أفريقيا وغرب آسيا. ومن الجدير ذكره أن حفر القناة الحالية لم تكن المحاولة الأولى، بل سبقتها محاولات تمتد إلى زمن الفراعنة والفتح الإسلامي لمصر. بقي الوضع كما هو حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، عندما بدأت الاجتهادات الشخصية من بعض الباحثين والمهندسين المهتمين في حفر قناة تصل بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وقد كان من بين كل هؤلاء المهندس الفرنسي لامبرت، لينان دي بلفوند وموجيل اللذان كانا يعملان لدى الحكومة المصرية. كما كان هنالك أندرسون والأخوان جون وجورج جليدون. أما الشخصان الذي يعود فضل تأسيس قناة السويس فهما أنجلو مايكل نيجرلي وفرديناند دي ليسبس الذي قام بتأسيس شركة قناة السويس الذي تم شرعنته من خلال فرمان الخديوي نفسه والذي تمت كتابته باللغة التركية عام 1855.

قناة مصرية أم دولية؟

بالحقيقة، هذا تساؤل ربما يكون للكثير من الناس هو مجرد سؤال بسيط والإجابة عليه تكون بكلمة مصرية أو دولية؛ وإذا نظرنا عليه من هذا الجانب ستكون الإجابات تعاني من الاستقطاب بكون الذين يحملون الشعور القومي العربي والمصري سيقولون بأنها مصرية، أما من غير العرب والمصريين وبشكل خاص الغربيين سيقولون بأنها دولية (لضمان مصالحهم بالقناة)؟ لذلك، نحن سنتخذ اتجاهًا مخالفًا وسنذهب إلى تحليل الظروف التي كانت آن ذاك ومن ثم نترك الحكم للقارئ .

تعالوا معًا لنعود إلى البداية، من الصحة القول أن أغلب الباحثين والمهندسين الذين اهتموا بحفر القناة (منذ النصف الأول للقرن التاسع عشر) كأمثال دي ليسبس ونيجرلي. لكن، لا بد من التذكير بان هؤلاء كانوا يعملون بمعرفة وموافقة الحكومة المصرية بل ويصل الأمر إلى كونهم كانوا موظفين لديها.

خريطة طبوغرافية لمنطقة السويس. Lith. chezaud et fosset paris، أرشيف الخرائط في المكتبة الوطنية الإسرائيلية. ، تعود إلى العام 1859.

تشكل هذه الخريطة الطبوغرافية أحد وجوه الدور الأجنبي في التخطيط لحفر القناة، إذ انتقل الأمر من صعوبة إقامة الفكرة إلى الأمور اللوجستية ومن ثم الحفر، وهذا بالتحديد التي قامت به (على ما يبدو) شركة (chezaud et fosset paris)، فقد تم الانتهاء من رسمها عام 1859 في باريس. ولم يمض الكثير حتى تم البدء بتطبيقها وحفر القناة. وتم ذلك فقط بعد تقسيم الشركة إلى أسهم ومن ثم بيعها، فكانت حصة الأسد لفرنسا التي اشترت حوالي 52% ومن ثم مصر 44،2% وباقي الدول الأخرى 3،8%. وهذا يعني؛ أن المالكين الكبيرين لقناة السويس هما فرنسا ومصر، وباقي الدول لم تشكل حصصها إلا القليل بنسبة غير مؤثرة. وكانت هذه النسبة مستقؤة ببدايتها فقط (هنالك طريق طويل قامت من خلاله بريطانيا بشراء حصة مصر بتاريخ 26 تشرين الثاني عام 1875 لكننا لن نتطرق لهذا).
تدشين وافتتاح القناة

في العام 1863 توفي الخديوي سعيد وخلفه الخديوي إسماعيل، الذي كان محاضرًا ومسؤولاً عن حفل تدشين القناة، إذ تم الانتهاء من حفر القناة بعد مصاعب جليلة، سواء من جانب الباب العالي في الأستانة أو بسبب سياسات الخديوي التي أدت إلى سحب أكثر من 20 ألف عامل (لقد تم فرض تعويضات كبيرة على الحكومة المصرية بسبب ذلك).

وأخيرًا، حان وقت الافتتاح وتدشين القناة، لقد حانت اللحظة التي انتظرها الكثيرون، وللحقيقة انتظرها الغربيون أكثر بكثير من أية جهة أخرى، وهذا ما تم بتاريخ 17 تشرين الثاني 1869. لقد كان طول القناة يبلغ 161 كيلومترًا اجتازت خلالها القناة سهولًا وجبالًا ومستنقعات، قدمت من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر.

مشهد من قناة السويس يعود إلى العام 1869، المصدر: ويكيبيديا العربية

 

ربما لدينا وصلت القصة إلى نهايتها، لكن هذا لا يعني أبدًا أن قصة القناة شارفت على نهايتها، بل على النقيض من ذلك، إذا أن احتلال بريطانيا لمصر عام 1882 كان أحد أهدافه هي القناة ذاتها، ومن هناك تبدا قصة طويلة لا تنتهي إلا مع انتهاء حرب عام 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) والذي نتج عن قيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس.

صورة مميزة لقناة السويس بعنوان “خريطة سيناء الشمالية من القدس إلى قناة السويس، أرشيف عيران لئور للخرائط، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

المصادر التي تم أخذ الأفكار منها هي:

1- كتاب قناة السويس، لصاحبه المؤلف ارنستو كينيتز

2- كتاب قناة السويس في مئة عام، لصاحبه المؤلف الدكتور محمد عبد الرحمن برج

3- كتاب أضواء على قناة السويس، الملكية الفكرية لوزارة الإرشاد القومي المصرية

 

نادر: تفسير للمشناة- مخطوطة موسى بن ميمون (الرمبام)

تعد مخطوطة فسير المشناة لموسى بن ميمون إحدى الكنوز الفريدة من نوعها والموجودة ضمن مجموعات المكتبة الوطنية

​الكثير من الكنوز محفوظة في المكتبة الوطنيّة في القدس. أحد هذه الكنوز الفريدة من نوعها هو بلا شكّ مخطوطة تفسير المشناة لموسى بن ميمون بخطّ يد المؤلّف- ألا وهو موسى بن ميمون نفسه.

​صورة موسى بن ميمون على خلفية المخطوطة الأصلية المحفوظة في المكتبة الوطنية

يعتبر “تفسير المشناة” المؤلَّف الأكثر نضوجًا الأوّل الذي ألّفه موسى بن ميمون. وهو يقول إنّه بدأ في كتابته في سنّ الثالثة والعشرين وانتهى منه في سنّ الثلاثين في عام 1161م. يبدو أنّ موسى بن ميمون بدأ بالكتابة في المغرب بعد أن هرب من هناك مع أسرته خوفًا من رجال الموحّدين الذين احتلّوا جنوب إسبانيا. وواصل كتابة التفسير أثناء تولّيه منصب الحاخام وزعيم للجالية اليهوديّة المصريّة.

التفسير هو شرح لما ورد في التوراة الشفويّة مع التطرّق إلى الشريعة. أجزاء من هذا التفسير مثل، مقدّمة التفسير، مقدّمة لفصل الآباء وللفصل حيلك (“حيلك” هو اسم فصل “مشهور” من فصول السنهدرين) وهي كتابات فلسفيّة تُدرس كفصول هامّة في اللاهوت اليهوديّ.

يقتبس موسى بن ميمون من المشناة بلغة الأصل، ولكنّ التفسير ذاته مكتوب باللغة العربيّة بحروف العبريّة. وقد تُرجم مرّات عديدة إلى العبريّة وهو مطبوع في فصول المشناة وفي الطبعات الأخيرة للجمارا (التلمود).

حافظت أسرة موسى بن ميمون على المخطوطة (مع المخطوطات الإضافيّة لوالدهم) كما وأضافوا ملاحظات من جانبهم. بالإمكان رؤية ملاحظات ابنه الحاخام أبراهام المكتوبة بخطّ يده في غالبيّة صفحات التفسير، بالإضافة إلى ملاحظات ابن حفيده الحاخام داﭬيد رئيس الجالية اليهوديّة. هاجر الحاخام داﭬيد نفسه إلى سوريا وأخذ المخطوطة معه. استقرّت أسرته في مدينة حَلَب (مخطوطة حَلَب).

تنقّلت مخطوطتنا معهم. يبدو أن أفراد الأسرة قد افترقوا في مرحلة ما. من المرجّح أنّهم جميعًا أرادوا تذكارًا من ربّ الأسرة المشهور؛ فتقرّر توزيع المخطوطة وفقًا لترتيب فصول المشناة التي كتب التفسير حولها. ونحن نسمع عنها مرّة أخرى في كتاب أبكات روخيل (الحاخام يوسف كارو القرن الـ 16) في الإشارة 27.

“في كتاب العمل في أحكام الكفّارات الجزء 13 وفي تفسير المشناة الذي ألّفه المرحوم موسى بن ميمون بخطّ يد المؤلّف المقدّسة الموجود هنا اليوم مخطوطة حلب …”

في وقت لاحق، في مطلع القرن الـ 17، وصل كتاب الأضرار (وكما يبدو كتاب النساء أيضًا) من المخطوطة إلى يد زوجة أبراهام هكوهين دكنيس رحمها الله التي أهدته لذكرى زوجها وابنه إسحاق. كتبت المرأة الإهداء في الصفحة الأخيرة.

الإهداء من داخل المخطوطة المحفوظة في مكتبة بودليان في جامعة أكسفورد

إبراهام نفسه يظهر كصاحب مخطوطة أخرى من عام 1611 وهي موجودة في مكتبة في أكسفورد. توفّي أبراهام في وقت لاحق، ولكن ليس بعد سنوات الثلاثينيّات من القرن الـ 17، ذلك أنّ هذا الجزء من المخطوطة كان قد أصبح بأيدٍ أخرى.

في المقدّمة للجزء الأوّل للتفسير يكتب الحاخام شلومو، أحد أبناء أحفاد موسى بن ميمون، أنّه يهدي المخطوطة ابتغاء لمرضاة الله وللعائلة من جيل إلى جيل حتّى مجيء المنقذ المنتظر.

الإهداء للحاخام شلومو، أحد أتباع موسى بن ميمون، وهو موجود في المخطوطة المحفوظة في مكتبة بودليان في جامعة أكسفورد

كلّ مَن يرغب في الاطّلاع على النصوص فإنّه مدعوّ للقيام بذلك؛ لأنّ هذه هي إرادة المؤلِّف منذ البداية. ولكن “من يبيعها أو يمنحها من خلال الرهن فإنّه ملعون عند إله إسرائيل”.

الملعون عند إله إسرائيل”، مكتبة بودليان في جامعة أكسفورد

نحن نعرف مَن كان “الملعون عند إله إسرائيل”. أمر واحد مؤكّد. أحد ما باع المخطوطات. عمل إدوارد فوكوك ككاهن للجالية الإنجليزيّة في حَلَب بين العامين 1634-1630. وقد اشترى في تلك الفترة كتاب الأضرار والمقدّسات وأعادها معه إلى إنجلترا.

ونشر لاحقًا قسمًا من هذه الأشياء في كتاب صدر في عام 1655.

وفي وقت لاحق شغل المنصب نفسه في حَلب روبرت هنتينجتون. وقد تمكّن من الحصول على نظام الزروع من تفاسير المشناة. وقد باع هنتينجتون قسمه إلى جامعة أكسفورد في عام 1693 وفي العام نفسه اشترت الجامعة المجموعة الخاصّة بفوكوك وهكذا أصبح بحوزتها ثلاثة من تفاسير المشناة الستّة مع تفسير موسى بن ميمون بخطّ يده. لا نعرف شيئًا عن تفسير كتاب الطهارة. وقد اختفى مع مرور الوقت في أنحاء سوريا.

في مطلع القرن الـ- 20 اشترى الحاخام يعقوب موشيه طولادنو الجزأين من كتابيّ الموسم والنساء من المخطوطة من “شخص يهوديّ من العامّة” في دمشق. وقد باعهما في عام 1908 لأحد هواة الجمع المشهورين يدعى داﭬيد سليمان ساسون. المجموعة المثيرة للانطباع من المخطوطات والكتب اليهوديّة التي جمعها ساسون كانت معروفة لدى الباحثين. في سنوات السبعينيّات قرّر أحفاد ساسون بيع أجزاء من المجموعة، وفي عام 1975 عُرض جزآن من تفسير المشناة للبيع في المزاد العلنيّ التابع لـ Sotheby في سويسرا. كانت المكتبة الوطنيّة معنيّة جدًّا باقتنائها ولكن المبلغ المطلوب كان باهظًا جدًّا. وقد دعا وزير التربية والتعليم السابق أهارون يدلين منظّمات المتطوّعين، الممثّلين اليهود في الخارج، المتبرّعين من جميع المستويات والجمهور العامّ للمشاركة في اقتناء المخطوطات من مجموعة ساسون. وحينئذ تمّ شراء ثمانية موادّ منها، كان من ضمنها تفسير المشناة بخطّ موسى بن ميمون. تمّ تحويل المخطوطة للحفظ في مكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

ولكن كيف نعرف أنّ هذا هو خطّ يد موسى بن ميمون نفسه؟ ربّما أنّ هذا نسخ متأخّر لأحد التلاميذ أو أحد أفراد الأسرة؟

تفسر المشناه للحاخام موسى بن ميمون بخط يده

أوّلًا وقبل أيّ شيء آخر بالإمكان مقارنة الخطّ بخطّ موسى بن ميمون الذي يظهر في مقاطع من الجنيزة التي اكتشفت في القاهرة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ خطّ اليد الذي كُتب به تفسير المشناة يعجّ بالحذف والتصويبات. لنسأل أنفسنا من كان يتجرّأ على حذف أقوال موسى بن ميمون وتغييرها؟ الإجابة البسيطة هي- موسى بن ميمون نفسه فحسب.

تصويبات بخط يد موسى بن ميمون من المخطوطة المحفوظة في المكتبة الوطنية

هذه إذن هي الصيغة الأولى الشخصيّة لموسى بن ميمون. تحتوي هذه الصيغة على التصويبات في كلّ صفحة تقريبًا.

تصويبات بخط يد موسى بن ميمون من المخطوطة المحفوظة في المكتبة الوطنية

مع مرور الوقت قام موسى بن ميمون بإدخال تحديثات على المخطوطة مرّات عديدة. بعد المزيد من الاطلاع على المصادر العديدة قرّر أن يحذف أجزاءً وإدخال التصويبات. وقد أضاف أيضًا مراجع للمصادر للنصوص الأخرى التي كتبها بنفسه.

هذا كان أسلوب المؤلّف في الكتابة. وهو يوضّح ذلك في رسالة كان قد كتبها لتلميذه الحاخام يوسف ب.ر. يهودا:

“وهذا لا يعني أنّني لم أخطئ مطلقًا. ولكن، كلّ ما اتّضح لي بديلًا له تراجعت عنه دائمًا في كلّ شيء في مؤلّفاتي وطبعي”.

وكدليل على ذلك في مخطوطتنا، فإنّنا نرى في السؤال الذي طُرح على موسى بن ميمون الذي يظهر في فتاوى موسى بين ميمون التي ردّ فيها على أسئلة وجّهت إليه، الإجابة 217:

هل يتكرّم علينا سيّدنا بأن يشرح لنا صكّ جباية القرض (بروزبول) السابق واللاحق كيف يمكن أن نفهمه. إذ وجدنا أقوالك الكريمة في تثنية التوراة، وعكسها في تفسير المشناة. لو تكرّمت علينا، أيّ منهما هو الطريقة الصحيحة التي يمكننا الاعتماد عليها، وعسى أن يضاعف الله أجركم.

تفسير المشناه لموسى بن ميمون بخط يده

يوضّح موسى بن ميمون سبب التناقض بين اثنين من النصوص التي كتبها:

ما كتبناه في المؤلَّف هو الصحيح الذي لا شكّ فيه. وهكذا كتبنا في تفسير المشناة. وهذا الذي بين أيديكم، هو الصيغة الأولى التي خرجت من بين أيدينا قبل تدقيقنا وواصلنا هذا المقال بعد ما كتبه صاحب كتاب الفرائض الحاخام حافيتس رحمه الله وهو خطأ من جانبه، وفي ذلك الذي اقتفينا أثره، كان من جانبنا عدم اطّلاع. وبعد أن تمعّنا في النصوص ودقّقنا فيها، اتّضح وبان ما كتبناه في المؤلَّف، وهو الصحيح، وقمنا بتصحيح تفسير المشناة…

يوضّح موسى بن ميمون أنّ ما رآه السائل يظهر حقًّا في تفسير التوراة الشفويّة ولكن في ما بعد، تراجع موسى بن ميمون وغيّر المكتوب. رأى السائل الصيغة الأولى ولم يعرف أنّ موسى بن ميمون عدلَ عن رأيه. نحن، الذين بحوزتنا المخطوطة، يمكننا رؤية تخبّطات وقرارات موسى بن ميمون حسب ما تظهر في المخطوطة ذاتها.

هذا الكنز الهامّ المحفوظ ضمن مجموعة الكتب النادرة في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة بدأ طريقه في المغرب قبل حوالي 860 عامًا. اكتملت كتابته في مصر ومن هناك انتقل إلى حَلب في سوريا. انتقل قسم منه إلى دمشق، حيث تمّ شراؤه هناك وأُرسل إلى لندن. ونُقل إلى سويسرا للبيع في المزاد العلنيّ ومن هناك للفائزين المحظوظين- المكتبة الوطنيّة في القدس.