قناة السويس: استعادة الشرق هدية الغرب

يستعرض المقال بداية نشوء فكرة حفر قناة السويس التي في بدايتها بدأت كفكرة غربية والتي حُفرت بأيادي مصرية ومن ثم تم تدشينها بتاريخ 17 تشرين الثاني من العام 1869

ربما هنالك بعض الفظاظة في عنوان المقال، الذي لا يأتي إلا ليلقي ظلاله على أكثر المواضيع أهمية في المنطقة الواصلة بين آسيا وأفريقيا ألا وهي قناة السويس، فسبب اختيارنا له هو بسبب عكسه للمضمون المطروح للنقاش؛ كيف أن هذه القناة الأكثر أهمية على مستوى العالم، والتي حُفرت بأذرع وسواعد مصرية قد فتحت عيون الغرب، وبالتحديد بريطانيا وفرنسا من أجل وضع اليد عليها واستغلالها لتطوير حركة النقل البحرية لهم.

من أجل تبيان ذلك، اخترنا (في ذات أسبوع الذكرى 150 عام على افتتاح القناة)  وسيلة الخرائط كأداة تبين أهمية القناة السويس وحيوتها للدول الكبرى آن ذاك.

حفر القناة فكرة قديمة جديدة

“برزخ السويس”، هكذا كان الاسم الذي يُطلق  على قناة السويس. هذه القناة التي لم تكن قبل نشأتها إلا ممرًا بين أفريقيا وغرب آسيا. ومن الجدير ذكره أن حفر القناة الحالية لم تكن المحاولة الأولى، بل سبقتها محاولات تمتد إلى زمن الفراعنة والفتح الإسلامي لمصر. بقي الوضع كما هو حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، عندما بدأت الاجتهادات الشخصية من بعض الباحثين والمهندسين المهتمين في حفر قناة تصل بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وقد كان من بين كل هؤلاء المهندس الفرنسي لامبرت، لينان دي بلفوند وموجيل اللذان كانا يعملان لدى الحكومة المصرية. كما كان هنالك أندرسون والأخوان جون وجورج جليدون. أما الشخصان الذي يعود فضل تأسيس قناة السويس فهما أنجلو مايكل نيجرلي وفرديناند دي ليسبس الذي قام بتأسيس شركة قناة السويس الذي تم شرعنته من خلال فرمان الخديوي نفسه والذي تمت كتابته باللغة التركية عام 1855.

قناة مصرية أم دولية؟

بالحقيقة، هذا تساؤل ربما يكون للكثير من الناس هو مجرد سؤال بسيط والإجابة عليه تكون بكلمة مصرية أو دولية؛ وإذا نظرنا عليه من هذا الجانب ستكون الإجابات تعاني من الاستقطاب بكون الذين يحملون الشعور القومي العربي والمصري سيقولون بأنها مصرية، أما من غير العرب والمصريين وبشكل خاص الغربيين سيقولون بأنها دولية (لضمان مصالحهم بالقناة)؟ لذلك، نحن سنتخذ اتجاهًا مخالفًا وسنذهب إلى تحليل الظروف التي كانت آن ذاك ومن ثم نترك الحكم للقارئ .

تعالوا معًا لنعود إلى البداية، من الصحة القول أن أغلب الباحثين والمهندسين الذين اهتموا بحفر القناة (منذ النصف الأول للقرن التاسع عشر) كأمثال دي ليسبس ونيجرلي. لكن، لا بد من التذكير بان هؤلاء كانوا يعملون بمعرفة وموافقة الحكومة المصرية بل ويصل الأمر إلى كونهم كانوا موظفين لديها.

خريطة طبوغرافية لمنطقة السويس. Lith. chezaud et fosset paris، أرشيف الخرائط في المكتبة الوطنية الإسرائيلية. ، تعود إلى العام 1859.

تشكل هذه الخريطة الطبوغرافية أحد وجوه الدور الأجنبي في التخطيط لحفر القناة، إذ انتقل الأمر من صعوبة إقامة الفكرة إلى الأمور اللوجستية ومن ثم الحفر، وهذا بالتحديد التي قامت به (على ما يبدو) شركة (chezaud et fosset paris)، فقد تم الانتهاء من رسمها عام 1859 في باريس. ولم يمض الكثير حتى تم البدء بتطبيقها وحفر القناة. وتم ذلك فقط بعد تقسيم الشركة إلى أسهم ومن ثم بيعها، فكانت حصة الأسد لفرنسا التي اشترت حوالي 52% ومن ثم مصر 44،2% وباقي الدول الأخرى 3،8%. وهذا يعني؛ أن المالكين الكبيرين لقناة السويس هما فرنسا ومصر، وباقي الدول لم تشكل حصصها إلا القليل بنسبة غير مؤثرة. وكانت هذه النسبة مستقؤة ببدايتها فقط (هنالك طريق طويل قامت من خلاله بريطانيا بشراء حصة مصر بتاريخ 26 تشرين الثاني عام 1875 لكننا لن نتطرق لهذا).
تدشين وافتتاح القناة

في العام 1863 توفي الخديوي سعيد وخلفه الخديوي إسماعيل، الذي كان محاضرًا ومسؤولاً عن حفل تدشين القناة، إذ تم الانتهاء من حفر القناة بعد مصاعب جليلة، سواء من جانب الباب العالي في الأستانة أو بسبب سياسات الخديوي التي أدت إلى سحب أكثر من 20 ألف عامل (لقد تم فرض تعويضات كبيرة على الحكومة المصرية بسبب ذلك).

وأخيرًا، حان وقت الافتتاح وتدشين القناة، لقد حانت اللحظة التي انتظرها الكثيرون، وللحقيقة انتظرها الغربيون أكثر بكثير من أية جهة أخرى، وهذا ما تم بتاريخ 17 تشرين الثاني 1869. لقد كان طول القناة يبلغ 161 كيلومترًا اجتازت خلالها القناة سهولًا وجبالًا ومستنقعات، قدمت من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر.

مشهد من قناة السويس يعود إلى العام 1869، المصدر: ويكيبيديا العربية

 

ربما لدينا وصلت القصة إلى نهايتها، لكن هذا لا يعني أبدًا أن قصة القناة شارفت على نهايتها، بل على النقيض من ذلك، إذا أن احتلال بريطانيا لمصر عام 1882 كان أحد أهدافه هي القناة ذاتها، ومن هناك تبدا قصة طويلة لا تنتهي إلا مع انتهاء حرب عام 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) والذي نتج عن قيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس.

صورة مميزة لقناة السويس بعنوان “خريطة سيناء الشمالية من القدس إلى قناة السويس، أرشيف عيران لئور للخرائط، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

المصادر التي تم أخذ الأفكار منها هي:

1- كتاب قناة السويس، لصاحبه المؤلف ارنستو كينيتز

2- كتاب قناة السويس في مئة عام، لصاحبه المؤلف الدكتور محمد عبد الرحمن برج

3- كتاب أضواء على قناة السويس، الملكية الفكرية لوزارة الإرشاد القومي المصرية

 

السادات وبيجين: رجلا الحرب والسلام

مواجعة في الميدان ومصافحة عند السلام، بين السادات وبيجن

كلاهما يقفان، يقفان في مواجهة بعضهما البعض. لكن، هذه المرة ليست مواجهة في الميدان، إنما مواجهة من أجل إنهاء العداء والصراع والتوجه نحو أمل الحياة والمستقبل بالإضافة إلى العيش المشترك. هكذا وقف محمد أنور السادات أمام مناحيم بيجين ويتوسطهما الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.

لقد كان لهذه الصورة التي تم التقاطها أثرًا واسعًا في نفوس الكثيرين؛ ما بين مؤيد ومعارض لهذه الاتفاقية التي بموجبها قامت إسرائيل بالانسحاب من شبه جزيرة سيناء والتي أُطلق عليها استراتيجية “الأرض مقابل السلام”. وها نحن، بعد أربعين عامًا على توقيع هذه الاتفاقية، نستحضر لكم ألبوم الصور من مجموعة دان هداني الذي به وثق تلك اللحظات التي لم تكن يومًا لحظات عابرة، بل لحظات استوقف عندها التاريخ واندفع بعدها في الطريق التي رسمته حتى يومنا هذا.

في السادس والعشرين من آذار عام 1979، وفي تمام منتصف الظهيرة بتوقيت واشنطن، ومن أمام الحضور الواسع من الضيوف والصحفيين، قام كل من الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن بالتوقيع على نص معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية. وقد كان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر راعيًا لهذا التوقيع الذي أنهى حالة العداء والحرب بينهم.

وقبل استعراض بعض الصور، يجب علينا القول أن عملية التوقيع على اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية لم تكن وليدة اللحظة أو وليدة ذات السنة (1979)، بل تعود لحظة ذلك إلى مبادرة الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1977 في “استعداده” للقدوم إلى إسرائيل وإلقاء خطاب من على منبر الكنيست الإسرائيلي في القدس. وما هذه الصور إلا استعراض لتلك اللحظات التاريخية.

لحظة هبوط الطائرة الرئاسية لجمهورية مصر العربية في إسرائيل، بتاريخ 19 تشرين الثاني 1977. من مجموعة دان هداني. أرشيف المكتبة الوطنية

لقد سببت هذه الزيارة صدًا كبيرًا في أرجاء العالم العربي، وبالرغم من ذلك، صمم الرئيس السادات على المضي قدمًا في الطريق الذي اتخذه مسلكًا وهو الذهاب في مفاوضات لاستعادة شبه جزيرة سيناء وإنهاء حالة العداء مع إسرائيل. وها هو الرئيس السادات يقف على مدرج الطائرة وأمامه العشرات من مراسلي الصحافة والمصورين الذين يتهافتون من أجل التقاط الصور لهذه اللحظة الفارقة والتاريخية. لقد كان السادات أول رئيس دولة عربية يزور إسرائيل على العلن وأمام العالم كله.

لحظة وقوف الرئيس السادات على مدرج الطائرة في مطار اللد بتاريخ 19 تشرين الثاني 1977. من مجموعة دان هداني، أرشيف المكتبة الوطنية.

وكما العادة، تعد مدينة القدس محط أنظار الكثيرين وهذا الذي حدا بالسادات لزيارتها وإلقاءه لخطاب أمام الكنيست الإسرائيلي. وبمناسبة هذه الزيارة قامت بلدية القدس بتعليق الإعلانات المرحبة بقدومه والتي تمت كتابتها باللغات الثلاث؛ العبرية، العربية والإنكليزية.

“أهلاً وسهلاً في أور شليم- القدس أيها الرئيس السادات”

الزيارة الأولى للرئيس المصري إلى القدس عام 1977. من مجموعة دان هداني

من القدس إلى واشنطن

ما بين زيارة السادات إلى إسرائيل وتوقيعه لاتفاقية السلام استغرق ذلك قريب العامين، لكنه في النهاية قد تم التوقيع وبذلك وصلنا إلى الصورة الختامية لهذه الرحلة الطويلة؛ الرحلة التي لا تزال تنتظر الكثيرين ليقوموا بها حتى يعم السلام والتعايش بين الشعوب.


لحظات ما بعد توقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل وجمهورية مصر العربية في الولايات المتحدة الأمريكية.

لتصفح مجموعة الصور حول زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات إلى إسرائيل يمكنكم الضغط على رابط مجموعة دان هداني