نادر: تفسير للمشناة- مخطوطة موسى بن ميمون (الرمبام)

تعد مخطوطة فسير المشناة لموسى بن ميمون إحدى الكنوز الفريدة من نوعها والموجودة ضمن مجموعات المكتبة الوطنية

​الكثير من الكنوز محفوظة في المكتبة الوطنيّة في القدس. أحد هذه الكنوز الفريدة من نوعها هو بلا شكّ مخطوطة تفسير المشناة لموسى بن ميمون بخطّ يد المؤلّف- ألا وهو موسى بن ميمون نفسه.

​صورة موسى بن ميمون على خلفية المخطوطة الأصلية المحفوظة في المكتبة الوطنية

يعتبر “تفسير المشناة” المؤلَّف الأكثر نضوجًا الأوّل الذي ألّفه موسى بن ميمون. وهو يقول إنّه بدأ في كتابته في سنّ الثالثة والعشرين وانتهى منه في سنّ الثلاثين في عام 1161م. يبدو أنّ موسى بن ميمون بدأ بالكتابة في المغرب بعد أن هرب من هناك مع أسرته خوفًا من رجال الموحّدين الذين احتلّوا جنوب إسبانيا. وواصل كتابة التفسير أثناء تولّيه منصب الحاخام وزعيم للجالية اليهوديّة المصريّة.

التفسير هو شرح لما ورد في التوراة الشفويّة مع التطرّق إلى الشريعة. أجزاء من هذا التفسير مثل، مقدّمة التفسير، مقدّمة لفصل الآباء وللفصل حيلك (“حيلك” هو اسم فصل “مشهور” من فصول السنهدرين) وهي كتابات فلسفيّة تُدرس كفصول هامّة في اللاهوت اليهوديّ.

يقتبس موسى بن ميمون من المشناة بلغة الأصل، ولكنّ التفسير ذاته مكتوب باللغة العربيّة بحروف العبريّة. وقد تُرجم مرّات عديدة إلى العبريّة وهو مطبوع في فصول المشناة وفي الطبعات الأخيرة للجمارا (التلمود).

حافظت أسرة موسى بن ميمون على المخطوطة (مع المخطوطات الإضافيّة لوالدهم) كما وأضافوا ملاحظات من جانبهم. بالإمكان رؤية ملاحظات ابنه الحاخام أبراهام المكتوبة بخطّ يده في غالبيّة صفحات التفسير، بالإضافة إلى ملاحظات ابن حفيده الحاخام داﭬيد رئيس الجالية اليهوديّة. هاجر الحاخام داﭬيد نفسه إلى سوريا وأخذ المخطوطة معه. استقرّت أسرته في مدينة حَلَب (مخطوطة حَلَب).

تنقّلت مخطوطتنا معهم. يبدو أن أفراد الأسرة قد افترقوا في مرحلة ما. من المرجّح أنّهم جميعًا أرادوا تذكارًا من ربّ الأسرة المشهور؛ فتقرّر توزيع المخطوطة وفقًا لترتيب فصول المشناة التي كتب التفسير حولها. ونحن نسمع عنها مرّة أخرى في كتاب أبكات روخيل (الحاخام يوسف كارو القرن الـ 16) في الإشارة 27.

“في كتاب العمل في أحكام الكفّارات الجزء 13 وفي تفسير المشناة الذي ألّفه المرحوم موسى بن ميمون بخطّ يد المؤلّف المقدّسة الموجود هنا اليوم مخطوطة حلب …”

في وقت لاحق، في مطلع القرن الـ 17، وصل كتاب الأضرار (وكما يبدو كتاب النساء أيضًا) من المخطوطة إلى يد زوجة أبراهام هكوهين دكنيس رحمها الله التي أهدته لذكرى زوجها وابنه إسحاق. كتبت المرأة الإهداء في الصفحة الأخيرة.

الإهداء من داخل المخطوطة المحفوظة في مكتبة بودليان في جامعة أكسفورد

إبراهام نفسه يظهر كصاحب مخطوطة أخرى من عام 1611 وهي موجودة في مكتبة في أكسفورد. توفّي أبراهام في وقت لاحق، ولكن ليس بعد سنوات الثلاثينيّات من القرن الـ 17، ذلك أنّ هذا الجزء من المخطوطة كان قد أصبح بأيدٍ أخرى.

في المقدّمة للجزء الأوّل للتفسير يكتب الحاخام شلومو، أحد أبناء أحفاد موسى بن ميمون، أنّه يهدي المخطوطة ابتغاء لمرضاة الله وللعائلة من جيل إلى جيل حتّى مجيء المنقذ المنتظر.

الإهداء للحاخام شلومو، أحد أتباع موسى بن ميمون، وهو موجود في المخطوطة المحفوظة في مكتبة بودليان في جامعة أكسفورد

كلّ مَن يرغب في الاطّلاع على النصوص فإنّه مدعوّ للقيام بذلك؛ لأنّ هذه هي إرادة المؤلِّف منذ البداية. ولكن “من يبيعها أو يمنحها من خلال الرهن فإنّه ملعون عند إله إسرائيل”.

الملعون عند إله إسرائيل”، مكتبة بودليان في جامعة أكسفورد

نحن نعرف مَن كان “الملعون عند إله إسرائيل”. أمر واحد مؤكّد. أحد ما باع المخطوطات. عمل إدوارد فوكوك ككاهن للجالية الإنجليزيّة في حَلَب بين العامين 1634-1630. وقد اشترى في تلك الفترة كتاب الأضرار والمقدّسات وأعادها معه إلى إنجلترا.

ونشر لاحقًا قسمًا من هذه الأشياء في كتاب صدر في عام 1655.

وفي وقت لاحق شغل المنصب نفسه في حَلب روبرت هنتينجتون. وقد تمكّن من الحصول على نظام الزروع من تفاسير المشناة. وقد باع هنتينجتون قسمه إلى جامعة أكسفورد في عام 1693 وفي العام نفسه اشترت الجامعة المجموعة الخاصّة بفوكوك وهكذا أصبح بحوزتها ثلاثة من تفاسير المشناة الستّة مع تفسير موسى بن ميمون بخطّ يده. لا نعرف شيئًا عن تفسير كتاب الطهارة. وقد اختفى مع مرور الوقت في أنحاء سوريا.

في مطلع القرن الـ- 20 اشترى الحاخام يعقوب موشيه طولادنو الجزأين من كتابيّ الموسم والنساء من المخطوطة من “شخص يهوديّ من العامّة” في دمشق. وقد باعهما في عام 1908 لأحد هواة الجمع المشهورين يدعى داﭬيد سليمان ساسون. المجموعة المثيرة للانطباع من المخطوطات والكتب اليهوديّة التي جمعها ساسون كانت معروفة لدى الباحثين. في سنوات السبعينيّات قرّر أحفاد ساسون بيع أجزاء من المجموعة، وفي عام 1975 عُرض جزآن من تفسير المشناة للبيع في المزاد العلنيّ التابع لـ Sotheby في سويسرا. كانت المكتبة الوطنيّة معنيّة جدًّا باقتنائها ولكن المبلغ المطلوب كان باهظًا جدًّا. وقد دعا وزير التربية والتعليم السابق أهارون يدلين منظّمات المتطوّعين، الممثّلين اليهود في الخارج، المتبرّعين من جميع المستويات والجمهور العامّ للمشاركة في اقتناء المخطوطات من مجموعة ساسون. وحينئذ تمّ شراء ثمانية موادّ منها، كان من ضمنها تفسير المشناة بخطّ موسى بن ميمون. تمّ تحويل المخطوطة للحفظ في مكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

ولكن كيف نعرف أنّ هذا هو خطّ يد موسى بن ميمون نفسه؟ ربّما أنّ هذا نسخ متأخّر لأحد التلاميذ أو أحد أفراد الأسرة؟

تفسر المشناه للحاخام موسى بن ميمون بخط يده

أوّلًا وقبل أيّ شيء آخر بالإمكان مقارنة الخطّ بخطّ موسى بن ميمون الذي يظهر في مقاطع من الجنيزة التي اكتشفت في القاهرة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ خطّ اليد الذي كُتب به تفسير المشناة يعجّ بالحذف والتصويبات. لنسأل أنفسنا من كان يتجرّأ على حذف أقوال موسى بن ميمون وتغييرها؟ الإجابة البسيطة هي- موسى بن ميمون نفسه فحسب.

تصويبات بخط يد موسى بن ميمون من المخطوطة المحفوظة في المكتبة الوطنية

هذه إذن هي الصيغة الأولى الشخصيّة لموسى بن ميمون. تحتوي هذه الصيغة على التصويبات في كلّ صفحة تقريبًا.

تصويبات بخط يد موسى بن ميمون من المخطوطة المحفوظة في المكتبة الوطنية

مع مرور الوقت قام موسى بن ميمون بإدخال تحديثات على المخطوطة مرّات عديدة. بعد المزيد من الاطلاع على المصادر العديدة قرّر أن يحذف أجزاءً وإدخال التصويبات. وقد أضاف أيضًا مراجع للمصادر للنصوص الأخرى التي كتبها بنفسه.

هذا كان أسلوب المؤلّف في الكتابة. وهو يوضّح ذلك في رسالة كان قد كتبها لتلميذه الحاخام يوسف ب.ر. يهودا:

“وهذا لا يعني أنّني لم أخطئ مطلقًا. ولكن، كلّ ما اتّضح لي بديلًا له تراجعت عنه دائمًا في كلّ شيء في مؤلّفاتي وطبعي”.

وكدليل على ذلك في مخطوطتنا، فإنّنا نرى في السؤال الذي طُرح على موسى بن ميمون الذي يظهر في فتاوى موسى بين ميمون التي ردّ فيها على أسئلة وجّهت إليه، الإجابة 217:

هل يتكرّم علينا سيّدنا بأن يشرح لنا صكّ جباية القرض (بروزبول) السابق واللاحق كيف يمكن أن نفهمه. إذ وجدنا أقوالك الكريمة في تثنية التوراة، وعكسها في تفسير المشناة. لو تكرّمت علينا، أيّ منهما هو الطريقة الصحيحة التي يمكننا الاعتماد عليها، وعسى أن يضاعف الله أجركم.

تفسير المشناه لموسى بن ميمون بخط يده

يوضّح موسى بن ميمون سبب التناقض بين اثنين من النصوص التي كتبها:

ما كتبناه في المؤلَّف هو الصحيح الذي لا شكّ فيه. وهكذا كتبنا في تفسير المشناة. وهذا الذي بين أيديكم، هو الصيغة الأولى التي خرجت من بين أيدينا قبل تدقيقنا وواصلنا هذا المقال بعد ما كتبه صاحب كتاب الفرائض الحاخام حافيتس رحمه الله وهو خطأ من جانبه، وفي ذلك الذي اقتفينا أثره، كان من جانبنا عدم اطّلاع. وبعد أن تمعّنا في النصوص ودقّقنا فيها، اتّضح وبان ما كتبناه في المؤلَّف، وهو الصحيح، وقمنا بتصحيح تفسير المشناة…

يوضّح موسى بن ميمون أنّ ما رآه السائل يظهر حقًّا في تفسير التوراة الشفويّة ولكن في ما بعد، تراجع موسى بن ميمون وغيّر المكتوب. رأى السائل الصيغة الأولى ولم يعرف أنّ موسى بن ميمون عدلَ عن رأيه. نحن، الذين بحوزتنا المخطوطة، يمكننا رؤية تخبّطات وقرارات موسى بن ميمون حسب ما تظهر في المخطوطة ذاتها.

هذا الكنز الهامّ المحفوظ ضمن مجموعة الكتب النادرة في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة بدأ طريقه في المغرب قبل حوالي 860 عامًا. اكتملت كتابته في مصر ومن هناك انتقل إلى حَلب في سوريا. انتقل قسم منه إلى دمشق، حيث تمّ شراؤه هناك وأُرسل إلى لندن. ونُقل إلى سويسرا للبيع في المزاد العلنيّ ومن هناك للفائزين المحظوظين- المكتبة الوطنيّة في القدس.